::::روان الاخبــار::: القراءة للجميع أم الخبز للجميع؟: واقع القرائية في العالم العربي -رؤية شاملة
المصدر:مدونة حول أدوات القراءة الذكية. يديرها د. ساجد العبدلي
الخميس:Dec 8, 2011
الى هواة الاحصاءات نقدّم بعض اللقطات من ” فانتازيا الارقام” التي شاعت في خطاب الفجوة الحضارية عالميا:
-نسبة البلدان العربية من النشر العالمي للمطبوعات لاتتعدى 0,7% أي أقل من سدس نسبة العرب الى اجمالي عدد السكان(4,5) عالميا
-انتاج العرب من الكتب لم يتجاوز 1,1% من الانتاج العالمي على رغم أن العرب يشكلون نحو 4,5 %من سكان العالم.
- يصدر في الوطن العربي من كتب جديدة بعدد 5000 كتاب بينما يصدر في أميركا ما يزيد على 290 ألف كتاب جديد سنوياً.
-معدل عدد الصحف لكل 1000 شخص اقل من 53 في العالم العربي مقابل 285 صحيفة لكل الف شخص في البلدان المتقدمة. مع ملاحظة ان انتشار الانترنت بوسائطه المتعددة اكثر في الدول المتقدمة منه في البلاد العربية, فالمنطقة العربية تأتي في ذيل القائمة العالمية فيما يخص عدد مواقع الانترنت وعدد مستخدمي الشبكة حسب ما ورد في تقرير التنمية الانسانية العربية 2002 الصادر عن برنامج الامم المتحدة الانمائي. ورغم التعبير المتحذلق لتقرير التنمية الانسانية العربية (2001) في اعتبار بعض الدول العربية (تونس،سوريا،مصر،والجزائر)من المتبنّين الديناميكين حسب التقسيم الوارد في التقرير الا أن هذا لايبشر بخير أبدا طالما ان التقرير نفسه اعتبر- اسرائيل – الدولة المجاورة والتي بلا موارد طبيعية- من القادة في تقنيات المعلومات! مع وضوح تدنّي أو غياب الدول العربية في مجال انتاج المعلومات. واذا كانت القرائية هي أحد المؤشرات على واقع التنمية البشرية في بلد ما- حيث أن أحد مؤشرات التنمية البشرية هي نسبة من يعرفون القراءة والكتابة- فقليلة هي الدول العربية التي صنّفها هذا التقرير بانها ذات تنمية بشرية عالية (البحرين،الكويت،الامارات،وقطر)اما غالب الدول العربية فتقع في ذات التنمية البشرية المتوسطة (ليبيا، لبنان، السعودية، عمان، الاردن، تونس، سوريا، الجزائر،مصر، والمغرب) والتنمية البشرية المنخفضة (اليمن ،السودان، موريتانيا،ارتيريا).
-عدد البحوث المنشورة لكل مليون نسمة يتكرر ورودها في مراجع الابحاث الاخرى التي تحيل اليها Citation Index – وهو مؤشر بالغ الدلالة على نوعية البحوث- 0,2 لمصر ، 0,07للسعودية،0,53 للكويت ،0,01للجزائر في مقابل 43% للولايات المتحدة و80% لسويسرة و38% لاسرائيل حسب ما ورد في تقرير التنمية الانسانية العربية 2002.
-اسبانيا وحدها تترجم من اللغات الاجنبية الى لغتها الامّ كل عام 10آلاف كتاب وكل العالم العربي لايتجاوز هذا الرقم.
-اما عن نسبة القرّاء في عالمنا العربي فآخر ما هو متوفر من المسوح الميدانية المسح الميداني الذي قامت به مؤسسة Next page ومقرها في بلغاريا في نهاية 2005وقام بتنفيذه واجراءه مؤسسة تالاسا ومقرها في عمّان/الاردن ،أجري المسح خلال شهرين على خمسة دول عربية مصر، لبنان والسعودية وتونس والمغرب وسئل في كل بلد تقريبا ألف شخص أي خمسة آلاف شخص في كل هذه البلدان عن نسبة القراءة ونمطها, ورغم أن نسبة الذين اجابوا بنعم (أي انهم يقرؤون) كانت عالية الا انها لاتعبر بالضرورة عن واقع القارىء العربي وذلك لانه:
أ- اجري المسح على غير الاميين فقط
ب- نسبة من يقرؤون نصف ساعة فما دون كانت عالية جدا وصلت في السعودية مثلا 95% , وهذه ظاهرة ربما سلبية أكثر من إيجابية, وعندما ندخل في التفاصيل سوف نلاحظ أن القراءة مخصصة للصحف اليومية وبدرجة أقل للكتب. وبناء على ذلك ارى ان هذا المسح يفتقد الى كثير من الموضوعية لوجود ثغرات كثيرة به يطول ذكرها،لا سيما بعد صدور الدراسة القيّمة للدكتور محمد عبد الرؤوف كامل2006 (هل يقرأ المصريون) فقد اوضحت الدراسة من خلال الاستبيان الاحصائي التناقض بين القول والاعتراف النظري وبين انحسار فعل القراءة على ارض الواقع.
وجه الازمة :
هل صحيح مقولة ان العرب لايقرؤون؟ هل ظاهرة العزوف عن القراءة طبع متأصّل في الشخصية العربية يمتد به الى جذوره؟ لعل هذه الاسئلة تذكّرنا بمقولة “موشي ديان” العرب لايقرؤون واذا قرأوا لايفهمون واذا فهموا لايحفظون واذا حفظوا سرعان ما ينسون. و هذه المقولة تتصل بالتعميمية التي يعاني منها الآخرون وهي امتداد لتعميمية الكاتب اليهودي رافائيل بطي عالم الانثربولوجيا الصهيوني والذي وصف العرب في كتابه” العقل العربي “The Arab mind حيث اسرف في تبسيط الواقع العربي والوقوع في فخ النمطية stereotyping , هذا من جهة اما من جهة اخرى فيبدو اننا في تصديقنا لمقولة العرب لا يقرؤون وقعنا في احد معامل الاستعمار وهي القابلية للاستعمار والتي أشار اليها مالك بن نبي فألفنا هذه المقولة ويبدو اننا لانريد حتى المحاولة في تغييرها، هل التراث العربي يتحمّل هذه المسؤولية؟ اذا أردت الانجرار وراء التحيّز المعرفي والخصوصية الثقافية فانني سوف اسرد مئات الآثار الادبية والتي تدل على عشق العرب للقراءة ويكفي ان اول آية نزلت في القرآن ” اقرأ باسم ربك الذي خلق” اليس كل واحد فينا يحفظ مقولة شاعرنا المتنبي
أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الانام كتاب
وقد قيل في موت الجاحظ ان مجلدات من كتبه وقعت عليه فكان اجله!
و أحد العلماء جاءه رسول الخليفة يقول له: “أمير المؤمنين يستدعيك” ، فقال له: ” قل له عندي قوم من الحكماء أحادثهم، فإذا فرغت منهم حضرت”، فلما عاد الرسول إلى الخليفة فأخبره الخبر سأله: ” ويحك! من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عنده؟”، قال: “والله يا أمير المؤمنين ما رأيت عنده أحد”، قال: “اذهب فأحضره الساعة “، فلما حضر سأله الخليفة من هؤلاء الذين كانوا عندك؟”،
فقال: يا أمير المؤمنين:
لنــا جلســاء مـــا نمــــل حديثهم أمينون مأمونون غيبا وشُهَّدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى ورأيا وتأديبا ومجدا وسؤددا
فإن قلت أموات فلــن تعدُ أمرهم وإن قلت أحياء فلســت مفنّدا
فعلم الخليفة أنّه يشير إلى “الكتب” فلم ينكر عليه تأخره.
وأختم بمقولة عباس العقاد: ” لست أهوى القراءة لأكتب، ولا لأزداد عمرا في تقدير الحساب، إنما أهوى القراءة لأن لي في هذه الدنيا حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة. القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة، لأنها تزيد هذه الحياة عمقا، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب؛ فكرتك أنت فكرة واحدة، شعورك أنت شعور واحد، خيالك أنت خيال فرد واحد إذا قصرته عليك، ولكنك إذا لاقيت بفكرتك فكرة أخرى، ولاقيت بشعورك شعورا آخر، ولاقيت بخيالك خيالا آخر، فليس قصارى الأمر أن الفكرة تصبح فكرتين، وأن الشعور يصبح شعورين، وأن الخيال يصبح خيالين، كلا! إنما تصبح الفكرة بهذا التلاقي مئات الفِكَر في القوة والعمق والامتداد”. وربما يردّ عليّ البعض ان هذه الشواهد الأدبية لا تعبّر عن الواقع العربي لاسيما انها تركز على النخبة وهذا امر طبيعي. لكن هذا لا يجعلني اغرق في جلد الذات والا سوف احمّل مسؤولية ذلك النخبة والمثقفين وليس هذا المواطن البسيط الذي نجعله هو وحده يجترّ كل اخطاء التاريخ والواقع الذي يعيشه. ان الموضوعية النسبية تحتم عليّ ان لا اؤمن بان هذه الظاهرة نتاج لشخصية عربية, ومن هنا ارى الخطأ الذي وقع به الباحثون والمتابعون لحركة الثقافة العربية من حيث تجزيئهم لوصف وتحليل ونقد هذه المشكلة, فالبعض يرجعه الى الثقافة “انثربولوجيآ” وهي العوامل الذاتية وآخرين يرجعونه الى ضعف القوّة الشرائية و ثلّة ترجعه الى عوامل سياسية وأخرى تكنولوجية وأخريات حضارية……
الواقع ان هناك مجموعة من المتغيرات او العوامل التي تتحمل مسؤولية هذه المعضلة بحيث ان بحثها وقراءتها يعطينا رؤية متكاملة
عن المشكل. وفي هذه الدراسة المقتضبة يمكنني الاشارة الى بعض هذه المتغيرات:
1-المتغير الاقتصادي:
منذ زمن سطّر علي بن أبي طالب مقولته الشهيرة “لو كان الفقر رجلاً لقتلته” إنه يقصد بذلك -ليس إلا- وطأة الفقر ووحشيته حين يضرب في المجتمعات الإنسانية, بل هو يؤرخ من ناحية ثانية للماضي السحيق للفقر في الفضاء العربي.والشيء السوداوي حقاً أنه رغم عقود طويلة من التنمية وخطط الاقتصاد والنهوض بالمستوى العام للمجتمعات العربية فإن الدراسات تخلص إلى “أن الفقر في الوطن العربي (الذي) كان في انخفاض مستمر خلال الفترة 1950-1980 (بدأ) بالارتفاع كنسبة من جملة السكان وكعدد مطلق خلال الفترة منذ منتصف الثمانينات وحتى الآن” كما يشير الى ذلك عبد الرزاق الفارس في كتابه “الفقر وتوزيع الدخل في العالم العربي” مركز دراسات الوحدة العربية 2001 . و الإشكالية المحيرة-حسب فارس- في معضلة الفقر في العصر الراهن تكمن في حقيقة أنه رغم التقدم التكنولوجي الهائل الذي شهدته البشرية, ورغم ارتفاع وتائر الإنتاج العالمي بشكل غير مسبوق, والتطور الاقتصادي المذهل الذي أصاب حياة ملايين البشر, فإن الفقر مازال يشكل التحدي الأكبر الذي يواجه العالم, وهو تحدّ مواز لتحد آخر يتمثل في عدم العدالة في التوزيع, السمة الأساسية للرأسمالية العالمية المسيطرة على فضاء عالم اليوم. وإذ يلفت الفارس بحق إلى هذا التحدّي فإنه من المفيد الإشارة هنا إلى أن كبار منظّري السوسيولوجيا الدولية من أمثال فرد هاليدي, وأنتوني غيدنز, يعتبرون الفقر وسوء توزيع الدخل العالمي هما التحدي الأكبر الذي يواجه عالم القرن الواحد والعشرين. والأرقام التي يوردها الفارس تتحدث بنفسها عن عمق مشكلة الفقر العالمي, فهي تشير إلى أن ما يقارب 1.2 إلى 1.3 مليار من البشر -أي ما يعادل خمس البشرية- مازالوا يعتبرون فقراء جداً, أي أنهم يعيشون على دولار واحد أو أقل في اليوم. وأنه لو تمّ رفع خط الفقر قليلاً فقط لوصلت نسبة الفقراء في العالم إلى ما يزيد عن الثلث. أما على المستوى العربي فإن أكثر من ثلثي السكان يقيمون في الأقطار المنخفضة الدخل, وهناك أكثر من 70 مليون عربي يقعون تحت خط الفقر. وتكاد تنطبق هذه النتيجة على كافة البلدان العربية حتى النفطية منها. فالذي يلاحظه المؤلف من متابعته لمعظم الدراسات الميدانية والبحثية في دول الخليج هو أن ظاهرة الفقر موجودة فيها وإن كانت تتخد مظاهر مختلفة ونسبية، وإن الشيء الآخر المقلق في البلدان النفطية هو التفاوت الكبير في الدخل. أما في البلدان العربية متوسطة الفقر فإن ظاهرة الفقر والفقر المدقع تبدو أكثر بروزاً فعلى سبيل المثال كانت ظاهرة الفقر في مصر أواخر الخمسينات أقل مما هي عليه في منتصف السبعينات. و تزداد الصورة قتامة خاصة في بلدان مثل اليمن والسودان وموريتانيا وفلسطين. ففي موريتانيا على سبيل المثال يتعرض كل طفل من خمسة أطفال إلى الوفاة قبل سن الخامسة. وكما هو معروف فإن معدّل وفيات الأطفال تحت الخامسة يعتبر من أهم مؤشرات الفقر. وفي نفس البلد يعاني واحد من كل ثلاثة أشخاص سوء التغذية, ولا يتجاوز متوسط العمر المتوقع للأفراد 47 عاماً, في حين يعد ثلثا السكان من الأميين.
وتتحدث الأرقام بلغة قاسية عن ظاهرة التفاوت في الدخول في الوطن العربي. فنرى الفرق الكبير في الدخول حيث تقف الكويت على الحدّ الأقصى من ناحية معدل دخل الفرد السنوي البالغ أكثر من عشرين ألف دولار بحسب تقديرات صندوق النقد العربي لعام 1998, بينما تقف اليمن على الحدّ الأدنى الذي يشير إلى أن معدل دخل الفرد هناك في ذلك العام لم يتجاوز 350 دولارا! . هذه الصورة المظلمة التي عرضناها آنفا لواقع الانسان العربي تجعلنا نتساءل كيف يتسنى لهذا المسحوق ان يجلس على القراءة وهو متناغم مع نفسه, حتى لو وفرت له الحكومات الكتاب بسعر زهيد فأين هو الوقت الكافي للقراءة؟ في ظل سياسات سوق العمل الجديد القائمة على التنافس وطلب معدلات عالية للانتاجية من العامل والذي انعكس في صورة كمّ الساعات الهائلة التي تستغرق وقت الانسان والذي ينام على فراشه دون ان يأخذ قرار في ذلك؟! وهذا نتيجة التوظيف السيء لسياسات العولمة في عالمنا العربي في ظل غياب فاعلية قانون العمل وحقوق الانسان….. ويمكنني هنا ان اطرح بعض التساؤلات على القارىء: هل الرفاهية شرط لممارسة القراءة ام نتيجة طبيعية؟ ولماذا الاجيال الجديدة تقرأ في بداية حياتها ثم تتوقف بعد ذلك؟ انه يمكنني القول ان رفع شعارات القراءة للجميع لا يتحمّله بلد 50% منه تحت خط الفقر وكان الأولى علينا ان نرفع شعار الخبز مع الكرامة للجميع؟
2-المتغير التكنولوجي:
كلنا يدرك انه قبل ثورة المعلومات والاتصالات كانت وسائط المعرفة تقليدية ومحدودة تتمثل في الكتاب المطبوع التقليدي واجهزة الاعلام المحلية. ومع الانفجار المعرفي الثلاثي: المعرفة,السكاني,الطموح والآمال انطلقت ثورة المعلومات والاتصالات, وانصب الجهد على اقامة مجتمع المعلومات وكان تطوير المحتوى هوالتحدي والانجاز الحقيقي وكان “المحتوى هو الملك” كما وصفه البعض, ويقصد بالمحتوى الالكتروني: مجموعة المعلومات بأشكالها المتعددة من نصوص مكتوبة ، وصوت ، ورسوم ثابتة ومتحركة ، وصور ثابتة ومتحركة ، وفيديو والتي يتم تخزينها وقراءتها ونقلها ومعالجتها وإعادة تشكيلها واستخدامها رقمياً عبر الأوعية الإليكترونية مثل أقراص التخزين الضوئية ( DVD , CD-ROM ) وشبكات الاتصالات. واتسم النشر الالكتروني- والذي يقصد به عملية إنتاج وإدارة وإتاحة وتداول المعلومات بأشكالها المختلفة من نصوص ورسوم وصور وفيديو وصوت في شكل إليكتروني باستخدام إمكانيات جهاز الكمبيوتر وتوزيعها عبر وسائط إلكترونية كالأقراص المدمجة أو من خلال شبكات الكمبيوتر كشبكة الانترنت- بمميزات تجاوزت المعوّقات التي كان يعني منها الكتاب ومن اهمها:
1- التفاعلية :
يوجد تفاعل وتعاون بين المشاركين في عملية النشر الإليكتروني وإنتاج المادة الإليكترونية حيث يتبادلون المعلومات والاتصالات والحوارات الثقافية من بعد بغض النظر عن المسافات التي تتصل بعضهم البعض ، ويؤثر كل منهم في أدوار الآخرين وأفكارهم .
2- اللاتزامنية :
يمكن من خلال النشر الإليكتروني القيام بالاتصال في الوقت المناسب بالفرد الذي يتم توجيه وتوزيع الوثيقة الإليكترونية إليه دون ارتباط بالأفراد الآخرين ، كما يمكن لأي فرد متصل بشبكة الانترنت أن يحصل على الوثيقة الإليكترونية المنشورة في أي وقت حسب رغبته .
3- القابلية للنقل والتحويل :
يمكن من خلال النشر الإليكتروني نقل المعلومات والوثائق الإليكترونية من مكان لآخر بكل يسر وسهولة أو نقل المعلومات عن طريق النشر الإليكتروني من وسيط لآخر .
4- العالمية أو الكونية في التوزيع :
أصبحت بيئة النشر الإليكترونية بيئة عالمية ، حيث يمكن توزيع الوثائق الإليكترونية لكل المستفيدين في أرجاء الأرض بشكل فوري وسريع دون الحاجة لأجور التوزيع ودون التقيد بحواجز المكان والزمان ، كما يمكن لأي فرد تحميل الوثائق الإليكترونية على جهازه في أي وقت دون تحمل تكلفة عالية أو رسوم .
5- إمكانية التعديل والتحديث :
يتيح النشر الإليكتروني إمكانية إجراء التعديلات بشكل فوري في الوثيقة الإليكترونية المنشورة وإضافة تجديدات عليها لتحديثها وإعادة استخدامها ونشرها بسرعة للمستفيدين في نفس اللحظة .
6- الاقتصادية في المال والجهد والوقت والحفظ :
قد اختصر النشر الإليكتروني العمليات المعروفة في إعداد النسخ للطباعة والإجراءات والمتطلبات البشرية والمالية والأجهزة والمعدات التي تستهلكها هذه المرحلة قبل أن تصل النسخة إلى آلة الطباعة ، مما أدى ذلك إلى قلة تكاليف النشر بالإضافة إلى إمكانية الإنتاج السريع والمنخفض التكاليف لنشر كم كبير من الوثائق الإليكترونية كما يمكن توزيع الكتاب سريعاً دون الحاجة لوسيط بين القراء والناشر أو المؤلف مما يقلل ذلك تكاليف نشر الوثيقة الإليكترونية وبالتالي انخفاض سعر حصول القراء عليها ، كما يتيح النشر الإليكتروني إمكانية توفير المساحات والأماكن بحفظ الوثائق إليكترونياً على وسائط وأقراص التخزين الإليكترونية أو على خوادم شبكة الانترنت مما يمكن استرجاعها سريعاً ، كما يتيح أيضاً النشر الإليكتروني السرعة العالية في الإنجاز مع ضمان الجودة والكفاءة العالية وبأقل جهد حيث يمكن نشر الوثيقة الإليكترونية مباشرة على الشبكة بعد أن تخضع لمراجعة سريعة من رئيس التحرير ولا يتطلب النشر الإليكتروني للوثيقة وقتا طويلا لإخراجها في صورة ملف.
7- إمكانية إنتاج الوثيقة الإليكترونية بأشكال متعددة :
يمكن أن تجمع الوثيقة الإليكترونية أشكالاً متعددة من المعلومات النصية والصوتية والصور والفيديو بشكل رقمي أي تكون الوثيقة الإليكترونية متعددة الوسائط مما تجذب وتزيد من دافعية القاريء للإطلاع على الوثيقة ، بالإضافة إلى أن أساليب النشر الإليكتروني تتمتع بالربط السريع داخل الوثيقة أو بين الوثائق الإليكترونية الأخرى .
كل هذه المميزات شكلت تحديا واضحا لدور النشر وصناعة الكتاب باعتراف اصحابه, حيث صرح بعضهم بانه في السبعينات كان عدد طبعات الكتاب تصل الى 3000 نسخة فما فوق في حين اليوم تصل الى 1000 نسخة للكتاب الواحد فقط, وهذه الظاهرة تعود لعدة اسباب منها الذي نحن بصدده. لكن ما مصداقية ما طرحنا؟ او السؤال بطريقة اخرى هل بالفعل تطوّر اوعية المحتوى وتفوقها من حيث السرعة والمرونة…. هو الذي ادى الى تراجع مبيعات الكتاب؟ الجواب قد يكون لا, والدليل على ذلك التقارير التي توضح تدني نسبة العرب الذين يستخدمون شبكة الانترنت حيث بلغت 5,6 % من مجوع سكان البلاد العربية , بينما بلغت هذه النسبة في الولايات المتحدة 54,3% (تقرير التنمية الانسانية 2001) هذا من حيث الاستخدام اما من حيث التواجد على الانترنت عربيا فان هذا التواجد مرتهن بمدى توافر القراءة والكتابة معا, ويقصد بذلك البحث والابحار باللغة العربية لاسترجاع المعلومات وتحليلها وترشيحها فيما يخص شق القراءة, والقدرة على النشر بالغة العربية وتوليد النصوص العربية آليا فيما يخص شق الكتابة. فكما هو معروف تسود اللغة الانجليزية شبكة الانترنت بصورة طاغية سواء من حيث معدل انتاج وتبادل الوثائق الالكترونية, اومن حيث اللغة المستخدمة في آلات البحث والبرمجيات اللازمة للتعامل مع جوانب الشبكة المختلفة. ان اللغة العربية مهددة بهوة لغوية Linguistic divide تفصل بينها وبين اللغة الانجليزية السائدة, وهي الهوة التي تمثل الشق اللغوي للهوة الاشمل ونقصد الهوة الرقمية Digital divide الاشمل التي تفصل بين دول العالم المتقدم ودول العالم النامي……. لكنني استطيع القول أن شبكة المعلومات(الانترنت) ما تزال ليست هي المصدر الوحيد للمعلومات بل ليست هي المصدر الرئيسي لا سيما -كما اشرنا آنفا- في ظل ضعف انتاجية المواقع العربية المتخصصة واساءة استخدام الشبكة من خلال الفن الهابط والمواقع اللاأخلاقية…. ولأن الانتاج المتميز نوعا وكمّآ هو باللغة الانجليزية ومهارات القراءة في هذه اللغة متدنية جدا سواء على مستوى القاريء العادي او على مستوى طلاب الجامعات والدراسات العليا…وهذه مشكلة خطيرة في عصر بات فيه التواصل مع الآخر ضروري بل حتمي والا سوف نجد انفسنا خارج السرب نهائيا. اذآ تسقط الحجة نسبيا –على الآقل على المستوى النظري- من ان تطور المحتوى هو الذي عصف بظاهرة ضعف الطلب على الكتاب في العالم العربي ورغم ان التقارير الدولية تشكو من تراجع قرّاء الكتابّ عالميا حيث بمناسبة انعقاد معرض الكتب الأمريكي السنوي في مدينة شيكاغو فى شهر يونيو لعام 2001م، ظهر تقرير عن مبيعات الكتب في الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2000م، وهي أكبر بلد تتم فيه مبيعات الكتب بأنواعها. والتقرير الذي نشر في العديد من الصحف الأمريكية يذكر أن الانخفاض كان 3.3% عن الأعوام السابقة بشكل عام .و تشير بعض الإحصائيات الأخرى إلي انحسار مساحة القراءة في أوروبا وأمريكا منذ سبعينيات القرن الماضي. فالأرقام تشير إلي انخفاض نسبة قراءة الكتب في أمريكا من50% في نهاية السبعينيات إلي37% في أوائل التسعينيات وإلي هبوط نسبة قراءة الكتب بين الشباب من60% في أوائل الثمانينيات إلي42% في عام2003. وعلي الجانب الآخر من الأطلنطي لم يكن الحال أفضل, حيث انخفضت نسبة من يقرأون أكثر من20 كتابا في العام في فرنسا من21% في السبعينات لتصل لـ14% في نهاية الثمانينات ثم لـ9% في نهاية الألفية الثانية, ليصل الأمر في عام2003 إلي إحجام50% من الفرنسيين عن شراء الكتب. ورغم ذلك ماتزال ظاهرة القراءة في العالم الغربي فاعلة ثقافيا واجتماعيا واعلاميا, فبعض الكتب في بعض الدول الغربية- ومنها امريكا- تصل الى مليون نسخة! اذآ تبقى الاجابة عن عوامل طلاق العربي لكتابه مازالت غير مكتملة.
3-المتغير المجتمعي/ البيئي :
ان مستوى القراءة كمّآ ونوعا تعكس وعي المجتمع نفسه. فالاسرة العربية اليوم ترزح تحت نير المستعبد الحقيقي! انها العادات والتقاليد التي تكبّل الانسان من ان ينهض! فكم من الشباب يصرّح عن معاناته وصراعه مع قيم اقرانه البالية والمثبطة للهمم احيانا, لا لشيء سوى لأنه اتخذ الكتاب صديقا حميما فينعتونه بالمعقّد والمستكبر والانطوائي…. والى غير ذلك من المسميات, أركب مترو الانفاق واحاول ان ارى كتابا ممتدا بين يدي انسان الا انني غالبا ما افشل! وأتساءل مع نفسي لماذا هم كذلك ونحن كذلك؟ لا شك ان الجواب جدّ طويل وعميق. أخبرني صديقي انه في فرنسا حين يقف الميني الباص كل الناس بعجائزهم وشبانهم يفتح كتابه وكأن وحيا نزل على كل واحد منهم الى ان تنطلق السيارة ثانية! تبّا لهذه التقاليد او قل التخلف كم أتمنى ان اقتلعه من جذوره لكن هيهات هيهات!! يعمل حمود راشد ميكانيكي في محل صغير خارج باندونغ في جزيرة جافا بأندونيسيا ويعاني من مشكلة كبيرة يقول عنها: بدأت العمل في هذا المحل ولما أتجاوز العاشرة، وها أنذا وقد بلغت سن 22 سنة أجد صاحب العمل يأتيني ليقول أنه بحاجة إلى ميكانيكي يعرف كيف يقرأ ويستطيع بالتالي أن يرجع إلي الكتب الإرشادية عند إجراء التصليحات الفنية. يقول حمود بصوت حزين: إنني أكبر تسعة أولاد ولم يتح لي أبدا الوقت اللازم لتعلم القراءة والكتابة، والآن أنا على وشك أن أفقد عملي بعد أن كنت عازما على الزواج في الشهر القادم ولكن … وضعت اليونسكو قصة حمود راشد تحت عنوان “اعرف كيف تقرأ أو مت جوعا”. كي لا تتكرر مأساة حمود راشد وغيره يجب أن تعمل مؤسساتنا لمساعدة الأطفال قبل فوات الأوان. ان هذا المتغير البيئي يلعب دورا واضحا في تحديد مستوى القاريء العربي ففي حين يقرأ الطفل الأميركي نحو 6 دقائق في اليوم، يقرأ الطفل العربي 7 دقائق في السنة! وكذلك هناك غياب واضح لثقافة القراءة قبل النوم المنتشرة في العالم الغربي. ان القراءة قبل النوم مهمة، لأن الطفل لديه قدرة كبيرة جدا على التخيّل، ولذا نجد الأطفال عندما نروي لهم قصة من كتاب خياليّ فإنهم يندمجون ويستخدمون جميع حواسهم أثناء الاستماع إلى القصة، وهو أمر أساسي يغرس في نفس الطفل حب الكتاب والمطالعة. ان متعة القراءة تبدأ منذ نعومة أظفار الانسان عندما ينشأ الطفل في مجتمع يحب القراءة, فالطفل حتمآ سيتعلم مثلهم كما يؤكد الباحثون. وهذا الحب لا يوجد صدفة بل نستطيع ان نوجد هذا الحبّ بممارسة القراءة كمّآ ونوعا, ففي عمر 3 سنوات يتأثر الطفل بلغة الراشدين وبين 3-6 سنوات الطفل لا يتعلم بشكل منهجي( ما يعرف بالتربية غير المقصودة) لكنه يستطيع اكتساب خبرة القراءة حيث سيتصرف كأبيه وأمه. وينمو الطفل لغويا بشكل سريع ففي سن الثالثة يستخدم الطفل 300 كلمة تقريبا ثم في سن الرابعة يستخدم 1500 كلمة ثم يقفز مرة أخرى في سن الخامسة حيث يستخدم 2500 كلمة تقريبا. هذه التقديرات التي تذكرها المؤسسات المتخصصة بعمل الأبحاث تجعل المكتبة في البيت ومرحلة رياض الأطفال ذات مسئولية عظيمة لأنها المحطة الأولي لانطلاقة كبرى. والحديث عن تذويق الطفل طعم القراءة ومهاراته حديث ذو شجون…. ولذا ادعو كل اب أو ام الى محاولة تذويق الطفل حب القراءة وبطريقة علمية تربوية. ان القراءة هي الوسيلة الرئيسية لأن يستكشف الطفل البيئة من حوله والأسلوب الأمثل لتعزيز قدراته الابداعية الذاتية.
4-المتغير التعليمي:
يذهب الكثير من الباحثين والمراقبين لواقع القرائية في العالم العربي الى أن تدني هذه الظاهرة يعود بشكل جوهري الى مناهج التعليم التي تعلم التلقين والحفظ واستدعاء الذاكرة عند ضرورة الامتحان وعدم اشاعة حب القراءة كثقافة مهمة في حياة الطالب مدى الحياة. ويرى تقرير دايلور المقدّم الى اليونسكو 1996 ان التقسيم التقليدي لمراحل حياة الانسان- نتيجة البيداغوجيا(النظام التعليمي المدرسي)- كفترة التعليم الرسمي التي تشمل الطفولة والشباب وفترة النشاط المهني في طور البلوغ ثم فترة التقاعد لم يعد يتجاوب مع واقع الحياة المعاصرة. فما من أحد يأمل اليوم اكتساب قدر اولي من المعارف فقط في زمن شبابه يغنيه الدهر كله نظرا لأن سرعة تطور العالم تتطلب تحديث المعارف باستمرار, فحين تتوقف عن القراءة يعني توقفت عن الحياة, فالغيبوبة عن احداث الواقع ووقائعه وحركة الانسان وتطوره = الموت. ومن هنا فان مسؤولية مناهج التعليم اشاعة مفهوم التعلم مدى الحياة Life Long Learning المفهوم الذي يتجاوز المعنى التقليدي للتعليم المتمثل في سنوات السلم التعليمي. انه يعني التجدد في عالم سريع التغير. وهذا المفهوم لا يمكن ترسيخ معانيه في اذهان اجيالنا دون ان يكون كل فرد قد تعلم كيف يتعلم؟ ان هذا المفهوم او المبدأ يعني أن يساعد الجيل على فهم الآخرين على نحو افضل وتحسين فهمهم للعالم. ومن هنا نرى ان من الطبيعي ان ينتشر في عالمنا العربي القطيعة شبه الأبدية مع القراءة في ظل أمّية مرتفعة اعلى من المتوسط العالمي وحتى اعلى من متوسطها في البلدان النامية, والأزمة ان الامية آخذة في الازدياد في عالمنا العربي كما تعبر عن ذلك التقارير فقرابة ثلث العالم العربي من الاميين( حوالي سبعين مليون او يزيدون) تتركز غالبيتها في خمس دول (مصر,السودان,المغرب,الجزاائر,واليمن) والاغلبية الساحقةمن هذه الامية من عالم النساء. وعودة ثانية الى مسؤولية المؤسسات التعليمية في تعزيز مباديء التعلم الذاتي Self Learning وتفريد التعليم, فالفلكي قد يحدثك عن ادراكه للفضاء ولكنه لن يستطيع ان يمنحك هذا الادراك كما يعبر جبران. اضافة لذلك تبدو لي هناك ظاهرة ضعف مهارات القراءة عند التلاميذ. كيف تتم عملية القراءة؟ ما الفرق بين القراءة الجهرية والقراءة الصامتة؟ كيف نفهم المقروء باستعمال الاسئلة المفتاحية؟ ما هي مهارات المجاراة او القراءة السريعة مع الفهم السريع؟ وما هي مهارة التخمين؟…. ومن هنا ارى كما يرى الغيرضرورة تدريس مقرر في ثقافة ومهارات القراءة….
5-المتغير الثقافي/ الحضاري:
ولد المفهوم الحضاري للأمية بقلم مفكر عربي هو محيي الدين صابر حيث قدّم نظرية عربية متكاملة في تفسير ظاهرة الأمية وهي في الحقيقة تعين المجتمعات النامية ومنها العربية بالطبع على مواجهة واحدة من اعقد المشكلات التي تعيق عملية التنمية الشاملة. حيث يرى ان الامية الحقيقية هي الامية الكبرى وهي امية المجتمع نفسه وهي ما اسماها بالامية الحضارية وهو يرى ان الامية الحضارية هي الام الشرعية للامية الابجدية والتي تحضنها وتوفر لها المناخ الاجتماعي الطبيعي لها. ويقصد بالامية الحضارية ” التخلف الذي تعاني منه الدول النامية والتي انفصلت فيه عن النمط الحضاري المعاصر. وبهذا المفهوم يؤكد ان اسباب اخفاق كثير من محاولات محو الامية الابجدية ومشاريع القرائية في عالمنا العربي هي انها عالجت اعراض الداء وليس الداء الحقيقي. ويرى ان الوسيلة للتغلب على مشكلة الامية تكمن في المواجهة الشاملة للتخلف ومواجهته في مستقره وهو المجتمع نفسه في بنائه الاجتماعي وتصوراته وعلاقاته ومهاراته ووسائله وذلك وصلا له بالمعاصرة. فظاهرة تقبل المجتمع للاميين واعتبارهم جزء من بنيان المجتمع الاقتصادي والاجتماعي الذي يمكّنهم من العيش في توافق: يعملون ويتزاوجون وينشؤون علاقات ويتمتعون بأدوار اجتماعية وقد تكون سياسية.. استطيع القول انه اذا كانت الامية تشكل ثلث العالم العربي فان مشكلة القرائية(المطالعة والبحث) يقع ثلثها في هذا المرمى اما الباقي فيقع ضمن منظومة الأزمة الحضارية للعالم العربي. ولذلك يرى محمد عابد الجابري ان التخلف ليس هو غياب العلم فقط ولكنه العلم حين ينفصل عن الثقافة…… وهذا ما يجعلني ان أتساءل هل ظاهرة الاقبال على الكتاب الديني ظاهرة مرضية أم صحية؟ في الواقع ان نوعية الكتب الدينية تشير الى مستوى هذا القاريء والتي هي من قبيل “الحجاب قبل يوم الحساب” عذاب اهل القبور”…. اما الكتب الاسلامية صاحبة المشاريع الحضارية والبناء المعرفي الحداثي فقليلا ما يقتنيها المتدينون! ولعل هذا يشير الى ازمة حقيقية في غالبية طبيعة الخطاب الاسلامي المنكفيء على ذاته والمستغرق في ماضيه تغنيا وتباكيا ولن اطيل في هذه الجزئية فهي احدى السجالات الفكرية الدائرة على ساحة الثقافة العربية……
هناك ازمة اخرى متصلة بالمتغير الثقافي وهي ازمة خطاب النخبة ,ازمة المثقف حين يرتفع بخطابه عن القاريء العادي مستنكفآ عن تبسيط خطابه خشية ان يقع في عوار تسطيح مقاراباته ومشاريعه الفكرية,فالمثقف متهم بالطوباوية في طرح مشاريعه التي ما زالت تعتمد على الخطاب الثقافي المجرد وثقافته اقرب الى ثقافة الصالونات منها الى ثقافة الشارع بهمومه وآلامه. ولعل هذه القضية باتت احدى المعضلات الثقافية فمن يصعد للآخر؟ ومن يهبط للآخر؟ هل على المثقف ان ينزل بخطابه الى القاريء العادي وبالتالي يخشي على نفسه ان يكون طرحه شارعيّآ! ام انه على هذا الأخير(القاريء العادي) ان يصعد بنفسه ويرتقي بمعرفته ليصل الى خطاب النخبة؟ والواقع اننا يجب ان نطرح صيغا ثقافية حضارية ليلتقي كل من المثقف والجمهور عند منتصف الطريق. فالمثقف الحقيقي هو الذي يستطيع ان ينتزع نفسه من برجه العاجي ليصل الى قارئه العادي.
6-المتغير السياسي:
منذ زمن ليس ببعيد جدآ رأى الكواكبي في كتابه ” طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” أن: “المستبد عدو الحق,عدو الحرية وقاتلهما, والحق ابو البشر والحرية امهم والعوامّ صبية ايتام نيام لا يعلمون شيئا والعلماء هم اخوتهم الراشدون, ان ايقظوهم هبّوا وان دعوهم لبّوا والا فيتصل نومهم بالموت”. ان هذا النص المقتبس من المفكر العربي الثائر يشير الى علاقة جدلية ثلاثية بين المثقف والسلطة والجمهور فالسلطة اما مستبدة او محرّرة للانسان والمثقف اما يمشي على جسر ذهبي فيلتقي مع السلطة ليعملا معا من اجل صالح الفرد والمجتمع واما ان يمشي على جسر خشبي مطأطيء الرأس امام الامير او مستفيدا من سلطته… والجمهور يقع في زاوية المتلقي والمتفاعل بين فعل السلطة وردّة فعل المثقف.
وهنا اطرح على نفسي وعليكم سؤالا هل من مصلحة النظم الحاكمة تغييب الانسان العربي من خلال مصادرة الكتاب ومقص الرقيب؟ وهل تعتقدوا فعلا ان المثقف فعلا يعدّ ثقبا في جدار النظم؟ أم ان التغيرات الحضارية والحراك الاجتماعي والديمقراطي الذي يشهده العالم (جدلآ) جعله يستسلم او يقتنع بجدوى المصالحة مع الشعب؟ الواقع ان الكتاب تصح عليه مقولة “الكتاب بين مطرقة الانظمة وسندان الفقهاء” ففي كتابه “الحرية واخواتها” يرى عيد عبد الحليم ان قضية مصادرة الكتاب هي ثقافة عربية راسخة للسلطة السياسية والدينية منذ اوائل القرن العشرين, فقضايا المصادرة فى مصر خلال القرن العشرين خاصة ما وصل منها الى ساحات المحاكم كثيرة، منها قضية “الشعر الجاهلي” لطه حسين، وكتاب “الاسلام واصول الحكم” لعلى عبد الرازق، وكتاب “أحوال المرأة فى الاسلام” للدكتور منصور فهمي، وكتاب “من هنا نبدأ” لخالد محمد خالد، ورواية “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ، وكتاب “خريف الغضب” لمحمد حسنين هيكل، ومسرحية “الحسين ثائرا” و”الحسين شهيدا” لعبد الرحمن الشرقاوى وقضية التفريق بين نصر حامد أبو زيد وزوجته د. ابتهال يونس، وقضية كتاب “رب الزمان” لسيد القمني، وقضية ديوان “هوامش على دفتر النكسة” لنزار قبانى وغيرها من القضايا….. ومن هنا نرى حقيقة ان من مصلحة الانظمة ان لا تتنور الشعوب وان تبقى في ظلامها الدامس, ومنذ زمن لما ظهرت الداروينية التطورية قال قسيس انجليزي لزوجته ارجو ان لا تكون هذه النظرية صحيحة واذا كانت صحيحة ارجو ان لا يسمع بها الناس!
في هذا العرض لظاهرة العزوف عن القرائية في العالم العربي حاولت أن ازاوج بين الاسلوب الاكاديمي والاسلوب المقالي لأقدمه للقاريء العربي عارضا فيه وجهة نظري حول هذه القضية معترفا بقصوري وقلة زادي ومتلقيا آراءكم واقترحاتكم تفعيلا للقرائية من جهة واثراء للمعرفة المنتجة من جهة اخرى.
المراجع:
1- عبد الرزاق الفارس :”الفقر وتوزيع الدخل في العالم العربي” مركز دراسات الوحدة العربية,بيروت, 2001
2- حليم بركات:”المجتمع العربي المعاصر”, مركز دراسات الوحدة العربية,بيروت,ط 8, 2004
3- محمد شاويش: مالك بن نبي والوضع الراهن, دار الفكر,دمشق, 2007
4- نبيل علي, ونادية حجازي:الفجوة الرقمية,سلسلة عالم المعرفة,عدد 318,الكويت,2005
5- تقرير دايلور: التعلم ذلك الكنز المكنون, مطبوعات اليونسكو, القاهرة,1999
6- تقرير التنمية الانسانية العربية: برنامج الامم المتحدة الانمائي,2001
7- تقرير التنمية الانسانية العربية: برنامج الامم المتحدة الانمائي, 2002
8- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم: علم تعليم الكبار(كتاب مرجعي) تونس,1998
9- محمد عابد الجابري: التنمية البشرية,برنامج الأمم المتحدة, بدون تاريخ
10- سهيل العروسي : اشكالية الثنائية في الثقافة العربية, اتحاد الكتّاب العرب,دمشق,بدون تاريخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق