الخميس، 3 سبتمبر 2015

أيام كارلوس في الخرطوم - روان للإنتاج الإعلامي والفني

أيام كارلوس في الخرطوم - روان للإنتاج الإعلامي والفني



عرض/عماد عبد الهادي
استقبلت
المكتبة السودانية كتابا جديدا يروي قصة أحد أكبر المتهمين بـ"الإرهاب" في
العالم، الفنزويلي فلاديمير إيليتش سانشيز راميريز الملقب بـ"كارلوس"
والذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في السجون الفرنسية إثر اتهامه بخطف
وقتل كثير من المسؤولين الأوروبيين.


يتناول
المؤلف -الذي جاء في 218 مشهدا لمؤلفه عادل الباز في شكل روائي- رحلة
كارلوس من الأردن تحت اسمه العربي (عبد الله بركات) إلى السودان ومتابعة
المخابرات الأردنية والفرنسية والأميركية له، دون أن يكون للمخابرات
السودانية علم بذلك بداية الأمر.


ويكشف
الكتاب الذي صدر عن دار العين المصرية للنشر -من المشهد الأول وحتى
العاشر- كيفية دخول كارلوس السودان بعد تطمينات وجدها قبل مجيئه من
المخابرات الأردنية التي أطلعته على الإعلان الرسمي لحكومة السودان عام
1993 والذي تقرر بموجبه فتح حدود السودان أمام كل العرب دون تأشيرة دخول،
مشيرا بمشهده العاشر إلى تحوله من بركات الأردني إلى بديع يس الحاج
اللبناني.


-العنوان: أيام كارلوس في الخرطوم.. حكاية لم تُرو
-المؤلف: عادل الباز
-عدد الصفحات: ٣١٠
-الناشر: دار العين للنشر، مصر
-الطبعة: الأولى، 2015

ويربط
المؤلف في مشاهده من الـ11 والـ12 بداية الحصار والمقاطعة الاقتصادية
لحكومة الإنقاذ، وتحولات كارلوس الأولى بالسودان حينما طرح نفسه مستثمرا
لبنانيا في مجالي التجارة والزراعة ليتعرف على مجموعة من رجال الأعمال
ونجوم المجتمع السوداني مما مكنه من اختراق المجتمع بتأسيس علاقات وطيدة مع
كافة أطيافه السياسية والاجتماعية.


لكن
تطورات لافتة حدثت بعد برقية عاجلة استلمها جهاز الأمن السوداني من نظيره
الفرنسي بنهاية عام 1993 تحمل في طياتها دعوة عاجلة لوفد أمني سوداني
لزيارة باريس لبحث القضايا المشتركة رغم عدم وجود قضايا عاجلة يمكن
مناقشتها بين الطرفين.


ولما
كانت إستراتيجية الإنقاذ تهدف لفك الحصار العالمي المحكم حول رقبتها، لم
يستغرق نقاش تلك التفاصيل وقتا طويلا، فسرعان ما وافق الأمن السوداني على
الدعوة، معتبرا إياها بارقة أمل في فك تلك العقدة.


وفي
إحدى الحفلات الليلية في الخرطوم -كما يقول الكاتب- جلس ضابط المخابرات
المصري هاني سعيد بعيدا ينظر في ما تنقله له كاميرات التصوير على شاشات
الحفل ليصعق برؤية رجل ثمل يتمايل بين يدي امرأة.. إنه كارلوس. منذ ذلك
اليوم وجد الضابط نفسه وحتى نهاية خدمته في السودان منشغلا بكارلوس الذي
رأى سابقا صورته عشرات المرات وهي تعرض في الإعلام الفرنسي.


ويسرد
مشاهد متعددة لبداية المطاردات والملاحقات والمراقبة متمثلة في الأمن
المصري الذي يمثله سعيد وبداية علاقته بالدكتور الترابي الذي كان ممسكا
وقتها بمفاصل الحكومة السودانية، قبل أن ينتقل إلى حكاية إشهار إسلامه
ومحاولة زواجه من سودانية، مع توجيهات الترابي لعناصر جهاز الأمن السوداني
بالتأكد منه قبل أن يمسك بملفه مع الأمن السوداني والفرنسي على السواء.


كاد
كارلوس أن يجن حين وصلته معلومة من أحد مرافقيه بأن "أبا نضال" أحد أبرز
قيادات الثورة الفلسطينية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي قد وصل
الخرطوم لحضور اجتماع المؤتمر الشعبي العربي الذي أنشأه الترابي في السودان
بداية التسعينيات.


ومع
تساؤلات كارولوس وتفكيره في كيفية الالتقاء به رغم عتابه على بعض المنظمات
الفلسطينية التي لم تدافع عن وجوده في الأردن وأسلمته لمصير مجهول في
الأردن، فإنه ظل يصر على لقاء أبي نضال حتى تحقق له ما أراد.


المفاوضات
بين الأمن السوداني والفرنسي استغرقت وقتا طويلا حول بحث قضيتين طرحتهما
المخابرات الفرنسية هما الحركات الإسلامية و"الإرهابية" وقضية القرن
الأفريقي، دون إدراج مباشر لقضية كارلوس في الحوار بين الطرفين. قبل أن
يبدأ الفرنسيون بسؤال عرضي عن زيارة أبي نضال للخرطوم وأسبابها، ليجد
الفرنسيون أنفسهم بحاجة إلى لقاء مدير جهاز الأمن الداخلي السوداني نافع
علي نافع.



"كان هناك خياران بشأن كارلوس إما تسهيل خروجه من البلاد، وهذا مرهون
برغبته، أو تسليمه للفرنسيين، وهذا الخيار الذي يسعون إليه بشتى السبل، كما
أنه يفيد العلاقات السودانية الفرنسية"


ورغم
إنكار الوفد السوداني وصول أبي نضال للخرطوم، فإنه كان يدرك حقيقة وجود
كارلوس بالعاصمة السودانية. علما أن أبا نضال جاء بدعوة من المؤتمر الشعبي
العربي الذي يترأسه الترابي حينها.


وبالعودة
إلى أسباب اختيار كارلوس للخرطوم، يقول: وضع الأردنيون أمامي خيارات كثيرة
لكني اخترت بلدكم. حين قدمت إلى عمان في أغسطس/آب 1993 كان هدفي تأسيس
منظمة الثوريين الأمميين لإحداث اختراق إستراتيجي في مجال العلاقات مع
الإسلاميين والحركات الجهادية. ثم إن الدخول إلى بلدكم ليس به تعقيدات،
فأنا دخلتها بدون تأشيرة ثم إنني هنا لم تكن بي حاجة لضمانات رسمية .
فبلادكم لم تخف ثوريتها ونضالها ضد الإمبريالية ولذا أحسست أن أهدافا
مشتركة تجمعنا.

ويروي
الكاتب أنه كان هناك خياران بشأن كارلوس إما تسهيل خروجه من البلاد، وهذا
مرهون برغبة كارلوس نفسه، أما الخيار الثاني فهو تسليمه للفرنسيين وهذا
الخيار الذي يسعون إليه بشتى السبل، كما أنه خيار يفيد العلاقات السودانية
الفرنسية، وقد يسهم في تحسين العلاقات السودانية الأوروبية، ويقطع الطريق
أمام الولايات المتحدة لاستخدام قضية كارلوس لفرض عزلة عالمية على السودان
خاصة بعد إشارات مادلين أولبرايت بأن السودان يأوي إرهابيين.


وما
ساعد على تسليم كارلوس هو أن الحكومة السودانية ممثلة في جهاز أمنها
استلمت خبرا طازجا مفاده أن الحكومة الفرنسية تقدمت بطلب لمجلس الأمن
الدولي لبحث موقف السودان من عملية السلام في جنوب السودان وموقف السودان
"المتعنت" في قضية شريان الحياة مما دفع أحد أفراد الأمن بعد قراءة ذلك
الخبر للقول "يبدو أن الفرنسيين قد يئسوا منكم فبدؤوا تحريك آلياتهم
الثقيلة تجاهكم، فإما أن تسلموا كارلوس وإما أن يسلموكم لطواحين المجتمع
الدولي".


ويقول
الكاتب إن مفاوضات المخابرات السودانية قبل تسليم كارلوس كانت تحاول وضع
ما هو ممكن للخروج من الورطة، ليستدرك ويقول إنه بعد الحوار الذي أجراه
مندوب المخابرات السودانية مع كارلوس قبيل تحركات التسليم "استمرت الكوابيس
تقلق كارلوس والهواجس تأكل أيامه، وهو الآن في وضع لا يحسد عليه".


ويضيف
"ليس هنالك من مكان آمن يمكن أن يذهب إليه. كل البلاد أغلقت في وجهه. لا
يمكنه الطلب من أية دولة عربية استضافته إذا كان سيصبح عاطلا عن النضال.
الخرطوم هي أفضل خيار. ولكن الخرطوم خانته وتود الآن أن تلفظه عاريا دون
أدنى نظر لما يمكن أن يلاقيه من مستقبل مجهول".




"بعد جدل وحوار مع كارلوس اقترحت المخابرات السودانية عليه إخراجه إلى
إحدى الدول الأفريقية المجاورة بدلا من تسليمه للفرنسيين قبل أن يوحي
الترابي، كعادته في مثل هذه المواقف، للقائمين على أمر المخابرات بتسليمه
للفرنسيين"


وعندما
سألت كارلوس إحدى صديقاته (الإثيوبية بلين) لماذا لا يقنع المخابرات
السودانية بأن يبقى في السودان، قال "حاولت ولكنهم يقولون إن القيادة
السياسية قررت وليس بوسعهم تغيير القرار. هذا أمر عجيب.. إذا أردت من شخص
المغادرة فلابد أن تقترح إليه إلى أين يغادر وتضمن سلامته. الأردنيون فعلوا
ذلك، والسوريون والعراقيون، ولكني أواجه الآن بقرار لا يقول لي إلى أين.
هل قرروا التخلص مني بكل بساطة؟".


وبعد
جدل وحوار مع كارلوس، اقترحت المخابرات السودانية عليه إخراجه إلى إحدى
الدول الأفريقية المجاورة بدلا من تسليمه للفرنسيين، قبل أن يوحي الترابي
-كعادته في مثل هذه المواقف- للقائمين على أمر المخابرات بتسليم كارلوس.


وبعد
اجتماع عاصف للمكتب القيادي للحزب الحاكم، انقسم المجتمعون لفريقين أحدهما
يرى أن تسليم كارلوس للفرنسيين خيانة للقضية الفلسطينية وجهاد الشعب
الفلسطيني، ولا يجوز دينا تسليم مسلم استجار بدولة مسلمة مهما كانت
المبررات والحسابات، وأصر هذا الفريق على خيار الإبعاد.


أما
الفريق الثاني فرأى أن مصالح السودان ستتعرض لأضرار وضغوط كثيرة وخطرة في
قضية غير مبدئية، وأن كارلوس ليس رمزا للقضية الفلسطينية وإن سعى لمساندتها
في وقت ما. ليأتي صوت مؤيد لتسليم كارلوس للفرنسيين بالعامية السودانية
"يا جماعة إنتو كارلوس ده ود أخت منو فيكم".


وقد
استغلت المخابرات السودانية إجراء كارلوس عملية جراحية بأحد المستشفيات في
الخرطوم لتأخذه وفق خطة إلى مكان آخر، قبل أن ينتهي الأمر بتسليمه
للفرنسيين بسلاسة ويسر.


المصدر : الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق