الأربعاء، 20 مايو 2015

القوى الكونية الأربع المسيطرة - روان للإنتاج الإعلامي والفني

القوى الكونية الأربع المسيطرة - روان للإنتاج الإعلامي والفني



فداء ياسر الجندي

نعيش
فوق أديم الأرض وتحت رحاب السماء، ونمضي في حياتنا اليومية تجرفنا شؤوننا
العاجلة التي لا تنتهي، ولا نكاد نلقي بالاً إلى ما يحيط بنا من عجائب
وظروف وأحوال مُسَخَّرة لنا في كل لحظة وحين، ولولاها لما استطعنا أن نعيش
في هذ الكون العظيم، بل لما وُجِدْنا فيه أصلاً.


ومن
هذه العجائب، قوى أربع تؤثر في كل ذرة من ذرات هذا الكون، بما فيها ذرات
أجسامنا، ولكننا لا نشعر بشكل مباشر إلا بواحدة منها، والقوى الأخرى تعمل
في الكون وفي ذرات أجسامنا دون شعور منا، مع أن أهمية هذه القوى لا تقل عن
أهمية الهواء الذي نتنفسه، والماء الذي نشربه، والطعام الذي نأكله لحياتنا،
بل لوجودنا، فلولاها لما وجدنا، بل لما وجد الكون كله على صورته الحالية.


فإن
كنت عزيزي القارئ ترغب في معرفة شيء عن هذه القوى التي تتحكم في حياتنا
ووجودنا، أصلها ووظيفتها وأهميتها وتأثيرها علينا، والضبط المذهل
لمقاديرها، والتناسب المدهش في ما بينها، فهيا بنا معا في جولة سريعة خلال
السطور التالية، نحاول فيها التعرف على هذه القوى وخصائصها العجيبة.



"قوة الجاذبية هي التي نشعر بها جميعنا، والتي من آثارها أنها تجذبنا
وتجذب كل الأجسام من حولنا نحو الأرض، والتي بسببها تكون لنا أوزان"


قوة الجاذبية
وأول
القوى، وهي التي نشعر بها جميعنا، هي قوة الجاذبية، والتي من آثارها أنها
تجذبنا وتجذب كل الأجسام من حولنا نحو الأرض، والتي بسببها تكون لنا أوزان.


وقد
قلنا "الجاذبية" ولم نقل "الجاذبية الأرضية"، لأن الجاذبية الأرضية حالة
مخصوصة من قوة شاملة عامة، فكل أجرام الكون تتجاذب فيما بينها، إن الحاسوب
الذي تنظر إليه الآن، وفنجان القهوة الذي بجواره يتجاذبان، ولكن قوة
الجاذبية بينهما ضعيفة جداً لا تكاد تؤثر عمليا بأي منهما ولا يمكن
ملاحظتها، ذلك أن الجاذبية هي القوة الأضعف بين القوى التي نتحدث عنها،
الأضعف؟! نعم الأضعف رغم أنها هي أكثر القوى التي نشعر بها وتؤثر فينا.


وسبب
قوة تأثيرها علينا نحن سكان الأرض، هو الفرق الشاسع بين كتلة أجسامنا
وكتلة الأرض، فقوة الجاذبية تتناسب طرداً مع كتلة الجسمين المتجاذبين،
وعكساً مع مربع المسافة بينهما، حسب قانون نيوتن للجاذبية، لذلك فإن كتلة
الأرض الهائلة بالنسبة لنا، عندما تجذب شخصاً بقوة ثقل تعادل ستين
كيلوغراماً، فهو أيضا يجذبها بقوة لها المقدار نفسه، فيتأثر الشخص بتلك
القوة ويكتسب ثقلاً في حين لا تؤثر تلك القوة إطلاقاً على الأرض نظراً
لضآلتها الشديدة بالنسبة لكتلة الأرض.



"القوة الكهرومغناطيسية هي القوى التي تتجاذب بسببها الأجسام ذوات
الشحنة الكهربائية المختلفة، وتتنافر الأجسام ذوات الشحنة الكهربائية
المتماثلة، وهذه القوة موجودة على مستوى الذرات"


القوة الكهرومغناطيسية
وهي
قوة معروفة لدينا أيضاً، وقد نشعر ببعض تأثيراتها، هي ببساطة القوى التي
تتجاذب بسببها الأجسام ذوات الشحنة الكهربائية المختلفة، وتتنافر الأجسام
ذوات الشحنة الكهربائية المتماثلة، وهذه القوة موجودة على مستوى الذرات.


فقد
تعلمنا في دروس الفيزياء والكيمياء أن كل ذرة تتألف من نواة مركزية،
وأجسام تدور حولها تسمى إلكترونات، وتعلمنا أيضاً أن الإلكترونات مشحونة
بشحنة كهربائية سالبة، وأن نواة الذرة مشحونة بشحنة كهربائية موجبة، وذلك
لأن النواة تتألف من نوعين من الجسيمات المتراصة: البروتونات والنيترونات،
والبروتونات يحمل كل منها شحنة موجبة، تساوي شحنة الإلكترون السالبة في
القيمة، أما النيوترونات فهي حيادية غير مشحونة، ويكون عدد البروتونات في
كل نواة يساوي عدد الإلكترونات التي تدور حولها، وبذلك تتوازن الذرة
كهربائياً وتستقر.


وحتى
نتبين مدى ضعف قوة الجاذبية التي تحدثنا عنها، فإن القوة الكهرومغناطيسية
أقوى من الجاذبية بمقدار عشرة مرفوعة إلى القوة 36، قد يبدو هذا الرقم
هائلاً فوق تصورنا ولكنه حقيقي وقد حسبه العلماء بدقة، وهو يدل على مقدار
ضعف الجاذبية الذي أشرنا إليه سابقاً.


وهذا
الكلام معناه أنه إن كان لدينا في ذرة من الذرات بروتون وإلكترون، فإن
كلاً منهما يؤثر في الآخر بقوتين: الجاذبية والكهرومغناطيسية، ولكن مقدار
القوة الكهرومغناطيسية التي يتجاذبان بها هي أكبر من الجاذبية بمقدار عشرة
وأمامها 36 صفراً، ولزيادة التوضيح نضرب مثالاً عملياً، لو رمينا دبوساً في
الهواء فإنه سيسقط على الأرض، لأن الأرض ستجذبه، ولكن لو قربنا إليه قطعة
مغناطيس صغيرة فإنها ستجذبه وستلتقطه وترفعه عن الأرض، إي إن القوة
الكهرومغناطيسية التي أثرت بها قطعة المغنطيس الصغيرة على الدبوس، هي أكبر
من الجاذبية التي تؤثر بها الأرض بكتلتها الضخمة على هذا الدبوس. وهذا
المثال يبين بوضوح مدى ضآلة الجاذبية مقارنة بغيرها من القوى الأساسية.


ولكن
القوة الكهرومغناطيسية تثير سؤالاً مهماً: قلنا إن الاجسام المختلفة في
الشحنة تتجاذب، والمتماثلة تتنافر، والإلكترونات السلبية تنجذب إلى نواة
الذرة الإيجابية، ولكن ما بال البروتونات تلتصق ببعضها لتشكل نواة الذرة مع
أنها كلها إيجابية الشحنة؟ ما بالها لا تتنافر؟ الجواب هو لأن هناك قوة
أكبر تؤثر بها وهي القوة النووية الكبرى.



"القوة النووية الكبرى هي القوة التي تمسك البروتونات الموجودة في نواة
الذرة فتضم بعضها إلى بعض لتبقى متماسكة ملتصقة، وهي بالتأكيد أكبر من
القوة الكهرومغناطيسية وإلا لما تمكنت من التغلب عليها، ولتنافرت
البروتونات وابتعدت عن بعضها"


القوة النووية الكبرى
هي
القوة التي تمسك البروتونات الموجودة في نواة الذرة فتضم بعضها إلى بعض
لتبقى متماسكة ملتصقة، وهي بالتأكيد أكبر من القوة الكهرومغناطيسية وإلا
لما تمكنت من التغلب عليها، ولتنافرت البروتونات وابتعدت عن بعضها، لأن
البروتونات تحمل شحنة كهربائية إيجابية، والشحنات المتماثة تتنافر، ولو
تنافرت البروتونات لما كان لدينا مادة في الكون، غير الهيدروجين، لأنه
يحتوي على بروتون واحد، والقوة النووية الكبرى تزيد مائة ضعف عن القوة
الكهرومغنطيسية، أي لو أن كل بروتون يتنافر مع جاره في نواة الذرة بقوة
كهرومغناطيسية مقدارها (س)، فهما يتجاذبان بقوة نووية كبرى مقدارها (100س)،
لذلك تتماسك البروتونات، أما بالنسبة للجاذبية فإن القوة النووية الكبرى
أكبر من قوة الجاذبية بمقدار عشرة مرفوعة إلى القوة 38.


ورغم
الضخامة الهائلة للقوة النووية الكبرى، فإننا لا نشعر بها لأن مجال
تأثيرها محدود جداً، لا يتعدى الأبعاد الجزئية لنواة الذرة، والطاقة
النووية التي نعرفها، والتي يستخدمها العلماء لتوليدها مادة اليورانيوم، هي
تلك الطاقة الكبرى المختزنة في نواة الذرات.


واليورانيوم
هو أكبر العناصر المعروفة في الطبيعة من حيث حجم نواة الذرات التي يتكون
منها، وبالتالي كمية القوة النووية الكبرى التي يختزنها، فذرة اليورانيوم
تحتوي على 92 بروتون، وهي كلها متماسكة بفعل القوة النووية الكبرى، وما
يفعله العلماء لتوليد الطاقة النووية هو تحرير هذه القوة التي بسببها
يتماسك هذا العدد الكبير من البروتونات، عن طريق عملية تسمى الانشطار
الذري، وهي ليست موضوعنا الآن، ويكفي أن نعلم أن وقوداً نووياً قوامه نصف
كيلوغرام فقط من اليورانيوم يكفي لتزويد غواصة ذرية بطاقة تعادل ما يزيد
على الطاقة التي يزودها بها ربع مليون لتر من الوقود السائل.


"القوة النووية الصغرى هي القوة التي تؤدي إلى النشاط الإشعاعي لبعض عناصر الذرة، وهي قوة معقدة"

القوة النووية الصغرى
وهي
القوة التي تؤدي إلى النشاط الإشعاعي لبعض عناصر الذرة، وهي قوة معقدة
ويحتاج شرحها للتعمق في معادلات فيزيائية ليس هنا مكانها، ويضرب العلماء
مثالاً عليها بتفكك النيوترون في نواة الذرات المشعة (وهو الجسيم عديم
الشحنة) إلى بروتون وإلكترون وجسيم آخر يسميه العلماء (النيوترون المضاد)،
فتحتفظ النواة بالبروتون وتقوم بإطلاق الإلكترون والنيوترون المضاد على شكل
أشعة، ومقدار هذه القوة وتناسبها مع القوى الأخرى دقيق جداً، فهي أكبر من
قوة الجاذبية بمقدار عشرة مرفوعة للقوة 25، والقوة النووية الكبرى أكبر من
القوة النووية الصغرى بمقدار عشرة مرفوعة للقوة 13.


كان
ما سبق وصفاً موجزا للقوى الأربع الأساسية، غير أن مقادير هذه القوى كل
على حده، والنسبة بين مقدار كل منها وبين أخواتها، مضبوطة بدقة مدهشة، لو
اختلت لاختل معها الكون ولما وجدت حياة على الأرض، وهذا ما سنبينه لقرائنا
الكرام في مقالنا القادم، فانتظرونا.



______________
* كاتب وباحث ومترجم سوري في تقنية المعلومات.

المصدر : الجزيرة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق