السبت، 15 أكتوبر 2011

الحرب الذكية.. متى نبادر بها؟؟

::::روان الاخبــار:::

الحرب الذكية.. متى نبادر بها؟؟
المصدر:بقلم الشاذلى حامد المادح ... الاهرام اليوم

الاحد:Oct 16, 2011

قطعت الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق أشواطاً مقدرة تم خلالها تطهير أراض واسعة، وتحرير مئات الآلاف من مواطني الولايتين من التعبئة العنصرية والتدميرية القذرة، التي للأسف أنتجت عشرات الآلاف من الشباب المقاتلين الذين يحاربون بلا هدف وبلا عقيدة قتالية غير تلك الشعارات التي لم يسمعوا غيرها تحيط بهم فكرة واحدة وبسيطة تسمى عدواً أوحد هو (العرب)، الذي استعبد واحتل وما زال يتربص؛ وتنسج تلك الشعارات عشرات الروايات والحكايات القديمة التي كانت تبثها سينما الكنائس المتجولة، وهي ترسل عشرات الحملات التبشيرية إلى تلك المناطق المقفولة ليشاهد الناس في تلك الأنحاء لعقود مشاهد سينمائية تظهر شخصاً ذا ملامح عربية يضرب بالسياط شخصاً ذا ملامح أفريقية ويعذبه ويذله، وقد أنتجت هذه المشاهد خصيصاً لخدمة المسيحية العالمية التي انطلقت أنشطتها من أوروبا.
} ذكر لي من عاد من النيل الأزرق وجنوب كردفان أن من يقاتل في صف عقار والحلو هو شخص مهزوم نفسياً ومكسور الخاطر غلّقت الأبواب في وجهه، ولم يعد أمامه غير أن يحارب لأنه بصراحة لم يستمع في حياته لحديث آخر غير حديث الحرب والعنصرية، وقد احتفظت بهم الحركة الشعبية في مناطق مغلقة طوال فترة الاتفاقية ولم يحدث احتكاك بينهم وبين الآخرين ولم يتعرفوا على الحياة، ولم ينزلوا إلى كادوقلي ومدن جنوب كردفان لينعموا بالماء البارد والكهرباء والصحة والتعليم وتتوثق صلتهم بالحياة، وتنهض في دواخلهم أحلام الحياة وآمالها ومن ثم يحرصون عليها وهم ينظرون أمامهم للبنايات التي شيدها أحمد هارون والطرق والتنمية بكافة جوانبها تصعد إلى الجبال التي لا يعرفون عنها إلا الكراكير والتسلل والكر والفر في حرب لا تنتهي.
} ذات الطابع يلامس عقول المحاربين في صفوف جيش عقار، وقد أقسم لي العائد من وسطهم أنهم يحاربون بدون أدنى فكرة تحملهم على الحرب، وأنهم لا يدركون حقيقة الحرب التي يخوضونها وقد ظلت مناطقهم مغلقة أمام الآخرين حتى لا يتم الاحتكاك وتتبدل المفاهيم والقناعات، وحتى الانتخابات الفائتة عبأ الصناديق نفر منهم ولم يمارسوا حقهم الدستوري وهم يتعرضون لمخاطبات مستمرة تقول كلاماً واحداً منذ اندلاع التمرد لم تفلح كل التطورات الكبيرة التي شهدها الصراع في إحداث تحولات ولو طفيفة في سلوكهم وأفكارهم البسيطة في الحياة، وقد غيّبوا طيلة سنوات السلام وكأن كل شيء على حاله.
} الواقع الذي خلفته فترة حكم عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان وفترة مالك عقار في النيل الأزرق تساند الحقائق التي خلصنا إليها، وقد ظلت جنوب كردفان حتى غادرها الحلو تعاني من تراجع الخدمات والتنمية بالرغم من أن الامكانيات والقدرات هي نفسها التي أنجز بها مولانا أحمد هارون كل تلك الثورة العمرانية والتنموية الهائلة، والوالي الحلو ينعم بنسبة الـ (2%) التي سخرها هارون لإنجاز ثورته المدهشة؛ ولكن الحلو يحرص على استمرار معاناة هؤلاء حتى يظلوا وقوداً لحروبه وسبباً يرفع به شعاراته التي تقوم على البؤس والمعاناة والجهل والأمية، ولذلك لم يبن مدرسة ولم يمدد طريقاً مسفلتاً ولم يقدم الكهرباء والمياه حتى انجلت فترة حكمه ولم يسهم في إزاحة التهميش الذي خرج يقاتله.
} في النيل الأزرق ترك عقار (336) مدرسة بلا بناية تقوم على (القش) في مقابل (75) مدرسة مبانيها بالمواد الثابتة ورثها من الذين يمارسون التهميش كما يدعي، وترك عقار نسبة الفاقد التربوي تتجاوز الـ (47%) وكل الذي بناه مركز ثقافي ينتج المسرحيات والأفلام ويقيم الندوات التي تشكل تعبئة فكرية وثقافية تقوم على مفاهيم (الاستعلاء الثقافي) و(الإثني) التي يصطلح عليها اليساريون وتصب في خانة التعبئة العنصرية، آخر كروت اليسار لحكم السودان.
} المعركة الحقيقية للسودان في نسخته الجديدة وجمهوريته الثانية تكمن في وصول خطابه إلى هؤلاء البسطاء الذين يستغلهم عقار والحلو، والتحدي أن تتصل حياتهم بحايتنا وأحلامهم بأحلامنا وأن يحدث الاحتكاك وتنفتح المناطق كلها على بعضها البعض، ولإنجاز كل ذلك نحتاج لمشروع ثقافي وخطاب إعلامي يطهر العقول قبل أن تطهر قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى الأرض، فالمعركة داخل العقول قبل أن تكون على تخوم الكرمك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق