::::روان الاخبــار::: الهويــة: تأثير الثقافة والدين والتقاليد في العلاقات الدولية
المصدر:بقلم : إيمان رجب ... مجلة السياسة الدولية
السبت:Oct 22, 2011
لا تزال التطورات التي تحدث في الإقليم، بعد ربيع الثورات العربية، من القضايا الضاغطة على مراكز الفكر في العالم، فهناك اهتمام محموم بمستقبل النظم في الدول التي انتصر فيها الثوار، مثل تونس ومصر ، وليبيا مؤخرا ، وكيف سيؤثر شكل النظام الجديد فى علاقاتها الخارجية، خاصة علاقاتها مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية. وهناك قناعة لدى المهتمين بالمنطقة بأن ربيع الثورات قد أحدث تحولا كبيرا في المنطقة، وأنهى أزمة الهوية التي عانت منها لعقود طويلة. ولكن هناك حالة “عدم يقين” بما سيئول إليه هذا التحول، ونوع الهوية التي ستتبناها هذه الدول، وكيف ستؤثر فى سياستها الخارجية.
صعود الإسلام السياسي
وقد كشفت الأشهر الأخيرة عن مجموعة من التطورات في كل من مصر وليبيا، والتي أفادت بأن التيارات الإسلامية على تنوعها سيكون لها سيطرة أو نفوذ قوي في النظم الجديدة. ففي ليبيا، بعد إعلان المجلس الانتقالي انتصاره على القذافي، اتضح حجم النفوذ الذي تمارسه الجماعات الإسلامية، حيث كان من المفاجآت أن من قاد معركة العزيزية هو عبدالحكيم بلحاج ، وهو أمير سابق في الجماعة الليبية المقاتلة. ويعد بلحاج هو المسئول عن توفير الأمن لأعضاء المجلس الانتقالي، كما يترأس مصطفى حجر، أحد قيادات الإخوان المسلمين في ليبيا، المجلس المحلي في طرابلس، وقد أفاد أحد التقارير بأن الإسلاميين يتمتعون بنفوذ في شرقي ليبيا .
وفي مصر، بعد تنحي الرئيس السابق مبارك، سرعان ما ابتعدت القوى الإسلامية عن القوى الأخرى، وأخذت تتحرك بما يوحي بسيطرتها على الشارع السياسي، رغبة منها في الحصول على أكبر قدر من المكاسب من المجلس العسكري الحاكم.وقد كانت جمعة وحدة الصف التي دعت لها القوى السياسية في 29 يوليو، أكبر مثال على مشروع هذه القوى، حيث تحولت إلى جمعة “الحفاظ على الهوية الإسلامية” لمصر، حتى إن بعض المتابعين أطلق عليها اسم “جمعة قندهار”.
وهذا الوضع يطرح عددا من التساؤلات حول كيف ستدير هذه الجماعات علاقات دولها الخارجية إذا ما وصلت إلى السلطة؟، وهل ستنزع للقطيعة مع الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة وإسرائيل، تأثرا بهويتها الدينية، أم أنها ستنحي مواقفها الدينية جانبا لصالح المصلحة القومية للدولة؟.
وقد أثار اقتحام السفارة الإسرائيلية في مصر مخاوف شديدة من تكرار سيناريو الثورة الإيرانية، وما تبعه من قطيعة بين إيران والغرب، خاصة أن البيان الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين لم يدن اقتحام السفارة، كما فعلت القوى الأخرى، بل سعى لتبريره وإضفاء الشرعية عليه.
وقد اهتمت مراكز الفكر بدلالات هذه التطورات. فعلى سبيل المثال، يتوقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن سياسات مصر خلال الفترة القادمة ستكون أكثر عداء للغرب، حيث يرى أن تنامي نفوذ الإخوان المسلمين أمر مقلق، خاصة بعد اصطفافها إلى جانب عدد من الأحزاب السياسية المعادية للغرب. وتحدث عن وجود “خوف” من انخراط التيارات الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، في صراعات في الخارج في حال وصولها للسلطة. وبالتالي، يرى هذا المعهد أن الهوية الدينية لهذه الجماعات ستؤثر بصورة كبيرة فى سياسات مصر الخارجية في حال وصولها للسلطة.
والحديث عن الهوية وتأثيرها في علاقات الدول الخارجية، لا يرتبط فقط بالهوية الدينية أو الهوية الإسلامية تحديدا، ولا يرتبط بالإقليم العربي، فقد شهد العالم خلال العقد الماضي على سبيل المثال، الكثير من التطورات التي أفادت بمحورية تأثير الهوية، فمثلا، أكد إصرار الحكومة الاسرائيلية على الاعتراف بإسرائيل كـ “دولة يهودية”، مدى محورية الهوية الدينية في السياسات الإسرائيلية. إلى جانب ذلك، تكشف متابعة السياسات الأمريكية خلال عهد حكومة جورج بوش، عن حجم النفوذ الذي تمتع به المحافظون الجدد، والذين عكست مواقفهم تأثرا كبيرا بالمسيحية - الصهيونية.
إلى جانب ذلك، أعادت ذكرى أحداث 11 سبتمبر أهمية فهم تأثير الهوية في العلاقات الدولية. ففي تغطية مجلة النيوزويك لهذه الذكرى، رأت أن بن لادن أراد أن يشن حربا على الحضارة الغربية ، كما جادل عدد من المتابعين للأوضاع في الشرق الأوسط بأن أحداث 11 سبتمبر أدت إلى تعزيز الهوية الإسلامية والعربية، خاصة لدى من يعيشون داخل الولايات المتحدة، وباتوا أكثر انخراطا في الحياة السياسية بهدف الدفاع عن هويتهم، والرد على أي اتهامات توجه لهم بسبب انتمائهم للعرب وللإسلام.
متى تؤثر الهوية على علاقات الدول؟
في هذا الإطار، يناقش هذا العدد من الملحق الهوية كمتغير يؤثر فى علاقات الدول الخارجية، ويحاول الإجابة على عدد من التساؤلات من قبيل ما هي علاقة الهوية بالمصلحة؟ وهل تؤثر القوة فى الهوية؟، ومتى تؤثر الهوية في العلاقات الدولية ؟، وكيف تؤثر؟.
وينقسم هذا العدد إلى ثلاثة أقسام، يتألف القسم الأول من دراسة نظرية، أعدتها الأستاذة إيمان أحمد رجب، الباحثة في وحدة الدراسات الأمنية والاستراتيجية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وتناقش هذه الدراسة ماهية الهوية كمتغير يؤثر في العلاقات الدولية، من حيث تعريف الهوية، ومكوناتها ورموزها، وأنواع الهوية، وخصائصها. كما تناقش مدى اهتمام نظريات العلاقات الدولية بالهوية، ومداخل دراسة تأثيرها فى السياسة الخارجية، وفى السياسة الدولية بصفة عامة.
وحددت هذه الدراسة خمس صور لتأثير الهوية في العلاقات الدولية، تتمثل في كونها محفزا للصراع، ومعرفا للبيئة الأمنية، ومحركا لتشكيل الأحلاف العسكرية، وكونها أساسا لنشأة الحركات الأصولية الدينية، وكمشكل للأدوار الإقليمية. وتجادل هذه الدراسة بأنه رغم أهمية الهوية في فهم العديد من التفاعلات الدولية، فإن هناك حدودا لتأثيرها، فالحديث عن تأثير الهوية لا يعني بالضرورة التقليل من أهمية متغيرات أخرى تؤثر فى سلوك الدولة الخارجي مثل المصلحة والقوة.
يعرض القسم الثاني تعليق نقدي أعده الدكتور وليد عبدالناصر، المفكر والأكاديمي المصري، المتخصص في مجال حوار الحضارات والأديان، ويعرض فيه، من واقع خبرته الأكاديمية والعملية، لأهمية الهوية في فهم العلاقات الدولية. ويجادل بأن الهوية والمصلحة متداخلتان وليستا متناقضتين، وأن العالم يشهد حالة من التوالد والتكاثر للهويات، التي شهد بعضها درجة عالية من التسييس، على نحو جعلها محركا لإعادة رسم خريطة العالم السياسية. وانتهى إلى أن الهوية ستلعب دورا مهما في المنطقة العربية بعد ربيع الثورات.
ويعرض القسم الثالث تعليق نقدي أعده الدكتور جمال عبدالجواد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ويناقش فيه من وجهة النظر الأكاديمية، أهمية الهوية في فهم وتفسير السياسة الخارجية للدول، خاصة في المنطقة العربية التي شهدت تغيرات ثورية منذ مطلع العام 2011. وقد انتهى في تحليله إلى تزايد تأثير الهوية في عملية صنع السياسة الخارجية، وفسر ذلك بتمكين الجموع الغفيرة المحملة بمخزون من القيم والمشاعر والتفضيلات والمفاهيم حول الأنا والآخر والعالم، من التأثير على عملية صنع السياسة الخارجية، التي تم احتكارها لسنوات طويلة من جانب الدبلوماسيين والعسكريين.
وجادل بأن التحدي الذي يواجه المنطقة هو تحدي عقلنة الهويات، وصياغتها في سياسات تعكس الهوية دون تعريض المصالح للخطر، وهو ما يمكن أن تقوم به المؤسسات. ويتخلل ذلك عرض لبعض المفاهيم والأطر النظرية المرتبطة بالهوية، مثل المنظور الإسلامي في تحليل العلاقات الدولية، ونموذج الصراع الحضاري، والأيديولوجيا السياسية والإثنية، والثقافة السياسية وأزمة الهوية.
(*) مقدمة ملحق "اتجاهات نظرية "، مجلة السياسة الدولية ، العدد 186، أكتوبر 2011
تعريف الكاتب:
باحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق