السبت، 1 أكتوبر 2011

النزاع في النيل الأزرق .. لماذا؟

::::روان الاخبــار:::


النزاع في النيل الأزرق .. لماذا؟
المصدر:د. بدر حسن شافعي ..موقع علامات أون لاين
الجمعة:Sep 30, 2011

خريطة السودانهل تتحول الأزمة في ولاية النيل الأزرق إلى حرب جديدة بين دولتي السودان وجنوب السودان؟ ولماذا هذا التصعيد في هذه الولاية والذي يأتي بعد فترة وجيزة من التصعيد في ولاية جنوب كردفان، وكلاهما من المناطق الحدودية العازلة بين الدولتين الجارتين؟ ولماذا هذا الرد العنيف من قبل حكومة الخرطوم التي أعلنت حالة الطوارئ في الولاية، كما قامت بعزل واليها مالك العقار الذي ينتمي للحركة الشعبية؟ وما تأثير هذه الأوضاع على الأمن المائي المصري الذي تأتي 85% من حصته عبر النيل الأزرق؟



كل هذه وغيرها أسئلة مشروعة ومطروحة في الآونة الأخيرة، وكلها تشير إلى أن العلاقة بين الدولتين الجارتين لن تكون علاقة تعاون بقدر ما تكون علاقة صراع، بالرغم من أن مناطق التوتر هي بمنزلة مناطق عازلة بين حدودهما، وبالتالي يفترض أن تكون مناطق تكامل وليست صراعًا. لكن يبدو أن لكل طرف حساباته الخاصة، ومن ثَمَّ قد يكون من المفيد أولاً إعطاء نبذة مختصرة عن الأهمية الجيو استراتيجية لمنطقة النيل الأزرق بصفة خاصة، ثم الحديث عن دوافع كل طرف من طرفي الأزمة، وأخيرًا وليس آخرًا تأثير ذلك على الأمن المائي المصري.


أهمية النيل الأزرق

تكمن أهمية منطقتي النيل الأزرق[1] ومن قبلها جنوب كردفان (شهدت توترات منذ يوليو الماضي والتي تقع بها منطقة أبيي) في أنهما يمثلان أهم بؤر الصراع ذات الصلة بمشكلة الجنوب، لكونهما يقعان على الشريط الحدودي الفاصل ما بين الشمال والجنوب، والذي يمتد بطول 2000 كيلومتر، بالإضافة لما لهما من خصوصية بسبب ما بهما من مكونات عرقية ودينية وثقافية وموارد طبيعية، فضلاً عن المساهمة السابقة لهاتين المنطقتين في الصراع العسكري بين الشمال والجنوب إلى جانب الحركة الشعبية.



ولقد عرفت هاتان المنطقتان -فضلاً عن أبيي- بالمناطق المهمشة نظرًا لتردي الأوضاع بهما، وقد استغلت الحركة الشعبية ذلك في إشعال فتيل الحرب بهما، وتحريض سكانها خلال الحرب مع الشمال. وبالرغم من اعتراف رئيس الحركة الشعبية الراحل جون جارانج بتبعية النيل الأزرق وجنوب كردفان للشمال، إلا أنه أصر على مناقشة أوضاعهما في مفاوضات اتفاقية السلام الشامل، حيث طالب بأن يكون لها الحق في تقرير مصيرها مثل الجنوب بعد فترة انتقالية مقدارها 6 سنوات، تختار هذه المناطق بعدها الطريقة التي تحدد بها مستقبلها في إطار السودان.



ونظرًا لرفض الحكومة فكرة حق تقرير المصير لهما باستثناء منطقة أبيي، تم التأكيد على أن تخضع هاتين المنطقتين لفكرة المشورة الشعبية، وهي الفكرة التي تعني بالنسبة للشماليين أخذ رأي السكان بشأن مدى رضاهم عن تطبيق اتفاق السلام، وفي حالة وجود أية مشاكل يمكن التفاوض مع حكومة الخرطوم بشأنها، في حين ترى الحركة الشعبية أن المشورة تعني استفتاء تقرير المصير لهاتين المنطقتين على غرار الوضع بشأن أبيي.



ولعل مما يفاقم من المشكلة الوضع الجيو استراتيجي للولاية.. فهي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من السودان، في موقع يختلف في مميزاته عن ولاية جنوب كردفان، حيث تعتبر النيل الأزرق ولاية حدودية، إذ تجاورها إثيوبيا من ناحية الجنوب الشرقي، ومن الجنوب والجنوب الشرقي ولاية أعالي النيل التي تقع في جنوب السودان، ومن الشمال والشمال الشرقي ولاية سنار. وتقدر مساحتها بنحو 54844 ألف كلم2، ويوجد بها قرابة 9 ملايين فدان من الأراضي الزراعية.



ولذا فهي تعتبر من الولايات ذات الأهمية الاقتصادية، فهي من أغنى ولايات السودان من حيث التنوع البيئي والمناخي، حيث يسودها مناخ السافنا بأنواعه، وتتسم بغزارة الأمطار والغابات النيلية الكثيفة والواسعة الممتدة على طول جانبي النيل الأزرق، والذي يعتبر في حد ذاته من أهم الموارد الطبيعية المهمة للزراعة وتوليد الطاقة الكهربائية من خزاني الروصيرص وسنار؛ ولذلك فهي تتمتع بنشاط اقتصادي زراعي ورعوي قوي.


دوافع الجانبين

بالنسبة لسبب الاضطرابات الأخيرة في الولايتين، ودوافع الحركة الشعبية المتهمة بإثارة القلاقل بهما، فربما يرجع ذلك إلى رغبة الحركة في التأكيد على أنها بالرغم من استقلالها بولايات الجنوب، فإنها لن تفرط في هاتين الولايتين، كما أنها لن تتخلى عن أتباعها بهما، فضلاً عن رغبتها في توجيه رسالة لبعض قوى التمرد الجنوبية في المناطق الحدودية الأخرى بأنها قوية، وبالتالي يصعب الخروج عليها. فهناك سبع حركات مسلحة في ولايتي أعالي النيل وبحر الغزال الحدوديتين مع الشمال ترفضان الانصياع لسيطرة الحركة والدينكا على مقاليد الأمور في الجنوب.



إضافة إلى ذلك، فإن الحركة ترغب في إحراج النظام السوداني خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع المجتمع الدولي، وفي القلب منه الولايات المتحدة.. إذ يلاحظ أنه كانت هناك وعود أمريكية بتحسين العلاقات مع الخرطوم وتقديم بعض المزايا للبشير حال المضي قدما في تطبيق اتفاق نيفاشا واحترام نتائج الاستفتاء، ومن ذلك رفع اسم السودان من اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، فضلاً عن إمكانية رفع العقوبات المفروضة عليه من قبل واشنطن، وكذلك إمكانية إسقاط الديون.



وبالتالي فإن إقدام الحركة على مثل هذه الخطوة قد يجعل نظام البشير في موقف حرج، فالتجاهل يعني مكسبًا لها، أما التصعيد فيظهره في موقف قد يغضب واشنطن، وبالتالي تتراجع عن تقديم هذه الوعود.



وفي المقابل فإن التعامل القوي لحكومة الجنوب مع الأزمة يشير إلى رغبتها هي الأخرى في توجيه رسالة للحركة الشعبية من ناحية، ولمعارضيها الشماليين من ناحية ثانية بأنها لا تفرط في التراب السوداني، لا سيما بعد توجيه الاتهامات لها بأنها المسئولة عن انفصال الجنوب، كما أنها تحاول إثبات أن هاتين المنطقتين خاضعتين لسيادتها، وبالتالي فلا يجوز قيام أية حركة تمرد بهما.



إذن هذه هي الدوافع الجنوبية، وفي مقابلها الدوافع الشمالية التي تفسر أسباب اندلاع العنف في النيل الأزرق، بعد اندلاعه في أبيي وجنوب كردفان، وهو ما يشير إلى أن المناطق الحدودية بينهما هي بمنزلة حقل ألغام يمكن أن يعترض مسيرة الدولتين الجارتين، ويدفع بهما إلى أتون حرب جديدة.


النيل الأزرق والمياه المصرية

أما بخصوص تأثير هذا النزاع على الأمن المائي المصري، فمن الواضح أنه لا يزال نزاعًا محدودًا، لا سيما فيما يتعلق بالرد القوي من حكومة الخرطوم عليه، ومن ثَمَّ فإن منابع النيل بمأمن عن هذا النزاع المحدود حتى هذه اللحظة، وإن كان هذا لا يعني عدم الاهتمام المصري بتسويته؛ لأن التوتر بينهما ربما تكون له انعكاساته السلبية على الأمن القومي المصري بصفة عامة، وربما هذا ما دفع الخارجية المصرية إلى مطالبة الطرفين بالتهدئة.



بقلم: د. بدر حسن شافعي[2]



المصدر: موقع علامات أون لاين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق