الثلاثاء، 19 مايو 2015

«كل إناء بما فيه ينضحُ»..د. عارف عوض الركابي - روان للإنتاج الإعلامي والفني

«كل إناء بما فيه ينضحُ»..د. عارف عوض الركابي - روان للإنتاج الإعلامي والفني



اقتربنا
من شهر شعبان؛ وذلك يعني أن شهر رمضان قد اقترب، والناس أقسام في شهر
شعبان!! سعيهم شتى!! وهم طرائق قِدداً!! يصف حالهم في اختلافهم وتباينهم
المثل المشهور «كلُّ إناءٍ بما فيه ينضحُ !!» أهل التجارة يجتهدون في شعبان
لجمع المشتريات الأكثر بيعاً في الشهر والأفضل ربحاً، ويجب أن يذكَّروا
بأن يرفقوا بالناس ويتجنبوا الجشع والطمع، خاصة وبلادنا ينتشر فيها الفقر
وعمَّ الغلاءُ وقلّت ذات اليد..
وأهل
البر والإنفاق يعملون في شهر شعبان بتأمين التمور والمأكولات والمشروبات
لإقامة برامج تفطير الصائمين في المساجد بيوت الله بمختلف بلدانها وتعدد
أشكالها.. وصنف منهم يرسلون أموالهم لمساعدة المحتاجين والفقراء والدعاة
ومحفظي كتاب الله وطلاب العلم وغيرهم من عامة المسلمين، وهؤلاء لما كان حب
الخير لعباد الله صفة ثابتة مستقرة في نفوسهم الطيبة كان همهم في أيام
شعبان أن تصل عطاياهم وما أكرمهم الله به من أموال لإخوانهم في العقيدة
والدين القريبين منهم والبعيدين.

وفي شهر شعبان تجتهد مؤسسات وأفراد ووسائل إعلام لتجهيز برامج تلفزيونية
وإذاعية، و«كلُّ إناءٍ بما فيه ينضحُ» فصنفٌ من الناس همُّه أن يعد مسلسلات
وبرامج يختلط فيها الرجال بالنساء وتضرب فيها آلات الموسيقى لتقدّم تلك
البرامج عبر الشاشات والإذاعات في أيام وليالي شهر الصيام والقيام
والرحمات، لتصد عن سبيل الهدى وتقطع الطريق بسبل رديئات، وبرامج منكرات،
وتحول بين عباد الله وجود وكرم رب البريّات.. ما أكثر البرامج التي تقدّم
عبر الإعلام المرئي والمسموع في شهر رمضان مما يتم إعداده في هذه الأيام
وهو يناقض فرض الصيام ومشروعيته، فإن من أهم مقاصد التشريع في فرض صيام
رمضان «لعلكم تتقون»..
والبرامج
المضلّة تنافي التقوى، وإن ذكرت برامج الإضلال في شهر القرآن الكريم فيذكر
في مقدمتها البرنامج المسمى «أغاني وأغاني» الذي يقدّم في هذا الموسم
المبارك من مواسم الخير وانتقي له وقت صلاة التراويح!! فيجمع مقدمه فتياناً
وفتيات مغنين ومغنيات ومن عدم التوفيق أن يقدم هذا البرنامج في هذا الوقت
العظيم، فهو برنـــــامج لا يجوز عرضه في أي وقت، إلا أن عرضه في شهر رمضان
وفي هذا التوقيت لهو من أعجب العجائب التي تدوّن في تأريخ الإسلام
والمسلمين!!

فلماذا يتعامل الإعلام ومن يعد البرنامج ويقدمه ومن يستضافون فيه هكذا مع
شعائر الله وشهر الصيام وعبد الله المؤمنين؟! لقد حكي لنا في كتب التأريخ
أن الإمام مالكاً وغيره من علماء المسلمين كانوا إذا دخل عليهم شهر رمضان
يتركون «من باب خير الخيرين ومراعاة الوقت المحدّد» كانوا يتركون دروس
الحديث والفقه وغيرها وأقبلوا على القرآن الكريم فقط طيلة فترة الشهر،
تلاوة وتدبراً واتعاظاً واعتباراً و«كلُّ إناءٍ بما فيه ينضح»، وأتمنى أن
نسمع بشرى ببتر هذا البرنامج السيئ وعدم تقديم مثيلاته من برامج الصد عن
الخير في موسم الخير وذلك حتى تشفى صدور قومٍ مؤمنين، وحتى نثبت عملياً
لصغارنا وأبنائنا وشبابنا وفتياتنا أننا أمة لا تُحكِّم الهوى في تصرفاتها،
ولا تتهاون في شعائر الله، ولا تزهد في المنح والعطايا التي يجود بها
الخالق الكريم في هذا الشهر العظيم.
وفي
شهر شعبان يستعد كثيرون بكثرة صيام هذا الشهر، فإن من حكمة الله أن يسبق
صيام شهر رمضان بصيام نافلة قبله وصيام نافلة بعده، فكانت كالسنن الرواتب
وصلاة التطوع مع الصلوات المفروضات، ولمّا كان «كُلُّ إناءٍ بما فيه ينضحُ»
كان كثير من المؤمنين والمؤمنات همهم أن يسيروا على هدي النبي المرتضى
والرسول المجتبى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.. فوجدوا في سنته في ما ثبت
في الصحيح مما روته أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عَائِشَةَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، حَيث قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ــ صلى الله عليه
وسلم ــ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ
لاَ يَصُومُ. وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ــ صلى الله عليه وسلم ــ
اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِى
شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ». وفي رواية: «كَانَ
يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً».
فهنيئاً لكل متبع ولكل من تتبع النبي عليه الصلاة والسلام في الاجتهاد في
السير على هديه وسنته وطريقته، وذلك من علامات التوفيق والفلاح. وهنيئاً
لأئمة المساجد والدعاة إلى الله الذين يجتهدون وينشغلون في شهر شعبان
لإعداد برامج دعوية وتعليمية يفيد منها المسلمون فيبينون لهم حق الله خالق
العبيد ويوضحون لهم سنة المصطفى الحبيب ويعلمونهم الأحكام على النهج السديد
والطريق الرشيد بما ثبت في الكتاب والسنة، وإنه لشرف عظيم وتوفيق كبير.
نفع الله بجهودهم وبارك فيها.
ومؤسفٌ
أن ينشغل آخرون بتجهيز النكات والمقاطع المضحكة لتقديمها وقت الإفطار في
برامج الإفطار الجماعي، فهذا وغيره من عوائق الطريق ووضع الشوك والأحجار
عائقاً من التوبة والاستغفار، فضلاً عما تتضمنه تلك النكات من افتراءات على
الأفراد والمجموعات والأجناس والقبائل مما ظهر أثره السيئ في مجتمعنا
الآن. ما أكثر شُعَب الإيمان وطرق الخير التي يجب أن يتهيأ لها المؤمنون
والمؤمنات، وعلى كل حريص على خير نفسه في العاجل والآجل أن يجتهد لإرضاء رب
الأرض والسماوات وأن يغتنم موسم الخير في ما يعود عليه بالخير وأن يقبل
منحة الله، ويستثمر نعمته ومنته، فكم هم الذين أدركوا رمضان العام الماضي،
والآن هم تحت التراب قد طويت صفحاتهم وأفضوا إلى ما قدموا من أعمال.. لنري
الله ربنا في شهر شعبان نية صالحة.. وعملاً صواباً وقد كان السلف الصالح
يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان.. وذلك حتى يرى ربُّهم فيهم في
موسم الخير شهر الصيام والقيام والعتق حتى يرى فيهم : صلاحاً وفلاحاً
وقنوتاً وإخباتاً وصياماً وقياماً وبكاءً وتدبراً وتلاوةً وبراً وإنفاقاً
واعتكافاً.. فشتان بين أولئك الأخيار والصفوة الأبرار في الهم والهمة
والرغبة والإخلاص والعمل والفهم والإدراك وتعظيم شعائر الله.. شتان بينهم
وبين كثيرين ممن يظهرون في وسائل الإعلام ويقدمون برامج همها جمع مال
وارتزاق باستخدام وسائل وأشخاص في الصد عن طاعة الله وعن سبيله.. و«كُلُّ
إناءٍ بما فيه ينضحُ»!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق