السبت، 1 أكتوبر 2011

النيل الأزرق .. حرب بالوكالة بين الخرطوم وجوبا

::::روان الاخبــار:::

النيل الأزرق .. حرب بالوكالة بين الخرطوم وجوبا
المصدر:عبد الرحمن أبو عوف

الجمعة:Sep 30, 2011

النيل الأزرق حرب بالوكالة بين الخرطوم وجوباكأن السودان مكتوب عليه ألا يبرح أزمة حتى يُدفع به لخضم أخرى أكثر شراسة؛ فما كادت أزمة أبيي تنتهي ولو مؤقتًا حتى اندلعت أزمة جديدة في جنوب كردفان تعاملت معها الحكومة السياسيَّة بشيء من الحسم، حتى تفجرت قنبلة جديدة في وجه حكومة المؤتمر الوطني؛ حيث اندلعت مواجهاتٌ دامية في منطقة النيل الأزرق بين الجيش السوداني وبين متمردين شماليين معروفين بصلاتهم القويَّة بالحركة الشعبيَّة، صاحبة النفوذ الأقوى في جمهوريَّة جنوب السودان الوليدة.



ولعلَّ تعاقب هذه الأزمات واندلاعها وفق سيناريو واحد يتمثل في هجمات مباغتة ضد وحدات الجيش السوداني خلفت عددًا كبيرًا من القتلى، ووقوعها في مناطق تماسّ بين شطري السودان وقيادتها من قبل شخصيات انخرطت في صفوف الحركة الشعبيَّة لتحرير السودان لمدة 30 عامًا مثل عبد العزيز الحلو ومالك عقار - يكشف لنا عن مدى تورط الحركة الشعبيَّة وحكومة سيلفا كير في إشعال هذه الحرائق في الجسد السوداني، والذي لم ينجحْ حتى الآن في مداواة جراحه المثخنة نتيجة انفصال الجنوب.


حرب بالوكالة

بل إن مثل هذه الأجواء تقدم دليلاً لا يقبل الشك بأن تفجر الصراعات في أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق ما هي إلا حرب بالوكالة تشنُّ من قِبل شخصيات متمردة سبق أن حاربت تحت لواء الحركة الشعبيَّة طوال سنوات الحرب السودانيَّة التي استمرَّت لما يقرب من 20 عامًا؛ بهدف تحقيق حزمة من الأهداف، منها ابتزاز حكومة الخرطوم والدفع بها لتقديم تنازلات في عدد من الملفات شديدة التعقيد، والتي لم تسوَّ حتى الآن بفعل اشتعال الخلافات بين شريكي اتفاق نيفاشا، وفي المقدمة منها أزمة إقليم أبيي الإقليم الغني بالنفط وما يتعلق بتقسيم ميراث السودان بين شطريه، والترتيبات الاقتصاديَّة الخاصة بالشطرين خلال السنوات القادمة.


مناطق مهمشة

ولكن هناك وجهة نظر لا ترى الأمر مقصورًا على هذا الحد؛ فالمؤامرات الدوليَّة على السودان كدولة لم تقفْ عند حد فصل شماله عن جنوبه، بل تسعى دون روية لتفتيت الدولة السودانيَّة في أكثر من أربع كيانات، وصولاً لاختفاء هذه الدولة من على خريطة العالم واستبدالها بكيانات موالية للغرب والصهيونيَّة العالميَّة، مستغلَّة معاناة المناطق الثلاث أو ما كان يطلق عليها في السابق المناطق المهمَّشة من تجاهل تام من الحكم في الخرطوم، باعتبارها مناطق صراع عسكري انخرط المئات من أبنائها في صفوف التمرُّد وعملوا على خلق سودان جديد، كما كان يركز منفستو الحركة الشعبيَّة لتحرير السودان في سنواته الأولى؛ مما خلف تداعيات اقتصاديَّة وتنمويَّة معقَّدة في هذه المناطق التي تحولت لبؤَر صراع مشتعلة.


تفتيت السودان

لذا فمن البديهي الإشارة لوجود دور دولي وقد يكون إقليميًّا؛ للعبث بأمن واستقرار السودان والهيمنة على الخاصرة الجنوبيَّة للأمَّة العربيَّة، وقطع طرق الاتصال بين العالم العربي والإسلامي ومحيطه الإفريقي، والذي كان السودان يشكِّل حلقة الوصل الوحيدة بينهم، بل والعمل على خنقه مائيًّا لا سيَّما أن ولاية النيل الأزرق تشكل الرافد الأساسي لوصول مياه النيل لكل من مصر والسودان؛ لقربها الشديد من الأراضي الإثيوبيَّة؛ مما يعطي إشارة لأهمية الصراع الدائر حاليًا في هذه البقعة الفاصلة بين شمال السودان وجنوبه.



ولا يقتصر الدور الدولي عن الوقوف وراء اندلاع الصراع فقط، بل والعمل على استغلاله للإفلات من أية استحقاقات التزمت بها عواصم القرار الدولي وفي مقدمتها الولايات المتحدة تجاه الخرطوم بعد تنفيذها جميع المطالب الغربيَّة من جهة الاعتراف بالدولة الوليدة، وهي التزاماتٌ تضمن رفع جميع العقوبات المفروضة على الخرطوم المرتبطة بالصراع السابق بين الشمال والجنوب، وكذلك رفع اسم السودان من جميع القوائم السوداء الأمريكيَّة، بل وتقديم دعم لاقتصاده المتداعي سواء بشكل مباشر أو عبر ضخّ استثمارات في عروق اقتصاده المتداعي.


حمى الثورات

ولا يمكن هنا أن نتجاهل دور حكومة جنوب السودان وعبر وكلائها في إيجاد حالة قطيعة بين الخرطوم والغرب؛ فقد سعت عبر عدة رسائل وجهت للغرب والأمريكان دفعهم للتريث وعدم تقديم مكافآت فوريَّة للخرطوم، باعتبار أن السلة السودانيَّة مليئة بعدد من الأزمات، والتأكيد لهم بأن حكومة البشير ما زالت وفيةً لنهجها في استخدام العنف سبيلاً لتسوية الصراعات في "الدولة القارة" كما كانوا يطلقون عليها قبل انفصال الجنوب، وهو ما قد يجلب غضبًا أمريكيًّا على النظام السوداني، والذي يواجه اختبارات شديدة الصعوبة ويعاني من تداعيات خلافات حادة مع قوى المعارضة الراغبة في إسقاطه على وقع الثورات العربية المتتالية وحُمَّى سقوط أنظمة عربيَّة.



ومن المهمّ التأكيد أن حكومة سيلفا كير قد سعت من وراء تفجير الصراع في مناطق التماس مع الشمال؛ لتكريس نفوذها التقليدي في هذه المناطق وتوجيه رسالة لحلفائها هناك وممن يُطلق عليهم شماليو الحركة الشعبيَّة بأنها لن تتخلى عنهم، بل ستستمر في مناصرتهم، في مسعى منها كذلك لإجبار حكومة الخرطوم على عدم المغالاة في رسوم مرور النفط الجنوبي، وتقديم اقتراحات مرضية لحلحلة الصراع في أبيي، فضلاً عن العزف على وتر التشدد مع فصائل التمرد داخل الجنوب، بالتأكيد على قدرة الجنوبيين ليس على دحرهم فقط، بل امتلاك القدرات كذلك لقض مضاجع حكومة البشير الداعمة لهم؛ مما قد يجبرهم على قبول ما تعرضه عليهم.


رسائل مضادة

وإذا كان الجنوبيون قد سعوا لاستغلال هذه الأحداث لتوصيل رسائل للداخل والخارج، فإن الحكومة السودانيَّة سعت لتوظيف هذه الأحداث في أكثر من سياق، بل وعملت -وعبر اللجوء لإجراءات حاسمة منها العمل- على ممارسة أقصى ضغط عسكري على المتمردين، بل وزاوجت بين الخيارين السياسي والعسكري عبر إعلان حالة الطوارئ وعزل والي النيل الأزرق مالك عقار وتعيين حاكم عسكري رغبةً منها في وأْد التمرد في بدايته، وعدم السماح لحالة من الارتباك والتردد في التعاطي مع هذا الملف إنْ تكرر سيناريو الأحداث في دارفور مجددًا، والسماح بتدويل قضية المناطق المهمَّشة.



وسعت حكومة البشير عبر التعامل الحاسم من الأزمة لتوصيل أكثر من رسالة أهمها أن مؤامرات الحركة الشعبيَّة معها لن تؤثر في ثبات موقفها من عدد من القضايا ومنها أبيي، فضلاً عن قدرتها على دحر أي تمرد، وإنها -وإنْ كانت قد أجبرت بضغوط أجنبيَّة على انفصال الجنوب- لن تقبل أي مساس بسيادة البلاد ووحدة أراضيها مجددًا، إضافة إلى أنها قادرة على التصدي لأي جهود لإشعال انتفاضة شعبيَّة بهدف إسقاطها على غرار ما حدث في مصر وليبيا، والمرشح للتكرار في كلٍّ من سوريا واليمن.


ساحة حرب

وأيًّا كانت الرسائل الصادرة عن الطرفين من وراء اشتعال الصراع في أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق، فإنها قدمت تأكيدًا لا يقبل الشك على أن العلاقات بين شطري السودان قد تحولت لساحة للصراع على النفوذ وسعي كل طرف لابتزاز الآخر بدلاً من تحولها لشراكة سياسيَّة واقتصاديَّة، بل إن الأمر قد يتجاوز ذلك لتصاعد احتمالات عودة الحرب بين الشطرين في حالة تصميم جميع الأطراف على موقفها، وهو ما يتطلب تدخل أطراف عربيَّة مثل الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي لفرض رؤى توافقيَّة على الطرفين، تتولى تطويق الأزمة وتمنع توظيفها من قبل قوى دوليَّة راغبة في تفتيت السودان وإزالته من على الخريطة العالميَّة لصالح الغرب والصهيونيَّة العالميَّة، وهو أمر يستحق تضافر الجهود لقطع الطريق عليه وضمان علاقات تكامل بين شطري السودان بدلاً من تحوله لساحة حرب قد تمتد شرارته لتصيب القريب والبعيد.



المصدر: موقع الإسلام اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق