الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

الحاجة لمجلة طبية بقلم / د محمد عبد الله الريح - روان للإنتاج الإعلامي والفني

الحاجة لمجلة طبية بقلم / د محمد عبد الله الريح - روان للإنتاج الإعلامي والفني



قابلني أحد الإخوة ليتفاكر معي في موضوع يعتقد أنه من الموضوعات المهمة التي لم يأبه بها أحد. قال لي:
ــ
أنا لست طبيباً ولكني مدمن لقراءة المجلات الطبية التي تطبع وتنشر في
الخارج ونستوردها نحن مثل مجلة: طبيبك أو طبيبك الخاص أو طبيب الأسرة
وغيرها. فلماذا لا تكون لنا مجلة طبية مثل بقية الدول؟ والحمد لله بلدنا
يزخر بالكفاءات الطبية المشهود لها عالمياً ومنذ أكثر من ستين عاماً.

ــ قلت حسب علمي مرت عليّ بعض المجلات الطبية السودانية.
ــ قال: ولكنها لا تستمر طويلاً ولا أدري السبب الذي يجعلها تختفي بعد حين.
قلت:
صناعة المجلات نفسها في محنة ناهيك عن مجلة متخصصة مثل المجلة الطبية..
لقد أصدرت مجلة «شقيش» في عام 2000م وكنت أطبعها في سوريا ولكنها لم تعمر
طويلاً لأسباب كثيرة.. ولكن المجلة الطبية تحتاج لتصور ورؤية كبيرة
وموازنات عديدة.. فالمجلة الطبية ليست كمثل أية مجلة أخرى، فمخاطبة القارئ
العادي في عالمنا العربي على وجه العموم وفي السودان على وجه الخصوص تحتاج
الى رسم معادلة معينة. وإذا كان الأمر يتعلق بإصدار مجلة طبية محكمة كمجلة
اللانسيت البريطانية فهذا لا يحتاج إلى كبير جهد، فالمواضيع ترسل إلى
اختصاصيين كل في مجاله وهم الذين يحددون قيمة ذلك الموضوع أو البحث ويوصون
بنشره أو عدم صلاحيته للنشر. ولكن الأمر يتعلق هنا بمجلة ذات تناول عريض
وسط قطاع أعرض من القراء، وفي سياساتها التحريرية أن تقدم وعياً وثقافة
طبية لجمهور من القراء ربما لم يتلق معظمهم ثقافة علمية. فكيف تفعل ذلك؟
وهذا هو الذي رميت إليه عندما ذكرت أن المجلة الطبية تحتاج الى رسم معادلة
معينة. أين تضع المعلومة الطبية نفسها كمعلومة تفسيرية يفهم منها عامة
القراء أمراً طبياً على عمومياته ولا يذهب للحد الذي يجعله يحاول أن يسقط
تلك المعلومة الى واقع الممارسة؟ ففي عالمنا العربي والسوداني خاصة نحن
نتعامل مع ثقافة شفاهية تمشي بين الناس مثل الكرة الثلجية تزداد حجماً
وانتفاخاً كلما انتقلت من شخص الى شخص. فإذا قرأ الإنسان معلومة عن مرض ما
وصادفه شخص آخر يشكو من أعراض معينة لا ينصحه الشخص الأول بأن يذهب للطبيب
بل يتطوع بما قرأ من معلومات أن يشخص له مرضه وأن ينصحه ليذهب للصيدلية
ليطلب الدواء «الفلاني»، بل إننا ننطلق من ثقافة تحدد «هذا المرض مثل مرض
فلان وقد تناول ذلك الدواء وشفي تماماً» أو ثقافة تشخيص المرض الذي قتل
فلاناً وهو يزور مريضاً بالمستشفى، مثيراً رعباً لا حدود له في مريض هو في
الأصل تساوره الوساوس من مرضه الذي ألزمه سرير المستشفى.

وقد
قابلني عدد من الذين يقرأون المجلات الطبية التي اعتادت أن تصف أعراض بعض
الأمراض وصفاً دقيقاً، بل وتفرد أبواباً للردود على أسئلة القراء وتشخص لهم
المرض وتصف الدواء، كل ذلك على الورق. والتي تحسن صنعاً تطلب منهم مقابلة
الطبيب «فلان الفلاني» ومعك «هذا العدد» من المجلة أو الصفحة الطبية إن كان
ذلك في جريدة يومية.

فأين
يقع الخط الفاصل بين المعلومة التي تنشر وعياً وبين المعلومة التي تثير
رعباً في شخص تنتشر الوساوس بالأمراض في جميع تلافيف دماغه أي ما يعرف بال
Hypochondria ؟


ولا بد لهيئة تحرير هذه المجلة إذا كان هناك تفكير جاد في إصدارها، أن
تفطن لهذه المسألة وتضع الخطوط المطلوبة وهي تخاطب جمهوراً عريضاً من
القراء، وبذلك تكون قد قدمت خدمة مطلوبة وتسد فراغاً ثقافياً كبيراً وهي
تتصدى لإزالة الأمية الطبية التي «نتمتع» بها جميعنا معشر القراء من ذوي
التخصصات غير الطبية. ولكن هل تكون عندنا العزيمة وهذا الاستيعاب لتلك
المقاصد، وفوق ذلك الجهة الممولة لهذه الإصدارة التي هي واجب الأطباء قبل
كل شيء؟


الإنتباهة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق