الأربعاء، 25 فبراير 2015

كيف نؤسس لصحافة مسؤولة ..د. ربـيع عبـد الـعـــاطـي عبيد - روان للإنتاج الإعلامي والفني

كيف نؤسس لصحافة مسؤولة ..د. ربـيع عبـد الـعـــاطـي عبيد - روان للإنتاج الإعلامي والفني



*
إن أعتى البلدان التي عرفت بتطبيق النظام الديمقراطي، واحترام الرأي
الآخر، لم تصدر بها صحف بهذا الكم الكبير، كما في بلادنا، وذلك لأسباب
جوهرية ذات علاقة بضرورة حماية الرأي العام من الانحطاط والسخف، وتحصينه من
السفه، واتجاهات اللامسؤولية واللامبالاة فيما يكتب وينشر.

*
وإذا أردنا التأسيس لصحافة مسؤولة، وكتابات رصينة، ورأي يبنى عليه لصياغة
سياسة رشيدة، وإتخاذ قرار مكين، فإن هذه المهمة تقتضي أن ينهض لها أكفاء
لوضع صيغة لكيفية إصدار الصحف، ومواصفات لمن يتصدون لنشرها، والكتاب الذين
تنطبق عليهم شروط قيادة الرأي، وكذلك رؤساء التحرير الذين حفروا أسماءهم،
وبمجهوداتهم الفذة، في ضمير المجتمع، فأصبح القُراء، يتقاطرون لشراء ما
يوزع في صبيحة كل يوم من صحفٍ تزخر بثمرات العقول، وعصارات التجارب، وأجمل
ما يخطه القلم من أفكار.

*
والخطوة الأولى، للعودة إلى عهد ازدهار الصحافة بعد أكثر من مائة عام، هي
عمر صحافتنا الورقية، والتي كنا فيها سباقين على كل الدول التي من حولنا
أفريقياً وعربياً هي خطوة تبدأ بقراءة التاريخ، والوقوف على الأسباب التي
كانت وراء تقهقر حركة الصحافة، وانحدارها إلى مستوى جعل كبار أعمدتها
يستاءون مما يكتب فيها، كما يجب الإطلاع على صحافة اليوم ومقارنتها بما كان
سابقاً يدون على صفحاتها، ومعرفة الفرق بين ما كان من جدية ورسوخ، وبين
الذي هو الآن من عشوائية وجهل، ثم من بعد تشخيص هذا الداء بدقة للوصول إلى
علاج شافٍ، وحل ناجع، لهذا التردي الصحافي الذي تأبط حركة كانت في المقدمة
فانهارت كما نرى، وسقطت هذا السقوط المريع مما سبب إزعاجاً للقارئ، ومن
يرعى الصحافة ويعمل في مضمارها على حدٍ سواء.

*
وقبل أن نتحدث عن إصلاح التشريعات الصحافية والنظم التي تتعلق بإصدار
الصحف، فالواجب أن يكون الحديث منصباً على المواصفات اللازمة للصحافي
المحترف، والكاتب الذي تصلح كتاباته للنشر اليومي، بإسقاط ذلك على أولئك
الذين تعتمدهم الصحف الكبرى في البلدان الديمقراطية التي ابتدرنا بها هذا
المقال. فكاتب العمود مثلاً في صحيفة الواشنطن بوست، والنيويورك تايمز، ليس
هو الذي تخرج في جامعة من الجامعات يوم أمس، بل هو الرجل الذي ذاع صيته
كاتباً وماهراً في صياغة الأفكار، وحاز على خبرة متراكمة قد تصل إلى أربعين
عاماً، الأمر الذي جعل القُراء يتلقفون ما يكتب بشغف شديد، وتزاحم تكشف
عنه محلات بيع الصحف، ولا تخلو المجالس من تعليق مما كتب وسجله قلمه، في
إشارة واضحة إلى أن الاهتمام به لا ينشأ من فراغ، لكنه اهتمام بقامة نحتت
بجهدها سيرةً، هي التي قادت نحو ذيوع كتاباته، وخطورة تأثيراتها. ورؤساء
التحرير بالصحافة الأجنبية، لا يعتلون العرش ويصبحون على رأس أية صحيفة،
إلا إذا شهد لهم المجتمع، وتحدثت مؤهلاتهم عنهم، وهي ليست شهادات ورقية،
وإنما الشهادات هنا تأتي من سطوع النجوم، وبراعة القلم وما يعكسه من أثر
على كل قضية يتناولها، أو كلمة تُفْتَتَح بها الإصدارة في كل صباح.
والتشريعات الصحافية في بلادنا، لا ينبغي لها أن تركز على العقوبات
والمخالفات، لتصبح مهمة الأجهزة الرقابية هي المنع والمصادرة، بموجب
القانون، وليس هكذا تمنح التراخيص لنلاحقها ونحن نعلم بأن الترخيص قد منح
لفاقدٍ تربوي، ولمؤسسة ليس لديها أدنى الشروط المتوفرة لتضطلع بدور يتصل
بتشكيل الرأي، دون أن نضع في حساباتنا بأن الرأي هو الأولى بأن تستجيب
مؤسساته للشروط، بحيث إن الرأي إذا فسد كان أثره على الدولة والمجتمع، أبشع
وأفظع مما يتصوره المتصورون. وما من شك بأنّ الحركة الصحافية، إن استوى
أمرها، واستقام سوقها فهي التي تعين على استتباب الأمن، وإعانة متخذ
القرار، وصحة الذي به النّاس يفكرون، فيحسنون التدبير، ويتمكن الكل من
إتقاء شر كان سببه غثاء السيل الذي تفيض به صفحات الصحف، وما من سبب يجعلنا
ننحو هذا النحو أكثر من ذلك المستوى اللغوي الهابط لصحافة كان الأولى بها
أن تقتدي بتلك اللغة الرفيعة التي تتسم بها صحافة الغرب، وقبل ذلك برسالتنا
الإسلامية التي تربى أفراد المجتمع بتوجيه مفاده بأن المؤمن ليس بطعان ولا
لعّان ولا فاحشٍ ولا بذئ.
الانتباهة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق