::::روان الاخبــار::: الإستراتيجيـــــــــة الإعلاميـــــــــــة
المصدر:بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن: الأحداث
الاحد:Oct 23, 2011
قال الدكتور كمال عبيد وزير الإعلام في حديثه في جامعة إفريقيا: «إن السودان يستطيع أن يحافظ على أمن الوطن وسلامته إذا خلق علاقات جيدة مع دول الجوار لمنع انطلاق الحركات المسلحة ضد السلطة من أراضيها». وفي ذات المنبر قال السيد السماني الشيخ الوسيلة وزير الدولة بوزارة القوى البشرية: «إن السودان يستطيع من خلال التدخلات البشرية والثقافة المشتركة أن يؤمن وضعاً جيداً للسودان في دول الجوار». وكنت أحسب أن الدكتور كمال عبيد باعتباره وزيراً للإعلام أن يبين الدور الإستراتيجي للإعلام القومي في عملية السلام والاستقرار السياسي والاجتماعي في السودان وفي ذات الوقت خلق علاقات وطيدة مع دول الجوار مستفيداً من كل الروابط الثقافية والتفاعلية الاجتماعية المشتركة بين السودان وتلك البلاد خاصة في ظل العولمة والتطور الذي حدث في وسائل الاتصال التي تعطي المشاهدين في كل مكان خيارات متعددة حيث المعلومة لم تصبح حكراً على أية دولة ومؤسساتها. ولكن الدكتور كمال عبيد صمت عن حقله ودخل في حقول غيره رغم أن هناك إمكانية فريدة لمؤسسته أن تدير تروس كل المؤسسات الأخرى بما فيها وزارة الخارجية في المنطقة الإقليمية لما للسودان من تأثير كبير في الثقافة إذا استطاع أن يستغل ذلك ولكن الرجل فضل اللعب في ميدان آخر.
كنت أعتقد أن وزارة الإعلام السودانية لها إستراتيجية إعلامية تعمل على تنفيذها في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها الإنقاذ وخاصة بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل التي كانت قد وقعت بين الحكومة والحركة الشعبية وكانت فرصة أن تحاول مؤسسات الإعلام أن تلعب دوراً في خلق البيئة الصالحة لعملية الاستقرار السياسي باعتبار أن هناك واقعاً جديداً قد فرضته الاتفاقية. ولكن للأسف فإن المؤسسات الإعلامية قد سارت بذات الخطى التي كانت تسير بها في السابق باعتبار أن المساحات المتوفرة لها في خلق المبادرات الوطنية كانت ضيقة ولا تسمح بتقديم المبادرات بعيداً عن صناعة القرار، رغم أن في المؤسسات كفاءات كانت قادرة على تقديم مبادرات وطنية تجعل الإعلام هو الذي يحدد مسارات العمل السياسي والاجتماعي الذي يؤمن عملية الاستقرار بجوانبه المختلفة، ولكن ظل الإعلام في تلك الفترة ناقلاً ومنحازاً مما أفقده القدرة على صناعة الرأي العام الداعم للقضايا الوطنية مما تبين أن وزارة الإعلام تعمل دون إستراتيجية واضحة إنما تحاول أن تقدم اجتهادات تتابع بها الأحداث المفروضة على الدولة والمجتمع إن كانت داخلية وخارجية الأمر الذي أعطى انطباعاً عند السياسيين السودانيين وغيرهم أن الإعلام إعلام حكومي لا يستطيع أن ينقل إلا رؤية واحدة وبالتالي غير مشبع لحاجاتهم لذلك كان البحث خارج دائرته وظلت هي السمة المطبوعة في الأذهان حتى الآن.
بعد حادثة 11 سبتمبر في أمريكا وبعد أن قررت الإدارة الأمريكية غزو العراق كانت أمام الإدارة معضلة كيفية إقناع الشعب الأمريكي بعملية الحرب ضد العراق؛ حيث كان الإعلام منقسماً وكانت العناصر اليمينية الداعمة لدولة إسرائيل تحرض الإدارة على الحرب وكانت هناك عناصر أمريكية عريضة ضد الحرب. هذا الانقسام كان معروفاً لأهل القرار بأنه لن يخلق الرأي العام الذي كانت تتوقعه الإدارة، لذلك كانت حريصة جداً في كسب العناصر الإعلامية الرافضة وجعلها مؤيدة لتسهيل صناعة الرأي العام المؤيد للحرب، لذلك اتجهت الإدارة إلى فبركة المعلومات حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل التي يمكن أن تصل إلى عناصر القاعدة، الأمر الذي وحَّد العمل الإعلامي الذي استطاع أن يقنع الرأي العام الأمريكي بضرورة شن الحرب على العراق في ظل ظروف الخوف والهلع التي كان يعيشها الشعب الأمريكي من أحداث سبتمبر مما جعل الإعلام هو الذي يقود المبادرة. ولكن عندما اكتشفت وسائل الإعلام أن هناك فبركة في المعلومات بهدف شن الحرب، قادت وسائل الإعلام والصحافة مبادرة كشف المعلومات المفبركة التي استخدمتها الإدارة الأمريكية ولم تكتفِ بذلك بل ذهبت في كشف كل الممارسات غير الأخلاقية التي كانت تمارسها القوات الأمريكية ضد المواطنين العراقيين. بعد انفصال الجنوب بدأت تخرج الدعوة إلى الجمهورية الثانية وهي من مخرجات السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية السيد علي عثمان محمد طه حيث أخذت تفرض ذاته كمفردة سياسية على الواقع ولكن دون تعريف دقيق لها وباتت كل جهة تحاول تناولها حسب الفهم لها إن كان في أروقة السلطة الحاكمة أو في المعارضة الأمر الذي جعل التقارب المفاهيمي حولها معدوماً وهي كانت تعتبر واحدة من مداخل الإعلام لصناعة الرأي العام الذي يقود حواراً داخلياً حول ملامح الجمهورية الثانية ولكن ربما تكون هي نفسها مفردة خرجت دون دلائل ورؤية معرفية تسندها؛ حيث لم تكتمل ملامحها وكانت فرصة لوسائل الإعلام أن تحدد الخطوط العامة لملامح الجمهورية الثانية ليس حسب رؤية المؤتمر الوطني فقط إنما تحاول أن تعطيها الملامح الوطنية والقومية من خلال فتح نفاجات للحوار غير المباشر أو المباشر بين القوى السياسية من جانب وبين النخب السودانية في حقول العمل والمعرفة المختلفة على تنوع واختلاف مدارسهم الفكرية. وهذا الحوار هو نفسه يقلل فرص بروز العنف في المجتمع. ولكن الدكتور عبيد أيضاً أخفق في التقاط الفرصة وبناء إستراتيجية إعلامية تمهد الطريق للجمهورية الثانية عبر الحوار الوطني ولكن ضاعت كما ضاعت فرص كثيرة لأن الدكتور كمال عبيد لم يستطع الخروج من إستراتيجية الإعلام السابقة ويؤسس لإستراتيجية إعلامية تعطي فيها المؤسسات مساحات واسعة من الحركة لكي تستطيع أن تقدم مبادرات وطنية تقلل فرص العنف. في بداية أحداث ولاية النيل الأزرق حاولت وزيرة الدولة للإعلام أن تأخذ وزارة الإعلام بشكل مركزي المبادرة في صناعة رأي عام مساند للقوات المسلحة وفي ذات الوقت داعم لخط السلطة مما جعل المبادرة تحكم ذاتها بالنفس القصير. لذلك كانت حدود المبادرة قصيرة ولم تأخذ بعدها القومي لغياب الرؤية التي تسندها فالعوامل المساعدة لصناعة الرأي العام هي محاولة حوار كل الرؤى المطروحة ثم الوصول لنتيجة أن هنالك رؤية هي التي يجب أن تسود وهي التي يتفق عليها الرأي العام ولكن الرؤية الواحدة مع تغييب متعمد للرؤى الأخرى وعدم محاورتها لا تخلق رأياً عاماً وربما تخلق نوعاً من الصمت ولكنه صمت غير مأمون الجانب ربما يكون إيجابياً للسلطة الحاكمة أو سلبياً لأن تغليب أية كفة متروك لظروف وعوامل أخرى تسهم فيها وهو خيار في العمل المهني الإعلامي غير موفق وهي أيضاً واحدة من غياب الإستراتيجية الإعلامية.
هنالك بعض الاختلافات حول النظريات الإعلامية لوضع إستراتيجية إعلامية تحدد من خلالها الخطوط العام للعمل لكي يصل إلى مقاصده وهناك من يعتقد أن وضع الإستراتيجية الإعلامية هي واحدة من إخراج النظم الديكتاتورية أو النظم ذات الحزب الواحد وهي التي تهتم بقضية الإستراتيجية إعلامية بهدف قيادة الرأي العام لمساندة السلطة الحاكمة وفي ذات الوقت تعمل من أجل الحفاظ على النظام وهذه الرؤية ليس لها وجود في النظم الديمقراطية التي تفتح الباب لرأس المال لكي يؤسس وسائل إعلامه وخدمة المجتمع بالصورة التي يراها مناسبة لخدمة رأس المال وفي ذات الوقت تقديم خدمة للمجتمع وهنا تقوم المعادلة بين حاجة المجتمع للترفيه والتسلية وصناعة الرأي العام وبين نمو رأس المال، ولكن اختلاف النظريات لا يخلق بلبلة في عملية الاختيار ما دامت الرؤية واضحة ولكن إعلام الدكتور كمال عبيد لم يوضح إلى أية رؤية يميل.
هنالك رؤية أيضاً تساند عمل إستراتيجية إعلامية إذا كان المجتمع المعني يواجه مشاكل في عدم الاستقرار وتكثر فيه النزاعات والإستراتيجية الإعلامية ليس بالضرورة ناقلة لسياسة واحدة أو هي خاضعة للإدارة السياسية لأن السلطة الحاكمة إذا كانت فعلاً تنشد الاستقرار والسلام في المجتمع لابد أن تقيم ركائز هذا الاستقرار والسلام وأن تعطي الإعلام مساحة واسعة للحركة وتقديم المبادرات التي تسهم في توطين السلام في المجتمع وتشييد قواعد الاستقرار الاجتماعي، غير أن إعلام الدكتور كمال عبيد تغيب عنه الرؤية الإستراتيجية التي تستطيع أن تستوعب تناقضات المجتمع السوداني وتحدد أسباب مشاكله وتعمل من أجل لعب دور يسهم في الحل، وفي ذات الوقت يخلق مقاربة بين القوى السياسية في القضايا الوطنية. إن الخطاب الذي كان قد ألقاه السيد رئيس الجمهورية بعد انفصال الجنوب في البرلمان السوداني والذي دعا فيه إلى قيام حوار وطني بين القوى السياسية مع بعضها البعض من جانب وبين النخب السودانية على مختلف تياراتها ومدارسها الفكرية بهدف بناء السودان، كان الخطاب دون خطابات الرئيس لا يحمل أية شروط إنما كانت دعوة مفتوحة، واعتقدت في ذلك الوقت أن الدكتور كمال عبيد وزير الإعلام هو المعني أن يصل الخطاب إلى أهدافه وأن يفتح حواراً داخل مؤسساته لكيفية الاستفادة من الفرصة التي وفرها له الخطاب وزيادة المساحة التي يمكن أن تتحرك فيها مؤسساته وفقاً لذلك الخطاب لأن أي حوار داخلي بين التيارات المختلفة سوف يكون خصماً على وسائل العنف. ثم تقوم المؤسسات الإعلامية بالعمل على تشريح الخطاب وجعله حقيقة واقعة على الأرض. وكنت قد كتبت في ذلك عدداً من المقالات، بيد أن الدكتور عبيد أضاع الفرصة كما أضاع من قبلها عدداً مما تأكد أن الرجل قد أخفق إخفاقاً كبيراً في الاستفادة من الفرص التي جاءته على طبق من ذهب.
حقيقة عندما استمعت إلى حديث الدكتور عبيد الذي ألقاه في جامعة أفريقيا حول كيفية بناء علاقات وطيدة مع دول الجوار حتى لا تجد الحركات المسلحة مكاناً أمناً تنطلق منه وهو حديث لا يملك الرؤية الصائبة لأن القضية إذا لم تحل داخلياً وتمنع جهات أو أفراد أن يجعلوا خيار العنف هو الحل للوصول للسلطة أو تحقيق المطالب فلا تستطيع الدولة خلق علاقات خارجية وعلاقاتها في الداخل مهزوزة في عالم يبني علاقاته على المصالح. ووزارة الإعلام هي واحدة من الوزارات المهمة جداً المناط بها تقليل فرص العنف في المجتمع الداخلي، وهي أيضاً قادرة على صناعة العوامل التي تقارب بين القوى السياسية وهي أيضاً التي لها القدرة على إدارة الحوارات الوطنية وفتح قنوات الاتصال بين النخب إذا استطاعت الاستفادة من الإمكانيات المتوفرة لها ولكن الدكتور عبيد أعتقد أنه يفضل دائماً اللعب في ميادين أخرى غير المتوفرة لديه ولكن إذا نظر للموضوع دون أن يغمض إحدى عينيه سوف يجد أنه يستطيع صناعة السلام في السودان وبناء ركائزه. وفي الختام نسأل الله له التوفيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق