السبت، 19 نوفمبر 2011

اقرأ كي تحيا. بقلم: صهيب الشريف

::::روان الاخبــار:::

اقرأ كي تحيا. بقلم: صهيب الشريف
المصدر:مدونة القراءة الذكية

الاثنين:Nov 14, 2011

ذكر عباس العقاد معللا شغفه بالقراءة ” إن حياة واحدة لا تكفيني ” , فعلا من يقرأ يشعر أنه يضيف لحياته حيوات الكتاب اللذين قرأ لهم , يعايشهم في أحزانهم واتراحهم , ينقلون أليه الخبرات فيتأثر بها , بحسب المعادل الموضوعي الذي تحدث عنه ت.س.إليوت . وربما من هنا نشأ علم العلاج بالقراءة Bibliotherapy للأشخاص اللذين يعانون توترات نفسية أو اضطرابات سلوكية أو قلق أو مخاوف وأوهام.
يتحدث ألبرتو مانغويل في كتابه “تاريخ القراءة” A History of Reading عن القراءة بوصفها ضرورة للحياة كالتنفس, ويضع في بداية الكتاب عبارة”اقرأ كي تحيا”.
يذكر كيف بدأ حبه للقراءة وشغفه الكبير بالكتب منذ طفولته , عندما اكتشف مقدرته على القراءة ,وذلك بمجرد أن ركب الحروف الصغيرة ببعضها البعض االتي علمته إياها مربيته, فحولها إلى كلمات ,ثم إلى حقائق حية يقول ” أحسست بأنني اصبحت إنسانا جبارا, كنت أستطيع أن اقرأ “, ثم بدأ يتابع بنفسه الإطلاع على الكتب , إلى أن عمل ذات يوم في مكتبة ببوينس أيرس, فدخل المكتبة رجل كفيف وطلب قاموس لغوي أنجلوسكسوني, فتعجب الصبي كيف لهذا الكفيف أن يقرأ مثل هذا الكتاب , فسأله سيدي هل ستقرأ هذا الكتاب الضخم, أجاب الكفيف ( الشاعر الأرجنتيني العظيم خورخي لويس بورخيس) ,ما رأيك أن تقرأ لي, وتساعدني على قراءة كتب أخرى, هكذا بدأ مانغويل يقرأ لبورخيس لمدة سنتين , وامتدت صداقتهما إلى أن توفي الشاعر.

كانت تجربة فريدة في القراءة أغنت كثيرا مقدرات الشاب الفكرية والنقدية والأدبية, وألهمته محبة القراءة والاطلاع على كل صنوف المعرفة,وما يتعلق بالكتاب والكتب,في الأدب والفلسفة والتاريخ والعلوم .

لقد تتبع مشاهير العالم اللذين أحبوا القراءة ,كأرسطو,ولوفكرافت,وابن الهيثم ,والفرساك,وماريا المجدلية,والقديس أوغسطينوس,وريلكة, واقتفى اثر نصوص الكتاب العظماء عبر العصور المختلفة في كثير من مكتبات العالم ,لكنه بحث عنها أيضا داخل نفسه.

يروي كيف يمكن أن يكون ثمن معرفة القراءة غاليا,فالعبيد السود في أمريكا (زمن الرق والعبودية) دفعوا ثمن تعلمهم القراءة والكتابة بالسر,الموت على يد أسيادهم البيض ,لكن الأجيال اللاحقة لم تتوقف عن التعلم.

يروي المؤلف على لسان بورخيس قصة المظاهرات الشعبوية التي نظمتها حكومة بيرون 1950 في بوينس أيرس ضد المثقفين المناوئين للحكم ,كان المتظاهرون يهتفون (أحذية نعم,كتب لا), إشارة إلى أن الحكومة الشعبوية تريدنا أن ننسى , لأن الكتب بهرجة لا حاجة إليها.

كذلك فعلت الحكومات الديكتاتورية اللاحقة في الأرجنتين, لقد طالبتنا أن نتوقف عن التفكير.

إن النظامين الديكتاتوري والشعبوي ,يريدان جعلنا أغبياء لإخضاعنا, لذلك تراهم يشجعون الشعب على استهلاك القمامة التلفزيونية.

يقول بورخيس “إن الكتاب امتداد للذاكرة” , فالقراءة رحلة استقصاء عن المعنى داخل النصوص, وتواصل ذهني يجعل القارئ يتأثر بما يقرأ,فيتغير ويغير ما بنفسه ومحيطه ,فالقراءة هي الطريق للولوج للمعرفة والفهم والارتقاء بالنفس والمجتمع لمستويات حضارية.

يذكر المؤلف في كتابه كل أنواع القراءات, ففي فصل فعل القراءة نراه يتحدث عن, القراءة الظل والصورة,والقراءة الوجدانية,والقراءة الصامتة,ومجازيات القراءة,وقراءة المستقبل.

في الفصل الثاني سلطان القارئ نجده يتحدث عن ,المترجم القارئ,والقارئ الأديب,والقارئ الرمزي ,والقاري المولع بالكتب,والقارئ خلف الجدران,والقراءة الممنوعة.

كتاب تاريخ القراءة الذي نتحدث عنه صدر بالإنجليزية عام 1998 عن دار ألفرد لنوف ,

ونال المؤلف عليه جائزة Medicis Essai , ترجمه للعربية سامي شمعون في دار الساقي .

ألبيرتو مانغويل لمن لا يعرفه, أرجنتيني ولد في بوينس أيرس عام 1948,تنقل في طفولته وشبابه كثيرا,بسبب عمل والده سفير لبلاده في عدة دول ,لذلك أتقن الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية والاسبانية والالمانية والايطالية , في عام 1985 حصل على الجنسية الكندية,وحاليا يقيم في ضاحية جبلية (بواتيه) في فرنسا, حيث بنى بيتا كبيرا, يتسع لكتبة (الثلاثين ألفا) ,بكل اللغات التي يعرفها,لهذا تعتبر مكتبته من أكبر المكتبات الشخصية في أوربا.

ألف عدة كتب منها “The Library at Night”

”Kipling.A brief Biography for young Adults”

‘”Gods Spies Stories in Defiance Opperession”

” Reading Pictures A history of love and Hate”

“A Reading Diary”

لقد أصبحت الكتب هي حياته وعالمه يقول “حين افترق عن كتبي اشعر أنى أموت, فالقراءة بالنسبة لي انفتاح على العالم ,يمنحني الحرية الكاملة لأن أنتقل مع المؤلفين لبلدانهم ,وأصبح جزء من عالمهم ولغتهم ,صحيح اننا عندما نقرأ نكون لوحدنا ,ولكن العالم بأسره يدخل في صفحات ما نقرأ ونتشارك معه”.

القراءة محادثة يتورط فيها القارئ بحوار يستفزه بصمت من خلال الكلمات التي على الصفحة, وهذا غالبا ما يدفعه لالتقاط القلم والتواصل والحوار مع المؤلف بالكتابة والتعليق على هامش النص,هذه الكتابة الظل التي ترافق كتبنا الأثيرة توسع من النص وتنقله إلى زمن آخر, وتتحول القراءة إلى تجربة فاعلة تضفي واقعية على الأوهام التي يخبرنا بها الكتاب , ويريدنا نحن القراء أن نعيشها , لذلك فإن عظمة أي نص تتمثل في أن تتاح لنا فرصة ,من خلال سطوره للتأمل والتعمق والتفسير.

لكن لآسف فإن هذا العمق يفقد عندما نلجأ للصورة نستمد منها معلوماتنا عبر التلفاز أو الحاسوب,ذلك أن سرعة انتقال الصورة التي تحتوي ملايين النقاط الضوئية pixel والموجه على الشاشة ,لا تترك فرصة للمتلقي كي يدرك كنهها , لأن حجم ما تحمله من المعلومات اكبر بكثير من قدرة الدماغ على استيعابها بوقت قصير.

كما أن الرسائل الإعلانية التي لا تكاد تحتوي على معلومة مفيدة, تكرر وبسرعة خاطفة صور متتالية ,كأنها ضرب على رأس المشاهد ,ولا يبقى إلا اسم السلعة المعلن عنها, وهنا يتحول المشاهد إلى زبون يتلهف لتلقف السلعة, وليس لديه الوقت للتبصر بمدى حاجته إليها.

هذه الميديا البصرية تعمل على الاستئثار باهتمامنا,ولكن لا تتيح لنا الفرصة للتأمل والتفكير.

هذا ما يجعل المادة المطبوعة (الصحيفة والكتاب),أداتنا الرئيسية لفهم العالم من حولنا بشكل أفضل من أي وقت مضى.

هناك أناس يعتقدون انه سيستغني عن النص المطبوع بشكل مجلد تقليدي ,ويرون أن التطور السريع للقراءة على شاشة الحاسوب تهدد الكتاب,علينا ألا ننسى أن الكتاب الحالي جاء بعد عملية تطور طبيعية وتاريخية طويلة,بدأت مع ألواح الصلصال في سومر وأوغاريت ,حيث خط عليها الحروف والأشكال والإشارات ,ثم حدثت نقلة نوعية مع استعمال لفائف البردي في مصر القديمة, لكن الثورة الكبرى كانت مع اختراع جوتنبرغ الطباعة على الورق , وولادة أول مطبعة وكتاب مطبوع , لم تعد القراءة عندها اطلاع على بيانات أو معلومات ,بل حملت معها لذة لا تقل عن لذة الطعام.

والتاريخ يعلمنا مع دخول أي اختراع جديد في حياة الإنسان, هناك متسع لاستيعابه إن كان يلبي حاجة ما, فقد ذكر أن الإذاعة والتلفاز سوف تقضي على الكتاب المطبوع , وقالوا إن التلفاز معناه القضاء على الإذاعة, بل موت السينما , الذي حدث أن المخترعات واصلت تطورها وتكيفت مع المستجدات والمتغيرات, بحيث بدا وكأن وسائل الاتصال يدعم بعضها بعضا, ولا يعني حياة إحداها زوال الآخر..

لهذا يبقى الكتاب الوعاء الجذاب للمعرفة الموثقة والراسخة ,الذي يمكننا من الرجوع إليه كلما اشتقنا للقاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق