الأحد، 29 ديسمبر 2013

تحليل سياسى : جوبا وإلزامية الحل السياسى لنزاعاتها الدامية - روان للإنتاج الإعلامي والفني

تحليل سياسى : جوبا وإلزامية الحل السياسى لنزاعاتها الدامية - روان للإنتاج الإعلامي والفني

إن الذى يجرى بدولة جنوب السودان وإن تعددت مسمياته ماهو إلا تعبير عن تلك الحالة الفصامية التى تعترى السياسى فى معظم بلدان العالم الثالث وخصوصا فى إفريقيا حينما يتواجه وبشكل حاسم بضرورة دفع إستحقاقات الشراكة السياسية بينه وبين مكونات حزبه أو بينه وبين القوى السياسية الناشطة فى بلاده ، وهى إستحقاقات التداول السلمى للسلطة والتغيير ، ومابين رياك مشار والرئيس سلفاكير لايعدو أن يكون إختلافا جوهريا حول تطبيق عدد من المواثيق واللوائح الملزمة على صعيد تنظيم العمل السياسى بالحزب داخل الحركة الشعبية وبالدولة فى مؤسساتها المختلفة .
يجىء الصراع المسلح المكشوف بين الفريق سلفا ونائبه السابق دكتور مشار فى توقيت غير مواتى من الناحية السياسية ويعكس مدى تباعد وجهات النظر حول العديد من القضايا فى داخل دولتهم فى جانبها الذى يتعلق بالعلاقات الخارجية مع دول الجوار والمجتمع الدولى ، وعلاقات الخرطوم وجوبا تقف فى أول هذا المشهد السياسى المحتدم لإرتباطها بخلل أمنى قائم وبصورة شاذة حاولت إتفاقية السلام الشامل تداركه إلا أن السياسيين يبحرون فى إتجاه المصالح السياسية الآنية على حساب مصلحة شعبهم فى داخل دولة جنوب السودان ، ونعنى مسألة فك إرتباط الفرقتين التاسعة والعاشرة بجنوب كردفان والنيل الأزرق .
الإشارة التى تم إلتقاطها مع وصول أول فوج من اللاجئين الجنوبيين وهم يدخلون ولاية النيل الأبيض ، كانت أن هذه العلاقات الإجتماعية التأريخية التى تربط بين دولتىّ السودان لم يتم التعامل معها كماينبغى من الناحية الأخلاقية ، وأزمة الثقة التى ظل يتحدث عنها كثير من القياديين بالحركة الشعبية لاترفى على مستوى الواقع الماثل فى حاجة هؤلاء الناس داخل جنوب السودان لمواصلة حياتهم الإعتيادية وفقا للعلاقات التكاملية الإقتصادية التى تربطهم بأخوتهم فى الشمال وأن الرؤى السياسية التى وضعت تلك الحدود الملتهبة بين البلدين لم تكن مصنوعة بأيدى الأهالى أو من يمثلهم فى البلد .
كيف تتجاوز الحركة الشعبية فى جوبا عقبة التمثيل القبلى فى توزيع السلطة والثروة ، هو سؤال يبحث الوسطاء عن إجابات وسطية له ، ولايجهل المراقب واقع أن التأثير القبلى على مجريات صناعة القرار السياسى فى معظم الدولة الإفريقية يلعب دورا كبير أهم كثيرا مماتلعبه المؤسسات التشريعية فيها ، وفى جنوب السودان الأمر ليس إستثناءا ، لأن الحسم العسكري التى تم كما وصفه البعض بأنه كان على أساس (الوشم القبلى ) والذى خلف أكثر من 3000 ضحية فى بور وبانتيو وغيرها ، هو الخيار الأول فى مثل هذه الأحوال لأن القائد القبلى مهما كانت (درجة وعيه وثوريته ) يظل رمزا قبليا أوحدا .
بحسب وكالات الأنباء الدولية ، إجتهد الوسطاء الأفارقة فى تحقيق وقفا لإطلاق النار غير مشروط زمنيا ، لكنهم لم يتمكنوا من تحديد نقاط النزاع التى سيتم على ضوءها إيجاد حلول سياسية مستدامة للصراع على السلطة فى جنوب السودان ، وهنالك خلل منهجى كبير فى إدارة هؤلاء الوسطاء للأزمة فى الجنوب فى عدم (إستصحابهم لمجلس التحرير ) الذى هو أعلى دستوريا من سلطة الحكومة فى جوبا ، وبالرغم من أن هذا المجلس لايعمل بالفعالية التى كان عليها إبان حياة مؤسس الحركة دكتور جون قرنق ، إلا أنه يمثل مرجعية وطنية تجمع كل ألوان الطيف الجنوبى ويتمكن أعضاءه من حسم خلافاتهم داخليا .
وقياسا على أن الحركة الشعبية الأم فى جوبا لم تتمكن من إحتواء إختلافاتها السياسية فى داخل البيت الجنوبى ، فإن مستقبل الديمقراطية والتداولى السلمى للسلطة فى هذا البلد سيكون مرتهنا (لقوى القبلية والإستقطاب العشائرى ) ممايجعل هذه المجموعات السكانية فى المجتمع الجنوبى (محتفظة بحق رد الإعتبار ) فى أى سانحة أخرى وما أكثرها فى ظل غياب التنمية الكلية والبنى التحتية للإقتصاد التى كان أجدر بقادة الحرب الأهلية فى جوبا وضعها كأولوية قبل التفكير فى كرسى الحكم المفخخ بوجوده دائرا فى محاور خارجية لها أيضا أولوياتها المنفعية فى إستغلال الموارد الطبيعية البكر هناك .
هناك بعضا من حلول سياسية بيد الخرطوم ، وكثير من النقاط الرأسية فى خط المصالحة الوطنية بيد الولايات المتحدة الأمريكية ، لكن يبقى الخيار بيد الجنوبيين أنفسهم ، فهم نجحوا فى حال توحدهم فى السابق من إدارة ملف بلادهم حربا وتفاوضا حتى نالوا حق الإستفتاء وتقرير المصير بإرادتهم ، ويتوجب عليهم أن يعيدوا النظر فى علاقات السلطة بالكيان الحزبى والحركى على أسس دستورية تطرد نزاع الإستقطاب القبلى لصالح الموضوعية فى تقدير مصلحة شعوب جنوب السودان التى لطالما أنهكتها الحروب والوعود الكثيرة بمجىء أوان الكفاية الإقتصادية لإستشراف غد يتوفر فيه سلاما وأمنا مستداما .
تحليل سياسى : بقلم محمد حسن رابح المجمر
نقلا عن جريدة الصحافة 29ديسمبر 2013م .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق