الأربعاء، 1 يوليو 2015

رمضان فرصة للانعتاق من داء العنصرية القبلية..د. عارف عوض الركابي - روان للإنتاج الإعلامي والفني

رمضان فرصة للانعتاق من داء العنصرية القبلية..د. عارف عوض الركابي - روان للإنتاج الإعلامي والفني

وأيام
شهر رمضان المبارك ولياليه مجال أرحب للتوبة والاستغفار والأوبة ومحاسبة
النفس ومراجعتها، وكم من مسرف على نفسه يقع في الموبقات والمعاصي ويقصّر في
أداء الواجبات ينيب إلى الله ويستغفر ويقلع عن المنكرات ويقبل على طاعة رب
الأرض والسماوات، وفرصة عظيمة لأن ينعتق في مجتمعنا كل من أصيب بداء
العنصرية القبلية التي هي من شرّ الأدواء، ومن الأمراض الفتّاكة التي تضرر
منها مجتمعنا ولا يزال الضرر قائماً حتى باتت العنصريات القبلية من أعظم ما
يهدد الأمن والأمان في بلادنا.

وبين
كل حين وآخر أذكر بخطورة أحد أدواء العصر وأحد أكبر الأمراض الفتاكة التي
انتشرت في مجتمعنا.. ولن نيأس من استمرار التذكير ولن نقطع الأمل في القضاء
على هذه الظاهرة الممقوتة شرعاً المبغضة عرفاً المدمرة في عواقبها
وآثارها.

إنها
العنصرية القبلية التي كثر صرعاها وقتلاها.. وأصبحت تتجذر وتتأصل في
مجتمعنا يوماً بعد يوم .. ولا يخفى علينا أن أعداءنا يخططون للوصول إلى
غاياتهم المنشودة التي أصبحت ظاهرة مكشوفة ترى بالأعين وتشاهد وتزداد
وضوحاً بمرور الأيام.. وبلا شك أن صاحب الهدف والغاية يسعى للوصول إلى
غايته عبر أفضل الوسائل والأساليب.. فهل أدركنا وأدرك هذا المجتمع على
اختلاف أفراده أن أعداءهم أجادوا وأتقنوا استخدام وسيلة «إثارة العنصرية
والنعرات القبلية» لتحقيق أهدافهم من تمزيق المجتمع وتمرير مخططاتهم.. حتى
رأوا نتائج مآربهم ..؟!!

وهل
علم «الكثيرون» أنهم قد تم استغلالهم فزُيّنت لهم أشياء وتم تسليط الضوء
عليها لأنها فتيل يسهل إشعاله.. ويستمر ويكبر إحراقه ودماره؟!

إن
الدعوة إلى إثارة القبلية والعنصرية هو من أكبر مخططات الأعداء لتفتيت هذه
البلاد وإثارة الحروب والدمار فيها، وإيقاد نيران الحرب في جهاتها
المختلفة..

وعلى
هذا المنوال فإن من المعلوم بالاضطرار أن كل صاحب قضية ـ محقاً كان أم
مبطلاً ـ يستخدم من الوسائل ما يراه مناسباً .. وفي الفترة الماضية أصبحت
قضية «العنصرية القبلية» تحتل حيزاً واضحاً.. وتستثمر استثماراً كبيراً..
وإن من المؤسف حقاً أن تجد أرضاً خصبة ينبت فيها نبتها السيء.. فتستعصي
المسائل وتصعب الحلول.. ويكثر اللهيب.. ويتناثر الشرر.. ويضيع ويفسد بذلك
الحرث والنسل..

هزمت
دعوات العنصرية كثيرين.. والمؤسف حقاً أن من أكثر المنهزمين لهذه الدعوة
المنتنة.. بعض من يوصفون بــ «المثقفين» و«المتعلمين»... وقد عرف الصغير
قبل الكبير موقف الإسلام من الدعوة إلى العنصرية وحسمه ودوائه لدائها
الفتاك.. إلا أن الكثيرين قد استجابوا لهذه الدعوات وأصبحت شغلهم الشاغل..
فكانوا في وادٍ وتوجيهات الشرع في هذا الأمر في وادٍ آخر!!

من يا ترى المستفيد من إثارة العنصريات والقبليات والقذف بالأنساب والطعن فيها وتقطيع المجتمع المسلم بذلك؟!
للإجابة
عن هذا السؤال يجب أن يدرك الجميع أن البيئة التي ينتشر فيها داء العنصرية
القبلية يكون الجميع فيها خاسر!! ولك أن ترى أو تسمع أو تقرأ حواراً بين
شخصين عنصريين.. خاصة في عالم المنتديات الإلكترونية!! لتدرك ما أريد
شرحه.. فهذا يقول للآخر يا «جلابي» كمثال ويرد عليه الآخر بقوله يا غرباوي
وآخر يعير الثاني بقوله يا رطاني ويرد عليه الآخر يا عربي.. وهكذا الحال..
قذف بعنصرية جاهلية.. فتجد أن من يشكو من العنصرية يرد على الآخر بعنصرية
هي أكبر من أختها!! وهو بعينه العلاج بنفس الداء فيزداد المرض فتكاً
بصاحبه!! وهو موقف متكرر بين المصابين بمرض العنصرية في بلادنا هذه أو
غيرها من البلاد.. تبادل إطلاق عبارات «جاهلية» «منتنة» وفي النهاية لا
يوجد من يفيد من هذا الأمر إلا العدو الذي أجاد تزيين الأمر وإشعاله
بينهما..

فهل
نطمع في وعي وإدراك لخطورة هذه القضية الحساسة الشائكة.. والتي هي من أهم
وسائل أعداء هذا المجتمع؟! وهل نتوقع أن يفيق الكثيرون ممن وقعوا في هذا
الشَرَك المحكم؟!

لا
بد من بذل الأسباب لتفويت الفرصة على أعدائنا.. وحتى ننعم بحياة طيبة.. في
ظل توجيهات هذا الدين العظيم.. الذي حسم هذه القضية وقطع نبتها الخبيث من
أصوله واجتثها.. وحذر منها بل أكّد التحذير.. وشنّع بمن يقع فيها ووصفه
بأوصاف ذميمة.. وقد قطع الله تعالى دابر هذا البلاء الذي تقطع به الصلات
وتمتلئ به القلوب بالشحناء والبغضاء.. ويزداد الغل بسببه إلى أن يبلغ القتل
والدمار والخراب.. «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، «لا يسخر قوم من قوم»
،«ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب» «خلقكم من نفس واحدة»... فهل
سيستجيب المجتمع لدعوة الشرع والحكمة والعقل.. فينبذ القبلية والعنصرية،
ويعتصم بالكتاب والسنة ويتآلف أفراده فيما بينهم.. وينظرون للمصلحة العامة
ويضعون الفخر بالأحساب والانتصار للقبليات في محلها الذي وضعه الإسلام «تحت
الأقدام»؟!

لقد
كان من أهم أسباب نصرة النبي عليه الصلاة والسلام وانتشار هذا الدين رغم
محاولات أعدائه من «اليهود والنصارى والمشركين والمجوس والمنافقين» هو
اجتماع كلمة المسلمين وموالاتهم لبعضهم البعض ورحمتهم ببعضهم، والإخوة التي
تحققت بينهم وكانوا عليها.. وقد جاءت النصوص الكثيرة والتشريعات التي تم
تحقيق هذا الجانب المهم بها.. وفي المقابل فقد علم النبي عليه الصلاة
والسلام أن إثارة القبلية من أكبر مهددات المجتمع وفساد حياته الطيبة ومن
ثَم سهولة نصرة أعدائه عليه.. فبلّغ في ذلك كما في غيره البلاغ المبين
وأوضح الأمر وفصّل فيه بما لا يبقى به حجة لمن يقع في هذا«المستنقع» المظلم
المدمّر.. وهذا «الدرك» الذي تضيع به حسنات صاحبه فيتضرر الأفراد.. ويسهل
التفريق به بين الناس فيتضرر المجتمع.. وأشير هنا إلى بعض ما ورد عن نبي
الهدى والرحمة عليه الصلاة والسلام في هذه القضية المهمة:

قال
عليه الصلاة والسلام: «.. من قاتل تحت رايةٍ عُمِيّة يدعو إلى عصبيةٍ أو
يغضب لعصبية، فقتل، فقتلته جاهلية» رواه النسائي، وفي لفظ: «.. ومن قتل تحت
رايةٍ عُمِيّةٍ يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي» أخرجه مسلم في
صحيحه.. والعصبة: بنو العم، والعصبية أخذت من العصبة.

وقال: «من قتل تحت راية عمية يدعوا عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية» رواه مسلم
وقال:
«.. ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم» رواه الإمام أحمد. والدعوة
للعصبية هي من الدعوات الجاهلية كما جاء في حديث«ما بال دعوى أهل
الجاهلية؟!» لما اختلف رجل من المهاجرين وآخر من الأنصار فقال المهاجري يا
للمهاجرين، وقال الأنصاري يا للأنصار ثم قال: دعوها فإنها خبيثة» متفق عليه
وكما في قوله لأبي ذر رضي الله عنه: «يا أبا ذر إنك أمرؤٌ فيك جاهلية»
متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من دعا إلى عصبيةٍ، وليس
منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبيةٍ» رواه أبو داود وله
شاهد، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه في «صحيح مسلم». والأحاديث الواردة
في هذه القضية كثيرة في «أعدادها»، وواضحة في «مدلولاتها ومعانيها»..

هذا
هو التوجيه الرباني العظيم.. والمنهج النبوي الكريم .. في هذه القضية
«الواضحة»، فلنجتهد جميعاً لردم هذه الحفرة التي وقع فيها كثيرون ولا يزال
هدمها مستمر ويهدد بقية أجزاء أرضنا وديارنا وأفراد مجتمعنا.. «يا أيها
الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم..».
الانتباهة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق