كيف تصنع فيلما وثائقيا؟ - روان للإنتاج الإعلامي والفني
عرض/ بشار إبراهيم
"وفي
حدود معلوماتي، هو أول كتاب باللغة العربية، غير منقول ولا مترجم، يكتبه
مخرجه من خلال تجربته المباشرة والحية، وهنا تكمن أهمية هذا الكتاب".
في
24 كلمة من مقدمته، يبني الناقد علي أبو شادي لقطة مقرّبة لكتاب "كيف تصنع
فيلماً وثائقياً؟" لمؤلفه المخرج إياد الداود. ربما هي المصادفة وحدها
التي جعلت 24 كلمة تبني هذه اللقطة الكتابية، القادرة على كشف جانب حقيقي
من أهمية هذا الكتاب، غير المسبوق باللغة العربية، بما يتفق مع قدرة 24
صورة على تشكيل اللقطة السينمائية، والانتقال بها من الصور الثابتة
(فوتوغرافيا) إلى صورة الحركة (سينماتوغرافيا).
كأنما
هو جزء من حوار ما بين الناقد والمخرج، قبل الانتقال في ثنايا هذا الكتاب
إلى حوار مستمر بين المخرج المحترف إياد الداود وبين أجيال صاعدة من
المخرجين الشباب والهواة، الراغبين في تعلّم الخطوات الأولى، المتينة
والراسخة على درب صناعة الفيلم الوثائقي، سواء للسينما أم للتلفزيون. كيف
لا، وإياد الداود هو من أوائل من أرسى الخطوات، خاصة في إطار جيل انطلق
إبداعياً نهاية تسعينيات القرن العشرين، بالتوافق مع انتشار التصوير الرقمي
(ديجيتال)، وولادة الفضائيات العربية، مما جعل الداود يعمل على خلق حالة
من التزاوج ما بين الفيلم السينمائي والتلفزيوني، ليكون الفيلم صالحاً
للعرض في الحالتين، لجمهور السينما، ولمشاهدي التلفزيون أيضا.
العنوان: كيف تصنع فيلما وثائقيا؟
المؤلف: إياد الداود
الناشر: مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع
عدد الصفحات: 164
الطبعة الأولى: 2013
سيرة غنية
وإذا
كان للسيرة الذاتية والمسيرة الإبداعية لمؤلف كتاب من هذا النوع، الدور
غير المرئي في التأكيد على المصداقية والموثوقية فيما يقول، فإن صاحب
"القدس وعد السماء"، و"دير ياسين الوجع" و"مآذن في وجه الدمار" و"عودة"
و"أعراس الزهور" و"جنين" و"فن الحياة"، وثلاثية "في ضيافة البندقية"،
و"دايرين السلام"، لا يفخر بأكثر من 20 جائزة نالها من مهرجانات عربية
ودولية فقط، بل لعله يفخر بقدرة أفلامه على الحضور والوصول إلى أوسع قطاع
من الجمهور، واستعادة عرضها دائماً، وعلى أكثر من شاشة.
يؤمن
إياد الداود أن "بينك وبين المجد فيلما"، ومن هنا فإنه في الدورات
التدريبية التي يتولاها ويشرف عليها ويديرها، كما في كتابه هذا "كيف تصنع
فيلماً وثائقياً؟"، يمزج بين الشخصي والعام، الطموح الفردي والهمّ العام،
ليقود طلابه على "دروب المجد"، مؤسساً لتعليمهم بطريقة مهنية واحترافية
خطوات صناعة الوثائقي، متوجّاً ذلك بالغاية الأسمى، التي رهن الداود حياته
وإبداعه وجهوده لأجلها، ويرى أن على كل مبدع أن يتمثلها في أفلامه
المُقبلة، وهي قضية الشعب. الحق في العيش في حرية وكرامة وأمن وسلام.
نستطيع
تلمّس هذا من دلالات الإهداء، الذي أورده المؤلف، متوجّهاً إلى عدد من
الشخصيات التي ظهرت في أفلامه الوثائقية: الحاج موسى الخالص، والحاجة زينب
إسماعيل عطية، وأم الشهيد فارس عودة، وجمال منصور، وهي بمجموعها تكاد تمثل
التنوّع البهي للشعب الفلسطيني، رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً، ونضاله من
أجل استعادة حقوقه المشروعة. كما قام بإهداء إلى طفلتيه (شام وكرمل)، بما
تمثلانه من أمل المستقبل، وإشراقته وأحلامه وتطلعاته، المستقبل الذي ينبني
ببراءة الأطفال، واجتهاد المتعلمين، وإصرار المناضلين. دون أن ينسى إبداء
لفتة وفاء إلى من أثروا في حياته.
"يؤمن إياد الداود أن "بينك وبين المجد فيلما"، ومن هنا فإنه في
الدورات التدريبية التي يتولاها ويشرف عليها ويديرها، كما في كتابه هذا،
يمزج بين الشخصي والعام، الطموح الفردي والهمّ العام"
الاطلاع
المتأمّل على هذا الكتاب (164 صفحة من القطع الكبير، إصدار "مكتبة الفلاح
للنشر والتوزيع"، الكويت، الإمارات، مصر، و"دار حنين"، الأردن، 2013)، يكشف
منذ مقدمة المؤلف أنه حريص على الجانب النظري المعرفي، في تلازم مع الجانب
العملي التطبيقي، إذ إن صناعة الفيلم الوثائقي تتطلّب من صانعه أن يكون
مثقفاً عارفاً مطلعاً، ليس فقط على المعلومات المتعلقة بتاريخ الفيلم
الوثائقي ومدارسه واتجاهاته وأبرز أعلامه، بل كذلك في الموضوعات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية. التاريخ والجغرافيا وعلم النفس والاجتماع، لأن
ثراء واتساع ثقافة صانع الوثائقي تنعكس على كثير من جوانب إبداعه وتمنحه
"قيمة مختلفة، ورؤية إضافية".
كتاب تفاعلي
في
"الباب الأول: تمهيد وتأسيس"، الذي تضمن أربعة عناوين هي: السينما بدأت
وثائقية، وتعريف الفيلم الوثائقي، والمدارس والاتجاهات، وفريق العمل،
تتبدّى عناية المؤلف وحرصه على الكتابة بطريقة سلسلة، تأخذ قارئها إلى
عوالمها دون أي وعورة أو ميل إلى استخدام المصطلحات العصية على الفهم، على
الأقل بالنسبة لمبتدئ، بل إن الداود عمد إلى طرح تفسيرات ذات علاقة بمصطلحي
"الوثائقي" و"التسجيلي"، مفضلاً استخدام أولهما، دون أن يحجر على من يريد
استخدام الثاني.
كما
حدد بطريقة مبسطة الفروق بين "الوثائقي" و"الروائي"، قبل أن يمضي مبحراً
في "المدارس والاتجاهات" التي شهدتها أو مرّت بها صناعة الفيلم الوثائقي،
منذ ولادة السينما حتى الآن، مع التوقّف أمام أبرز أعلامها مثل البريطاني
جون جريرسون، والأميركي ربورت فيلاهرتي، والروسي دزيغا فيرتوف. دون أن ينسى
"مدرسة الدراما الوثائقية" (دوكيودراما)، التي نشأت في أعقاب الحرب
العالمية الثانية، والتي وجدت ازدهاراً بغية التعويض عن النقص في "مواد
وصور الموضوع الوثائقي".
وأيضا
دون أن ينسى تحت عنوان "فريق العمل" تحديد الجوانب الثلاثة: الجانب
الإبداعي الجمالي، والجانب الحرفي التقني، والجانب الإداري. هذه التي ينبغي
لها أن تتكامل لخلق بيئة مناسبة لصنع فيلم وثائقي متميز.
مع
"الباب الثاني: مراحل وخطوات الإنتاج الوثائقي"، يبدأ إياد الدواد في
الجانب العملي التطبيقي، والمهني الاحترافي، منطلقاً من "مرحلة ما قبل
الإنتاج"، التي تتضمّن: الفكرة، والعرض المقترح، واعتماد المشروع
والميزانية، والمعالجة الفنية، وسيناريو التصوير. لينتقل بعدها إلى "مرحلة
الإنتاج"، التي تتضمن: عملية التصوير، وصولاً إلى "مرحلة ما بعد الإنتاج"
التي تتضمن: التفريغ، والسيناريو، وكتابة النص، والمونتاج على الورق
(الديكوباج)، والمونتاج، واختيار المعلق والتسجيل، وتصميم الصوت، والمكساج،
ومتابعة مستمرة لموضوع الفيلم أو البرنامج، والنسخة شبه النهاية.
""كيف تصنع فيلماً وثائقياً؟" أقرب إلى الكتاب التفاعلي الذي يقدّم
ويفكّر ويناقش ويساجل ويتساءل ويوجّه ويأمر ويطلب، بعيداً تماماً عن
التلقينية، التي هي أسوأ ما يصيب هذا النوع من الكتب الهادفة إلى التعليم"
يكاد
المؤلف/المخرج لا يترك شاردة أو واردة دون أن يأتي على ذكرها، ومناقشة
وسائل وآليات التعامل معها، سواءً أكانت تطويراً وإنضاجاً، أم بحثا عن حلول
ومعالجات، وذلك انطلاقا من خبرته العملية من خلال صناعته عددا من الأفلام
الوثائقية (11 فيلماً)، وإنتاجه أكثر من 150 ساعة وثائقية أخرى، وأكثر من
ألف ساعة درامية وبرامجية متنوعة، مما يعني إلمامه العميق، المُجرّب
والمتحقّق، في ميدان العمل، لا وراء مكاتب المقولات النظرية، فقط.
بل
إن من الطريف أن الداود عمد في بعض العبارات والجمل إلى استخدام صيغة فعل
الأمر، ليس على صعيد "أخلاقيات المهنة"، الواجب على صانع الوثائقي اتباعها
حتماً، بل أيضاً على صعيد التعامل مع وسائله وأدواته، بما يعني من جهة أولى
الحزم إزاء ما ينبغي القيام به، كما يعني من جهة أخرى الثقة في قدرات
المتدرب واستطاعته على الفعل، طالما توفّر من يقوم بتدريبه وتوجيهه وقيادته
إلى شاطئ الحرفية والإتقان، تلك الطريق التي يرصفها المؤلف بعدد من
القواعد الماسية.
ويختم
إياد الداود كتابه المهم بعدد ضروري من المرفقات، جاء من ضمنها من: بنود
ميزانية الإنتاج الوثائقي، وجدول التصوير، ونموذج سيناريو، ونموذج
الديكوباج، وتمرين إعداد سيناريو، وقائمة الأفلام والمشاهدات، والمراجع.
يبقى
من الضروري الانتباه إلى أن المؤلف/المخرج إياد الداود، وفضلاً عن حرصه
على استخدام اللغة العربية السلسة والرائقة، وإدراج بعض الأسماء والكلمات
والعناوين غير العربية عند الضرورة، برسمها وفق ما ورد في لغتها الأصلية
(الإنجليزية)، فإنه كذلك اشتغل في تأليف الكتاب على الفقرات القصيرة،
والعناوين المتتالية (أساسية وفرعية).
كما
اعتمد المؤلف صيغة إثارة السؤال، واقتراح الجواب. بما يجعل من كتابه أقرب
إلى الكتاب التفاعلي، الذي يقدّم ويفكّر ويناقش ويساجل ويتساءل ويوجّه
ويأمر ويطلب، بعيداً تماماً عن التلقينية، التي هي أسوأ ما يصيب هذا النوع
من الكتب الهادفة إلى التعليم. وبنجاته من التلقينية تحوّل كتاب "كيف تصنع
فيلماً وثائقياً؟" إلى رحلة ممتعة ومفيدة لمن أراد منه القراءة، وخطوات
مثمرة ومنتجة لمن أراد منه تطبيقاً عملياً.
"كيف
تصنع فيلماً وثائقياً؟" إضافة هامة لمكتبة السينما العربية، ودليلٌ يمكن
لمن أراد السير على درب صناعة الوثائقي، الاهتداء به، وسيصل.
المصدر : الجزيرة
عرض/ بشار إبراهيم
"وفي
حدود معلوماتي، هو أول كتاب باللغة العربية، غير منقول ولا مترجم، يكتبه
مخرجه من خلال تجربته المباشرة والحية، وهنا تكمن أهمية هذا الكتاب".
في
24 كلمة من مقدمته، يبني الناقد علي أبو شادي لقطة مقرّبة لكتاب "كيف تصنع
فيلماً وثائقياً؟" لمؤلفه المخرج إياد الداود. ربما هي المصادفة وحدها
التي جعلت 24 كلمة تبني هذه اللقطة الكتابية، القادرة على كشف جانب حقيقي
من أهمية هذا الكتاب، غير المسبوق باللغة العربية، بما يتفق مع قدرة 24
صورة على تشكيل اللقطة السينمائية، والانتقال بها من الصور الثابتة
(فوتوغرافيا) إلى صورة الحركة (سينماتوغرافيا).
كأنما
هو جزء من حوار ما بين الناقد والمخرج، قبل الانتقال في ثنايا هذا الكتاب
إلى حوار مستمر بين المخرج المحترف إياد الداود وبين أجيال صاعدة من
المخرجين الشباب والهواة، الراغبين في تعلّم الخطوات الأولى، المتينة
والراسخة على درب صناعة الفيلم الوثائقي، سواء للسينما أم للتلفزيون. كيف
لا، وإياد الداود هو من أوائل من أرسى الخطوات، خاصة في إطار جيل انطلق
إبداعياً نهاية تسعينيات القرن العشرين، بالتوافق مع انتشار التصوير الرقمي
(ديجيتال)، وولادة الفضائيات العربية، مما جعل الداود يعمل على خلق حالة
من التزاوج ما بين الفيلم السينمائي والتلفزيوني، ليكون الفيلم صالحاً
للعرض في الحالتين، لجمهور السينما، ولمشاهدي التلفزيون أيضا.
العنوان: كيف تصنع فيلما وثائقيا؟
المؤلف: إياد الداود
الناشر: مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع
عدد الصفحات: 164
الطبعة الأولى: 2013
سيرة غنية
وإذا
كان للسيرة الذاتية والمسيرة الإبداعية لمؤلف كتاب من هذا النوع، الدور
غير المرئي في التأكيد على المصداقية والموثوقية فيما يقول، فإن صاحب
"القدس وعد السماء"، و"دير ياسين الوجع" و"مآذن في وجه الدمار" و"عودة"
و"أعراس الزهور" و"جنين" و"فن الحياة"، وثلاثية "في ضيافة البندقية"،
و"دايرين السلام"، لا يفخر بأكثر من 20 جائزة نالها من مهرجانات عربية
ودولية فقط، بل لعله يفخر بقدرة أفلامه على الحضور والوصول إلى أوسع قطاع
من الجمهور، واستعادة عرضها دائماً، وعلى أكثر من شاشة.
يؤمن
إياد الداود أن "بينك وبين المجد فيلما"، ومن هنا فإنه في الدورات
التدريبية التي يتولاها ويشرف عليها ويديرها، كما في كتابه هذا "كيف تصنع
فيلماً وثائقياً؟"، يمزج بين الشخصي والعام، الطموح الفردي والهمّ العام،
ليقود طلابه على "دروب المجد"، مؤسساً لتعليمهم بطريقة مهنية واحترافية
خطوات صناعة الوثائقي، متوجّاً ذلك بالغاية الأسمى، التي رهن الداود حياته
وإبداعه وجهوده لأجلها، ويرى أن على كل مبدع أن يتمثلها في أفلامه
المُقبلة، وهي قضية الشعب. الحق في العيش في حرية وكرامة وأمن وسلام.
نستطيع
تلمّس هذا من دلالات الإهداء، الذي أورده المؤلف، متوجّهاً إلى عدد من
الشخصيات التي ظهرت في أفلامه الوثائقية: الحاج موسى الخالص، والحاجة زينب
إسماعيل عطية، وأم الشهيد فارس عودة، وجمال منصور، وهي بمجموعها تكاد تمثل
التنوّع البهي للشعب الفلسطيني، رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً، ونضاله من
أجل استعادة حقوقه المشروعة. كما قام بإهداء إلى طفلتيه (شام وكرمل)، بما
تمثلانه من أمل المستقبل، وإشراقته وأحلامه وتطلعاته، المستقبل الذي ينبني
ببراءة الأطفال، واجتهاد المتعلمين، وإصرار المناضلين. دون أن ينسى إبداء
لفتة وفاء إلى من أثروا في حياته.
"يؤمن إياد الداود أن "بينك وبين المجد فيلما"، ومن هنا فإنه في
الدورات التدريبية التي يتولاها ويشرف عليها ويديرها، كما في كتابه هذا،
يمزج بين الشخصي والعام، الطموح الفردي والهمّ العام"
الاطلاع
المتأمّل على هذا الكتاب (164 صفحة من القطع الكبير، إصدار "مكتبة الفلاح
للنشر والتوزيع"، الكويت، الإمارات، مصر، و"دار حنين"، الأردن، 2013)، يكشف
منذ مقدمة المؤلف أنه حريص على الجانب النظري المعرفي، في تلازم مع الجانب
العملي التطبيقي، إذ إن صناعة الفيلم الوثائقي تتطلّب من صانعه أن يكون
مثقفاً عارفاً مطلعاً، ليس فقط على المعلومات المتعلقة بتاريخ الفيلم
الوثائقي ومدارسه واتجاهاته وأبرز أعلامه، بل كذلك في الموضوعات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية. التاريخ والجغرافيا وعلم النفس والاجتماع، لأن
ثراء واتساع ثقافة صانع الوثائقي تنعكس على كثير من جوانب إبداعه وتمنحه
"قيمة مختلفة، ورؤية إضافية".
كتاب تفاعلي
في
"الباب الأول: تمهيد وتأسيس"، الذي تضمن أربعة عناوين هي: السينما بدأت
وثائقية، وتعريف الفيلم الوثائقي، والمدارس والاتجاهات، وفريق العمل،
تتبدّى عناية المؤلف وحرصه على الكتابة بطريقة سلسلة، تأخذ قارئها إلى
عوالمها دون أي وعورة أو ميل إلى استخدام المصطلحات العصية على الفهم، على
الأقل بالنسبة لمبتدئ، بل إن الداود عمد إلى طرح تفسيرات ذات علاقة بمصطلحي
"الوثائقي" و"التسجيلي"، مفضلاً استخدام أولهما، دون أن يحجر على من يريد
استخدام الثاني.
كما
حدد بطريقة مبسطة الفروق بين "الوثائقي" و"الروائي"، قبل أن يمضي مبحراً
في "المدارس والاتجاهات" التي شهدتها أو مرّت بها صناعة الفيلم الوثائقي،
منذ ولادة السينما حتى الآن، مع التوقّف أمام أبرز أعلامها مثل البريطاني
جون جريرسون، والأميركي ربورت فيلاهرتي، والروسي دزيغا فيرتوف. دون أن ينسى
"مدرسة الدراما الوثائقية" (دوكيودراما)، التي نشأت في أعقاب الحرب
العالمية الثانية، والتي وجدت ازدهاراً بغية التعويض عن النقص في "مواد
وصور الموضوع الوثائقي".
وأيضا
دون أن ينسى تحت عنوان "فريق العمل" تحديد الجوانب الثلاثة: الجانب
الإبداعي الجمالي، والجانب الحرفي التقني، والجانب الإداري. هذه التي ينبغي
لها أن تتكامل لخلق بيئة مناسبة لصنع فيلم وثائقي متميز.
مع
"الباب الثاني: مراحل وخطوات الإنتاج الوثائقي"، يبدأ إياد الدواد في
الجانب العملي التطبيقي، والمهني الاحترافي، منطلقاً من "مرحلة ما قبل
الإنتاج"، التي تتضمّن: الفكرة، والعرض المقترح، واعتماد المشروع
والميزانية، والمعالجة الفنية، وسيناريو التصوير. لينتقل بعدها إلى "مرحلة
الإنتاج"، التي تتضمن: عملية التصوير، وصولاً إلى "مرحلة ما بعد الإنتاج"
التي تتضمن: التفريغ، والسيناريو، وكتابة النص، والمونتاج على الورق
(الديكوباج)، والمونتاج، واختيار المعلق والتسجيل، وتصميم الصوت، والمكساج،
ومتابعة مستمرة لموضوع الفيلم أو البرنامج، والنسخة شبه النهاية.
""كيف تصنع فيلماً وثائقياً؟" أقرب إلى الكتاب التفاعلي الذي يقدّم
ويفكّر ويناقش ويساجل ويتساءل ويوجّه ويأمر ويطلب، بعيداً تماماً عن
التلقينية، التي هي أسوأ ما يصيب هذا النوع من الكتب الهادفة إلى التعليم"
يكاد
المؤلف/المخرج لا يترك شاردة أو واردة دون أن يأتي على ذكرها، ومناقشة
وسائل وآليات التعامل معها، سواءً أكانت تطويراً وإنضاجاً، أم بحثا عن حلول
ومعالجات، وذلك انطلاقا من خبرته العملية من خلال صناعته عددا من الأفلام
الوثائقية (11 فيلماً)، وإنتاجه أكثر من 150 ساعة وثائقية أخرى، وأكثر من
ألف ساعة درامية وبرامجية متنوعة، مما يعني إلمامه العميق، المُجرّب
والمتحقّق، في ميدان العمل، لا وراء مكاتب المقولات النظرية، فقط.
بل
إن من الطريف أن الداود عمد في بعض العبارات والجمل إلى استخدام صيغة فعل
الأمر، ليس على صعيد "أخلاقيات المهنة"، الواجب على صانع الوثائقي اتباعها
حتماً، بل أيضاً على صعيد التعامل مع وسائله وأدواته، بما يعني من جهة أولى
الحزم إزاء ما ينبغي القيام به، كما يعني من جهة أخرى الثقة في قدرات
المتدرب واستطاعته على الفعل، طالما توفّر من يقوم بتدريبه وتوجيهه وقيادته
إلى شاطئ الحرفية والإتقان، تلك الطريق التي يرصفها المؤلف بعدد من
القواعد الماسية.
ويختم
إياد الداود كتابه المهم بعدد ضروري من المرفقات، جاء من ضمنها من: بنود
ميزانية الإنتاج الوثائقي، وجدول التصوير، ونموذج سيناريو، ونموذج
الديكوباج، وتمرين إعداد سيناريو، وقائمة الأفلام والمشاهدات، والمراجع.
يبقى
من الضروري الانتباه إلى أن المؤلف/المخرج إياد الداود، وفضلاً عن حرصه
على استخدام اللغة العربية السلسة والرائقة، وإدراج بعض الأسماء والكلمات
والعناوين غير العربية عند الضرورة، برسمها وفق ما ورد في لغتها الأصلية
(الإنجليزية)، فإنه كذلك اشتغل في تأليف الكتاب على الفقرات القصيرة،
والعناوين المتتالية (أساسية وفرعية).
كما
اعتمد المؤلف صيغة إثارة السؤال، واقتراح الجواب. بما يجعل من كتابه أقرب
إلى الكتاب التفاعلي، الذي يقدّم ويفكّر ويناقش ويساجل ويتساءل ويوجّه
ويأمر ويطلب، بعيداً تماماً عن التلقينية، التي هي أسوأ ما يصيب هذا النوع
من الكتب الهادفة إلى التعليم. وبنجاته من التلقينية تحوّل كتاب "كيف تصنع
فيلماً وثائقياً؟" إلى رحلة ممتعة ومفيدة لمن أراد منه القراءة، وخطوات
مثمرة ومنتجة لمن أراد منه تطبيقاً عملياً.
"كيف
تصنع فيلماً وثائقياً؟" إضافة هامة لمكتبة السينما العربية، ودليلٌ يمكن
لمن أراد السير على درب صناعة الوثائقي، الاهتداء به، وسيصل.
المصدر : الجزيرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق