الاثنين، 23 فبراير 2015

الخـرطوم مـع أبو ظبي بدايـة مسـار - روان للإنتاج الإعلامي والفني

الخـرطوم مـع أبو ظبي بدايـة مسـار - روان للإنتاج الإعلامي والفني



أحمد طه صديق:

«أيها
الشعب السوداني البطل» هكذا كان مدخل الرائد آنذاك يونس محمود وهو يقدم
الحديث السياسي بلغة حماسية رايدكالية جلها كانت مصوبة في العلاقات
الخارجية أو ما تعتبره الخرطوم آنذاك خصوماً لمشروعها الديني.

لكن
لم تمض سنوات من الإسقاطات السلبية التي طرأت على علاقات السودان ببعض
الدول العربية والخليجية بشكل خاص على الحياة الاقتصادية والبعد الأمني على
الصعيد الداخلي، حتى أدركت الخرطوم وقتها أن الدبلموماسية الناجحة لا تعني
دوماً رد الصاع بصاعين، ولعل هذا التطور البرغماتي تبلور كثيراً في
السياسات التي انتهجتها الحكومة قبل سنوات قليلة، فعندما وقعت احداث
الاضطرابات الشعبية في الرابع والعشرين من سبتمر من عام 2013م بالخرطوم، لم
تكن علاقات السودان مع عدد من الدول العربية على ما يرام رغم محاولات
الاختراق من قبل الخرطوم أو عبر جهود الوسطاء أو دخول بعض الاستثمارات
للبلاد، ففي تلك الظروف ابدت بعض الصحف العربية في المنطقة تعاطفاً مع تلك
الأحداث.

ونقلت
وسائط إعلامية إشارات بضلوع بعض الدول في دعم هذه التطورات، بيد أن
الخارجية السودانية قالت، أنها ترفض «أية محاولة للإساءة لعلاقتها مع الدول
العربية والخليج مهما كانت دوافعها أو منطلقاتها»، مشددة على أن العلاقات
مع كل دول الخليج «راسخة وتقوم على ثوابت وأسس متينة قوامها روابط الأخوة
والعقيدة والثقافة والرؤى المشتركة والصلات الشعبية العميقة».


وأشارت
الخارجية، في بيانها آنذاك، إلى أنها رصدت تقارير وتعليقات في الصحف
والمواقع الالكترونية السودانية تتناول علاقات السودان بدول الخليج، بطريقة
«تجافي الحقيقة وتضر بهذه العلاقات الأخوية الراسخة». كما أدى التطور
السلبي لعلاقات السودان بالخليج في الفترة السابقة إلى إيقاف التعاملات
المصرفية من جانب بعض دولها مع الخرطوم، وهو أمر كان له مردوده السلبي على
الاقتصاد، لكن رغم ذلك لم تعمد الخرطوم إلى انتقاد هذه الخطوة، بل حاولت
التخفيف من آثارها، حتى جاء قرارها بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية
بالبلاد، وهي خطوة عملت على دعم علاقاتها مع دول الخليج، وربما كانت
السعودية بحكم تركيبتها المذهبية الأكثر ارتياحاً لهذا القرار، كذلك نشطت
الخرطوم في تحسين علاقاتها مع مصر رغم التداعيات التي أدت إلى الإطاحة
بحكومة الإخوان المسلمين والمحاكمات والإقصاء السياسي لهم، ثم كانت خطوتها
الأخيرة بالتقارب أو التفاهمات مع الحكومة الأمريكية لبداية التطبيع بين
البلدين أو على الأقل الحد من العقوبات الاقتصادية، وهو ما نجحت فيه بتحقيق
جزئي له بعد إصدار الحكومة الأمريكية رفعاً جزئياً لمنع التقينات في مجال
البرجميات مع السودان، وهي خطوات لا يمكن فصلها عن قرارات التباعد مع طهران
وإدانة السودان لتنظيم داعش والهجمات التي تشنها تيارات إسلامية متشددة في
سيناء أدت إلى قتل عدد من الجنود المصريين، كذلك حرص السودان على تأمين
بوابته الشرقية لمنع أي تسريب أسلحة إلى تلك الجهات أو غيرها.

انفراج مع الإمارات العربية
ويبدو
أن الخرطوم بدأت تحصد ما زرعته تجاه تنمية علاقاتها مع دول الخليج، فأمس
توجه الرئيس عمر البشير رئيس الجمهورية على رأس وفد كبير إلى دولة الإمارات
العربية، تلبية لدعوة تلاقاها من ولي العهد محمد بن زايد آل نهيان، ومن
المتوقع أن تدعم الزيارة العلاقات بين البلدين وتسارع بدفع التعاون
الاقتصادي والتجاري بينهما، ويضم الوفد المرافق للرئيس البشير إلى الإمارات
وزير رئاسة الجمهورية صلاح ونسي، وزير الخارجية علي كرتي، وزير الدفاع
الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق محمد
عطا، وزير التجارة عثمان عمر الشريف، وزيرة العمل إشراقة سيد محمود، وزير
الاستثمار مصطفى عثمان إسماعيل، ومدير عام الشرطة ومحافظ بنك السودان
المركزي. ويعتبر السودان من أوائل الدول التي أقامت معها دولة الإمارات
العربية المتحدة علاقات دبلوماسية وكان ذلك في ديسمبر 1971م. وقد قام الشيخ
زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله بزيارته الرسمية الاولى للسودان في
العشرين من فبراير 1972م بعد حوالى شهرين ونصف من قيام الاتحاد، حيث زار
فيها كافة ولايات السودان، واستقبل استقبالات رسمية وشعبية، كذلك قام
الرئيس الراحل جعفر محمد نميري بزيارة لدولة الامارات كأول رئيس دولة يزور
الإمارات وكان ذلك في الثالث والعشرين من أبريل من عام 1972م، أي بعد شهرين
من زيارة الشيخ زايد للسودان. وقد رافقه وفد رسمي كبير من الوزراء
والمسؤولين. وبحسب المصادر الإماراتية الدبلوماسية فإن العلاقات الاقتصادية
بين الإمارات والسودان تطورت بإطراد خاصة في السنوات الأخيرة، وانعكس ذلك
على حجم التجارة والاستثمار بين البلدين، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري،
وارتفع حجم الاستثمارات الإماراتية في السودان لتصل إلى أكثر من ثلاثة
مليارات دولار. وقد ساهم ذلك في زيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص الإماراتي
في المشروعات الاستثمارية في السودان التي شملت مختلف القطاعات
الاقتصادية، حيث توزعت المشروعات الإماراتية في القطاعات الخدمية والصناعية
والزراعية. كما أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة شريكاً تجارياً مهماً
للسودان، وقدمت العديد من المساعدات الاقتصادية للسودان في شكل منح أو
قروض ميسرة، وذلك اسهاماً في مشروعات التنمية التي انتظمت السودان. كذلك
ترتبط دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية السودان بالعديد من
الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الاقتصادية والتجارية التي ساهمت في زيادة حجم
الاستثمارات والتبادل التجاري بين البلدين إلى مستويات متقدمة ومنها:

ــ اتفاقية انشاء لجنة وزارية مشتركة.
ــ اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي والبروتكول المتعلق بها.
ــ اتفاقية حماية الاستثمارات بين البلدين.
التاريخ والحاضر:

وبحسب موسوعة «ويكبيديا» «انضمت الإمارات إلى جامعة الدول العربية في 6
ديسمبر 1971م، والأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1971م، وأنشأ المجلس الاستشاري
الاتحادي في يوليو 1971م ليعقد أولى جلساته في 13 ديسمبر سنة 1972م.
وأعيدت هيكلته تحت اسم المجلس الوطني الاتحادي عام 1975م، ولاحقاً كانت
الإمارات من الدول المؤسسة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمة أبو
ظبي يوم 25 مايو 1981م. وفي 1973م شاركت الإمارات في حرب 1973 بقوة عكسرية
وبقطع النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل، في 1975م، كما شاركت في قوات
الردع العربية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وفي عام 1980م اندلعت حرب
الخليج الأولى على خلفية الجزر الثلاث التي تعتبرها إيران جزءاًَ من
أراضيها وتعتبرها الإمارات أراضي محتلة، ولم تدخل الإمارات طرفاً عسكرياً
في النزاع، بيد أن الإمارات بعد احتلال الرئيس العراقي السابق صدام حسين
لدولة الكويت اشتركت من ضمن التحالف الدولي لتحرير هذه الدولة من الغزو
العراقي، وفي 2 نوفمبر 2004م، توفي مؤسس الإمارات العربية الشيخ زايد بن
سلطان آل نهيان، وتولى ابنه الأكبر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بعد أن تم
انتخابه من قبل المجلس الأعلى للاتحاد.

الموقع الجغرافي
تقع
الإمارات العربية المتحدة في غرب آسيا على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة
العربية، ممتدة بين خطي عرض 22 و26.5 درجة شمالاً، وخطي طول 51 و56.5 درجة
شرق خط غرينتش. ويحد دولة الإمارات شمالاً الخليج العربي، وشرقاً خليج عمان
وسلطنة عمان، وتحدها جنوباً المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، وغرباً
دولة قطر والمملكة العربية السعودية. وتبلغ مساحة الإمارات 83.600 كم2،
وتشكل إمارة أبو ظبي القسم الأكبر من أراضي الدولة، إذ يبلغ إجمالي مساحتها
86.77% من المساحة الكلية للإمارات، أما أصغر الإمارات فهي إمارة عجمان
وتبلغ مساحتها 285 كم2، فقط.

التقسيمات الإدارية
الإمارات
العربية المتحدة لها وضع خاص يختلف عن باقي الدول العربية كون نظام الحكم
فيها اتحادياً فيدرالياً. فهناك الحكومة الاتحادية ولها دور محدد، وهناك
الحكومات المحلية ولها دور ضمن حدود إمارتها. وبحكم الدستور فإن العلاقة
بين الحكومة الاتحادية وحكومات الإمارات تتميز بإعطائه الحكومة المركزية
سلطات محددة وتركه مساحة غير محددة من السلطات المفهومة ضمنياً للإمارات كل
على حدة. وتحتفظ كل إمارة بالسيطرة على نفطها وعلى ثروتها المعدنية وعلى
بعض مظاهر أمنها الداخلي. وللحكومة الاتحادية الكلمة الأولى في معظم مسائل
القانون والحكم. ومسؤوليتها بالدرجة الأولى العلاقات الخارجية والسياسات
الدولية والدفاع عن الوطن ضمن مسؤوليات أخرى منها الصحة والتعليم وغيرها.
لكن الدستور يمكن حكام الإمارات من التنازل للحكومة الاتحادية، في حال
رغبوا في ذلك، عن سلطات معينة نص عليها كمسؤولية منفردة لكل إمارة. ومن
الأمثلة على هذا الامتياز قرار توحيد القوات المسلحة في منتصف السبعينيات.

مخرجات الزيارة
يتوقع
كثير من المراقبين أن تحدث زيارة رئيس الجمهورية إلى دولة الإمارات تحولاً
كبيراً في العلاقات بين البلدين، خاصة على الصعيد الاقتصادي، وتأمل
الإمارات في أن تفّعل استثماراتها في السودان بعد توفير الضمانات التي
تساعد على استقطاب مستثمريها وتشجيعهم على المضي قدماً في هذا الملف
الاقتصادي المهم، سيما أن الوفد السوداني يضم ممثلين للقطاع الاقتصادي
والاستثماري لديهم تصورات محددة للاستثمار والتعاون الاقتصادي مع دولة
الإمارات. ومن المتوقع أن تقدم الإمارات قروضاً ميسرة وربما دعماً
اقتصادياً مباشراً للخرطوم. كما قد تفتح مجال العمالة للسودان في تخصصات
محددة وفق شروط أفضل لعلاقات العمل.

تداعيات أخرى
أخيراً
وفق كل المستجدات في علاقات السودان مع دول الخليج والتطورات المحدودة مع
الولايات المتحدة، ربما تشير إلى أن الخرطوم ستدخل ضمن منظومة جديدة في
العلاقات الدولية لعلها سيكون لها تأثير مباشر في عمليات السلام بدارفور.
إذا ما نجحت الخرطوم في إحداث انفراج آخر يتزامن مع تلك الخطوات على صعيد
الحريات ومجال حقوق الإنسان والخروج من عباءة البرغماتية في تعاملها مع
أزماتها الداخلية.
الانتباهة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق