يوميات غوانتانامو - روان للإنتاج الإعلامي والفني
عرض/مرح البقاعي
لا
أحد يعرف التفاصيل الدقيقة عن كيفية إخراج مذكرات السجين ولد صلاحي من خلف
أسوار سجن غوانتانامو وطباعتها في كتاب يشغل العالم والرأي العالمي الآن،
إذ إنها بقلم سجين ما زال يقبع خلف القضبان وقد تمكن من إطلاق يومياته خارج
معتقله عن طريق محاميه الذي ما زال يرفض الإدلاء بأي تصريح عن الآليات
القانونية التي اتبعها من أجل الحصول على تصاريح أمنية تخول نقل هذه
المذكرات إلى المطبعة للنشر.
فمن
هو كاتب هذا الكتاب الذي يتقدم قائمة الكتب الأكثر مبيعا في الولايات
المتحدة؟ إنه محمدو ولد صلاحي، المواطن الموريتاني المولود في بلدة صغيرة
من موريتانيا في العام 1970.
حصل
ولد صلاحي على منحة دراسية في ألمانيا وعمل هناك مهندسا لعدة أعوام، ثم
قطع دراسته في العام 1990 لينضم إلى وحدات قتالية في تنظيم القاعدة تحارب
الشيوعية في أفغانستان، وعاد إلى موريتانيا في العام 2000.
-العنوان: يوميات غوانتانامو
-المؤلف: محمدو ولد صلاحي
-المحرر: لاري سيمز
-عدد الصفحات: 432
-الناشر: ليتل براون أند كامباني
-الطبعة: الأولى، 2015
في
السنة التالية، أي في العام 2001، قبضت عليه السلطات الموريتانية بناء على
توجيهات صادرة عن الولايات المتحدة الأميركية، ونقل إلى سجن في الأردن،
ومن ثم نقل إلى قاعدة باغرام الجوية الأميركية في أفغانستان وأخيرا، رُحل
في 5 أغسطس/آب 2002 إلى سجن غوانتانامو في كوبا حيث بدأت -أو بالأحرى-
تواصلت هناك رحلة عذاباته الطويلة التي ما زالت مستمرة حتى تاريخ تحرير هذه
السطور.
تعرض
ولد صلاحي في معتقله لتعذيب ممنهج ومتواصل من الطراز الذي أنيط عنه اللثام
مؤخرا إثر رفع السرية من قبل الكونغرس عن وثائق تتعلق بأساليب التعذيب
التي استعملها السجانون في غوانتانامو، والتي كانت عرضة للإدانة الشديدة في
مجلس النواب الأميركي لتنافيها مع الدستور الأميركي الذي تأسس على قاعدة
حقوق الإنسان وحمايتها.
في
العام 2010 أصدر قاض فيدرالي أمرا قضائيا بإطلاقه فورا، لكن الحكومة
الأميركية قدمت استئنافا ضد أمر القاضي، علما بأن الحكومة لم توجه إليه أي
اتهام جرمي حتى الآن، وهو ما زال قابعا في معتقله بغوانتانامو حتى اللحظة.
أما
لاري سيمنز، فهو محرر هذه اليوميات وناشط في مجال حقوق الإنسان لسنوات
عديدة. آخر منشوراته هو كتاب بعنوان تقرير التعذيب: برنامج التعذيب في
أميركا بعد 11/9. والكاتب يعيش في مدينة نيويورك.
عالم غوانتانامو السري
يحمل
الكتاب تفاصيل دقيقة ومؤسفة ليوميات سجين في غوانتانامو كتبها بخط يده
ساردا تجربته الخاصة التي ما زال يعيشها كل يوم في المعتقل حتى بعد صدور
الكتاب. هذه اليوميات الشخصية توثقها هوامش نقحتها الحكومة الأميركية وكذلك
حواشٍ وسرد يرتبط بوثائق رفعت السرية عنها مؤخرا.
"ولد صلاحي: تمر الأيام طويلة وكئيبة خلف القضبان، وأكاد لا أشعر أن
الزمن ينقضي.. أوقاتي هي مزيج من ظلام وألم مستمر.. أما عن التعذيب الذي
كنت أتعرض له فحدث ولا حرج"
واللافت
في هذا الكتاب الفريد، نظرا لارتباطه بوقائع يومية موثقة ومدونة بعناية،
تلك الحبكة الإنسانية من العلاقات التي تشكلت على مرور الوقت بين السجناء
من طرف والمحققين والحراس من طرف آخر، وكذا كون هذه اليوميات النابضة
بالألم تروي قصة المئات من المعتقلين خلف أسوار غوانتانامو، بل وتؤكد على
محنتهم التي بدأت الوثائق التي تكشف عنها حديثا، والتي تؤرخ لفترة سوداء في
تاريخ حقوق الإنسان التي يعتز بها الأميركيون.
كان
ولد صلاحي من الذين تعرضوا لبرنامج خاص في التعذيب الذي أقره شخصيا دونالد
رامسفيلد وأطلق عليه اسم: المشاريع الخاصة. ويتضمن هذا البرنامج الخاص
الذي أعد خصيصا للسجناء في غوانتانامو، وسائل مبتكرة للتعذيب، منها إخضاع
السجين للعزلة الكاملة، ومنعه لفترات طويلة من النوم، وكذا التحرش الجنسي
بالسجناء، ووضعهم في أوضاع مجهدة، وتهديدهم بالقتل لهم أو لأقرب ذويهم.
وقد
خضع ولد صلاحي لكل هذه الوسائل غير القانونية في التعذيب وهدد بقتله أو
قتل أمه عشرات المرات. أما ممثلو القضاء العسكري الذين امتنعوا عن محاكمة
ولد صلاحي فقد عزوا قرارهم هذا إلى كون السجين قد تعرض لحملة من التعذيب
الشديد، وكذا لأنهم -وبكل بساطة- لم يعثروا على أي دليل يمكنهم من توجيه
الاتهام له.
وبناء عليه ما زال صلاحي في معتقله بدون أن يوجه له اتهام منذ 14 عاما!
الجحيم يكمن في التفاصيل
"تمر
الأيام طويلة وكئيبة خلف القضبان، وأكاد لا أشعر أن الزمن ينقضي.. أوقاتي
هي مزيج من ظلام وألم مستمر.. أما عن التعذيب الذي كنت أتعرض له فحدث ولا
حرج. كنت أحرم من الطعام لفترات طويلة ثم تقدم لي فجأة كميات كبيرة من
الطعام بعد طول تجويع ويطلب مني الحراس التهام الأكل كله في 3 دقائق، إلا
أن أحد الحراس كان يأتي ليسحب الصحن بعد 30 ثانية" هكذا وصف صلاحي إحدى
طرائق التعذيب النفسي والجسدي معا من خلال إخضاع الجسم لعقاب شديد ثم
الإيحاء برفع العقاب دون إيقاف فعلي له.
"أنتوني رومير:إنها مذكرات مثيرة للقلق حقا فيما تثير من أمور وحقائق
حاولت حكومة الولايات المتحدة إخفاءها لأعوام خلت. إنها حياة خلف القضبان
صادمة للضمير الإنساني، حياة ويوميات محمدو ولد صلاحي"
وتحدث
أيضا في يومياته عن الضرب المبرح الذي كان يتعرض له أثناء الاستجواب مما
كان يدفعه أحيانا للاعتراف بأعمال لم يقم بها من أجل أن يتوقفوا عن ضربه.
وكتب
أيضا عن طرق أخرى جهنمية فعلا كأن "يرمى من قارب في ماء المحيط ثم يسحب من
جديد إلى القارب حيث يجبر هناك على شرب كميات كبيرة من الماء قبل أن يلقي
السجان كمية كبيرة من الثلج في ثيابه وينهالوا عليه ضربا". "إنها مذكرات
مثيرة للقلق حقا فيما تثير من أمور وحقائق حاولت حكومة الولايات المتحدة
إخفاءها لأعوام خلت. إنها حياة خلف القضبان صادمة للضمير الإنساني، حياة
ويوميات محمو ولد صلاحي.
إلا
أن ما يكمن وراء هذه السطور المؤلمة هو أعمق بكثير مما نتصور: إنها تثير
فينا ذاك المشترك الإنساني بين البشرية الذي يحثنا إلى القفز وراء جدران
السجن وإلغاء الفروق الإنسانية بيننا. يحمل الكتاب تفاصيل مدمرة في دقتها
بروح وظل خفيف للكاتب الذي يعاني في سجنه، والذي يدعونا جميعا للتأكيد على
حقوق الإنسان التي انتهكت هناك". حسبما يقول المدير التنفيذي للاتحاد
الأميركي للحريات المدنية-أنتوني روميرو، في تعليق له على الكتاب.
من
نافلة القول أن كل من يقرأ كتاب "يوميات غوانتانامو" يتأكد أن ولد صلاحي
ليس فقط من يتعرض للتهديد في هذا المعتقل بظروفه الجائرة، إنها هي حياة
المعتقلين خلف الأسوار. إنها مأساة تهدد فيما تهدد مبادئ الديمقراطية
الأميركية الأصيلة التي دفعت الولايات المتحدة الغالي والرخيص لبناء صرحها
الإنساني.
المصدر : الجزيرة
عرض/مرح البقاعي
لا
أحد يعرف التفاصيل الدقيقة عن كيفية إخراج مذكرات السجين ولد صلاحي من خلف
أسوار سجن غوانتانامو وطباعتها في كتاب يشغل العالم والرأي العالمي الآن،
إذ إنها بقلم سجين ما زال يقبع خلف القضبان وقد تمكن من إطلاق يومياته خارج
معتقله عن طريق محاميه الذي ما زال يرفض الإدلاء بأي تصريح عن الآليات
القانونية التي اتبعها من أجل الحصول على تصاريح أمنية تخول نقل هذه
المذكرات إلى المطبعة للنشر.
فمن
هو كاتب هذا الكتاب الذي يتقدم قائمة الكتب الأكثر مبيعا في الولايات
المتحدة؟ إنه محمدو ولد صلاحي، المواطن الموريتاني المولود في بلدة صغيرة
من موريتانيا في العام 1970.
حصل
ولد صلاحي على منحة دراسية في ألمانيا وعمل هناك مهندسا لعدة أعوام، ثم
قطع دراسته في العام 1990 لينضم إلى وحدات قتالية في تنظيم القاعدة تحارب
الشيوعية في أفغانستان، وعاد إلى موريتانيا في العام 2000.
-العنوان: يوميات غوانتانامو
-المؤلف: محمدو ولد صلاحي
-المحرر: لاري سيمز
-عدد الصفحات: 432
-الناشر: ليتل براون أند كامباني
-الطبعة: الأولى، 2015
في
السنة التالية، أي في العام 2001، قبضت عليه السلطات الموريتانية بناء على
توجيهات صادرة عن الولايات المتحدة الأميركية، ونقل إلى سجن في الأردن،
ومن ثم نقل إلى قاعدة باغرام الجوية الأميركية في أفغانستان وأخيرا، رُحل
في 5 أغسطس/آب 2002 إلى سجن غوانتانامو في كوبا حيث بدأت -أو بالأحرى-
تواصلت هناك رحلة عذاباته الطويلة التي ما زالت مستمرة حتى تاريخ تحرير هذه
السطور.
تعرض
ولد صلاحي في معتقله لتعذيب ممنهج ومتواصل من الطراز الذي أنيط عنه اللثام
مؤخرا إثر رفع السرية من قبل الكونغرس عن وثائق تتعلق بأساليب التعذيب
التي استعملها السجانون في غوانتانامو، والتي كانت عرضة للإدانة الشديدة في
مجلس النواب الأميركي لتنافيها مع الدستور الأميركي الذي تأسس على قاعدة
حقوق الإنسان وحمايتها.
في
العام 2010 أصدر قاض فيدرالي أمرا قضائيا بإطلاقه فورا، لكن الحكومة
الأميركية قدمت استئنافا ضد أمر القاضي، علما بأن الحكومة لم توجه إليه أي
اتهام جرمي حتى الآن، وهو ما زال قابعا في معتقله بغوانتانامو حتى اللحظة.
أما
لاري سيمنز، فهو محرر هذه اليوميات وناشط في مجال حقوق الإنسان لسنوات
عديدة. آخر منشوراته هو كتاب بعنوان تقرير التعذيب: برنامج التعذيب في
أميركا بعد 11/9. والكاتب يعيش في مدينة نيويورك.
عالم غوانتانامو السري
يحمل
الكتاب تفاصيل دقيقة ومؤسفة ليوميات سجين في غوانتانامو كتبها بخط يده
ساردا تجربته الخاصة التي ما زال يعيشها كل يوم في المعتقل حتى بعد صدور
الكتاب. هذه اليوميات الشخصية توثقها هوامش نقحتها الحكومة الأميركية وكذلك
حواشٍ وسرد يرتبط بوثائق رفعت السرية عنها مؤخرا.
"ولد صلاحي: تمر الأيام طويلة وكئيبة خلف القضبان، وأكاد لا أشعر أن
الزمن ينقضي.. أوقاتي هي مزيج من ظلام وألم مستمر.. أما عن التعذيب الذي
كنت أتعرض له فحدث ولا حرج"
واللافت
في هذا الكتاب الفريد، نظرا لارتباطه بوقائع يومية موثقة ومدونة بعناية،
تلك الحبكة الإنسانية من العلاقات التي تشكلت على مرور الوقت بين السجناء
من طرف والمحققين والحراس من طرف آخر، وكذا كون هذه اليوميات النابضة
بالألم تروي قصة المئات من المعتقلين خلف أسوار غوانتانامو، بل وتؤكد على
محنتهم التي بدأت الوثائق التي تكشف عنها حديثا، والتي تؤرخ لفترة سوداء في
تاريخ حقوق الإنسان التي يعتز بها الأميركيون.
كان
ولد صلاحي من الذين تعرضوا لبرنامج خاص في التعذيب الذي أقره شخصيا دونالد
رامسفيلد وأطلق عليه اسم: المشاريع الخاصة. ويتضمن هذا البرنامج الخاص
الذي أعد خصيصا للسجناء في غوانتانامو، وسائل مبتكرة للتعذيب، منها إخضاع
السجين للعزلة الكاملة، ومنعه لفترات طويلة من النوم، وكذا التحرش الجنسي
بالسجناء، ووضعهم في أوضاع مجهدة، وتهديدهم بالقتل لهم أو لأقرب ذويهم.
وقد
خضع ولد صلاحي لكل هذه الوسائل غير القانونية في التعذيب وهدد بقتله أو
قتل أمه عشرات المرات. أما ممثلو القضاء العسكري الذين امتنعوا عن محاكمة
ولد صلاحي فقد عزوا قرارهم هذا إلى كون السجين قد تعرض لحملة من التعذيب
الشديد، وكذا لأنهم -وبكل بساطة- لم يعثروا على أي دليل يمكنهم من توجيه
الاتهام له.
وبناء عليه ما زال صلاحي في معتقله بدون أن يوجه له اتهام منذ 14 عاما!
الجحيم يكمن في التفاصيل
"تمر
الأيام طويلة وكئيبة خلف القضبان، وأكاد لا أشعر أن الزمن ينقضي.. أوقاتي
هي مزيج من ظلام وألم مستمر.. أما عن التعذيب الذي كنت أتعرض له فحدث ولا
حرج. كنت أحرم من الطعام لفترات طويلة ثم تقدم لي فجأة كميات كبيرة من
الطعام بعد طول تجويع ويطلب مني الحراس التهام الأكل كله في 3 دقائق، إلا
أن أحد الحراس كان يأتي ليسحب الصحن بعد 30 ثانية" هكذا وصف صلاحي إحدى
طرائق التعذيب النفسي والجسدي معا من خلال إخضاع الجسم لعقاب شديد ثم
الإيحاء برفع العقاب دون إيقاف فعلي له.
"أنتوني رومير:إنها مذكرات مثيرة للقلق حقا فيما تثير من أمور وحقائق
حاولت حكومة الولايات المتحدة إخفاءها لأعوام خلت. إنها حياة خلف القضبان
صادمة للضمير الإنساني، حياة ويوميات محمدو ولد صلاحي"
وتحدث
أيضا في يومياته عن الضرب المبرح الذي كان يتعرض له أثناء الاستجواب مما
كان يدفعه أحيانا للاعتراف بأعمال لم يقم بها من أجل أن يتوقفوا عن ضربه.
وكتب
أيضا عن طرق أخرى جهنمية فعلا كأن "يرمى من قارب في ماء المحيط ثم يسحب من
جديد إلى القارب حيث يجبر هناك على شرب كميات كبيرة من الماء قبل أن يلقي
السجان كمية كبيرة من الثلج في ثيابه وينهالوا عليه ضربا". "إنها مذكرات
مثيرة للقلق حقا فيما تثير من أمور وحقائق حاولت حكومة الولايات المتحدة
إخفاءها لأعوام خلت. إنها حياة خلف القضبان صادمة للضمير الإنساني، حياة
ويوميات محمو ولد صلاحي.
إلا
أن ما يكمن وراء هذه السطور المؤلمة هو أعمق بكثير مما نتصور: إنها تثير
فينا ذاك المشترك الإنساني بين البشرية الذي يحثنا إلى القفز وراء جدران
السجن وإلغاء الفروق الإنسانية بيننا. يحمل الكتاب تفاصيل مدمرة في دقتها
بروح وظل خفيف للكاتب الذي يعاني في سجنه، والذي يدعونا جميعا للتأكيد على
حقوق الإنسان التي انتهكت هناك". حسبما يقول المدير التنفيذي للاتحاد
الأميركي للحريات المدنية-أنتوني روميرو، في تعليق له على الكتاب.
من
نافلة القول أن كل من يقرأ كتاب "يوميات غوانتانامو" يتأكد أن ولد صلاحي
ليس فقط من يتعرض للتهديد في هذا المعتقل بظروفه الجائرة، إنها هي حياة
المعتقلين خلف الأسوار. إنها مأساة تهدد فيما تهدد مبادئ الديمقراطية
الأميركية الأصيلة التي دفعت الولايات المتحدة الغالي والرخيص لبناء صرحها
الإنساني.
المصدر : الجزيرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق