الاثنين، 4 مايو 2015

العلاقات الخارجية وصمت كرتي!! بقلم الصادق الرزيقي - روان للإنتاج الإعلامي والفني

العلاقات الخارجية وصمت كرتي!! بقلم الصادق الرزيقي - روان للإنتاج الإعلامي والفني



>
لن يتجادل اثنان أو قل لن تنتطح عنزان، في أن أوضاعنا الداخلية في حال
انفراجها واستوائها على الجودي، ستكون أولى انعكاساتها على علاقاتنا
الخارجية وارتباطاتنا مع العالم، فالارتباط الوثيق والمتين بين الداخل
والخارج لن تنفصم عراه ولن يتسلخ جلده، وتبدو اليوم المؤشرات قوية وواعدة
بأن الأمور في الداخل بعد الانتخابات واكتساب الشرعية والانتصارات الباهرة
للقوات المسلحة، ومع ترافقها مع الدفء الكبير في علاقاتنا مع المحيط العربي
والإفريقي، سيكون هناك شأن آخر تحصد فيه بلادنا ثماراً ناضجة ودانية كانت
بعيدة المنال.

>
لا بد لنا هنا.. ونحن نتحدث عما يعم الساحة الداخلية من تطورات إيجابية،
أن نتناول العلاقات الخارجية وما تم فيها خلال الفترة الماضية، وهي في
مجملها تحتاج إلى نظرة عميقة وفحص دقيق، فالسياسة الخارجية هي تعبير عن
التفاعلات الداخلية وتقدير المصالح العليا وحسن إدارة التواصل مع الآخرين،
وهي بلا شك تحتاج إلى صبر وأناة وجهد صامت أحياناً وحسن تصرف ورشد في
المعاملات، فالمعاملات بين الدول مثل العلاقات بين الأشخاص تحكمها كيمياء
واحدة تتفاعل عناصرها لتعطي نتيجة متشابهة ومتطابقة.

>
سياستنا الخارجية خلال الفترة الماضية، اتسمت في جوانبها المختلفة عربياً
وإفريقيا ودولياً، بأداء يستحق أن نقرأه بعمق ونضعه تحت مجهر الفحص، ونجيب
عن أسئلة مشروعة، هل تحقق لنا ما نريد من تطبيق هذه السياسة الخارجية؟ وهل
قامت وزارة الخارجية بما ينبغي فعله من واجب أم قصرت فيه؟

>
الإجابة قطعاً سهلة لا تحتاج إلى كثير عناء، ما نعيشه الآن ونعايشه من
تطورات في الداخل لعب الانفراج الخارجي دوراً في جزء منها، ولولا التهدئة
التي شعرنا بها وطي كثير من الملفات الخارجية والبعض الآخر في طريقه إلى
التجاوز، لما تمكنا من معالجة الكثير من الهموم والقضايا التي كانت تأخذ
بتلابيب البلاد، فوضعنا اليوم بكل حال من الأحوال أفضل من الأمس، فعلاقاتنا
مع جوارنا مستقرة ومنتجة وفعالة سواء أكانت مع الجوار العربي أو الإفريقي،
ودورنا في معالجة الكثير من المشكلات الإقليمية أكسبنا نقاطاً إيجابية
تفتح الطريق إلى تفاهمات تقود إلى تطبيب أدوائنا نحن، وخاصة في العلاقة مع
العالم الخارجي.

ولدى أي متابع للشأن الخارجي ملاحظتان مهمتان في تنفيذ السياسة الخارجية وتمظهراتنا الراهنة وهما:
>
تلاحظ أن السودان حافظ وبشكل مثمر وفعال على علاقاته مع حلفائه الدوليين
الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي «الصين وروسيا»، واتخذ مواقف دفعت
هذه العلاقات بقوة ما كانت لتحدث لولا حسن التقدير والتصرف الذي تحدثنا فيه
آنفاً، كالموقف من الأزمة الأوكرانية وأزمات دولية كانت سبباً في تقوية
مواقف الآخرين تجاه السودان، وانعكس ذلك في بيانات مجلس الأمن الدولي بشأن
السودان أو مشروعات القرارات التي لم تر النور أبداً وتم التراجع عنها أو
نسيانها، أو الموقف من المحكمة الجنائية الدولية وتنفيس إطاراتها ومنعها من
التقدم في الساحة الدولية.. مقابل ذلك لم تهمل العلاقة مع الدول الغربية،
فكل ما يقال أنها اليوم أفضل من ذي قبل، وتراجعت غلواء العداء تجاه بلدنا،
وصارت المواقف المتخذة أخف بكثير من السابق وقلت حدة الانتقادات، والسبب هو
الحوار الهادئ الطويل النفس والعمل في صمت دون جلبة أو إثارة أعشاش
الدبابير في الغرب.. وهذا نجاح باهر لوزارة الخارجية يحسب لها.

>
الملاحظة الثانية أن التكامل بين الدبلوماسية الرئاسية التي باشرها رئيس
الجمهورية، وسعت فيها وزارة الخارجية بكل خبرتها وجهدها، انتجت واقعاً
جديداً في علاقاتنا العربية وخاصة الخليجية، فقد مشى السودان طيلة الفترة
الماضية وسط الأشواك والألغام، واستطاع عبر الحكمة والدراية الكافية
بمتطلبات بناء علاقة عربية مستقرة التوازن الخلاق بين أطراف مختلفة لا
علاقة للسودان بتجاذباتها، ولم يقع في أفخاخ عديدة نصبت له ولا انتمى
لأحلافها، استطاع السودان أن يتجنب الكثير من العثرات والمطبات حتى انبلج
الليل العربي عن صبح من التعاون والتضامن غير المتوقع في الأزمة اليمنية،
وكان موقف السودان متقدماً وصحيحاً، ويُحار المرء ماذا كان سيحدث لو لم يكن
الموقف كما هو كائن اليوم؟!

>
ومن هاتين الملاحظتين يتبين أن الأداء الخارجي في ملفاته وجوانبه، يستحق
التوقف عنده وقراءته على ضوء معطيات ومستخلصات نتائجه قبل دلق الآراء
والانطباعات العامة غير المسنودة بالحقائق الكلية حول دور الخارجية والأداء
المتميز لها.

>
وتجدر الإشارة هنا إلى أن قضايا السياسة الخارجية بحساسيتها تحتاج إلى
تعاملين اتسم بهما تعامل وزارة الخارجية، التقدير السيلم في الإفصاح عنها
بقدر ما تفرضه الحاجة، والعمل بعيداً عن الأضواء ومثيراتها حتى لا يقع
الجميع في المحظور وهذا ديدن كل تعامل خارجي. ومن هنا لا بد أن أشير إلى
نقطة بالغة الأهمية، وهي أن السيد علي كرتي وزير الخارجية ظل بعيداً عن
مساقط الأضواء ويتعامل معها بحساب دقيق، ولم نحبذ نحن في مجتمعنا الصحفي
هذا الابتعاد لاعتبارات تتعلق بمهنة الصحافة نفسها التي تلهث وراء
المعلومات والأخبار ونشر الوقائع دون وضع أية احترازات أو تقديرات كالتي
يراها الوزير.. ويرى أن مصلحة البلاد تقتضي ذلك.

>
ومن باب الاحترام له لا بد أن أشير إلى أن القضايا الراهنة بكل تشعبات
ملفاتها وانفراجاتها كانت تحتاج إلى توضيحات منه وحديث يكشف الكثير، لكن
الرجل بكل نبل وحسن تقدير لم يستجب لطلباتنا المتكررة، وهو محق ربما.. ففي
حال حديثه هذه الأيام في الصحف سيخرج غداً من يقول إن التوقيت والواقع
السياسي الملبد بالغيوم الكثيرة ومشاورات تشكيل الحكومة القادمة، فمن يتحدث
من الوزراء فقط يريد عرض بضاعته ونفسه على المشهد العام!! لذا آثر كرتي
الصمت وهو محق في ذلك ونبيل.
الانتباهة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق