فرسان الإسلام وحروب المماليك - روان للإنتاج الإعلامي والفني
جيمس واترسون
الكتاب:
فرسان الإسلام وحروب المماليك
المؤلف:
جيمس واترسون
ترجمة:
يعقوب عبد الرحمن
مراجعة:
حاتم الطحاوي
الطبعة:
الأولى 2012
عدد الصفحات:
424 صفحة من القطع الكبير
الناشر:
المركز القومي للترجمة- القاهرة- مصر
عرض:
نادية سعد
يتناول
كتاب جيمس واترسون فرسان الإسلام وحروب المماليك فترة ذهبية في تاريخ
العرب والمسلمين، تميزت بتحقيق سلسلة من الانتصارات المذهلة على جبهات
مختلفة في مواجهة إمبراطوريات وقوى عالميَّة عظمى في العصور الوسطى, ولم
تكن تلك الانتصارات العظيمة والمتكررة وليدة الصدفة أو الحظ, ولكنها كانت
نتاج عمل جاد ودءوب لرجال عرفوا طريق الأسلوب العلمي للتخطيط والتنفيذ
بالفطرة, وقاموا بتنمية مقدراتهم بالتدريب الشاق, والعمل المستمر.
يعرض
المؤلف تاريخ المماليك بموضوعيَّة ملحوظة، سواء ما يتعلق بقدراتهم
القتاليَّة وتنظيماتهم العسكريَّة المتقدمة بمقاييس ذلك العصر، أو
استخدامهم منظومة من الأساليب العلميَّة الحديثة التي لا تزال سارية
المفعول في الزمن الحالي، من بينها التجسُّس على الأعداء والأصدقاء
المرشحين ليتحولوا أعداء في اللحظة المناسبة، إضافة إلى إبرام المعاهدات
وتحديد الشروط بطرق تدعو إلى الإعجاب.
وينصف
المؤلف المماليك الذين كانوا قدموا من سهوب آسيا واعتنقوا الإسلام ودافعوا
عنه ضدّ الأخطار المحدقة، وكانوا سبباً في تغيير خارطة العالم.
كما
يوضح أن المماليك احتلوا مكانة متميزة في فترة معينة من التاريخ, فكانوا
أعظم الرجال المقاتلين في العالم في زمانهم وعنوانا بارزا لجوهر المقاتل
الفارس الذي يصل إلي حد الكمال في مهاراته, ومع أنهم في الغالب لم ينالوا
أي قدر من التعليم, ويتصرفون بطريقة آلية, ويعدون غرباء تقريبًا عن اللسان
العربي, فقد قاموا بتطوير نظام ومجتمع عسكري منفرد.
المماليك..كيف نشأوا؟
وحول
الظروف التي نشأ فيها المماليك يقول المؤلف إنه مع اتساع الدولة الإسلامية
في القرن الثامن الميلادي شرقًا وغربًا، بدأت تدخل في نسيج الدولة شعوب
أخرى غير العرب، مثل الشعوب الآسيوية على تنوعها والأفريقية أيضا، واحتاج
الخلفاء المسلمون إلى خبراء في الحرب والقتال لمواجهة بسط السيطرة على تلك
المناطق المفتوحة، وبدأ يظهر لهؤلاء الخلفاء نوعيَّة جديدة من الشباب،
قادمة من سهول آسيا الوسطى وجنوب روسيا، ومن القبائل التركية التي سكنت هذه
السهول, وهي مناطق قاحلة شديدة الفقر، كان أهلها يعانون من مشقة البحث عن
لقمة العيش.
وأدى
شظف العيش في تلك المناطق إلى تحلُّل العلاقات الاجتماعيَّة، وظهور تجارة
الرقيق وبيع الأبناء بحثًا عن الغذاء، وكان شباب تلك المناطق يتميزون
بمهارات الفروسيَّة والمصارعة وفنون القتال، فاستعان بهم الخلفاء والأمراء
المسلمون، وكان الواحد من هؤلاء يسمى مملوكًا أي عبد وملك يمين، والجماعة
مماليك واستطاع الأمراء والسلاطين جلب أعداد كبيرة منهم للحماية والقتال
والفتوحات، وحرص الأمراء على إبقاء هؤلاء المماليك في الإطار العسكري
والتدريب على فنون القتال، بعد تعليمهم عقيدة وشعائر الإسلام الحنيف.
وكان
معظم هؤلاء المماليك من أبناء القبائل التركية التي سكنت آسيا الوسطى,
وعاشوا بعد ذلك في ثكنات خاصة بهم معزولة عن بقية المجتمع الإسلامي، وكانوا
يتزوجون من جوارٍ جلبت لهم خصيصًا من بلادهم, لأن مصاهرة السكان المحليين
كانت محظورة عليهم.
المماليك واستعادة مجد المسلمين
يقول
المؤلف: ربما كان الشرق الأوسط سيمضي في طريق مختلف تماما إذا لم تكن
سلالة المماليك قد وصلت إلي سدة الحكم, وظلت امبراطورية المغول محتفظة
بتماسكها ووحدتها في منتصف القرن الثالث عشر, حيث بزغ شمس عسكر المماليك
الذين كانوا عبيدًا فيما سبق ليحكموا مصر متطلعين إلى استعادة مجد المسلمين
من خلال الجهاد في جبهتين, حيث استطاعوا في خلال ثلاثين عامًا فقط أن
يرغموا المغول على التوقف صاغرين بعد قدومهم للشرق الأوسط قافزين من قلب
آسيا الوسطى, كما قاموا بدحر الصليبيين وإرغامهم على العودة إلى أوروبا.
يؤكد
المؤلف أن العالم الإسلامي في حقبة من حقب التاريخ يتميز ببساطة وخصوصيَّة
عظيمة، لكن تم تحطيم ذلك لفترة طويلة عن طريق مؤامرات المنافسين بحلول
القرن الثالث عشر، فقد قامت أوروبا المسيحية بالدخول فى مغامرة استغرقت 200
عام، والتي تبدو الآن كما يقول المؤلف تعبيرا سقيما عن التعصب الديني، حيث
قام الصليبيون بتأسيس أربع دول على طول شرق شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
يشير
المؤلف إلى أن الإمبراطوريَّة المملوكيَّة جاهدت لقرنين من أجل الاحتفاظ
بقوتها، بينما هي تسير في النفق الطويل المظلم نحو الانحدار، وكان الجمود
والتمسك بالوسائل الحربيَّة القديمة والفساد من الأسباب الرئيسيَّة نحو
الانهيار البطيء، وفي النهاية أذعنت للهجوم التتاري الذي تعرضت له من
منافسة اقتصاديَّة من الاستعمار الأوروبي الجديد، والقوة المتنامية
للإمبراطوريَّة العثمانيَّة.
يتناول
المؤلف محاولة الخليفة المعتصم (833/842هـ) تكوين أرستقراطية عسكرية من
المماليك قادرة على الترقي الى الوظائف العليا في الدولة، وكان يشرف بنفسه
على مراحل إعدادهم وتدريباتهم العسكرية، وحال حكمه مصر وبلاد الشام
استخدمهم في إخماد الثورات وكبح جماح الولايات الصعبة المراس، وأسس لهم
مدينة سامراء عام 836م بتصميم خاص، لكى تتمتع بالاكتفاء الذاتي وللفصل بين
الحاكم ورعيته، والسبب الأكثر أهمية هو حماية المماليك وعزلهم عن أي مصادر
للتحريض أو الفتنة التي يمكن أن يتعرضوا لإغوائها ويمكن أن تؤثر على ولائهم
للخليفة، وكان هذا الفصل مؤثراً لدرجة أن هؤلاء الذين كانوا يعيشون
بالخارج كانوا يجهلون تماماً حياة هؤلاء القلَّة المعزولين بالداخل،
واستعاضوا عن المعرفة بالخيال وأحلام اليقظة من أجل تغيير الحقيقة المريرة،
ذلك الخيال الذي قدم للعالم حكايات ألف ليلة وليلة.
بينما
اعتمد بيبرس (1260/1277هـ) على المماليك البحرية بكثافة شديدة في سنوات
حكمه الأولى، وتولى هؤلاء المناصب الحكوميَّة المهمة والوظائف العليا في
الجيش، وكان يأمل في هذه المرحلة المبكرة من توليه الحكم أن يخلفه ابنه،
لذا فقد كان يضع المقربين منه في كل وظائف الدولة من أجل ضمان الانتقال
السلس للسلطة في أسرته، وامتدت ترتيبات بيبرس لتصحيح الطبيعة الخاصَّة
للحكومة المملوكية قبل توليه الحكم، وكوّن طبقة مُتميزة من قوات المماليك،
وأصبح هنالك ثلاثة أقسام من الأمراء: أمير عشرة، وهو أدنى الدرجات، ويتبعه
عشرة من المماليك لخدمة السلطان، يليه أمير الأربعين، ويطلق عليه أيضاً
«أمير الطبول» إذ تدقّ له الطبول أثناء الاحتفالات، ثم أمير المائة فهو
أقدم الأمراء، ويحق له أن تتبعه فرقة عسكريَّة.
أما
السلطان الناصر محمد بن قلاوون ( 1293/1294هـ)، فكانت الطريقة التي
اعتمدها من أجل استعادة جوهر الجيش المملوكي ذات شأن عظيم، اذ وسع شبكة
استجلاب الأسرى وشراء المماليك، وأكثرهم من جراكسة القوقاز الشرقيَّة،
وأيضاً من المغول، الجورجيين، البيزنطيين، ومن الدول الأوروبية الأخرى،
وكان من ضمنهم المملوك لاجين، الذي أصبح في ما بعد سلطاناً (المنصور حسام
الدين لاجين-1296/1298هـ). وأصبح عدد المماليك مع نهاية حكم قلاوون أكثر
مما سبق، وكانت النخبة الخاصَّة به تتمثل في مماليك قلعة القاهرة، وهي وحدة
قويَّة تتكون من حوالي ثلاثين فرداً وتُعسكر في البرج -وهي أبراج القلعة،
ومنها اشتُق اسمهم المماليك البرجية، وكان قلاوون نشيطًا وجادًا في برامج
تدريبهم، ولهذا فإن استعادة الجيش لكامل قوته مرة أخرى كانت عمليَّة شاقَّة
وبطيئة ولكنها كانت تستحقّ ما يُبذل من أجلها.
صفحة طويت
ويشير
المؤلف الى أن صفحة السلطنة المملوكيَّة طويت بوفاة طومان باي، وأدى وصول
نابليون بونابرت إلى الشرق الأوسط في عام 1798 إلى تحويل المماليك تراثاً
من الماضي، وقد ضمّ جماعة منهم للحرس الإمبراطوري، وحاربوا بطريقة تدعو
للإعجاب في موقعة أوسترليتز 1805، والتي انتصر فيها بونابرت على كل من
روسيا والنمسا، وأُطلق عليها في ما بعد معركة القياصرة الثلاث، كما أخذ
بونابرت مجموعتين منهم في حملته ضدّ بلجيكا عام 1815، وتم طرد المماليك
نهائياً من مصر عام 1811، وهرب القليل منهم إلى السودان، حيث أسسوا دولة
صغيرة استمرت في استيراد العبيد كجنود، إلا أنه تم تدميرهم في النهاية عن
طريق حملة عثمانيَّة عام 1820.
ويقرّر
المؤلف في ختام كتابه، أن الانقراض النهائي للجنود العبيد الذين ظهروا في
نهاية العصور القديمة، ميَّزَ بداية الشرق الأوسط الحديث، ولكن التاريخ لم
يبتلعهم بصفة نهائية، إذ ما زالت مصابيح المساجد المملوكية البالغة الجمال
والرقة تحمل الآيات القرآنيَّة: «اللهُ نور السماوات والأرض مَثَلُ نوره
كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكب درّيّ يوقد من
شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسْه نار
نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثالَ للنّاس والله
بكلّ شيء عليم» (سورة النور/35)، والتى تمثل برهاناً مناسباً لا يقبل الشك
لرجال وصلوا الى ذروة الكمال في الفنون العسكريَّة.
هذا
الكتاب التاريخى ينصف المماليك الذين قدموا من آسيا واعتنقوا الإسلام
ديانة لهم، ودافعوا عنه فى مواجهة الأخطار البالغة، وكانوا سببا فى تغيير
خريطة العالم آنذاك.
ومما
يذكر أن مؤلف الكتاب جيمس واترسون مؤرخ بريطاني تتسم كتاباته بالحياد
واستخدام الأسلوب العلمي في البحث، ويقيم في توسكاني بإيطاليا وله كتاب
بعنوان السيوف المقدّسة، تخرج في جامعة لندن من كلية الدراسات الشرقيَّة
والإفريقيَّة، سافر وعمل في الشرق الأوسط والولايات المتحدة والصين كما قام
بزيارة الشام وإيران.
الكتاب:
فرسان الإسلام وحروب المماليك
المؤلف:
جيمس واترسون
ترجمة:
يعقوب عبد الرحمن
مراجعة:
حاتم الطحاوي
الطبعة:
الأولى 2012
عدد الصفحات:
424 صفحة من القطع الكبير
الناشر:
المركز القومي للترجمة- القاهرة- مصر
عرض:
نادية سعد
يتناول
كتاب جيمس واترسون فرسان الإسلام وحروب المماليك فترة ذهبية في تاريخ
العرب والمسلمين، تميزت بتحقيق سلسلة من الانتصارات المذهلة على جبهات
مختلفة في مواجهة إمبراطوريات وقوى عالميَّة عظمى في العصور الوسطى, ولم
تكن تلك الانتصارات العظيمة والمتكررة وليدة الصدفة أو الحظ, ولكنها كانت
نتاج عمل جاد ودءوب لرجال عرفوا طريق الأسلوب العلمي للتخطيط والتنفيذ
بالفطرة, وقاموا بتنمية مقدراتهم بالتدريب الشاق, والعمل المستمر.
يعرض
المؤلف تاريخ المماليك بموضوعيَّة ملحوظة، سواء ما يتعلق بقدراتهم
القتاليَّة وتنظيماتهم العسكريَّة المتقدمة بمقاييس ذلك العصر، أو
استخدامهم منظومة من الأساليب العلميَّة الحديثة التي لا تزال سارية
المفعول في الزمن الحالي، من بينها التجسُّس على الأعداء والأصدقاء
المرشحين ليتحولوا أعداء في اللحظة المناسبة، إضافة إلى إبرام المعاهدات
وتحديد الشروط بطرق تدعو إلى الإعجاب.
وينصف
المؤلف المماليك الذين كانوا قدموا من سهوب آسيا واعتنقوا الإسلام ودافعوا
عنه ضدّ الأخطار المحدقة، وكانوا سبباً في تغيير خارطة العالم.
كما
يوضح أن المماليك احتلوا مكانة متميزة في فترة معينة من التاريخ, فكانوا
أعظم الرجال المقاتلين في العالم في زمانهم وعنوانا بارزا لجوهر المقاتل
الفارس الذي يصل إلي حد الكمال في مهاراته, ومع أنهم في الغالب لم ينالوا
أي قدر من التعليم, ويتصرفون بطريقة آلية, ويعدون غرباء تقريبًا عن اللسان
العربي, فقد قاموا بتطوير نظام ومجتمع عسكري منفرد.
المماليك..كيف نشأوا؟
وحول
الظروف التي نشأ فيها المماليك يقول المؤلف إنه مع اتساع الدولة الإسلامية
في القرن الثامن الميلادي شرقًا وغربًا، بدأت تدخل في نسيج الدولة شعوب
أخرى غير العرب، مثل الشعوب الآسيوية على تنوعها والأفريقية أيضا، واحتاج
الخلفاء المسلمون إلى خبراء في الحرب والقتال لمواجهة بسط السيطرة على تلك
المناطق المفتوحة، وبدأ يظهر لهؤلاء الخلفاء نوعيَّة جديدة من الشباب،
قادمة من سهول آسيا الوسطى وجنوب روسيا، ومن القبائل التركية التي سكنت هذه
السهول, وهي مناطق قاحلة شديدة الفقر، كان أهلها يعانون من مشقة البحث عن
لقمة العيش.
وأدى
شظف العيش في تلك المناطق إلى تحلُّل العلاقات الاجتماعيَّة، وظهور تجارة
الرقيق وبيع الأبناء بحثًا عن الغذاء، وكان شباب تلك المناطق يتميزون
بمهارات الفروسيَّة والمصارعة وفنون القتال، فاستعان بهم الخلفاء والأمراء
المسلمون، وكان الواحد من هؤلاء يسمى مملوكًا أي عبد وملك يمين، والجماعة
مماليك واستطاع الأمراء والسلاطين جلب أعداد كبيرة منهم للحماية والقتال
والفتوحات، وحرص الأمراء على إبقاء هؤلاء المماليك في الإطار العسكري
والتدريب على فنون القتال، بعد تعليمهم عقيدة وشعائر الإسلام الحنيف.
وكان
معظم هؤلاء المماليك من أبناء القبائل التركية التي سكنت آسيا الوسطى,
وعاشوا بعد ذلك في ثكنات خاصة بهم معزولة عن بقية المجتمع الإسلامي، وكانوا
يتزوجون من جوارٍ جلبت لهم خصيصًا من بلادهم, لأن مصاهرة السكان المحليين
كانت محظورة عليهم.
المماليك واستعادة مجد المسلمين
يقول
المؤلف: ربما كان الشرق الأوسط سيمضي في طريق مختلف تماما إذا لم تكن
سلالة المماليك قد وصلت إلي سدة الحكم, وظلت امبراطورية المغول محتفظة
بتماسكها ووحدتها في منتصف القرن الثالث عشر, حيث بزغ شمس عسكر المماليك
الذين كانوا عبيدًا فيما سبق ليحكموا مصر متطلعين إلى استعادة مجد المسلمين
من خلال الجهاد في جبهتين, حيث استطاعوا في خلال ثلاثين عامًا فقط أن
يرغموا المغول على التوقف صاغرين بعد قدومهم للشرق الأوسط قافزين من قلب
آسيا الوسطى, كما قاموا بدحر الصليبيين وإرغامهم على العودة إلى أوروبا.
يؤكد
المؤلف أن العالم الإسلامي في حقبة من حقب التاريخ يتميز ببساطة وخصوصيَّة
عظيمة، لكن تم تحطيم ذلك لفترة طويلة عن طريق مؤامرات المنافسين بحلول
القرن الثالث عشر، فقد قامت أوروبا المسيحية بالدخول فى مغامرة استغرقت 200
عام، والتي تبدو الآن كما يقول المؤلف تعبيرا سقيما عن التعصب الديني، حيث
قام الصليبيون بتأسيس أربع دول على طول شرق شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
يشير
المؤلف إلى أن الإمبراطوريَّة المملوكيَّة جاهدت لقرنين من أجل الاحتفاظ
بقوتها، بينما هي تسير في النفق الطويل المظلم نحو الانحدار، وكان الجمود
والتمسك بالوسائل الحربيَّة القديمة والفساد من الأسباب الرئيسيَّة نحو
الانهيار البطيء، وفي النهاية أذعنت للهجوم التتاري الذي تعرضت له من
منافسة اقتصاديَّة من الاستعمار الأوروبي الجديد، والقوة المتنامية
للإمبراطوريَّة العثمانيَّة.
يتناول
المؤلف محاولة الخليفة المعتصم (833/842هـ) تكوين أرستقراطية عسكرية من
المماليك قادرة على الترقي الى الوظائف العليا في الدولة، وكان يشرف بنفسه
على مراحل إعدادهم وتدريباتهم العسكرية، وحال حكمه مصر وبلاد الشام
استخدمهم في إخماد الثورات وكبح جماح الولايات الصعبة المراس، وأسس لهم
مدينة سامراء عام 836م بتصميم خاص، لكى تتمتع بالاكتفاء الذاتي وللفصل بين
الحاكم ورعيته، والسبب الأكثر أهمية هو حماية المماليك وعزلهم عن أي مصادر
للتحريض أو الفتنة التي يمكن أن يتعرضوا لإغوائها ويمكن أن تؤثر على ولائهم
للخليفة، وكان هذا الفصل مؤثراً لدرجة أن هؤلاء الذين كانوا يعيشون
بالخارج كانوا يجهلون تماماً حياة هؤلاء القلَّة المعزولين بالداخل،
واستعاضوا عن المعرفة بالخيال وأحلام اليقظة من أجل تغيير الحقيقة المريرة،
ذلك الخيال الذي قدم للعالم حكايات ألف ليلة وليلة.
بينما
اعتمد بيبرس (1260/1277هـ) على المماليك البحرية بكثافة شديدة في سنوات
حكمه الأولى، وتولى هؤلاء المناصب الحكوميَّة المهمة والوظائف العليا في
الجيش، وكان يأمل في هذه المرحلة المبكرة من توليه الحكم أن يخلفه ابنه،
لذا فقد كان يضع المقربين منه في كل وظائف الدولة من أجل ضمان الانتقال
السلس للسلطة في أسرته، وامتدت ترتيبات بيبرس لتصحيح الطبيعة الخاصَّة
للحكومة المملوكية قبل توليه الحكم، وكوّن طبقة مُتميزة من قوات المماليك،
وأصبح هنالك ثلاثة أقسام من الأمراء: أمير عشرة، وهو أدنى الدرجات، ويتبعه
عشرة من المماليك لخدمة السلطان، يليه أمير الأربعين، ويطلق عليه أيضاً
«أمير الطبول» إذ تدقّ له الطبول أثناء الاحتفالات، ثم أمير المائة فهو
أقدم الأمراء، ويحق له أن تتبعه فرقة عسكريَّة.
أما
السلطان الناصر محمد بن قلاوون ( 1293/1294هـ)، فكانت الطريقة التي
اعتمدها من أجل استعادة جوهر الجيش المملوكي ذات شأن عظيم، اذ وسع شبكة
استجلاب الأسرى وشراء المماليك، وأكثرهم من جراكسة القوقاز الشرقيَّة،
وأيضاً من المغول، الجورجيين، البيزنطيين، ومن الدول الأوروبية الأخرى،
وكان من ضمنهم المملوك لاجين، الذي أصبح في ما بعد سلطاناً (المنصور حسام
الدين لاجين-1296/1298هـ). وأصبح عدد المماليك مع نهاية حكم قلاوون أكثر
مما سبق، وكانت النخبة الخاصَّة به تتمثل في مماليك قلعة القاهرة، وهي وحدة
قويَّة تتكون من حوالي ثلاثين فرداً وتُعسكر في البرج -وهي أبراج القلعة،
ومنها اشتُق اسمهم المماليك البرجية، وكان قلاوون نشيطًا وجادًا في برامج
تدريبهم، ولهذا فإن استعادة الجيش لكامل قوته مرة أخرى كانت عمليَّة شاقَّة
وبطيئة ولكنها كانت تستحقّ ما يُبذل من أجلها.
صفحة طويت
ويشير
المؤلف الى أن صفحة السلطنة المملوكيَّة طويت بوفاة طومان باي، وأدى وصول
نابليون بونابرت إلى الشرق الأوسط في عام 1798 إلى تحويل المماليك تراثاً
من الماضي، وقد ضمّ جماعة منهم للحرس الإمبراطوري، وحاربوا بطريقة تدعو
للإعجاب في موقعة أوسترليتز 1805، والتي انتصر فيها بونابرت على كل من
روسيا والنمسا، وأُطلق عليها في ما بعد معركة القياصرة الثلاث، كما أخذ
بونابرت مجموعتين منهم في حملته ضدّ بلجيكا عام 1815، وتم طرد المماليك
نهائياً من مصر عام 1811، وهرب القليل منهم إلى السودان، حيث أسسوا دولة
صغيرة استمرت في استيراد العبيد كجنود، إلا أنه تم تدميرهم في النهاية عن
طريق حملة عثمانيَّة عام 1820.
ويقرّر
المؤلف في ختام كتابه، أن الانقراض النهائي للجنود العبيد الذين ظهروا في
نهاية العصور القديمة، ميَّزَ بداية الشرق الأوسط الحديث، ولكن التاريخ لم
يبتلعهم بصفة نهائية، إذ ما زالت مصابيح المساجد المملوكية البالغة الجمال
والرقة تحمل الآيات القرآنيَّة: «اللهُ نور السماوات والأرض مَثَلُ نوره
كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكب درّيّ يوقد من
شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسْه نار
نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثالَ للنّاس والله
بكلّ شيء عليم» (سورة النور/35)، والتى تمثل برهاناً مناسباً لا يقبل الشك
لرجال وصلوا الى ذروة الكمال في الفنون العسكريَّة.
هذا
الكتاب التاريخى ينصف المماليك الذين قدموا من آسيا واعتنقوا الإسلام
ديانة لهم، ودافعوا عنه فى مواجهة الأخطار البالغة، وكانوا سببا فى تغيير
خريطة العالم آنذاك.
ومما
يذكر أن مؤلف الكتاب جيمس واترسون مؤرخ بريطاني تتسم كتاباته بالحياد
واستخدام الأسلوب العلمي في البحث، ويقيم في توسكاني بإيطاليا وله كتاب
بعنوان السيوف المقدّسة، تخرج في جامعة لندن من كلية الدراسات الشرقيَّة
والإفريقيَّة، سافر وعمل في الشرق الأوسط والولايات المتحدة والصين كما قام
بزيارة الشام وإيران.
الاسلام اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق