بنات النبي عليه الصلاة والسلام - روان للإنتاج الإعلامي والفني
. عائشة عبد الرحمن
الكتاب:
بنات النبي عليه الصلاة والسلام
المؤلف:
الدكتورة عائشة عبد الرحمن
الطبعة:
طبعة جديدة- 2010 م
عدد الصفحات:
192 صفحة من القطع الكبير
الناشر:
الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة
عرض:
محمد بركة
تمضي
القرون والأدهار وشخصيَّة سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم موضع
اهتمام الكُتَّاب والدارسين على اختلاف نِحلهم وشتَّى مذاهبهم يجدون فيها
المادَّة الخصبة للدراسة الجديدة أبدًا، ويلتمسون لديها ما يجلو أسرار
العظمة الإنسانيَّة كما تمثَّلت في بشر رسول بَهَرَ الدنيا وصنع التاريخ،
وإنه ليأكل الطعام ويمشي في الأسواق.. ذلك لأن الإنسانيَّة على كثرة من
عرفت في تاريخها الطويل من رسل وأنبياء وقادة وأبطال ستظلُّ أبد الدهر ترنو
إلى هذا النبي العربي الذي اصطفاه الله تعالى بشرًا رسولًا، والذي لم
يحاول قطُّ أن يتبرَّأ من بشريتِه، بل أصرَّ على الاعتراف بها في اعتزاز
مؤثِّر لا يعرف التاريخ له مثيلًا، فكانت هذه البشرية آيَة عظمتِه، بقدر ما
هي تكريم للبشريَّة.
ولقد
صدرتْ مؤخرًا في القاهرة عن الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب طبعة جديدة
من كتاب بنات النبي صلى الله عليه وسلم للدكتورة عائشة عبد الرحمن، والتي
كانت تُعرف بلقب بنت الشاطئ، وُلدت في السادس من نوفمبر عام 1912 وتوفيت في
الأول من ديسمبر عام 1998م.
تقول
الكاتبة بنت الشاطئ بأن هذا الإيمان العميق بعظمة البشر الرسول صلى الله
عليه وسلم، هو الذي وجّه دراساتها للجوانب التي اختارتها من شخصيته صلى
الله عليه وسلم الفذَّة، فكان كتابها عن أم النبي صلى الله عليه وسلم
محاولة لفهم جانب النبوَّة في الوليد اليتيم الذي وضعتْه امرأة من قريش
تأكل القديد، كما تضع كل أنثى من البشر، ليكون بعد أن يبلغ أشدَّه، المصطفى
المبعوث بآخر رسالات الدين.
وكان
كتابها نساء النبي صلى الله عليه وسلم محاولة لدرس شخصيَّة الزوج الرسول،
إذ يمارس حياته الزوجيَّة في بيته ببشريَّة سويَّة، لم تجردْها النبوة من
العواطف والرغبات، ولم تنكرْ على نسائه -أمهات المؤمنين- نوازع الفطرة
وميراث حواء.
وفي
هذا الكتاب بنات النبي عليه الصلاة والسلام تحاول الدكتورة عائشة عبد
الرحمن أن تظهر ملامح شخصيَّة الأب الرسول صلى الله عليه وسلم، مع صورة
أمينة لعاطفة الأبوة في شخص النبي الإنسان، حيث تتحدَّث عن مفهوم الأبوَّة
في المجتمع العربي جاهليًّا وإسلاميًّا وفي شخص الرسول الكريم، فالمجتمع
العربي الجاهلي كان يخضع لنظام القبيلة وللأبوة في هذا مقام جليل وشأن
عظيم، ذلك لأن القبيلة في أصلها لا تعدو أن تكون فروعًا تكاثرت من جذر واحد
هو الأب الذي تنتمي إليه، ثم أشرق الإسلام فحفي بالأبوة في الرسالة
المحمديَّة وجعل برّ الوالدين تاليًا للتوحيد، ثم تناولت المؤلِّفة حياة
الشقيقات الأربع وكيف عشن وتربَّيْن في بيت الأب إلى أن واجهن دنياهن
الجديدة واستقلَّتْ كل منهن بحياتها الخاصَّة.
الأبوة في المجتمع العربي
في
البداية تتحدَّث المؤلِّفة عن الأبوة في المجتمع العربي، فبيَّنَت أن
الأبوة العربيَّة كما تصوِّرها الحياة الجاهليَّة كان لها مقامٌ جليل وشأن
ذو خطر حيث كان المجتمع العربي يخضع لنظام القبيلة، والقبيلة في أصلها لا
تعدو أن تكون فروعًا تكاثرت من جذر واحد هو الأب الذي تنتمي إليه، كما بينت
أن الاعتزاز بالأبوة كان أظهر ما يميز المجتمع العربي، وأن تكريم الآباء
قد كان تقليدًا متبعًا؛ فالعرب يبدأون تاريخهم الديني بقصة جدهم إسماعيل
الذبيح الذي جاد بالحياة طاعةً لأبيه وتجنيبًا له من ذنب عصيان الخالق، ثم
يختمون تاريخهم الديني في الجاهليَّة بقصة بني عبد المطلب الذين ما
تردَّدوا في طاعته يوم أخبرهم بنذْرِه ليذبحن أحدهم لله عند الكعبة لو
بلغوا عشرة بل لبَّوْا طائعين ومضوا يحملون قداحهم إلى الكعبة، حيث وقفوا
هنالك بجانب أبيهم الشيخ ينتظرون أيهم يكون الذبيح، فنظام القبيلة جعل
للأبوة مكانة عالية في المجتمع، فالآباء سنتهم عبادة ودينهم ميراث واتباعهم
فرض محتوم.
إلى
أن تصل الدكتورة عائشة إلى القول بأن علاقة الآباء بالأبناء في المجتمع
العربي بلغتْ من القوة مبلغًا لا يعرفه مجتمعنا العصري الحديث الذي يميل
بالتدريج نحو الانفصام ويتخلى شيئًا فشيئًا عن تقاليده الموروثة في
الأبوَّة والبنُوَّة.
ثم
تحدثت المؤلِّفة عن الأبوة العربيَّة في الرسالة المحمديَّة وفي شخص
الرسول صلى الله عليه وسلم وبيَّنَت أن العلاقة بين الأبناء والآباء تأخذ
في الرسالة المحمديَّة وضعًا ساميًا، بحيث لا يهدرها اختلاف الدين ولا
يفصمها تباين العقيدة، وقد تلقَّى محمد صلى الله عليه وسلم رسالة ربه فكان
صلى الله عليه وسلم القدوة الصالحة للمؤمنين والمثل الأعلى فيهم، ولقد
سَمَا صلى الله عليه وسلم بالأبوَّة إلى حيث لا يجوز أن يتّهم الأب بقتل
ولده عامدًا أو مختارًا، فالأصل في الأب أن يفتدي ولده بالمهجة والروح،
ومحالٌ أن يقتلَه إلا في لحظة يغيب فيها عن وعيِه ويفقد رشده أو نحت وطأة
ظروف فادحة تشلُّ إرادته وتخرجه عن أبوته بل عن إنسانيتِه وفي الحالين لا
يكون مسئولًا عن الجريمة الشنعاء وما أحكم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا
يُقاد والد بولده".
ثم
تحدثت عن الأنثى في المجتمع العربي وبيّنت كراهية العرب للإناث إلى الحدّ
الذي وصلَ بهم إلى وأدهن فكان وضعًا مُزريًا إلى أن جاء صلى الله عليه وسلم
فانتشلها من الوهْدَة المتردِّية ورفعها إلى القمَّة السامقة.
الأخوات الأربع
تحت
هذا العنوان تحدَّثت الدكتورة عائشة عبد الرحمن عن البيت الأول للنبي صلى
الله عليه وسلم ونشأته ثم عن زواجِه وهو صلى الله عليه وسلم زين شباب قريش
شرفًا وأمانةً وخلقًا.. بمن؟ بالسيدة خديجة بنت خويلد سيدة نساء قريش
وأعظمهن شرفًا وأكثرهن مالًا، وأنجبت له زينب ورقيَّة وأم كلثوم ثم فاطمة.
لقد أحبَّ محمد صلى الله عليه وسلم بناته حبًّا غامرًا لم ينكرْه أحد ممن عاصروه وحاربوه نبيًّا ورسولًا.
خرجت
الشقيقات الأربع إلى الدنيا في أكرم بيت وأنبتتهن سلالة قرشيَّة عريقة
أصيلة ما يعرف العرب أعزَّ منها ولا أنقى، واستقبلهن البيت الكريم
استقبالًا لم تظفرْ بمثله لداتهن؛ فقد كن ثمرة زواج سعيد قام على الحب
المتبادل والمودَّة الخالصة يرى فيهن الأب صورة لطيفة من زوجته الحبيبة
التي آنسته بحنانها الغامر كل ما ذاق في طفولته من يُتم وكانت له عوضًا
جميلًا عما قاسى من حرمان..
بينما
تجد فيهن الأم فلذات حيَّة من رجلها العزيز الذي بهرها منذ عرفته بجلال
طلعته وأسرها بنُبْل شخصيتِه وفتنها بجميل خصالِه، فتفتح له قلبها المغلق
وأقبلت على الحياة من جديد..
في حين كانت البنات طفولتهن سعيدة ناعمة لم ترهقْ بشظف العيش ولا أذبلها الحرمان.. وسارت حياة الشقيقات رخيَّة هانئة..
ثم
كان الحديث عن زينب الكبرى التي ترعرعتْ في بيت المحبة والتسامح والعطاء،
بيت النبي صلى الله عليه وسلم والسيدة خديجة، والتي كان لها أبلغ الأثر على
علاقة السيدة زينب بزوجها أبي العاص بن الربيع، إذ نَمت بينهما قصة حب
كبيرة على الرغم من تعرّضها للاختبارات، وكان أول هذه الاختبارات يوم بُعِث
النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد مرَّ على زواجِهِما ستّ سنوات كاملة
عندما جاءتها أمُّها السيدة خديجة، وكانت عائدة من عند ابن خالتها ورقة بن
نوفل الذي كان وقتها على مِلَّة سيدنا عيسى عليه السلام وكان يقرأ كثيرًا
في الكتب السماويَّة ويعلم أن الأرض تنتظر نبيًّا جديدًا صاحب رسالة،
فعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا جبريل ونزول الوحي عليه لأول
مرة أشارت عليه السيدة خديجة أن يذهب إلى ورقة بن نوفل هذا الذي قال: هذا
الناموس الذي أُنزل على موسى.. وحذر النبي صلى الله عليه وسلم أن قومَه
سيخرجوه من بلاده قائلًا: ما بُعث رجل قط بما بُعثت به إلا عُودي.
أما
رقية ذات الهجرتين ولدت بعد زينب رضي الله عنها، أسلمت مع أمها وأخواتها،
هاجرت الهجرتين إلى الحبشة أولًا ثم إلى المدينة، تزوَّجها عُتبة بن أبي
لهب بعد البعثة، فلمّا نزلت الآية الكريمة قال تعالى: "تبتْ يَدا أبي لهبِّ
وتبّ" قال أبوه: (رأسي من رأسك حرام، إن لم تُطلِّق ابنته) وقد سأله
الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يطلقها، وأيضًا رقيَّة سألته ذلك، ففعل
وفارقها قبل الدخول ثم تزوّجها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وولدت له عبد
الله، وبه كان يُكنّى، وبلغ ست سنين ثم توفيَ.
أما
أم كلثوم فتزوجها عتيبة بن أبي لهب بن عبد المطلب قبل النبوَّة فلما بُعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله "تبت يدا أبي لهب" قال له أبوه
أبو لهب: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته، ففارقها ولم يكن دخل بها،
فلم تزل بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما توفيت رقيَّة بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم خلف عثمان بن عفان على أم كلثوم بنت رسول الله
وكانت بكْرًا، وذلك في شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة.
أما
الرابعة فكانت فاطمة الزهراء أحبّ البنات، ولدت قبل المبعث بقليل، كانت
أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها
ويُسرّ إليها، ومناقبها غزيرة جدًّا، تزوجها علي بن أبي طالب كرم الله
وجهه في ذي القعدة أو قبيله من سنة اثنتين بعد وقعة بدر.
إن كتاب بنات النبي للدكتورة عائشة عبد الرحمن تحفة رائعة من روائع بيان تلك السيدة التي قدمت الكثير في مجال الفكر الإسلامي..
عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ"
وما
أحسبنا نكون منصفين إذا لم نذكرْ إطلالة عن تلك السيدة التي ترجمت لسيدات
بيت النبوة.. عقيلات بني هاشم أكرم وأعز من عرفت البشريَّة إنها الدكتورة
عائشة عبد الرحمن أو "بنت الشاطئ" إحدى النساء الرائدات.. سجَّلت للتاريخ
والأجيال مواقف حاسمة في دفاعها عن الإسلام وقضايا أمتها، ودعوتها لتعليم
المرأة المسلمة وفق طبيعتها، وفطرتها الأنثويَّة التي تتيح لها أن تحافظ
على مكانتها ووجودها، وتفرض احترامها بعيدًا عن كيد الخائضين والمتشدِّقين
بتحرير المرأة الذين يريدونها سلعةً تُباع وتشترى وفق أهوائهم.. بل إنها
أرادت أن تحفظ للمرأة العربيَّة المسلمة مكانتها؛ فلا تمتهن أنوثتها التي
فطرها الله عليها، ولا تنسى طبيعتها الهادئة الرقيقة ودور الأم المتفرّغة
لأمومتها، وإلا فالدمار والهلاك لأسرتها ومَن حولها..
وُلدت
عائشة عبد الرحمن في مدينة دمياط بشمال دلتا مصر في 6 نوفمبر 1913، وهي
ابنة لعالم أزهري، وحفيدة لأجداد من علماء الأزهر ورواده، وتفتَّحت مداركها
على جلسات الفقه والأدب، وتعلَّمَت وفقًا للتقاليد الصارمة لتعليم النساء
وقتئذٍ في المنزل، ومن المنزل حصلتْ على شهادة الكفاءة للمعلِّمات عام 1929
بترتيب الأولى على القطر المصري كلِّه، ثم الشهادة الثانوية عام 1931،
والتحقت بجامعة القاهرة لتتخرَّج في كلية الآداب قسم اللغة العربية 1939،
ثم تنال الماجستير بمرتبة الشرف الأولى عام 1941، وفي عام 1950 حصلت على
شهادة الدكتوراة وكانت في تحقيق رسالة الغفران لأبي العلاء المعري بتقدير
ممتاز، وناقشها فيها الدكتور طه حسين.
تدرَّجت
في المناصب الأكاديميَّة حتى أصبحت أستاذًا للتفسير والدراسات العليا في
كلية الشريعة بجامعة القرويين في المغرب، حيث استمرَّت هناك لمدة 20 عامًا،
وأستاذ كرسي اللغة العربيَّة وآدابها في جامعة عين شمس بمصر، وأستاذًا
زائرًا لجامعات أم درمان 1967 والخرطوم، والجزائر 1968، وبيروت 1972،
وجامعة الإمارات 1981 وكلية التربية للبنات في الرياض 1975ـ1983.
وكانت
عضوًا بكل من المجلس الأعلى للشئون الإسلاميَّة بمصر، والمجالس القوميَّة
المتخصصة، والمجلس الأعلى للثقافة، بدأت د. عائشة عبد الرحمن النشر منذ كان
سنها 18 سنة في مجلة النهضة النسائيَّة، ثم بعدها بعامين في جريدة
الأهرام، ونظرًا لشدة محافظة أسرتها آنذاك والتي لم تعتد انخراط النساء في
الثقافة اختارت التوقيع باسم "بنت الشاطئ".
وعقب
ذلك بعامين بدأت الكتابة في جريدة الأهرام، فكانت ثاني امرأة تكتب بها بعد
الأديبة مي زيادة، وظلَّت تكتب بجريدة الأهرام حتى وفاتها، فكان لها مقال
أسبوعي طويل، فكانت آخر مقالة نُشرت لها بتاريخ 26 نوفمبر 1998 وكانت
بعنوان "علي بن أبي طالب كرم الله وجهه".
أهم أعمالها
التفسير
البياني للقرآن الكريم، الإعجاز البياني للقرآن، بنات النبي، نساء النبي،
أم النبي، السيدة زينب، عقلية بني هاشم، السيدة سكينة بنت الحسين،
الإسرائيليَّات في الغزو الفكري، نص رسالة الغفران للمعري، الخنساء الشاعرة
العربية الأولى، مقدمة في المنهج، وقيم جديدة للأدب العربي، المرأة
المسلمة، رابعة العدوية، القرآن وقضيَّة الحرية الشخصيَّة الإسلاميَّة،
الحديث النبوي: تدوينه ومناهج دراسته، على الجسر، الريف المصري.
حصلتْ
بنت الشاطئ على الكثير من الجوائز منها جائزة الدولة التقديريَّة للأدب في
مصر في عام 1978، جائزة الحكومة المصريَّة في الدراسات الاجتماعيَّة
والريف المصري عام 1956، ووسام الكفاءة الفكريَّة من المملكة المغربيَّة،
وجائزة الأدب من الكويت عام 1988، وفازت أيضًا بجائزة الملك فيصل للأدب
العربي مناصفةً مع الدكتورة وداد القاضي عام 1994.
منحتها
العديد من المؤسَّسات الإسلاميَّة عضويَّة لم تمنحْها لغيرها من النساء
مثل مجمع البحوث الإسلاميَّة بالقاهرة، والمجالس القوميَّة المتخصِّصة،
وأيضًا أطلق اسمها على الكثير من المدارس وقاعات المحاضرات في العديد من
الدول العربيَّة، وقد توفيت عائشة عبد الرحمن في الأول من ديسمبر 1998.
. عائشة عبد الرحمن
الكتاب:
بنات النبي عليه الصلاة والسلام
المؤلف:
الدكتورة عائشة عبد الرحمن
الطبعة:
طبعة جديدة- 2010 م
عدد الصفحات:
192 صفحة من القطع الكبير
الناشر:
الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة
عرض:
محمد بركة
تمضي
القرون والأدهار وشخصيَّة سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم موضع
اهتمام الكُتَّاب والدارسين على اختلاف نِحلهم وشتَّى مذاهبهم يجدون فيها
المادَّة الخصبة للدراسة الجديدة أبدًا، ويلتمسون لديها ما يجلو أسرار
العظمة الإنسانيَّة كما تمثَّلت في بشر رسول بَهَرَ الدنيا وصنع التاريخ،
وإنه ليأكل الطعام ويمشي في الأسواق.. ذلك لأن الإنسانيَّة على كثرة من
عرفت في تاريخها الطويل من رسل وأنبياء وقادة وأبطال ستظلُّ أبد الدهر ترنو
إلى هذا النبي العربي الذي اصطفاه الله تعالى بشرًا رسولًا، والذي لم
يحاول قطُّ أن يتبرَّأ من بشريتِه، بل أصرَّ على الاعتراف بها في اعتزاز
مؤثِّر لا يعرف التاريخ له مثيلًا، فكانت هذه البشرية آيَة عظمتِه، بقدر ما
هي تكريم للبشريَّة.
ولقد
صدرتْ مؤخرًا في القاهرة عن الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب طبعة جديدة
من كتاب بنات النبي صلى الله عليه وسلم للدكتورة عائشة عبد الرحمن، والتي
كانت تُعرف بلقب بنت الشاطئ، وُلدت في السادس من نوفمبر عام 1912 وتوفيت في
الأول من ديسمبر عام 1998م.
تقول
الكاتبة بنت الشاطئ بأن هذا الإيمان العميق بعظمة البشر الرسول صلى الله
عليه وسلم، هو الذي وجّه دراساتها للجوانب التي اختارتها من شخصيته صلى
الله عليه وسلم الفذَّة، فكان كتابها عن أم النبي صلى الله عليه وسلم
محاولة لفهم جانب النبوَّة في الوليد اليتيم الذي وضعتْه امرأة من قريش
تأكل القديد، كما تضع كل أنثى من البشر، ليكون بعد أن يبلغ أشدَّه، المصطفى
المبعوث بآخر رسالات الدين.
وكان
كتابها نساء النبي صلى الله عليه وسلم محاولة لدرس شخصيَّة الزوج الرسول،
إذ يمارس حياته الزوجيَّة في بيته ببشريَّة سويَّة، لم تجردْها النبوة من
العواطف والرغبات، ولم تنكرْ على نسائه -أمهات المؤمنين- نوازع الفطرة
وميراث حواء.
وفي
هذا الكتاب بنات النبي عليه الصلاة والسلام تحاول الدكتورة عائشة عبد
الرحمن أن تظهر ملامح شخصيَّة الأب الرسول صلى الله عليه وسلم، مع صورة
أمينة لعاطفة الأبوة في شخص النبي الإنسان، حيث تتحدَّث عن مفهوم الأبوَّة
في المجتمع العربي جاهليًّا وإسلاميًّا وفي شخص الرسول الكريم، فالمجتمع
العربي الجاهلي كان يخضع لنظام القبيلة وللأبوة في هذا مقام جليل وشأن
عظيم، ذلك لأن القبيلة في أصلها لا تعدو أن تكون فروعًا تكاثرت من جذر واحد
هو الأب الذي تنتمي إليه، ثم أشرق الإسلام فحفي بالأبوة في الرسالة
المحمديَّة وجعل برّ الوالدين تاليًا للتوحيد، ثم تناولت المؤلِّفة حياة
الشقيقات الأربع وكيف عشن وتربَّيْن في بيت الأب إلى أن واجهن دنياهن
الجديدة واستقلَّتْ كل منهن بحياتها الخاصَّة.
الأبوة في المجتمع العربي
في
البداية تتحدَّث المؤلِّفة عن الأبوة في المجتمع العربي، فبيَّنَت أن
الأبوة العربيَّة كما تصوِّرها الحياة الجاهليَّة كان لها مقامٌ جليل وشأن
ذو خطر حيث كان المجتمع العربي يخضع لنظام القبيلة، والقبيلة في أصلها لا
تعدو أن تكون فروعًا تكاثرت من جذر واحد هو الأب الذي تنتمي إليه، كما بينت
أن الاعتزاز بالأبوة كان أظهر ما يميز المجتمع العربي، وأن تكريم الآباء
قد كان تقليدًا متبعًا؛ فالعرب يبدأون تاريخهم الديني بقصة جدهم إسماعيل
الذبيح الذي جاد بالحياة طاعةً لأبيه وتجنيبًا له من ذنب عصيان الخالق، ثم
يختمون تاريخهم الديني في الجاهليَّة بقصة بني عبد المطلب الذين ما
تردَّدوا في طاعته يوم أخبرهم بنذْرِه ليذبحن أحدهم لله عند الكعبة لو
بلغوا عشرة بل لبَّوْا طائعين ومضوا يحملون قداحهم إلى الكعبة، حيث وقفوا
هنالك بجانب أبيهم الشيخ ينتظرون أيهم يكون الذبيح، فنظام القبيلة جعل
للأبوة مكانة عالية في المجتمع، فالآباء سنتهم عبادة ودينهم ميراث واتباعهم
فرض محتوم.
إلى
أن تصل الدكتورة عائشة إلى القول بأن علاقة الآباء بالأبناء في المجتمع
العربي بلغتْ من القوة مبلغًا لا يعرفه مجتمعنا العصري الحديث الذي يميل
بالتدريج نحو الانفصام ويتخلى شيئًا فشيئًا عن تقاليده الموروثة في
الأبوَّة والبنُوَّة.
ثم
تحدثت المؤلِّفة عن الأبوة العربيَّة في الرسالة المحمديَّة وفي شخص
الرسول صلى الله عليه وسلم وبيَّنَت أن العلاقة بين الأبناء والآباء تأخذ
في الرسالة المحمديَّة وضعًا ساميًا، بحيث لا يهدرها اختلاف الدين ولا
يفصمها تباين العقيدة، وقد تلقَّى محمد صلى الله عليه وسلم رسالة ربه فكان
صلى الله عليه وسلم القدوة الصالحة للمؤمنين والمثل الأعلى فيهم، ولقد
سَمَا صلى الله عليه وسلم بالأبوَّة إلى حيث لا يجوز أن يتّهم الأب بقتل
ولده عامدًا أو مختارًا، فالأصل في الأب أن يفتدي ولده بالمهجة والروح،
ومحالٌ أن يقتلَه إلا في لحظة يغيب فيها عن وعيِه ويفقد رشده أو نحت وطأة
ظروف فادحة تشلُّ إرادته وتخرجه عن أبوته بل عن إنسانيتِه وفي الحالين لا
يكون مسئولًا عن الجريمة الشنعاء وما أحكم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا
يُقاد والد بولده".
ثم
تحدثت عن الأنثى في المجتمع العربي وبيّنت كراهية العرب للإناث إلى الحدّ
الذي وصلَ بهم إلى وأدهن فكان وضعًا مُزريًا إلى أن جاء صلى الله عليه وسلم
فانتشلها من الوهْدَة المتردِّية ورفعها إلى القمَّة السامقة.
الأخوات الأربع
تحت
هذا العنوان تحدَّثت الدكتورة عائشة عبد الرحمن عن البيت الأول للنبي صلى
الله عليه وسلم ونشأته ثم عن زواجِه وهو صلى الله عليه وسلم زين شباب قريش
شرفًا وأمانةً وخلقًا.. بمن؟ بالسيدة خديجة بنت خويلد سيدة نساء قريش
وأعظمهن شرفًا وأكثرهن مالًا، وأنجبت له زينب ورقيَّة وأم كلثوم ثم فاطمة.
لقد أحبَّ محمد صلى الله عليه وسلم بناته حبًّا غامرًا لم ينكرْه أحد ممن عاصروه وحاربوه نبيًّا ورسولًا.
خرجت
الشقيقات الأربع إلى الدنيا في أكرم بيت وأنبتتهن سلالة قرشيَّة عريقة
أصيلة ما يعرف العرب أعزَّ منها ولا أنقى، واستقبلهن البيت الكريم
استقبالًا لم تظفرْ بمثله لداتهن؛ فقد كن ثمرة زواج سعيد قام على الحب
المتبادل والمودَّة الخالصة يرى فيهن الأب صورة لطيفة من زوجته الحبيبة
التي آنسته بحنانها الغامر كل ما ذاق في طفولته من يُتم وكانت له عوضًا
جميلًا عما قاسى من حرمان..
بينما
تجد فيهن الأم فلذات حيَّة من رجلها العزيز الذي بهرها منذ عرفته بجلال
طلعته وأسرها بنُبْل شخصيتِه وفتنها بجميل خصالِه، فتفتح له قلبها المغلق
وأقبلت على الحياة من جديد..
في حين كانت البنات طفولتهن سعيدة ناعمة لم ترهقْ بشظف العيش ولا أذبلها الحرمان.. وسارت حياة الشقيقات رخيَّة هانئة..
ثم
كان الحديث عن زينب الكبرى التي ترعرعتْ في بيت المحبة والتسامح والعطاء،
بيت النبي صلى الله عليه وسلم والسيدة خديجة، والتي كان لها أبلغ الأثر على
علاقة السيدة زينب بزوجها أبي العاص بن الربيع، إذ نَمت بينهما قصة حب
كبيرة على الرغم من تعرّضها للاختبارات، وكان أول هذه الاختبارات يوم بُعِث
النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد مرَّ على زواجِهِما ستّ سنوات كاملة
عندما جاءتها أمُّها السيدة خديجة، وكانت عائدة من عند ابن خالتها ورقة بن
نوفل الذي كان وقتها على مِلَّة سيدنا عيسى عليه السلام وكان يقرأ كثيرًا
في الكتب السماويَّة ويعلم أن الأرض تنتظر نبيًّا جديدًا صاحب رسالة،
فعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا جبريل ونزول الوحي عليه لأول
مرة أشارت عليه السيدة خديجة أن يذهب إلى ورقة بن نوفل هذا الذي قال: هذا
الناموس الذي أُنزل على موسى.. وحذر النبي صلى الله عليه وسلم أن قومَه
سيخرجوه من بلاده قائلًا: ما بُعث رجل قط بما بُعثت به إلا عُودي.
أما
رقية ذات الهجرتين ولدت بعد زينب رضي الله عنها، أسلمت مع أمها وأخواتها،
هاجرت الهجرتين إلى الحبشة أولًا ثم إلى المدينة، تزوَّجها عُتبة بن أبي
لهب بعد البعثة، فلمّا نزلت الآية الكريمة قال تعالى: "تبتْ يَدا أبي لهبِّ
وتبّ" قال أبوه: (رأسي من رأسك حرام، إن لم تُطلِّق ابنته) وقد سأله
الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يطلقها، وأيضًا رقيَّة سألته ذلك، ففعل
وفارقها قبل الدخول ثم تزوّجها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وولدت له عبد
الله، وبه كان يُكنّى، وبلغ ست سنين ثم توفيَ.
أما
أم كلثوم فتزوجها عتيبة بن أبي لهب بن عبد المطلب قبل النبوَّة فلما بُعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله "تبت يدا أبي لهب" قال له أبوه
أبو لهب: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته، ففارقها ولم يكن دخل بها،
فلم تزل بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما توفيت رقيَّة بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم خلف عثمان بن عفان على أم كلثوم بنت رسول الله
وكانت بكْرًا، وذلك في شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة.
أما
الرابعة فكانت فاطمة الزهراء أحبّ البنات، ولدت قبل المبعث بقليل، كانت
أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها
ويُسرّ إليها، ومناقبها غزيرة جدًّا، تزوجها علي بن أبي طالب كرم الله
وجهه في ذي القعدة أو قبيله من سنة اثنتين بعد وقعة بدر.
إن كتاب بنات النبي للدكتورة عائشة عبد الرحمن تحفة رائعة من روائع بيان تلك السيدة التي قدمت الكثير في مجال الفكر الإسلامي..
عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ"
وما
أحسبنا نكون منصفين إذا لم نذكرْ إطلالة عن تلك السيدة التي ترجمت لسيدات
بيت النبوة.. عقيلات بني هاشم أكرم وأعز من عرفت البشريَّة إنها الدكتورة
عائشة عبد الرحمن أو "بنت الشاطئ" إحدى النساء الرائدات.. سجَّلت للتاريخ
والأجيال مواقف حاسمة في دفاعها عن الإسلام وقضايا أمتها، ودعوتها لتعليم
المرأة المسلمة وفق طبيعتها، وفطرتها الأنثويَّة التي تتيح لها أن تحافظ
على مكانتها ووجودها، وتفرض احترامها بعيدًا عن كيد الخائضين والمتشدِّقين
بتحرير المرأة الذين يريدونها سلعةً تُباع وتشترى وفق أهوائهم.. بل إنها
أرادت أن تحفظ للمرأة العربيَّة المسلمة مكانتها؛ فلا تمتهن أنوثتها التي
فطرها الله عليها، ولا تنسى طبيعتها الهادئة الرقيقة ودور الأم المتفرّغة
لأمومتها، وإلا فالدمار والهلاك لأسرتها ومَن حولها..
وُلدت
عائشة عبد الرحمن في مدينة دمياط بشمال دلتا مصر في 6 نوفمبر 1913، وهي
ابنة لعالم أزهري، وحفيدة لأجداد من علماء الأزهر ورواده، وتفتَّحت مداركها
على جلسات الفقه والأدب، وتعلَّمَت وفقًا للتقاليد الصارمة لتعليم النساء
وقتئذٍ في المنزل، ومن المنزل حصلتْ على شهادة الكفاءة للمعلِّمات عام 1929
بترتيب الأولى على القطر المصري كلِّه، ثم الشهادة الثانوية عام 1931،
والتحقت بجامعة القاهرة لتتخرَّج في كلية الآداب قسم اللغة العربية 1939،
ثم تنال الماجستير بمرتبة الشرف الأولى عام 1941، وفي عام 1950 حصلت على
شهادة الدكتوراة وكانت في تحقيق رسالة الغفران لأبي العلاء المعري بتقدير
ممتاز، وناقشها فيها الدكتور طه حسين.
تدرَّجت
في المناصب الأكاديميَّة حتى أصبحت أستاذًا للتفسير والدراسات العليا في
كلية الشريعة بجامعة القرويين في المغرب، حيث استمرَّت هناك لمدة 20 عامًا،
وأستاذ كرسي اللغة العربيَّة وآدابها في جامعة عين شمس بمصر، وأستاذًا
زائرًا لجامعات أم درمان 1967 والخرطوم، والجزائر 1968، وبيروت 1972،
وجامعة الإمارات 1981 وكلية التربية للبنات في الرياض 1975ـ1983.
وكانت
عضوًا بكل من المجلس الأعلى للشئون الإسلاميَّة بمصر، والمجالس القوميَّة
المتخصصة، والمجلس الأعلى للثقافة، بدأت د. عائشة عبد الرحمن النشر منذ كان
سنها 18 سنة في مجلة النهضة النسائيَّة، ثم بعدها بعامين في جريدة
الأهرام، ونظرًا لشدة محافظة أسرتها آنذاك والتي لم تعتد انخراط النساء في
الثقافة اختارت التوقيع باسم "بنت الشاطئ".
وعقب
ذلك بعامين بدأت الكتابة في جريدة الأهرام، فكانت ثاني امرأة تكتب بها بعد
الأديبة مي زيادة، وظلَّت تكتب بجريدة الأهرام حتى وفاتها، فكان لها مقال
أسبوعي طويل، فكانت آخر مقالة نُشرت لها بتاريخ 26 نوفمبر 1998 وكانت
بعنوان "علي بن أبي طالب كرم الله وجهه".
أهم أعمالها
التفسير
البياني للقرآن الكريم، الإعجاز البياني للقرآن، بنات النبي، نساء النبي،
أم النبي، السيدة زينب، عقلية بني هاشم، السيدة سكينة بنت الحسين،
الإسرائيليَّات في الغزو الفكري، نص رسالة الغفران للمعري، الخنساء الشاعرة
العربية الأولى، مقدمة في المنهج، وقيم جديدة للأدب العربي، المرأة
المسلمة، رابعة العدوية، القرآن وقضيَّة الحرية الشخصيَّة الإسلاميَّة،
الحديث النبوي: تدوينه ومناهج دراسته، على الجسر، الريف المصري.
حصلتْ
بنت الشاطئ على الكثير من الجوائز منها جائزة الدولة التقديريَّة للأدب في
مصر في عام 1978، جائزة الحكومة المصريَّة في الدراسات الاجتماعيَّة
والريف المصري عام 1956، ووسام الكفاءة الفكريَّة من المملكة المغربيَّة،
وجائزة الأدب من الكويت عام 1988، وفازت أيضًا بجائزة الملك فيصل للأدب
العربي مناصفةً مع الدكتورة وداد القاضي عام 1994.
منحتها
العديد من المؤسَّسات الإسلاميَّة عضويَّة لم تمنحْها لغيرها من النساء
مثل مجمع البحوث الإسلاميَّة بالقاهرة، والمجالس القوميَّة المتخصِّصة،
وأيضًا أطلق اسمها على الكثير من المدارس وقاعات المحاضرات في العديد من
الدول العربيَّة، وقد توفيت عائشة عبد الرحمن في الأول من ديسمبر 1998.
الاسلام اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق