::::روان الاخبــار::: أحمد ديدات.. حجة الإسلام الإنجليزية
المصدر:أحمد فال ولد الدين.. الجزيرة
كان الداعية الشيخ أحمد حسين ديدات يقضي معظم وقته بين هذه الجدران. ذاك ما خاطبني به الشاب الثلاثيني شبير باشا الذي كان في انتظاري عند باب المركز الإسلامي العالمي لنشر الإسلام بدربان (آي سي بي أس آي).
ويضيف شبير وهو يضغط على زر المصعد متحدثا بإنجليزية صقيلة مثقلة بلكنة جنوب أفريقية "كان هذا المركز أحبّ البقاع إلى قلب الشيخ".
بدا المركز الإسلامي لنشر الإسلام –الذي أسسه ديدات عام 1957- ضاجا بالحركة، ففي لحظة دخولي إليه رأيت أربع فتيات أميركيات أخبرنني بأنهن هنا ليتعرفن على الإسلام.
فالداعية الإسلامي، الذي عاش 87 عاما، ترك وراءه أكثر من عشرين كتابا يتمحور جلها حول المقارنة بين الأديان، خصوصا ما بين الإسلام والمسيحية. كما عرف بأسلوبه الجدلي خلال مناظراته التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، ولعل أشهرها مطارحته الذائعة مع القس الأميركي جيم سوغرت عام 1986.
مكتب الداعية الإسلامي أحمد ديدات بدربان(الجزيرة نت)
تأثير كتاب
ما إن دخلت المكتب الخاص بديدات حتى تملكني شعور مهيب. طاولة بيضاء الشكل، تتوسطها آلة طباعة قديمة رقم عليها الرجل بأنامله أشهر الحجج التي اعتمدها في مناظراته.
قرب الطابعة، توجد حقيبة سوداء صغيرة الحجم كانت تصحب الشيخ في أسفاره إلى مناكب الأرض قبل أن يقعده شلل كامل خلال السنوات التسع الأخيرة من حياته. فقد أصيب فجأة بشلل كامل في الرابع من مايو/أيار 1996 وصاحبه إلى أن توفي في أغسطس/آب 2005.
كنت أنظر إلى الحقيبة الشخصية لديدات وأنا أفكر في الأعداد الهائلة من نسخ الإنجيل التي كانت لا تفارق الرجل، فالتفت إلى شبير وهو يحمل بين يديه كتابا عتيقا قائلا "هذا هو الكتاب الذي غيّر حياة ديدات". أخذت الكتاب فرأيت مكتوبا عليه بأحرف لاتينية: "Izharu Alhaq: The Truth Revealed" طبع في الهند عام 1915.
تحدث الشيخ مرة عن أثر هذا الكتاب فقال "كنت شابا أعمل في محل تجاري يقع قرب مركز آدمز لتخريج المبشرين المسيحيين بضواحي دربان. كان طلاب المركز يمرون بي أثناء عملي ويقولون لي "هل تعلم أن محمدا نشر دينه بالسيف؟ هل تعلم أن القرآن منقول من التوراة؟ وأنا لا أعلم شيئا فلا أجيب".
وفي أحد الأيام كنت أبحث عن شيء أقرأه فبدأت أفتش مكتبة مالك المحل الذي أعمل فيه، فوقعت على كتاب قديم مغبر. ما إن تناولته حتى بدأت أعطس! لفت انتباهي أن الكتاب إنجليزي لكن عنوانه عربي مرقوم بأحرف لاتينية. قرأت الكتاب فتغيرت حياتي إلى الأبد.
فـ"الكتاب كان يجيب على الأسئلة التي كان المبشرون يقلقونني بها".
ناولني شبير الكتاب فبدأت أتصفحه. رأيت آثار دراسة الشيخ ديدات بادية على صفحاته.
كدت أنسى مضيفي وأنا أفتش الكتاب فخاطبني محاولا لفت انتباهي قائلا "لقد كان هذا الكتاب الذي بين يديك ذا أثر عميق على حياة الشيخ.. لقد كانت هذه النسخة أثيرة عنده".
"
اضطر أحمد لاحقا لترك الدراسة بسبب عجز والده عن تسديد الرسوم المدرسية، لكن ذهنه الوقاد ظل يسعى وراء العلم بعيدا عن الفصول الدراسية
"
ذهن وقاد
يقع مركز "آي بي سي أس آي" -الذي زُينت جدرانه بصور الشيخ وعناوين كتبه وأشهر مناظراته- وسط ميدنة دربان، على بعد أمتار من أكبر مساجد جنوب أفريقيا المعروف بمسجد الجماعة.
وقد تعمد الشيخ ديدات أن يبني المركز قرب المسجد لكثرة زيارة السياح غير المسلمين للمسجد، فكان يترصدهم ليدعوهم إلى الإسلام.
وقد قام المشرفون على المركز منذ سنوات بالتنسيق مع الهيئة العليا للسياحة بمدينة دربان فأصبحت زيارة المسجد من برنامج السياح، مما أعطى فرصة ذهبية للسائرين على طريق ديدات.
الطريف أن ديدات الذي ارتبط في أذهان العالم بدربان لم يدخل هذه المدينة الساحلية إلا بعد أن بلغ التاسعة من العمر. فقد هبط على شواطئها ذات مساء من أماسي عام 1927 ولمّا يتجاوز التاسعة من العمر.
وكان والده حسين ديدات قد هاجر من قرية تادكيشوار –حيث ولد ديدات في غرة يوليو/تموز 1918- إلى جنوب أفريقيا سعيا وراء لقمة العيش.
لكن ديدات الطفل ما إن هبط أديمَ دربان حتى بدأ الدراسة بشغف، متميزا بين الطلاب ومتجاوزا إشكالية تعلم اللغة الإنجليزية التي كانت يومها غريبة عنه.
اضطر أحمد لاحقا لترك الدراسة بسبب عجز والده عن تسديد الرسوم المدرسية، لكن ذهنه الوقاد ظل يسعى وراء العلم بعيدا عن الفصول الدراسية.
بدأ الشيخ ديدات منذ قرأ كتاب "إظهار الحق" دراسة الديانة المسيحية واليهودية بشكل معمق حتى تبحر فيهما تبحرا أذهل الناس.
وساعده في ذلك ذهن وقاد وهمة لا تني، إضافة إلى تعرفه على عالم بريطاني يدعى فير فيكر كان قد دخل الإسلام وقدم عدة محاضرات عن المسيحية لمجموعة من شباب دربان كان من بينهم ديدات.
رسالة من سجين أميركي إلى المركز الإسلامي لنشر الإسلام الذي أسسه الشيخ ديدات
(الجزيرة نت)
عمر من الدعوة
كان شبير يتحدث عن كل هذه التفاصيل ونحن داخل مكتب ديدات، فدخل محمد خان الشاب المسؤول عن النشر في المركز.
قدم خان نفسه وطلب مني أن أصحبه لغرفة متاخمة تشبه غرف البريد لكثرة الطرود داخلها. دخلت الغرفة فبادر خان شارحا بعد أن أحس استغرابي "هذه الأكوام عبارة عن رسائل نرسلها للناس الذين يراسلوننا من مختلف أصقاع العالم طالبين كتب الشيخ ونسخ القرآن".
مددت يدي إلى إحدى الرسائل الواردة من سجين في الولايات المتحدة. كتب المرسل يقول "لقد أسلمت وأتمنى أن ترسلوا لي أي كتب قد تفيدني في فهم ديني، فأنا باق في السجن الانفرادي لغاية عام 2024".
واصل محمد خان قائلا "نحن نرسل الكتب مجانا لأي إنسان يطلبها في أي مكان من العالم. فقد أسس الشيخ هذا المركز على هذه الفكرة وهدفنا هنا هو مواصلة مشوار الشيخ".
كان ديدات قد وزع ملايين النسخ من أشرطته ومحاضراته وكتبه مجانا طيلة نشاطه الدعوي الممتد أكثر من أربعين عاما. وعرف عن ديدات تعلقه العجيب بالدعوة، وجلده العجيب على المناظرة وموسوعيته في المقارنة بين الأديان. فقد كان يتحدث الإنجليزية والعربية ولغة الزولو والكوسا ولغات أخرى.
تمتع ديدات بشهرة واسعة نتيجة إنتاجه ونشاطه. وبالمقابل انتقد كثيرون أسلوبه الجدلي الهجومي معتبرين إياه منفرا، لكن القائمين على المركز يقولون إنه أسلوب وليد صدام أقلية مسلمة مع أغلبية مسيحية نشطة، كان ديدنها الهجوم على الإسلام.
لكن رغم تلك الانتقادات التي وجهت لديدات، توج نشاطه الدعوي بحصوله على جائزة الملك فيصل بن عبد العزيز لخدمة الإسلام عام 1986.
المصدر: الجزيرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق