الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

الكهرباء الزايغة - روان للإنتاج الإعلامي والفني

الكهرباء الزايغة - روان للإنتاج الإعلامي والفني



شيء
عجيب وغريب وكجيب يحدث في هذه الدنيا أم قدود. ولو أحسنا التعبير لقلنا
الدنيا «المقدقدة» لأن«مقدود» تعني«قد» واحد و «مقدد» تعني «قدين» ومقدقد
تعني ثلاثة «قدود» فأكثر.

والدارس الحصيف يجب أن يلم بكل تصريفات لغته القومية واحتمالاتها وقدراتها غير المتناهية على التعبير.
وما
دفعني لهذه المقدمة هو ما لاحظته يحدث هذه الأيام بصورة متكررة أصبحت
ظاهرة. كلنا نذهب لأعمالنا وأشغالنا في السابعة والنصف صباحاً ونعود بعد
الرابعة عصراً «داخل بصات أو حافلات أو حتى عربات خاصة» ولكن عصراً عصراً
في شوارع متكدسة وزحمة خانقة. وقد لاحظت أن الكهرباء أيضاً تخرج معنا في
الساعة السابعة والنصف صباحاً ولا تعود إلا عصراً. فإذا كنا نذهب لأعمالنا
وأشغالنا أين تذهب الكهرباء؟ وأين تقضي ذلك الوقت؟

والكهرباء
أمرها عجيب حقاً، فالرجل الذي اكتشفها «بنيامين فرانكلين» مات فقيراً
معدماً، أما الرجل الذي اخترع العداد فهو الذي قتل «جدادة» الكهربا وخم
كوابلها، وخاصة الذي اخترع الجمرة الحبيثة.

شغلتنى
هذه المسألة طويلاً فقررت أن أتتبع الكهرباء «بالطوالة» حتى لا تراني،
ولذلك عندما خرجت من منزلي أخذت أتفقد «الأميات» والمحولات وأتنصت لسماع
التيار الكهربائي وهو يسري داخل الأسلاك، وحاولت بقدر الإمكان أن أتجسس على
تلك الكهرباء وأعرف بالضبط أين تذهب. وأخيراً وجدتها... فقد وجدت الكهربا
تتسكع في الشوارع وهي تنير مصابيح الشوارع نهاراً وخاصة في طريق معرض
الخرطوم الدولي.. فتصور !! طيلة هذه المدة ونحن نخرج من البيت سوياً أنا
أذهب لعملي وتذهب الكهربا لجهة غير معلومة.. ولم يخطر في بذهني أنها تتسكع
في الشوارع وأنها ابنة شوارع، ودون أية خجلة تنير أعمدة الطريق نهاراً. كما
أنني وجدتها تتسكع أيضاً في الكافتريات وصلات البلياردو ودكاكين الإنترنت.
بالله دي ولادة دي؟ وتحسرت على أخلاق كهرباء هذا الزمان. ويبدو أن الذين
ربوها لم يحسنوا تربيتها. بل تركوا لها «السلك» على الغارب، فصالت وجالت
وزاغت ولم تراع أخلاقنا السودانية الحميدة. تلك إذن الكهرباء «مطلوقة» مثل
الأغنام.. ليس لها والٍ ولا تالٍ، ولذلك قررت أن أحاسبها على ذلك «الزوغان»
لأن الكهرباء بنت الناس لا تفعل ما تفعله كهرباء هذا الزمان.. تصور تنير
دكاكين الجزارات نهاراً وكل دكان به «20» لمبة فأكثر. وكذلك طبالي أصحاب
السمك في شارع الموردة نهاراً جهاراً، وأكشاك حلاوة المولد التي تبدأ
بالمولد الفات إلى أن تلاقي المولد القادم في ربيع الأول.

ولهذا
عندما عدت إلى منزلي في عصر ذلك اليوم انتظرتها الى الساعة السادسة مساءً
ولم تحضر. فخرجت مرة أخرى أبحث عنها .. تصور أين وجدتها؟ وجدتها متحكرة وقد
تناثرت حباتها على صيوان عرس.. وطبعاً خلاص أصلها هايصة.. يعني الليلة لو
جات راجعة الساعة «11» كويس. طيب أنا أعمل فيها إيه إذا كان أهلها ما
ربوها؟ وعدت وأنا أتميز من الغيظ وبقيت ساهراً بينما كانت زوجتي تهدئني
وتقول لى: إنت هسع مفور دمك في شنو أنا كنت عارفاها طلعتها ديك ما طلعة
كهربا تجي راجعة. إنت ملاحظ قفلت التلاجة كيف خلتها ترجف؟ والتلفزيون أخد
ليهو صرخة حتى ضلم؟ يا أخي ما تتعب روحك ...... أصلو كهربة الزمن دا كدا!!

وأخيراً عادت.. وبسرعة نزلت سكينة العداد وأنا أقول لها متشفياً:
ــ وجاية ليه ؟ ما كنتي تبيتي هناك محل ما كنتي؟
وتخيلتها تتوسل أن أدعها تدخل البيت .. إلا إنني كنت رجلاً حمشاً قررت أن أعطيها درساً في الأخلاق:
ــ أمشي من هنا وأطفي كمان لمبة الشارع معاكي ولما تتعلمي الأدب تعالي.
شوف بالله الانطلاقة.
الانتباهة - بقلم دكتور محمد عبد الله الريح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق