أسباب تسلُّل الفكر التكفيري إلى بعض جامعاتنا «3» الجهل بضوابط وشروط وموانع التكفير..د. عارف عوض الركابي - روان للإنتاج الإعلامي والفني
أبدى
كثيرٌ من الناس استغرابهم ودهشتهم من تأثّر بعض الطلاب والطالبات في عدد
من جامعاتنا بفكر جماعات التكفير، والتحاق عدد منهم بجماعة «داعش» في ليبيا
والشام، وقد كان الأمر مفاجئاً للمجتمع بعد أن كان مفاجئاً لأسر أولئك
الطلاب والطالبات.هذا واقع عشناه ونعيشه، وقد أبرز هذا السلوك من قبل هؤلاء
الشباب والفتيات الذين غُرِّر بهم، أبرز ثغرات كبيرة في مجتمعنا لم
تُسَد!! بعضها لم يسد بسبب الغفلة عنها، وبعضها بسبب الجهل بالبيئة التي
عاش فيها هؤلاء الطلاب والطالبات وعدم الانتباه لها، وبعضها بسبب تركيز
دعاة ومروجين لهذا الفكر المنحرف وسط هؤلاء الطلاب والطالبات وانفرادهم بهم
وإحاطتهم بالشبهات، دون أن يتصدى لهم أو يكشف مخططهم قبل وقوع الفأس في
الرأس.. وغير ذلك.
والواجب
المتحتّم الآن هو سد هذه الثغرات، ومعالجة هذا الداء الفتّاك بالعلاج
الناجع، فالمرض مشاهد والتشخيص واضح، والعلاج موجود ومتوفّر لكن يجب أن
يكون على يد الطبيب «الثقة» «الحاذق» «الأمين».
إن
من الثغرات التي نفذ من خلالها الفكر التكفيري الخارجي إلى بعض جامعاتنا
تضليل الطلاب والطالبات في أحكام التكفير والخروج على الحكام، وإسقاط
العلماء الذين يبينون هذه الأحكام حتى لا يؤخذ منهم العلم ولا يعمل
بوصاياهم وبيانهم للأحكام الشرعية، وفي ما يلي أذكر معالم عامّة في أحكام
التكفير ويعقبها في الحلقة التالية بمشيئة الله تعالى تبيين معالم عامة في
مسألة الخروج على الحكام، ثم أعرض بعد ذلك أنموذجاً من الكتب المعاصرة التي
تدرّس أو درّست لبعض الطلاب والطالبات وأثّرت في فكرهم، فإن من أهم ما
يذكر في هذا الباب:
الأولى:
إن الحكم على أي عمل سواء أكان يتعلق بالاعتقاد أو الأقوال أو أعمال
الجوارح بأنه «كفر» أو «ليس بكفر» هذا لا بد فيه من دليل شرعي، ولا مجال
للاجتهاد والاستنباط في هذا الباب، فلا بد من دليل من الكتاب أو السنة في
ذلك، قال ابن تيمية في كتابه «منهاج السنة النبوية»: «إن الكفر والفسق
أحكام شرعية، ليس ذلك من الأحكام التي يستقل بها العقل، فالكافر من جعله
الله ورسوله كافراً، والفاسق من جعله الله ورسوله فاسقاً، كما أن المؤمن
والمسلم من جعله الله ورسوله مؤمناً ومسلماً» أ. هـ.
الثانية:
يقال للفعل أو القول «كفر»، ولا يقال للفاعل إنه «كافر» إلا بعد تحقق
الشروط وانتفاء الموانع، فإن من قام به عمل مكفر من «الأفراد المعينين»
فهذا لا يستلزم تكفيره عيناً ولا يحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة.
فإن
الله تعالى لا يعذب من لقيه بكفر أو ذنب حتى تقوم عليه الحجة التي بها
يستحق العذاب، قال الله تعالى: «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً»، يقول
الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: «إخبار عن عدله تعالى، وأنه لا يعذب
أحداً إلا بعد قيام الحجة بإرسال الرسول إليه» أ.هـ.
والأدلة
من السنة في ذلك كثيرة جداً، وهو أمر في غاية الوضوح، وفي كثير من الأحيان
تجد أنّ أناساً يخطئون بسبب عدم فهمهم لهذه المسألة، فإذا قال شخصٌ عن
فعلٍ أو قولٍ : «هذا كفر»، فيفهمون «بخطأ أنفسهم» أن هذا القول من هذا
القائل يعني تكفير الشخص المعيّن، «وهو خطأ كبير وخلل فادح»، فإن الشخص قد
يقع في ما يكون فعله كفراً لكنه لا يحكم بتكفيره، يقول الشيخ ابن عثيمين:
«وبهذا يعلم أن المقالة أو الفعلة قد تكون كفراً أو فسقاً ولا يلزم من ذلك
أن يكون القائم بها كافراً أو فاسقاً، إما لانتفاء شرط التكفير أو التفسيق،
أو وجود مانع شرعي يمنع منه». وهذه من مهمات هذا الباب.
الثالثة:
اشترط العلماء للحكم بتكفير المعين شروطاً من أهمها: «أن يكون الشخص
المعين بالغاً عاقلاً»، فإن القلم مرفوع عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير
حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل. «وأن يقع منه الكفر على وجه الاختيار»،
فإن المكره لا يحكم بكفره إذا تحققت شروط الإكراه المعتبرة عند العلماء.
«وأن تبلغه الحجة التي يكفر بخلافها». «وألا يكون متأوِّلاً»، وقد قال الله
تعالى: «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا».
وهذه الشروط فيها تفاصيل كثيرة ومهمة، وليس مجال بسط ذلك مثل هذا المقال. وقد اعتنت بها كثير من الكتب في القديم والمعاصر.
الرابعة:
قضايا التكفير لا يحق لغير العلماء الراسخين أن يدخلوا فيها، فكما أنه
يشترط في من يفتي الناس في الأحكام الشرعية شروط معتبرة من ناحية علمه
وأهليته وتحققه بشروط الإفتاء والاجتهاد، فكذلك في مسألة الحكم بالتكفير،
فإنه لا يتكلم فيها إلا من رسخت أقدامهم في العلم، فلا يجوز أن يتكلم فيه
من ليس عنده علم ومعرفة وبصيرة، ولا يحكم بالكفر إلا على من كفره الله
ورسوله لارتكابه «ناقضاً من نواقض الإسلام» المجمع عليها بين أهل العلم،
ومن ثم يجب على المسلم أن يتعلم قبل أن يتكلم، وألا يتكلم إلا عن علم..
ويجب على المسلم أن يخاف الله عز وجل، وألا يحكم بالردة أو بالكفر على أحد
بدون روية وبدون تثبت وبدون علم.. وهذا هو كلام أهل السنة والجماعة ومذهب
أتباع السلف الصالح في كل زمان وفي كل مكان.
الخامسة:
من ثمَّ يعرف أن هذا الباب من الأبواب التي ضبطت عند أهل السنة والجماعة
بضوابط محكمة، ومع ذلك فإن جماعات التكفير كانت ومازالت تنتشر في أوساط
المسلمين، وقد وُجِدُوا والصحابة موجودون، بل جاء زعيمهم «ذو الخويصرة»
وطعن في قسمة النبي عليه الصلاة والسلام بحضرته، وقد أخبر النبي عليه
الصلاة والسلام بخبره وأنه سيخرج من ضئضئه أقوام سفهاء الأحلام حدثاء
الأسنان، يقولون من قول خير البرية ويخرجون من الدين كما يخرج السهم من
الرمية، وقد جلَّى النبي عليه الصلاة والسلام للصحابة الكرام وللأمة من
بعدهم أمر الخوارج، ومواقفهم ومفاهيمهم ومناهجهم، ولم يألُ جهداً الصحابة
الكرام في مقارعتهم بالحجة والرد على شبهاتهم، فناظرهم الصحابة وعلى رأسهم
علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، وقد رجع منهم من وفقه
الله، وأصر منهم من لم يتجرد وينخلع عن هواه.
فإن
من علاج ظاهرة انتشار الفكر التكفيري في بعض جامعاتنا أن يتم تدريس هذا
الباب على منهج أهل السنة والجماعة وبوسطيتهم، عن طريق الأشخاص الموثوقين
وبفهم العلماء الربانيين المشهود لهم بسلامة المعتقد وصحة المنهج، وهذا
العلاج من الضروري العناية به، وتدريس هذا الباب بفهمه الصحيح في مقررات
الدراسات الإسلامية بالكليات العلمية والأدبية والتقنية.
كثيرٌ من الناس استغرابهم ودهشتهم من تأثّر بعض الطلاب والطالبات في عدد
من جامعاتنا بفكر جماعات التكفير، والتحاق عدد منهم بجماعة «داعش» في ليبيا
والشام، وقد كان الأمر مفاجئاً للمجتمع بعد أن كان مفاجئاً لأسر أولئك
الطلاب والطالبات.هذا واقع عشناه ونعيشه، وقد أبرز هذا السلوك من قبل هؤلاء
الشباب والفتيات الذين غُرِّر بهم، أبرز ثغرات كبيرة في مجتمعنا لم
تُسَد!! بعضها لم يسد بسبب الغفلة عنها، وبعضها بسبب الجهل بالبيئة التي
عاش فيها هؤلاء الطلاب والطالبات وعدم الانتباه لها، وبعضها بسبب تركيز
دعاة ومروجين لهذا الفكر المنحرف وسط هؤلاء الطلاب والطالبات وانفرادهم بهم
وإحاطتهم بالشبهات، دون أن يتصدى لهم أو يكشف مخططهم قبل وقوع الفأس في
الرأس.. وغير ذلك.
والواجب
المتحتّم الآن هو سد هذه الثغرات، ومعالجة هذا الداء الفتّاك بالعلاج
الناجع، فالمرض مشاهد والتشخيص واضح، والعلاج موجود ومتوفّر لكن يجب أن
يكون على يد الطبيب «الثقة» «الحاذق» «الأمين».
إن
من الثغرات التي نفذ من خلالها الفكر التكفيري الخارجي إلى بعض جامعاتنا
تضليل الطلاب والطالبات في أحكام التكفير والخروج على الحكام، وإسقاط
العلماء الذين يبينون هذه الأحكام حتى لا يؤخذ منهم العلم ولا يعمل
بوصاياهم وبيانهم للأحكام الشرعية، وفي ما يلي أذكر معالم عامّة في أحكام
التكفير ويعقبها في الحلقة التالية بمشيئة الله تعالى تبيين معالم عامة في
مسألة الخروج على الحكام، ثم أعرض بعد ذلك أنموذجاً من الكتب المعاصرة التي
تدرّس أو درّست لبعض الطلاب والطالبات وأثّرت في فكرهم، فإن من أهم ما
يذكر في هذا الباب:
الأولى:
إن الحكم على أي عمل سواء أكان يتعلق بالاعتقاد أو الأقوال أو أعمال
الجوارح بأنه «كفر» أو «ليس بكفر» هذا لا بد فيه من دليل شرعي، ولا مجال
للاجتهاد والاستنباط في هذا الباب، فلا بد من دليل من الكتاب أو السنة في
ذلك، قال ابن تيمية في كتابه «منهاج السنة النبوية»: «إن الكفر والفسق
أحكام شرعية، ليس ذلك من الأحكام التي يستقل بها العقل، فالكافر من جعله
الله ورسوله كافراً، والفاسق من جعله الله ورسوله فاسقاً، كما أن المؤمن
والمسلم من جعله الله ورسوله مؤمناً ومسلماً» أ. هـ.
الثانية:
يقال للفعل أو القول «كفر»، ولا يقال للفاعل إنه «كافر» إلا بعد تحقق
الشروط وانتفاء الموانع، فإن من قام به عمل مكفر من «الأفراد المعينين»
فهذا لا يستلزم تكفيره عيناً ولا يحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة.
فإن
الله تعالى لا يعذب من لقيه بكفر أو ذنب حتى تقوم عليه الحجة التي بها
يستحق العذاب، قال الله تعالى: «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً»، يقول
الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: «إخبار عن عدله تعالى، وأنه لا يعذب
أحداً إلا بعد قيام الحجة بإرسال الرسول إليه» أ.هـ.
والأدلة
من السنة في ذلك كثيرة جداً، وهو أمر في غاية الوضوح، وفي كثير من الأحيان
تجد أنّ أناساً يخطئون بسبب عدم فهمهم لهذه المسألة، فإذا قال شخصٌ عن
فعلٍ أو قولٍ : «هذا كفر»، فيفهمون «بخطأ أنفسهم» أن هذا القول من هذا
القائل يعني تكفير الشخص المعيّن، «وهو خطأ كبير وخلل فادح»، فإن الشخص قد
يقع في ما يكون فعله كفراً لكنه لا يحكم بتكفيره، يقول الشيخ ابن عثيمين:
«وبهذا يعلم أن المقالة أو الفعلة قد تكون كفراً أو فسقاً ولا يلزم من ذلك
أن يكون القائم بها كافراً أو فاسقاً، إما لانتفاء شرط التكفير أو التفسيق،
أو وجود مانع شرعي يمنع منه». وهذه من مهمات هذا الباب.
الثالثة:
اشترط العلماء للحكم بتكفير المعين شروطاً من أهمها: «أن يكون الشخص
المعين بالغاً عاقلاً»، فإن القلم مرفوع عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير
حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل. «وأن يقع منه الكفر على وجه الاختيار»،
فإن المكره لا يحكم بكفره إذا تحققت شروط الإكراه المعتبرة عند العلماء.
«وأن تبلغه الحجة التي يكفر بخلافها». «وألا يكون متأوِّلاً»، وقد قال الله
تعالى: «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا».
وهذه الشروط فيها تفاصيل كثيرة ومهمة، وليس مجال بسط ذلك مثل هذا المقال. وقد اعتنت بها كثير من الكتب في القديم والمعاصر.
الرابعة:
قضايا التكفير لا يحق لغير العلماء الراسخين أن يدخلوا فيها، فكما أنه
يشترط في من يفتي الناس في الأحكام الشرعية شروط معتبرة من ناحية علمه
وأهليته وتحققه بشروط الإفتاء والاجتهاد، فكذلك في مسألة الحكم بالتكفير،
فإنه لا يتكلم فيها إلا من رسخت أقدامهم في العلم، فلا يجوز أن يتكلم فيه
من ليس عنده علم ومعرفة وبصيرة، ولا يحكم بالكفر إلا على من كفره الله
ورسوله لارتكابه «ناقضاً من نواقض الإسلام» المجمع عليها بين أهل العلم،
ومن ثم يجب على المسلم أن يتعلم قبل أن يتكلم، وألا يتكلم إلا عن علم..
ويجب على المسلم أن يخاف الله عز وجل، وألا يحكم بالردة أو بالكفر على أحد
بدون روية وبدون تثبت وبدون علم.. وهذا هو كلام أهل السنة والجماعة ومذهب
أتباع السلف الصالح في كل زمان وفي كل مكان.
الخامسة:
من ثمَّ يعرف أن هذا الباب من الأبواب التي ضبطت عند أهل السنة والجماعة
بضوابط محكمة، ومع ذلك فإن جماعات التكفير كانت ومازالت تنتشر في أوساط
المسلمين، وقد وُجِدُوا والصحابة موجودون، بل جاء زعيمهم «ذو الخويصرة»
وطعن في قسمة النبي عليه الصلاة والسلام بحضرته، وقد أخبر النبي عليه
الصلاة والسلام بخبره وأنه سيخرج من ضئضئه أقوام سفهاء الأحلام حدثاء
الأسنان، يقولون من قول خير البرية ويخرجون من الدين كما يخرج السهم من
الرمية، وقد جلَّى النبي عليه الصلاة والسلام للصحابة الكرام وللأمة من
بعدهم أمر الخوارج، ومواقفهم ومفاهيمهم ومناهجهم، ولم يألُ جهداً الصحابة
الكرام في مقارعتهم بالحجة والرد على شبهاتهم، فناظرهم الصحابة وعلى رأسهم
علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، وقد رجع منهم من وفقه
الله، وأصر منهم من لم يتجرد وينخلع عن هواه.
فإن
من علاج ظاهرة انتشار الفكر التكفيري في بعض جامعاتنا أن يتم تدريس هذا
الباب على منهج أهل السنة والجماعة وبوسطيتهم، عن طريق الأشخاص الموثوقين
وبفهم العلماء الربانيين المشهود لهم بسلامة المعتقد وصحة المنهج، وهذا
العلاج من الضروري العناية به، وتدريس هذا الباب بفهمه الصحيح في مقررات
الدراسات الإسلامية بالكليات العلمية والأدبية والتقنية.
الانتباهة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق