الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

نظام تحديد المواقع الجغرافي الـ GPS وتطبيقاته - د. خلدون كــراز

::::روان الاخبــار:::

نظام تحديد المواقع الجغرافي الـ GPS وتطبيقاته - د. خلدون كــراز
المصدر:مجلة الباحثون

الثلاثاء:Dec 27, 2011

لقد شهدت جميع نواحي الحياة تطورات مذهلة من التكنولوجيا الحديثة الواعدة، أهمها تكنولوجيا الأقمار الصناعية التي نتج عنها ثورة الاتصالات. وما الـ GPS : نظام تحديد المواقع العالمي بواسطة الأقمار الصناعية إلا نتاج هذه الثورة والتقدم المذهل للنشاط الإنساني عبر العالم. ففي عالمنا اليوم ومع تطور التكنولوجيا والعلوم التي جعلت من العالم قرية صغيرة، أصبح الاختفاء عن الأنظار أمراً صعباً جداً، وغدا الضياع في الأماكن التي لا وجود فيها لنقاط علاَّم بارزة مثل البحار والصحارى لا مكان له بوجود أجهزة تحديد المواقع والتتبُّع ضمن منظومة الأقمار الصناعية.
لقد مكننا هذا النظام من رؤية الكرة الأرضية بحجمها الهائل كما لو أنها الكرة الأرضية التي نضعها أمامنا على المكتب نستطيع تدويرها كما نشاء لرؤية أي بلد بتفاصيله وأبعاده ومكوناته من مدن وطرق ومطارات وموانئ ومحطات قطارات...

إنه نظام يمكّننا من رؤية وتتبع حركة سفينة فقدت توازنها وأصبحت خارج التغطية الملاحية البحرية. فما أجمل أن نراقب حركة السير بحيث نستطيع أن نسلك الطريق الأسهل والأقصر للمكان الذي نريد الوصول إليه قبل أو أثناء قيادتنا للمركبة.
واستخدامات كثيرة وفوائد جمة لهذا النظام العصري والمتطور جداً إنه نظام الـ ((G.P.S Global positioning system نظام تحديد المواقع العالمية.

نظراً لأهمية هذا النظام والفوائد التي يُحققها سواءً أكان للاستخدام العسكري أو للمراقبة الدائمة والدقيقة في تحديد المواقع، أم للاستخدام السلمي في تسخيره لخدمة المجتمع وما ينعكس ذلك على التطور والسرعة والدقة في تحديد المواقع وكل ما يرتبط بذلك كالسرعة في توجيه سيارة الإسعاف والإطفاء إلى موقع محدد عبر أقصر الطرق وأسرعها وبدقة عالية.
1. تعريف :
بدايةً كلمة GPS هي اختصار لـ Global Positioning System أي نظام تحديد المواقع العالمي.
طُوِّرت هذه المنظومة من قبل وزارة الدفاع الأمريكية عام 1973م، وبكلفة مقدارها (12) مليار دولار أمريكي، كان الهدف الأساسي من هذه الشبكة من الأقمار الصناعية عسكرياً بحتاً ولكن في عام 1980م سمحت الحكومة الأمريكية بأن يكون هذا النظام متاحاً للاستخدامات المدنية، حيث يعمل هذا النظام في كافة الظروف الجوية وفي كل مكان في العالم وعلى مدار 24 ساعة في اليوم، ولا يُشترط الاشتراك من أجل الحصول على هذه الخدمة لأنها مجانية.
2. أجزاء نظام الـ GPS :
يتكون نظام GPS من ثلاثة أقسام رئيسية:
أ‌- الجزء الفضائي (Space Segment)
وهو عبارة عن مجموعة من الأقمار الاصطناعية (عددها 24 قمراً) موزعة في (ستة) مدارات وكل مدار يحتوي (أربعة) أقمار صناعية، ورتبت المدارات بحيث يمكن مشاهدة الأقمار الصناعية الأربعة في السماء بآن واحد في أي وقت ومن أي نقطة على سطح الأرض. وقد وجد بالتجربة إنه في أي مكان ليس فيه عوائق على سطح الأرض يمكن للمستخدم مشاهدة عدد من الأقمار يتراوح عددها ما بين ستة إلى عشرة أقمار طوال اليوم.
وتُرسل الأقمار إشاراتها على ترددين من النطاق الترددي (L)، حددهما الاتحاد الدولي للاتصالات International Telecommunications Union وهما: التردد الأول L1: 1575.42 ميجا هرتز. والتردد الثانيL2 : 1227.6 ميجا هرتز.

ب- جزء التحكم والسيطرة (Control Segment)
يتكون هذا الجزء من كل الوسائل المطلوبة للوقوف على مدى صلاحية إشارة الأقمار الصناعية والاتصال بها عن بعد وتتبُّع مساراتها وحساب مواقعها وتصحيح الساعات المحملة عليها والتحكم فيها.
فكرة عمل جزء التحكم الأرضي: تقوم نقط التتبُّع الأرضي بتتبُّع إشارات كل الأقمار الصناعية المتاحة في مجال رؤيتها كل 1.5 ثانية وباستخدام بيانات طبقة الأيونوسفير الجوية المتأينة وبيانات الأرصاد الجوية التي تجمع كل خمس عشرة دقيقة، ونقلها إلى محطة التحكم الأرضية الرئيسية عبر وصلات اتصال أرضية.


الشكل (1) الاتصال بين المحطات الأرضية والأقمار الصناعية



وتقوم محطة التحكم الأرضية الرئيسية بالكثير من المهام المهمة منها:
 تجميع البيانات التي ترسل إليها من محطات التتبُّع الأرضية.
 رصد حركة الأقمار، وتحديد مدار كل قمر (أي حساب إحداثيات موضعه) وحساب بيانات مداره ثم إرسالها إلى كل قمر على حدة.
 الوقوف على حالة ساعات كل الأقمار الصناعية وتوقع أدائها ومعرفة مقدار انحرافها عن الوقت الصحيح.
 تصحيح الخطأ والانحراف في ساعات الأقمار الصناعية.
• تقوم محطات الاتصال الأرضية بإرسال واستقبال البيانات من وإلى الأقمار الصناعية باستخدام ترددات (S-band) فتقوم الأقمار الصناعية بتحديث مواضعها في مدارها وضبط ساعاتها، ثم ترسل هذه البيانات في إشاراتها إلى المستخدم من خلال ترددات (L-band).
ج‌- جزء المستخدمين للنظام ((User Segment
يتكون جزء المستخدمين من جهاز مُستقبل يسمى وحدة الاستقبال لنظام الـ (GPS)، ومهمته استقبال الإشارة من مجموعة الأقمار الصناعية وعرضها جاهزة للاستخدام المطلوب.
3. كيفية عمل المنظومة.
تدور الأقمار حول الكرة الأرضية في مدارات محددة ودقيقة جداً مرتين في اليوم الواحد (24 ساعة) وخلال دورانها تبث إشارات تحمل معلومات إلى الأرض. فيقوم جهاز الاستقبال (جهاز GPS) باستقبال هذه المعلومات ويجري بعض العلميات الحسابية ليحدد بالضبط موقع المستخدم. كما تستقبل المحطات الأرضية هذه المعلومات أيضاً من القمر الصناعي، وعلى أساسها تقوم هذه المحطات بتزويد القمر بالمعلومات اللازمة من أجل أن يعمل على الوجه الأفضل، مثل التوقيت والمدار والموقع.. وهذا يعني أن الاتصال مزدوج بين المحطات الأرضية والأقمار الصناعية.
ملاحظة هامة: الاتصال بين الأقمار الصناعية والمحطات الأرضية ثنائي الاتجاه بينما الاتصال بين الأقمار ومستقبل GPS أحادي الاتجاه.
3-1- الموجتان الحاملتان Carrier Wave Signals:
وهما أساس إشارة جهاز مستقبل الـ GPS وترددهما داخل حزمة L-Band من الطيف الكهرومغناطيسي. تبث كل أقمار نظام الـ GPS الموجتين الحاملتين بنفس التردد.
إن هاتين الإشارتين موجهتان بشكل عالٍ، وقادرتان على الانتقال عبر طبقات الغلاف الجوي لمسافات كبيرة، ومعرضتان للانعكاس والحجب بواسطة الأجسام الصلبة.
3-2- أساسيات تحديد الإحداثيات على الأرض:
الفكرة الأساسية تكمن في استخدام الأقمار الصناعية في الفضاء كنقطة معلومة الإحداثيات لتحديد الإحداثيات على الأرض.
ينبغي على جهاز الاستقبال (جهاز GPS) أن يعرف شيئين أساسيين ومهمين:
1. أين تقع هذه الأقمار الصناعية ؟ الموقع.
2. كم تبعد هذه الأقمار عن الجهاز ؟ المسافة.
الموقع: يستطيع الجهاز المستقبل تحديد الموقع من خلال المعلومات الملتقطة من القمر الصناعي والموجودة ضمن الرسالة الملاحية، وهذه المعلومات يُرسلها القمر باستمرار ويخزنها الجهاز المُستقبل في ذاكرته كما تُحدَّث بشكل مستمر من المحطات الأرضية.
المسافة: بعد أن قام المستقبل بتحديد مواقع الأقمار في الفضاء بدقة، يستطيع الآن تحديد بُعد هذه الأقمار عنه، وذلك عن طريق إيجاد حاصل الضرب بين الفترة الزمنية التي تستغرقها إشارة GPS للانتقال من القمر الصناعي إلى موقع المستقبل وبين سرعة الضوء:
بعد القمر عن موقع المستقبل (كم) = زمن انتقال الإشارة من القمر للمستقبل(ثا) × سرعة الضوء(كم/ثا)
معرفة المسافة لقمر واحد مازالت غير كافية لحساب موقع المستقبل ثلاثي الأبعاد، لذلك يحتاج المستقبل إلى أربعة رصدات لأربعة أقمار مختلفة كي يستطيع تحديد موقعه بدقة.

ملاحظة: تكفي ثلاثة أقمار لتحديد الموقع (خط الطول، دائرة العرض والارتفاع)، وإنما الزيادة في عدد الأقمار هو لزيادة الدقة.


الشكل (2) تقاطع الأسطح الكروية التي مركز كل منها أحد الأقمار الصناعية الثلاثة مع سطح الأرض يعطي نقطة هي المكان الموجود فيه جهاز GPS المستقبل


4 - مقارنة بين تقنية GPS للتتبُّع وتقنية GPS للملاحة:
إنَّ كلاًّ من التقنيتين تستفيد من الإشارات المرسلة من أقمار منظومة GPS التي تدور حول الأرض. وكلاًّ منهما لها استخداماتها وأهدافها، فبينما يكثر استخدام تقنية GPS للملاحة من قبل سائقي المركبات بهدف معرفة موقعهم الحالي إضافةً إلى إرشادهم إلى الوجهة الصحيحة وغير ذلك من المعلومات المفيدة، فإنه يكثر استخدام تقنية GPS للتتبُّع بشكل خاص من قبل شركات النقل والشحن بهدف متابعة ومراقبة المركبات التابعة لأسطولها أو قد تُستخدم هذه التقنية في حالات التتبُّع الشخصي.
يمكن القول إن تقنية GPS للملاحة تجيب على السؤال التالي: "أين أنا؟" Where" am I?"، بينما تجيب تقنية GPS للتتبُّع على السؤال التالي: "أين أنت؟" "Where are you?".
4-1- تقنية الملاحة GPS Navigation:
إنَّ جهاز GPS للملاحة (جهاز GPS الذي يؤدي وظيفة الملاحة Navigation) هو عبارة عن مستقبل الـ GPS الذي يقوم باستقبال الإشارات المرسلة من أقمار نظام الـ GPS الصناعية ومن ثم إجراء الحسابات اللازمة لتحديد إحداثيات الموقع على الأرض. ومن هناك تستخدم البرمجيات اللازمة لِيقوم بإظهار الإحداثيات كنقاط على شاشة الجهاز. ولا تقتصر المعلومات التي يستطيع جهاز الـ GPS للملاحة تحصيلها على إحداثيات الموقع فحسب، وإنما يمكنه أيضاً تحصيل معلومات أخرى مثل الطريق، الاتجاه والسرعة.
4-2- تقنية التتبُّع GPS Tracking:
يتألف أي جهاز GPS للتتبُّع (جهاز GPS الذي يؤدي وظيفة التتبُّع Tracking) من قسمين هما:
1. جهاز GPS للملاحة أي مستقبل GPS.
2. مودم هاتف خلوي (يستخدم شبكة الهواتف الخلوية) أو مودم لاسلكي فضائي (يستخدم شبكة أقمار صناعية) يسمح بإرسال المعلومات المحصَّلة بواسطة جهاز GPS إلى الجهة التي تريد الحصول على هذه المعلومات.
4-2-1 مجالات تطبيق تقنية GPS للتتبُّع:
نميز الحالتين التاليتين بشكل بارز في تطبيقات تقنية GPS للتتبُّع:
1. تقنية GPS لتتبُّع المركبات GPS Vehicle Tracking: وتطبق هذه التقنية في قطاع النقل من أجل تتبُّع جميع أنواع المركبات من: سيارات، شاحنات، مقطورات، عربات سكك حديدية، حاويات، وقوارب.
2. تقنية GPS للتتبُّع الشخصي GPS Personal Tracking: وتطبق من أجل تتبُّع الأشخاص أما بهدف حمايتهم وأمنهم مثل: الأطفال، كبار السن، فاقدي الذاكرة أو ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك من أجل الموظفين. أو بهدف متابعة تحركات أشخاص معيَّنين ومراقبتهم.

4-2-2 فوائد استخدام تقنية GPS لتتبُع المركبات GPS Tracking Vehicle:
يمكن الوصول إلى الفوائد التالية عند تطبيق تقنية الـ GPS لتتبُّع المركبات:
1. تخفيض تكاليف الوقود.
2. تحسين الإنتاجية وتقديم خدمة أفضل للعملاء.
3. رصد سرعة المركبة وبالتالي زيادة السلامة الشخصية والمرورية.
4. الرقابة ومساءلة السائقين.
5. الحدّ من السرقة.
6. أرشفة سلسلة نشاطات الأسطول، وذلك من خلال حفظ نتائج التتبُّع في قاعدة بيانات خاصة بالشركة المالكة للأسطول بهدف العودة إليها لاحقاً عند الحاجة.

الشكل (3) جهاز GPS الُمستقبل


5- تطبيقات نظام GPS في قطاع النقل:
1. في مجال الطيران والملاحة الجوية:
تستخدم الطائرات نظام الـ GPS لتحديد الطرق الجوية، ومناطق الاقتراب من المطار، وعملية الهبوط الآلي على الممرات. ويُستخدم كذلك في المطارات ذات الأجواء الضبابية، وانعدام الرؤية، وتم اعتماده بشكل كلي في المطارات الأمريكية للدقة العالية، وتفادياً للأخطاء البشرية. كما أفاد هذا النظام شركات الطيران إذ وفر لها كثيراً من نفقات التشغيل لرحلاتها الجوية حيث إنه يعطي أقصر الطرق الجوية لمطارات الوصول.
2. في مجال الملاحة البحرية:
لقد غيَّر نظام GPS من الطريقة التي كان يسير بها العالم. وهذا ينطبق بوجه خاص على العمليات البحرية التي تشمل عمليات البحث والإنقاذ. كما يوفر أسرع وأدق وسيلة للملاحة البحرية في ما يتعلق بقياس السرعة وتحديد موقع السفينة. وهو الأمر الذي يوفّر مستويات أعلى من السلامة والكفاءة للبحارة في جميع أرجاء العالم.
يهتم قبطان السفينة خلال الملاحة البحرية بأن يكون على علم بموقع سفينته عندما تكون في عرض البحر، وأيضاً في الموانئ المزدحمة والمعابر المائية. ويحتاج القبطان عندما يكون في عرض البحر إلى تحديد دقيق لموقع سفينته وسرعتها ووجهتها، لضمان أن تصل السفينة إلى وجهتها بأعلى درجات السلامة، وبأقل التكاليف، وفي الوقت المحدد حسبما تسمح الظروف. وتكتسب الحاجة إلى معلومات دقيقة حول الموقع الذي تكون السفينة فيه أهمية أكبر عند مغادرة السفينة للميناء وعند العودة إليه.
يَستخدم البحارة بصورة متزايدة البيانات التي يوفرها نظام الـ GPS في مسح الأعماق وتثبيت العوامات وتحديد مواقع الخطورة الملاحية ورسم الخرائط. وتستخدمه أساطيل الصيد التجاري في الإبحار إلى أفضل مناطق الصيد، وفي تتبُّع هجرات الأسماك، وفي ضمان الالتزام بالقوانين المعمول بها في هذا الشأن.
وكذلك يُستخدم هذا النظام للاستدلال على أماكن السفن المفقودة في البحار، وتقوم شركات النقل البحري بمتابعة حركة سفنها، ومساراتها في البحار، كما يُستخدم في قوارب النزهات أيضاً.
3. في مجال النقل البري:
توفر الإنتاجية والدقة اللتان تنجمان عن استخدام نظام الـ GPS فعاليات متزايدة وسلامة مرتفعة لوسائل النقل ومستخدميه وهي التي تستخدم الطرق السريعة وأنظمة النقل العام. وقد انخفضت المشاكل المرتبطة بتحديد المسارات ومتابعة وسائل النقل التجارية بصورة ملحوظة بمساعدة هذا النظام. إنه ينطبق أيضاً على إدارة أنظمة النقل العام وأطقم صيانة الطرق ومعدات الطوارئ.
هذا ويساعد نظام الـ GPS المسؤولين في مهمة رسم استراتيجيات فعالة تستطيع أن تحافظ على مواعيد وصول وانطلاق عربات النقل العام وفقاً للجداول المعروفة، وأن تُخبر المسافرين بمواعيد الوصول الدقيقة. كما تستخدم أنظمة النقل العام هذه الإمكانية في تتبُّع خطوط الباصات، وسائر الخدمات لتحسين الأداء، كما يساهم في رفع مستوى السلامة المرورية من خلال تتبع حركة المركبات وتوجيهها.
إنَّ استخدام تكنولوجيا نظام الـ GPS في التتبُّع والتنبؤ بحركة شحنات البضائع ساهم في تطبيق ما يسمى بالتسليم في وقت محدد سلفاً. وفي إطار هذا التطبيق تستخدم شركات الشحن نظام GPS في تتبع المسارات حتى تضمن التسليم في الموعد المحدد سواء على بعد مسافة قصيرة أو عبر مناطق شاسعة.
تستخدم بلدان كثيرة حول العالم هذا النظام للمساعدة في مسح شبكات الشوارع والطرق السريعة في أراضيها. وهذه الشبكات تشمل محطات الخدمة والصيانة والطوارئ والتموين وممرات الدخول والخروج والعطب الذي يصيب الشبكة الخ.. وتضاف هذه البيانات إلى المعلومات التي يجمعها "نظام المعلومات الجغرافية" (GIS) وتساعد هذه القاعدة المعلوماتية وكالات النقل في تخفيض تكاليف الصيانة والخدمة، وتعزز سلامة السائقين الذين يستخدمون هذه الطرق.
يُعد نظام الـ GPS أيضاً عنصراً أساسياً في مستقبل "نظم النقل الذكية" Intelligent Transportation System واختصاراً (ITS). وتضم نظم النقل الذكية نطاقاً واسعاً من المعلومات التي تستند إلى المواصلات والتكنولوجيا الإلكترونية. ويجري حالياً بحث في مجال النظم المتقدمة لمساعدة السائقين، والتي تشمل نظم الانحراف عن الطريق وتجنب الاصطدام عند تغيير السائق للحارة التي يقود فيها سيارته أو شاحنته. وتحتاج هذه النظم إلى تقدير موقع السيارة أو الشاحنة بالنسبة للحارة وحافة الطريق بدرجة من الدقة لا تترك هامشاً للخطأ أكثر من عشرة سنتيمترات.
يُستخدم أيضاً نظام GPS لتوجيه سائقي السيارات وخصوصاً عند قيادتهم في أماكن يجهلونها. حيث أُدخل هذا النظام في الكثير من السيارات المصنعة حديثاً والتي توفر للسائقين خرائط تفصيلية للأماكن والشوارع المتواجدين فيها، وأفضل الطرق وأقصرها والتي ينبغي سلوكها أثناء تنقلاتهم.

الشكل (5-2) يوضح جهاز GPS الُمستقبل داخل سيارة


4. في مجال السكك الحديدية:
يمكن لشبكات السكك الحديدية أن تستخدم نظام GPS بالتضافر مع أجهزة استشعار وأجهزة كمبيوتر، ونظم اتصال من أجل تحسين مستوى السلامة والأمان وكفاءة التشغيل. كما تساعد هذه التقنيات في تخفيض عدد الحوادث والتأخيرات وتكاليف التشغيل، وكذلك تساهم في زيادة قدرة الخطوط الحديدية وتوفير الراحة للمسافرين وتخفيض ما ينفق من أموال. ثم إنها توفّر جملة من المعلومات الدقيقة والفورية حول مواقع القاطرات وعربات السكك الحديدية ومعدات الصيانة المستخدمة على القضبان والمعدات المتمركزة بجانب الخطوط الحديدية يتكامل مع التشغيل الكفء لشبكات السكك الحديدية.
يُعد ضمان مستويات عالية من السلامة، وتحسين كفاءة تشغيل السكك الحديدية، وتوسيع قدراتها أهدافاً أساسية لصناعة مسارات السكك الحديدية اليوم. إن معظم شبكات السكك الحديدية تتكون من امتدادات طويلة من مجموعة منفردة المسار، ولذلك فالقطارات التي تسير إلى وجهات تُعد بالآلاف، يتعيَّن عليها أن تتشارك في وقتٍ متزامن في استخدام هذه المسارات المنفردة الخط.
تنطوي المعرفة الدقيقة للموقع المحدد للقطار على أهمية قصوى لمنع وقوع الاصطدامات، والحفاظ على التدفق السلس لحركة السير، وتقليل حالات التأخير إلى أدنى حدٍ ممكن. لذلك من المهم، ولأسباب تتعلَّق بالسلامة والكفاءة، أن نعرف موقع هذه القطارات وأداءَها بصورة فردية وكذلك على مستوى الشبكة ككل.
إنَّ التحسين الذي دخل على الإشارة الرئيسية لـ "نظام المواقع العالمي"، وهو التحسين المعروف باسم "نظام تحديد المواقع العالمي التفاضلي"Differential Global Positioning System، واختصاراً (DGPS) يعزز درجة الدقة والسلامة داخل نطاق المناطق التي يغطيها النظام. ثم أن المعلومات التي تتوفر عن الموقع تمكِّن مسؤول الإشارة من تحديد على أي من المسارين المتوازيين يقع أي قطار. وعندما نضيف "نظام المواقع العالمي التفاضلي" إلى الوسائل الأخرى للملاحة، وتحديد الموقع في حساب الوقت داخل الأنفاق، وخلف التلال، ومختلف العوائق الأخرى فإن هذا النظام (DGPS) يستطيع توفير قدرة دقيقة يعتمد عليها في تحديد الموقع عند إدارة حركة سير قطارات السكك الحديدية.
يعتبر "نظام المواقع العالمي التفاضلي" (DGPS) عنصراً أساسياً في مفهوم "التحكم الإيجابي في مسار القطارات" Positive Train Control واختصاراً (PTC)، وهو المفهوم الذي يجري حالياً تبنيه في كثير من مناطق العالم. ويشتمل المفهوم على تقديم معلومات دقيقة عن موقع كل قطار على امتداد خط السكك الحديدية إلى نظم تحكم وقيادة عالية الكفاءة في سبيل وضع أو إنتاج أفضل خطة تشغيل ممكنة: سرعات متنوعة للقطارات، حركة تسيير مرنة لا ترتبك لتغيير المسارات، وأطقم صيانة تنتقل من هنا إلى هناك بأمان سواء على خطوط السكك الحديدية أو خارجها.
يستطيع نظام "التحكم الإيجابي في القطارات" (PTC) تتبُّع موقع قطار ما وسرعته بصورة أدق مما كان عليه الحال في الماضي، كما يستطيع توفير معلومات عن حركة القطار لمسؤولي إدارة السكك الحديدية الذين يستطيعون عندئذٍ أن يعززوا السرعات وحدود الأوزان حسب الضرورة. وعن طريق توفير تتبُّع أفضل لموقع القطارات وسرعتها، فإن نظام (PTC) يزيد من كفاءة التشغيل، ويتيح مقدرة أعلى لخط السكة الحديدية ويعزز قدرات أطقم القيادة ويوفر الراحة للمسافرين والسلامة للشحنات، كما ينتج عنه توفير بيئة طبيعية أكثر أماناً للأشخاص العاملين في الخط.
يستطيع "نظام المواقع العالمي التفاضلي" (DGPS) أيضاً أن يساعد في مسح ورسم الخرائط لهيكل خطوط السكك الحديدية لأغراض الصيانة والتخطيط المستقبلي للنظام. وعن طريق استخدام "نظام المواقع العالمي التفاضلي" (DGPS) يستطيع المرء أن يحدد بدقة موقع الأعمدة التي ستحمل أرقام الأميال (أو الكيلو مترات)، وصواري الإشارات ونقط الإبراق والجسور، ونقط التقاطع مع الشوارع، ومعدات الإشارة الخ... كما يستطيع "نظام المواقع العالمي" أن يرتفع إلى المستوى العالي من الدقة الذي يحتاج إليه التشغيل في مناطق المحطات النهائية، وفي أفنية السكك الحديدية (مخازن القطارات) حيث نجد أنه من الممكن أن تسير عشرات الخطوط بشكلٍ متوازٍ.
6- تطبيق نظام GPS على المركبات الطرقيَّة في سورية
لا تزال الأجهزة اللازمة لاستخدام هذا النظام غير متاحة للعموم في سورية ويقتصر استخدامها على القطاع العام.
6-1- البيانات اللازمة لعمل النظام ضمن المدن السورية:
تشمل هذه البيانات ما يلي:
1. مخططات تفصيلية على مستوى الشوارع للمدينة ونقاط الجذب فيها (كالمطاعم والفنادق..).
2. بيانات مرورية مكانية تتضمن الاتجاهات على الطرقات، الطرق الممنوعة، التقاطعات العلوية والسفلية، الأنفاق والجسور.
3. بيانات وصفية تتضمن كثافة السير على الطرقات وساعات الذروة.
4. تسمية الشوارع ونظام العنونة.
6-2- البيانات العامة لعمل النظام على مستوى الطرقات العامة:
وتشمل هذه البيانات كل مما يلي:
1. خرائط للطرق العامة في سورية.
2. بيانات مرورية مكانية تتضمن الاتجاهات على الطرقات، الطرق الممنوعة، التقاطعات العلوية والسفلية، الأنفاق والجسور.
3. بيانات وصفية تتضمن كثافة السير على الطرقات وساعات الذروة.
4. ترقيم الطرقات.
6-3- المخاطر المحتملة التي تهدد نجاح تطبيق النظام على المركبات الطرقيَّة في سورية:
يمكن لحظ بعض المخاطر التي من المحتمل أن تهدد نجاح مشروع تطبيق نظام GPS في سورية وتشمل:
1. إحجام الشركات العالمية المختصة عن دخول السوق السورية نتيجة المقاطعة الأميركية.
2. الكلفة العالية نسبياً لهذه الأنظمة، والتي قد تقلل من عدد الزبائن المحتملين لهذا النظام، وبالتالي حجم السوق، مما قد يؤدي إلى مخاطر الاستثمار في هذا المجال، ومن الجدير ذكره أن هذه الأنظمة لم تصل إلى مرحلة الانتشار الواسع حتى في البلدان التي مضى زمن طويل على توفرها فيها مثل الولايات المتحدة وكندا.
3. إن طبيعة المدن السورية وكونها بالمجمل قديمة العهد، يحتوي معظمها على نسيج عمراني كثيف يجعل وجود مناطق تضعف التغطية فيها أمراً محتملاً مما قد يؤثر على فعالية النظام.
4. بطء انتشار النظام خاصة في حال كون البيانات التي يحتويها محدودة، إذ إنه من غير المتوقع أن يكون انتشار النظام سريعاً في حال اقتصر على البيانات الخاصة بمدينة دمشق.
5. إحجام المستثمرين عن وضع استثمار ضخم لشكوك حول جدوى تطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية الهامة جداً في هذا النوع من التطبيقات.
7- الخاتمة والتوصيات
تعد الملاحة وتحديد الموقع من الأمور الهامة والحاسمة في العديد من النشاطات، وقد سعى الإنسان في هذا المجال منذ أقدم العصور، في البداية اعتمد على الشمس والنجوم وعناصر الطبيعة، كعلامات في الملاحة، لكن في حالة تلبد السماء بالغيوم يتعذر عليه رؤية الشمس أو النجوم، لذا كانت الحاجة ملحة لطريقة تحديد المواقع في أي وقت وفي كافة الأحوال الجوية، وهذا ما يؤمنه نظام تحديد المواقع العالمي الـ GPS.
وقد رأينا إنه تتنوع استخدامات هذا النظام بشكل يصعب حصرها، كما تتعدد فوائده ومنافعه في شتى المجالات، لذا نتمنى زوال كافة العوائق التي تحول دون تطبيقه في بلدنا.
وأخير نود طرح بعض التوصيات لخطوات عملية لتفعيل استخدام هذه الأنظمة في سورية:
1. تهيئة الإطار القانوني: تتضمن هذه الخطوة السماح باستخدام مستقبلات الـ GPS الملاحية في سورية.
2. اعتماد جهة مسؤولة عن تهيئة الخرائط والبيانات وصيانتها وتحديثها.
3. تهيئة الخرائط والمخططات للعمل، بما يتضمن معالجة البيانات المتوفرة كي تَصلح للاستخدام في مثل هذه التطبيقات.
البدء ببناء تطبيقات الترميز المكاني، وهي عبارة عن برمجيات أساسية لاعتماد العناوين في كافة تطبيقات نظم المعلومات الجغرافية بما فيها نظام الملاحة.
وكما يقال طريق الألف ميل تبدأ بخطوة والبحث والتقدم العلمي تراكمي بمعنى إنه لا بد من فترة تهيئه وتراكم عدد كبير من الخطوات لتهيئة قاعدة بيانات واسعة للانطلاق بغية الوصول للاستخدام الأمثل لأي تقنية جديدة، حيث إنه لا يمكن لأحد الوقوف، بينما الآخرون يسيرون بخطوات متلاحقة ومترابط وربما تكون سريعة في مختلف المجالات والتقنيات الحديثة، وبالتالي من يقف فهو يرجع إلى الوراء (نسبياً) وبالتالي تزداد الهوة بينه وبين الآخرين، وتصعب بالتالي مجاراتهم أو اللحاق بهم.
طموحنا وأملنا أن نكون السباقين لامتلاك مقومات التطور والبحث العلمي، بتظافر الجهود الطَموحة لبناء سورية الحضارة والتطور والعلم كما أرادها شعبنا وقائدنا الرئيس المفدى الدكتور بشار الأسد.




المصدر : الباحثون العدد 43 كانون الثاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق