الاثنين، 24 أكتوبر 2011

أخطار البث الإعلامي المباشر على الإسلام وطرق مقاومته (1)

::::روان الاخبــار:::

أخطار البث الإعلامي المباشر على الإسلام وطرق مقاومته (1)
المصدر:د. محمد عبدالعزيز إبراهيم داود .... الالوكة

الاثنين:Oct 17, 2011
بسم الله الرحمن الرحيم



الحمدُ لله الذي أرسَل رسولَه بالهدى ودِين الحقِّ ليُظهِره على الدِّين كلِّه ولو كَرِهَ المشركون، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وعَد عبادَه المؤمنين بالنصر والفتْح المبين على أعْدائِه الكافِرين.

وأشهدُ أنَّ سيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله الصادق الأمين، المبعوث رحمةً للعالَمين، فصَلاةُ الله وسَلامُه عليه وعلى أصحابه ومَن اتَّبع سُنَّته وأخلَصَ له ودافَع عنه إلى يومِ الدِّين.



أمَّا بعدُ، عزيزي القارئ:

لقد خلق الله الإنسانَ في أحسن تقويم، ومنَحَه العقلَ الذي يُفكِّر به، واللسان الذي ينطِق به، وأودَعَ بين حَنايا قلبه وخلجات نفسه المشاعرَ والأحاسيس التي تسمو به على الأجناسِ الأخرى التي تتعايَشُ وتتعامَلُ معه على ظهْر الأرض؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70]، هذا التكريم والتفضيل ليس لكَوْن الإنسان يأكُل أو يتَناسَل، فهذه في حقِّه وسائلُ لتحقيق غاياتٍ أسمى وأهدافٍ أنبَل، ولكنْ كُرِّمَ الإنسانُ بأفضل ما أودَعَه الله فيه، وهو العقلُ.



والعقل في اللغة[1]: "الحجر والنُّهى، ضد الحمق، والجمع عُقول، ورجل عاقل: وهو الجامع لأمره ونهيه.

وقيل: العقل: الذي يحبس نفسَه ويردُّها عن هَواها أُخِذَ من قولهم: قد اعتقل لسانه، إذا حُبِسَ ومُنِعَ من الكلام، وقيل: سُمِّي عقلاً لأنَّه يعقل صاحبَه عن التورُّط في المهالك؛ أي: يحبسه.

وقيل: العقل التثبُّت من الأمور.

وقيل عنه أيضًا: إنَّه التمييز الذي به يتميَّز الإنسان عن سائر الحيوان".



فالعقل هو: مركز التدبير، ومحور التفكير، ومَناط التكليف، وعَلامة التمييز، وإليه تتوجَّه دَعواتُ الأنبياء والمرسَلين لعبادة ربِّ العالمين، وشطرَه يهمس الشياطين من الإنس والجن بالانحِراف عن الصراط المستقيم.



فلقد خلَق الله الإنسان مُكوَّنًا من:

1- حكمة العقل والتفكير.

2- عواطف القلب ومشاعر الوجدان.

3- شهوتَيِ: البطن والفرج.



وليس من مصلَحَةِ الإنسان أنْ يُسَيطِرَ أمرٌ من هذه الأمور على الآخَر، وإنما الخيرُ كل الخير أنْ تبقى هذه العناصرُ مجتمعةً في تناسُقٍ واتِّزانٍ وتعادُل دقيق تُحدِّد طرق السَّيْر واتِّجاه الهدف وفْق فِطرة الله التي فطَر الخلْق عليها؛ قال - تعالى -: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].



والعقل إنْ لم ينشَأْ ويترَعرَعْ بين ظِلال الوحي الإلهي، فإنَّه يحطم نفسه ويُدمِّر الإنسانيَّة التي يقودُها، كما يحدُث في هذا العصر حينما تخلَّص العقلُ من سَيْطرة الدِّين عليه، وابتعد عن رِحابِه، واستقى عُلومه الاجتماعيَّة ونظُمَه الثقافيَّة والاقتصاديَّة من ينابيع آسِنَة ومصادر بشريَّة تتلاعَبُ به وتُزيِّن له طُرُقَ الشرِّ من خِلال الغزو الإعلامي المباشر وغير المباشر، وقد بدَأ غزوُ العقل الإنساني وتسميمُ الفكر البشري ودفعه بعيدًا عن الحق والصواب منذُ أنْ خلَق الله آدمَ - عليه السلام - وأمَر الملائكة بالسُّجود له؛ تعظيمًا لخلقه وتسليمًا بحكمته، فامتثَلُوا لأمره - سبحانه وتعالى - ما عدا الشيطان الذي أرغى وأزيد واستنكَفَ وتكبَّر وتولَّى وأعرض وتوعَّد...



فأُهبِطَ من الجنَّة صاغرًا؛ قال - تعالى -: ﴿ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الأعراف: 13 - 18].



ومنذُ هذا التاريخِ بدَأَ الشيطان يغزو عقلَ الإنسان ويعبَثُ بفِكره، وكان أوَّل تسلُّل بجَح فيه ومكَّنه الله منه لحكمةٍ ساميةٍ هو غزوُه آدمَ وحوَّاءَ - عليهما السلام - الوسوسة لهما بالأكْل من الشجرة رغم تحذيرِ الحقِّ - سبحانه وتعالى - لهما؛ قال - تعالى -: ﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 19 - 21].



فمنذ بدْء الخليقة ارتَكَز غزْوُ العُقول من قِبَلِ شَياطين الإنس والجن على قاعدتين:

القاعدة الأولى:

الوسوسة: جاء في "لسان العرب"[2]: الوسوَسَة والوسواس: الصوت الخفيُّ من ريحٍ أو صوتٍ جلي.

الوسوسة والوَسواس: حديث النفْس.

يُقال: وسوسَتْ إليه نفسُه وسوسةً ووسواسًا، والوَسواس بالفتح هو الشيطان.



وجاء في "المصباح المنير"[3]: الوَسواس بالفتح مرضٌ يحدُث من غلَبَة السوداء، يختلط معه الذهن، ويُقال لما يخطر بالقلب من شرٍّ ولما لا خيرَ فيه: وسواس.



هذا، ولقد تطوَّرت أساليبُ الوسوسة عبْر التاريخ حتى بلَغتْ ذروتها وتفاقَم خطَرُها من خِلال البثِّ الإعلامي؛ سواء المباشر أو غير المباشر كما سنُوضِّح بين ثنايا هذا البحث - إنْ شاء الله.



القاعدة الثانية:

أنَّ غُزاة العُقول من الإنس والجن يرتَدُون رِداء الصَّداقة، ويتقنَّعون بأقنعة النُّصح، ويُقسِمون بأغلظ الأيمان أنَّهم دُعاة العلم ورسل الثقافة، ولا أدلَّ على تغريرهم بالشُّعوب من أنهم أطلَقُوا على احتِلال الأوطان ونَهْبِ الثَّروات ومسْخ الأخلاق لفظ "استعمار"، والأولى أنْ يُطلَق عليه "استخراب"، وهذا ما أشارَ إليه القرآن الكريم في قوله - تعالى -: ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 21].



فقد دلف إلى عقلَيْهما وتسلَّل إلى قلبَيْها من بابي: غريزة الملك والتملُّك، وغريزة حبِّ البقاء والخلود، فخدعهما وغرَّر بهما وهو يرتَدِي ثوبَ الناصح الأمين كما أخبر القُرآن الكريم في أكثر من موضعٍ.



ومنذُ فجر التاريخ الإنساني أصبَحَ العقلُ البشري ميدانًا لدعوات المرسَلين ومِضمارًا لوسوسة الشياطين، يسمو ويَرقَى ويتألَّق كلَّما استَضاء بنور الوحي الإلهي، ويكدر ويهوي في ظُلُماتٍ سَحِيقةٍ كلَّما أصغَى لشياطين الإنس والجن.



واستمرَّ هذا الصِّراع بين الخير والشر لا ينطفئ لهيبُه ولا تخمد جذوته، يتعاقَبُ قرنًا بعد قرنٍ يحمي وطيسه ويشتدُّ رحاه بين رسالات الأنبياء والمرسلين وبين دعوات الشياطين، حتى خُتِمت الدعوات والنبوَّات بخير حلْق الله، وخاتم رُسُلِ الله، سيِّدنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم.



وخِلال مَراحِل الدعوة في مكَّة والمدينة كان عقل الإنسان وقلبُه ميدانًا لمعركةٍ ضاريةٍ بين جُند الرحمن وأتْباع الشيطان تعرض الإسلام والمسلمون لشتَّى أساليب الغزو الفكري لتضليل العُقول وحجب نوره عن البشر، ولقد تحدَّث القُرآن الكريم عن دَعاوى أعداء الإسلام وأبطل مَزاعمهم وفنَّد حُجَجَهم، وحينما حاصَرَهُم الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن أشعَلُوا نارَ الحرب، فكانوا أوَّل مَن احترق بلَظاها وانهزم في ميدانها، ولم يمضِ سوى أقل من نصف قرنٍ إلا والإسلام يجتثُّ الكُفر من جُذوره، ويُزَلزِلُ الأرض من تحت أقدام أعتَى أمم الكُفر دولتي: الفرس والروم، وينتَزِع منهما إلى الأبد ممالكَ في آسيا وإفريقيا، ويَعبُر إلى أوروبا عبْر الأندلس وجزر البحر الأبيض المتوسط، وتصلُ الجيوش الإسلاميَّة إلى مَشارِف روما عام 231هـ - 846م، فارْتاع البابا واهتزَّت أوروبا، ثم عاوَد المسلمون الكرَّة عام 256هـ - 870م، واستنجَدَ البابا حنا الثالث بملوك أوروبا، واضطرَّ لدفع جِزية المسلمين.



وشعَر قياصرة أوروبا وباباواتها أنَّ يدَ الإسلام تمتدُّ إليهم تُطوِّق عنق النصرانيَّة التي امتزجَتْ بالوثنيَّة الرومانيَّة، فاجتمعت تحت راية الصليب في حربٍ صليبيَّةٍ حاقدة استمرَّت قرنَيْن من الزمان، دارَتِ الدائرة على المسلمين بسبب تفرُّقهم وصِراعهم فيما بينهم، فاحتلَّت جيوشُ الكفر بيتَ المقدس، وتكوَّنت عدَّة إمارات صليبيَّة في دِيار المسلمين، ولكنَّ هذا لم يَلبَثْ طويلاً فلقد توحَّد المسلمون تحت قيادة القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله - الذي هزَم الصليبيين في موقعة حطين، واستردَّ بيت المقدس، ورجعت جيوشُ أوروبا تُضمِّد جِراحَها وتعيدُ حِساباتها لجولةٍ جديدة، وبدَأتْ تلك الجولة على أسنَّة رِماح الخلافة العثمانيَّة التي انتزَعتْ من الدولة الرومانيَّة ما تبقَّى لها من ممالك في آسيا وإفريقيا، ثم تعقَّبت الروم حتى قلْب القارَّة الأوروبيَّة، ففتحت القسطنطينيَّة عاصمةَ دولة الروم البيزنطيَّة عام 857م - 453هـ، وكان لسُقوطها في أيدي المسلمين دَوِيٌّ هائلٌ في العالم، ترَك آثارًا داميةً وحقدًا دفينًا وغلاًّ أسودَ ينفث تآمُرًا وعدوانًا مستمرًّا على الإسلام والمسلمين، وما أحداث البوسنة والهرسك في هذه الأيَّام ومُلاحَقة الإسلام في كلِّ مكانٍ إلا صورة من صُوَرِ حقد أوروبا على الإسلام والمسلمين.



وقد استقرَّ في وجدان أوروبا أنَّه لا طاقةَ لها بدِيار المسلمين ما داموا يعتَصِمون بدِينهم؛ عقيدةً وشريعةً وأخلاقًا ومعاملةً، وأنَّ عقيدة الإسلام في السبب الرئيس في انتصاراتهم، وأنَّ الصَّيْحة في سبيل الله تدفَعُ المسلمين إلى إحدى الحُسنيَيْن: النصر أو الشَّهادة.



ومن ثَمَّ اتَّجه أعداءُ الإسلام إلى هَدْمِه في عَقائده وعِباداته ونظمه، وتجزئة المسلمين وإشعال نار الفتنة بينهم؛ بإثارة النَّعرات القوميَّة والوطنيَّة، وتشويه صُورة الإسلام بربْطه بكلِّ صُوَرِ التخلُّف، وإيهام المسلمين أنَّ الخير كل الخير في التعلُّق بالحضارة الغربيَّة واقتباس نظمها وشرائعها، ولقد كانت الأداة التي ساعَدتْ أوروبا على ذلك في الغزو الثقافي من خِلال: العلم - الثقافة - الفن - الصناعة - الاقتصاد - الإعلام.



حيث تضافَرتْ هذه الأمورُ لانتِزاع المسلم من تحت أقْدام الحضارة الغربيَّة جسدًا واهنًا ضعيفًا، وعقلاً عليلاً مريضًا، لقد ساعَد أوروبا على ذلك التقدُّمُ العلمي المذهل في مختلف العلوم، والتطوُّر الهائل في وسائل الاتِّصالات والمواصلات؛ حيث استُخدِم هذا كلُّه في مكرٍ وخبثٍ ودَهاء لتحقيق مَآرِبهم في العالم الإسلامي مُقابِلَ هذا ضعْف المسلمين وتخلُّفهم العلمي وتسوُّلهم العلومَ والمخترعات من الغرب، وربْط أنظمتهم السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة بالنَّمَطِ الأوروبي يُساعِدُ هذا الرَّبط ويُقوِّيه البثُّ الإعلامي المباشر كما سنُوضِّحه - إنْ شاء الله.



وقد اتَّجهت دُوَلُ الكفر شرقًا وغربًا إلى غزْو العقول بديلاً عن الغزْو العسكري التي مارسَتْه قُرونًا عديدةً وانهزمت مُعظَمَ الأحيان في ميدانه للأسباب التالية:

1- أنَّ الغزو الفِكري بوسائل الإعلام يتسلَّل إلى العقل والفِكر دُون أنْ يَشعُر به أحدٌ، بخلاف الغزو العسكري؛ فإنَّه يُثِيرُ غضَب الشُّعوب واشمِئزاز العالم، وله وقع مُدَوٍّ ولا سيَّما مع التقدُّم العلمي في وسائل الاتِّصالات والمواصلات التي تنقل صُوَرَ الحرب المدمِّرة مباشرةً.

2- أنَّ الغزْو الثقافي يتفادَى كلَّ أسباب المقاومة؛ فهو يَسرِي إلى العقل والمشاعر والعواطف دُون مُقاوَمةٍ ولا سيَّما حينما تَضعُف عقيدةُ المسلم.

3- أنَّ الغزْو الإعلامي غير مُكلَّف كالجيوش العَسكريَّة، بل على العَكس؛ هو مصدر ثروة هائلة من خِلال بيع التقنية العلميَّة والبرامج الإعلاميَّة للدول النامية، فهو يُدمِّر العقول وينهَبُ الثروات.

4- تنوُّع وَسائل الإعلام الحديثة وكثرتُها وتعدُّد أساليبها وتشعُّب طرقِ غزوِها للعُقول والتسابُق فيما بينها لاحتواء الإنسان وخُضوعه التام لما بسمعه أو يُشاهِده، وهي الوسائلُ الإعلاميَّة التالية: الصحافة، السينما، المسرح، الفيديو، الأشرطة المسموعة والمرئيَّة، غير أنَّ أهمَّها ما يلي:



1- الإذاعة:

هي اختراعٌ تَمَّ على يد العالم الإيطالي "ماركوني" الذي تمكَّن من نقْل الأصوات من مكانٍ إلى آخَر من غير واسطةٍ ماديَّة أو محسوسةٍ، فقد استَغنى عن الأسلاك النحاسيَّة واخترع جهازَيْن: أحدهما يُحوِّل الذَّبذبات الصوتيَّة إلى ذَبذبات كهربائيَّة تَسرِي في الغِلاف الخارجي للأرض، والآخَر يلتَقِطُ هذه الذَّبذَبات الكهربائيَّة ويُعِيدُها سِيرتها الأولى، ويمكن للآذان أنْ تسمَعَها عن طريق مُكبِّر الصوت"[4].



وقد تلقَّى العلماء هذا الاختراع وأخَذُوا في تطويرِه وتحسينه، وكانت أوَّل إذاعةٍ عرَفَها العالم هي إذاعةُ نتائج المعركة الانتخابيَّة في ولاية ميتشجان الأمريكيَّة في الحادي والثلاثين من أغسطس عام عشرين وتسعمائة وألف ميلاديَّة، ولقد عرَفتْ مصر الإرسال الإذاعي عام اثنين وثلاثين وتسعمائة وألف، وظلَّت الإذاعة منذُ هذا التاريخ أخطر وسائل الإعلام، ولا سيَّما مع تطوُّر جهاز الراديو إلى أنْ وصَل إلى أقلَّ من حجم الكفِّ (الترانزستور)، يُدار حيث يُدار مُؤشِّره، فينتقل العالم بأسْره وعلى اختِلاف عَقائده وثقافته وأخلاقه إلى سمْع الإنسان.



وكان للإذاعة دورٌ خطيرٌ في حَياة الأمم؛ سِلمها وحربها، وكانت من أمضَى أسلحة الغزو الفكري للأسباب التالية:

1- أنَّه يستمع إليها المتعلِّم والعامِّيُّ، والصغير والكبير، والرجل والمرأة.

2- أنها تخترقُ الأوطان وتَعبُر الحدود دُون مَوانِع.

3- قلَّة تكلفتها الماديَّة، فثَمَنُ جِهاز الراديو في مُتَناوَل أقلِّ الناس دَخْلاً ماديًّا.

4- سُهولة الاستِعمال؛ حيث يستطيع الإنسان أنْ يستمع إليه وأنْ ينتقل معه في أيِّ مكان.

5- عدَم وُجود رَقابةٍ على ما يُذاع، وفي إمكان المستمع أنْ يتحوَّل من إذاعةٍ إلى أخرى دون حسيبٍ أو رقيبٍ.

6- التنافُس بين الإذاعات العالميَّة أو بين الإذاعات المحليَّة في اجتِذاب السامع بِمُختلف الأساليب المباح منها والمحرَّم، مع امتِداد ساعات البثِّ الإذاعي أربعةً وعشرين ساعةً يوميًّا.



2- الإذاعة المرئية (التلفاز):

الإرسال التلفزيوني يقومُ بتحويل الموجات إلى صُوَرٍ مرئيَّة لها صِفات الصوت والصورة، وكلمة (تلفزيون) مُكوَّنة من مقطعَيْن (tele) ومعناها: بُعدٌ، (vision) ومعناها: الرؤية، وبذلك تكونُ كلمة (التلفزيون) هي: الرؤية من بُعدٍ، وحين دخَلتِ الكلمة إلى العربيَّة أصبحت تُدعَى "المرناة أو الإذاعة المرئيَّة"[5].



"وقد بدَأتْ معدَّلات إنتاج التلفاز عام 1920، وفي عام 1927 بدَأ الإرسال التجريبي، وفي عام 1951 بدأ إرسال التلفزيون الملوَّن، وفي عام 1962 أطلقَتْ أمريكا القمر الصناعي تليستار، وفي عام 1968 بدَأ إنتاج الفيديو، وفي عام 1989 بدَأ البث التلفزيوني المباشر"[6].



هذا، ولقد تطوَّرَ التلفاز من بثِّ إرسالٍ باللونين: الأبيض والأسود، إلى بثِّ الإرسال الملون الذي يحمل كلَّ عوامل الإغراء البصري والسمعي.



تعريف البث الإعلامي المباشر[7]:

هو قِيامُ الأقمار الصناعيَّة بالتِقاط البثِّ التلفزيوني في بلدٍ من البلدان وبثه إلى أماكِنَ أخرى تَبْعُدُ عن مَكان البثِّ الأصلي لمسافاتٍ بعيدةٍ تَحُولُ دُون التِقاط البثِّ دُون وسيطٍ.



فالبثُّ المباشر: هو إمكانيَّة وصول الإشارة التلفزيونيَّة المُبثَّة عبر الأقمار الصناعيَّة إلى أجهزة الاستِقبال في المنازل دُون المرور بالمحطَّات الأرضيَّة، ودُون أنْ يكون للدولة دورٌ في انتِقاء ما يُبَثُّ لِمُواطِنيها من برامج تلفزيونيَّة".



والأقمار الصناعيَّة التي يزدَحِمُ بها الفضاءُ لها استخداماتٌ عديدة؛ منها:

1- استِكشاف الفضاء والسَّيْطرة عليه من قِبَلِ الدُّوَلِ الكُبرى.

2- التجسُّس ومُراقبة التحرُّكات العسكريَّة في أيِّ مكانٍ، ونقل النزاع العسكري من الأرض إلى الفضاء بما يُطلَق عليه: حرب الكواكب، والتي خَفَّتْ حدَّتها بانهيار الاتِّحاد السوفيتي عام 1991.

3- نقْل وبثُّ البرامج التليفزيونيَّة، فلقد أطلَقَ الأمريكان عام 1965م القمر الصناعي "إيرلي بيرد"؛ أي: الطائر المبكِّر، وكانت طاقته 240 دائرة تليفزيونيَّة، وقد أُطلِقَ في الفضاء على ارتفاع 22300 ميل عند خَطِّ الاستواء، ثم توالت الأقمار الصناعيَّة في تطوُّر هائل وكثْرة مستمرَّة.

4- رصْد وكشْف ما في باطِن الأرض وما على ظهرها من ثَرواتٍ ومَعادِن، ولقد تَمَّ إطلاقُ أكثر من ثلاثين قمرًا صناعيًّا لرصْد الأرض وهي تجمع معلوماتٍ لا حَدَّ لها عن ثورات الأُمَمِ، ولا سيَّما الدول النامية، وهذه المعلومات تُؤثِّر على الأسواق العالميَّة والثَّروات الوطنيَّة، وتسلب الحقَّ المتعارَف عليه دوليًّا، والمنصوص عليه في قَرارات الأمم المتَّحِدة، "حق الدُّوَلِ في ممارسة سيادتها على مواردها الطبيعيَّة".

5- الإرصاد الجوي والتنبُّؤ بتقلُّباته، والملاحة الجويَّة، والذي يعنينا من هذه الأقمار ما يقومُ بالبثِّ التلفزيوني المباشر؛ لخطره الداهم على عقل الأمَّة وأفكارها، فإنَّ الذي يملك التكنولوجيا المتقدِّمة في مجال الاتِّصال يملك أخطر أدوات الغزو الثقافي الذي يَصعُب مُقاوَمته؛ لأنَّ له المقدرةَ الفائقة على اختِراق الحدود واقتِحام البيوت والتسلُّل إلى العقول والضَّمائر؛ لصِياغَتِها على هوى صاحب الرسالة المبثَّة في الهواء.



وإذا كان اختراق الجيوش للحدود عُدوانًا يمكن مُقاوَمته، فإنَّ اختراق الوسائل الإعلاميَّة للحدود والضمائر لا يُعتَبر في عُرف الدولة الكبرى عدوانًا ولا يجد مَن يتصدَّى له، بل تُعقَد الاتِّفاقيَّات والمعاهدات بين الدول لتقنينه.



إنَّ الغزو الثقافي عبْر البث المباشر هو أخطر الهجمات الاستعماريَّة في العصر الحديث، فهو يُخضِع الشُّعوب التي تَقَعُ تحت تأثيره ويحتويها، وخلال الأعوام القادمة سوف تتمكَّن الدُّوَل المتقدِّمة باستخدامها للأقمار الصناعيَّة من تغطية كافَّة أرجاء الكرة الأرضيَّة كما هو الحال في الإرسال الإذاعي.



إنَّ الخطَر الكامن في هذا الأمر أنَّ الرجُل العادي في أيِّ مكانٍ في العالم النامي سوف يجلس أمامَ الشاشة الصغيرة مغلقة، ويُحوِّل مؤشر الجهاز ليُشاهِد البرامج التي تأتيه عبْر المحيطات والبحار والصحاري دُون أيِّ رقابةٍ بما في ذلك الأفلام الخليعة والمنحرفة، والبرامج ذات المضامين المتناقضة مع قِيَم المجتمع الإسلامي وعقائده وأخلاقه وتقاليده، إنَّ الدول النامية بما فيها العالم الإسلامي المتعرِّضة لهذا الغزو الإعلامي ليس لديها الوسائل لدرْء خطَرِه، ولا يُفكِّر القائمون على أمره في إعداد برامج وطنيَّة تجذب المشاهد وتَحُول بينه وبين متابعة هذا البث، بل إنَّ محطَّات الإرسال العربيَّة تتَبارَى في مشاهد العُنف والعُري والجنس، وتحاول أنْ تلحَقَ برَكْبِ البرامج الغريبة دُون احتِرام مشاعر الأمَّة وعَقائدها[8].

[1] "لسان العرب"، ص 3446، ط دار المعارف.

[2] "لسان العرب": ص 483، ط دار المعارف.

[3] ص 821.

[4] "الكلمة المذاعة"؛ د. طه مقلد، ص12.

[5] "الكلمة المذاعة"؛ د. طه مقلد، ص24.

[6] "البث المباشر حقائق وأرقام"؛ د. ناصر العمر، ص16.

[7] "البث المباشر"؛ د. ناصر العمر، ص22.

[8] محاضرة ألقيت عن البث المبشر.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/35136/#ixzz1b3Fcoq81