إعلان النكير على (الكسر الربوي) ومسوّقيه (الهوامير) د. عارف عوض الركابي - روان للإنتاج الإعلامي والفني
في
الفترة الأخيرة أصبح مصطلح «الكَسِرْ» من المصطلحات المستخدمة وبشكل كبير
في بعض الأسواق!! وهناك أسواق تخصصت في «الكَسِرْ» و(أشخاصٌ) ـ أيضاً ـ قد
تخصصوا فيه!! و«الكَسِر» في الأسواق نوعان:
الأول:
وهو ما يعرف عند العلماء بمسألة «التورق» وهي أن يشتري الشخص سلعة بمبلغ
مؤجل أو بأقساط ثم يبيعها بعد أن يتملكها لشخص آخر وغالباً يبيعها بثمن أقل
من ثمن شرائها، (ويشترط في الشخص الذي يبيعها له ألا يكون هو البائع الأول
نفسه أو وكيله)، وهذا الأمر جائز عند جمهور العلماء ومن العلماء من لم
يُجِزْ هذا البيع، إلا أن قول الجمهور هو الراجح، لما في ذلك من المصلحة
والتيسير على الناس، فإن الشخص وإن فقد بعضاً من ماله؛ إلا أن حاجته للمال
في وقته هذا تكون مصلحته بها أرجح، وإن كان الواقع أن كثيراً من الناس أصبح
يستخدم المال الذي يحصل عليه بهذه المسألة في (كماليات) وأمور لا تعتبر من
(الأساسيات)، فيضيع المال فيما لا يعود عليه بكثير نفع، ويبقى الدَّيْنُ
يطارده، والأقساط تلاحقه السنوات الطوال.
الثاني:
من أنواع (الكَسِرْ) وهو (المنتشر والمشتهر)، وهو أن يأتي شخص للسوق أو
يتصل (وهو في مكانه) بشخص ما، وتتم بينهما معاملتان، إذ يشتري هذا الشخص من
البائع سلعة (بأجل، أو بأقساط) ثم يبيعها له بمبلغ (نقدي) (أقل من المبلغ
الذي اشتراها به)، فيشتري سيارة بـ (30.000) ثلاثين ألفاً ـ مثلاً ـ
مؤجلاً، ويحرر شيكاً بذلك، ثم يبيع هذا المشتري للبائع نفسه نفس السيارة
بأقل من الثلاثين ألفاً، وربما بعشرين ألفاً فقط!! إذ هَمُّهُ كله ـ في تلك
اللحظات ـ أن يستلم هذا المبلغ، بغض النظر عن الوفاء بهذا الالتزام الذي
حرَّر به شيكاً؛ وكأن أجل هذا الشيك الذي هو بعد شهرين أو ثلاثة، لن يأتي!!
وأحياناً
تبلغ الجرأة بهذين الشخصين ـ البائع والمشتري ـ بأن يقول البائع للمشتري:
اشترينا لك خمسين جوال سكر، أو تمر، أو خمسين كرتونة صابون بكذا، ثم بعناها
لك بكذا، خذ المبلغ وهات الشيك!!! وما أكثر هؤلاء!! ويكون هذه السلع لا
وجود لها في الواقع، وإنما هي كــ «عنقاء مغرب»، مجرد حيلة وتلاعب ومخادعة،
وقد قال الله تعالى: (يخادعون الله وهو خادعهم). وهذا البيع معروف عند
المسلمين ببيع «العينة» وقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي
عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر
ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى
دينكم) رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني. إن حقيقة بيع العينة هو الربا،
الذي حرمه الله عز وجل، وجعله من أعظم الكبائر، والواقع فيه قد أُذِن بحرب
من الله جلَّ جلاله، وتوعده الله باللعنة ، فإن الله تعالى يلعن آكل الربا
وموكله وكاتبه وشاهديه، وكل من تعاون في تنفيذ هذه الجريمة العظيمة، كما
وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
والإسلام
قد أبطل الربا، وحرم أكل أموال الناس بالباطل، وحث على القرض الحسن،
والبذل والعطاء ومساعدة الناس وتقديم الخير لهم؛ بل الإيثار، ووعد بالخلف
والبركة، والعون من الله تعالى، إن الله تعالى له ما في السموات وما في
الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
ثم
يتفنن هؤلاء التجار «زعماء الكَسِر»!! في تنفيذ هذا البيع، فيصطادون
أنواعاً معينة من الناس، وله دراية وخبرة في انتقاء من يصطادون!! ثم يزينون
لهم الأمر، ويخففون عليهم في الشروط، حتى إذا حلّ الأجل، كانت (البيعة
الأخرى) جاهزة، فيبيعون له سلعة أخرى بمبلغ أكبر، ويأخذون منه شيكاً آخر
بمبلغ أكبر من مبلغ سابقه ... وهكذا إلى أن يتضاعف المبلغ الأول أضعافاً
مضاعفة.
للأسف
الشديد، لقد أصبحت (كثير) من أسواق السيارات (الكرينات) في بلادنا هي
ميدان لهذه الجريمة، ولهذا الإثم الذي تُجْنَى ثمارُه السيئة في كثير من
الأحيان في العاجل قبل الآجل، ولا يقتصر الأمر على أسواق (السيارات) فحسب،
وإنما هناك ميادين أخرى لهذه الجرائم، ومما يضرب به المثل في ذلك بعض أسواق
(المحاصيل) المشتهرة، سواء في العاصمة أو الأقاليم. لن أسهب في ذكر
(الآثار السيئة) لهذا النوع من بيوع «الكَسِر» وهو الربا الصُراح؛ فآثاره
السيئة والمدَمِّرة أشهر من أن تذكر!! للأسف الشديد، لقد أصبح في السجون
قسم خاص لـ «مجموعات الشيكات»، وكم من أُسَرٍ باعت كل ما تملك بسبب الديون
التي تحملها أبناؤها ضحايا عصابات الكَسِر!! ولا يعد ولا يحصى ضحايا هذه
الممارسات!! وحجم إضرارهم وإفسادهم في الأرض.
ومع
أن المذهب الفقهي المعمول به في البلاد هو المذهب المالكي، وهو أكثر
المذاهب إغلاقاً لأبواب الحيل، وسد الذرائع المفضية إلى الربا، إلا أن
المقرر في المذهب في وادٍ، وما عليه هذه الأسواق في وادٍ آخر!! وقد تضافرت
عبارات أئمة الإسلام في بيان هذه المزية للمذهب المالكي.
يقول
الحافظ شمس الدين الذهبي الشافعي: (وبكل حال، فإلى فقه مالك المنتهى،
فعامة آرائه مسددة، ولو لم يكن له إلا حسم مادة الحيل ومراعاة المقاصد
لكفاه. ومذهبه قد ملأ المغرب والأندلس، وكثيراً من بلاد مصر وبعض الشام،
واليمن والسودان، وبالبصرة وبغداد والكوفة، وبعض خراسان) أ.هـ وقال شيخ
الإسلام ابن تيمية في كتابه «القواعد النورانية الفقهية»: (ففي الجملة: أهل
المدينة وفقهاء الحديث مانعون من أنواع الربا منعاً محكماً مراعين لمقصود
الشريعة وأصولها. وقولهم في ذلك هو الذي يؤثر مثله عن الصحابة، وتدل عليه
معاني الكتاب والسنة) أ.هـ
وقد
ساعدت بعض العوامل في انتشار هذه الممارسات، أذكر منها: ضعف الوازع
الديني؛ وقلة الخوف من الله تعالى، ومن عقوبته، وعدم المبالاة بالوعيد
الشديد الوارد في العقوبة لآكل الربا أو موكله، فتجد أحدهم يأخذ هذه
الأموال الربوية ـ سواء البائع أو المشتري ـ وهو كأنما يأكل رزقاً طيباً
حلالاً!! وهذا من السفه، ومن خفة الدين، وإلا لو لم يكن في عقوبة كسب المال
الحرام إلا أن هذا الآكل لا تستجاب له دعوة، مهما بلغ في الانكسار؛ وأكثر
من الدعاء والالتجاء إلى الله. ومن هنا تعظم الأمانة الملقاة على عاتق
العلماء والدعاة وطلاب العلم، في تحذير الناس من مثل هذه المعاملات،
وتخويفهم بالله تعالى من نتائج هذه المخالفات في الحال والمآل، بالإكثار من
الخطب والدروس وحلقات العلم، ونشر الكتيبات والمطويات والأشرطة التي تتضمن
بيان الأحكام في هذه القضايا.
ومن
أسباب انتشار مثل هذه الممارسات التعجل في الغنى، ومن المعروف أن من
القواعد الفقهية المنتشرة بين أهل العلم أن «من تعجّل شيئاً قبل أوانه عوقب
بحرمانه» وكما تقول العامة «استعجال الغنى فقر» وقد كتبت مقالاً سابقاً في
هذه القاعدة ونماذج لها من واقعنا، نشر بهذه الصحيفة. فمن يتأمل أسباب
دخول كثير من الناس (الرجال)، وحتى (النساء)!! في الأزمنة المتأخرة في
السجون بسبب المال؛ يجد أن كثيراً منهم قد كان «استعجالهم لتكثير المال
والغنى قبل أوانه» هو الذي أوقعهم في ذلك، ولم يكن دخول كثيرٍ منهم بسبب
متطلبات المعيشة العادية، وإنما السبب في كثير من الحالات هو: الطمع في
الغنى وتكثير المال وزيادة طوابق المباني وركوب آخر الموديلات من السيارات،
والتوسع في التجارات... وما شابه ذلك، قبل وجود الأسباب المشروعة لتحققها،
حتى يتم القبض عليهم وتبدأ رحلة طويلة ومسلسل تضيع معه الأعمار والأوقات
وغير ذلك مما لا يعلم آثاره السيئة إلا الله سبحانه وتعالى. والتعجل كما
أنه واضح في تصرف هؤلاء الذين يقدمون على شراء هذه السلع بهذه الطريقة، فهو
ـ أيضاً ـ يظهر جليَّاً في صنيع «هوامير» الكَسِر، وقد يكون حب الظهور،
والبذخ ولفت وجوه الناس، والعناية بالمظاهر هو من أسباب ذلك، وبمجتمعنا
نماذج يمكن أن تضرب أرقاماً قياسية على مستوى العالم في البذخ، والإسراف،
والتشبع بما لم يعطوا، ولا دليل أدل على ذلك من حفلات المجون والرقص التي
يدفع للفنانين والفنانات في بعض مناسبات الزواج الملايين من الجنيهات، وقد
يكون الزوج من أفقر الناس!! وإنما تم تأمين المبلغ عن طريق قرض!! أو مساعدة
بما يعرف بـ «الكشف أو الختة»!! بل عشنا وسمعنا عما هو أعجب من ذلك!! من
جلب بعض أسر الأموات لنساء يؤدين دور البكاء والنياحة على ميتهم بمبالغ من
المال! تدفع لهن!!
ومن
أسباب انتشار مثل هذه الممارسات كثرة وعموم البلوى باستخدام «الشيكات»،
بلا ضوابط صارمة ولا عقوبات رادعة، ولا شك أن هذا السبب يعتبر من أهم
الأسباب.
الفترة الأخيرة أصبح مصطلح «الكَسِرْ» من المصطلحات المستخدمة وبشكل كبير
في بعض الأسواق!! وهناك أسواق تخصصت في «الكَسِرْ» و(أشخاصٌ) ـ أيضاً ـ قد
تخصصوا فيه!! و«الكَسِر» في الأسواق نوعان:
الأول:
وهو ما يعرف عند العلماء بمسألة «التورق» وهي أن يشتري الشخص سلعة بمبلغ
مؤجل أو بأقساط ثم يبيعها بعد أن يتملكها لشخص آخر وغالباً يبيعها بثمن أقل
من ثمن شرائها، (ويشترط في الشخص الذي يبيعها له ألا يكون هو البائع الأول
نفسه أو وكيله)، وهذا الأمر جائز عند جمهور العلماء ومن العلماء من لم
يُجِزْ هذا البيع، إلا أن قول الجمهور هو الراجح، لما في ذلك من المصلحة
والتيسير على الناس، فإن الشخص وإن فقد بعضاً من ماله؛ إلا أن حاجته للمال
في وقته هذا تكون مصلحته بها أرجح، وإن كان الواقع أن كثيراً من الناس أصبح
يستخدم المال الذي يحصل عليه بهذه المسألة في (كماليات) وأمور لا تعتبر من
(الأساسيات)، فيضيع المال فيما لا يعود عليه بكثير نفع، ويبقى الدَّيْنُ
يطارده، والأقساط تلاحقه السنوات الطوال.
الثاني:
من أنواع (الكَسِرْ) وهو (المنتشر والمشتهر)، وهو أن يأتي شخص للسوق أو
يتصل (وهو في مكانه) بشخص ما، وتتم بينهما معاملتان، إذ يشتري هذا الشخص من
البائع سلعة (بأجل، أو بأقساط) ثم يبيعها له بمبلغ (نقدي) (أقل من المبلغ
الذي اشتراها به)، فيشتري سيارة بـ (30.000) ثلاثين ألفاً ـ مثلاً ـ
مؤجلاً، ويحرر شيكاً بذلك، ثم يبيع هذا المشتري للبائع نفسه نفس السيارة
بأقل من الثلاثين ألفاً، وربما بعشرين ألفاً فقط!! إذ هَمُّهُ كله ـ في تلك
اللحظات ـ أن يستلم هذا المبلغ، بغض النظر عن الوفاء بهذا الالتزام الذي
حرَّر به شيكاً؛ وكأن أجل هذا الشيك الذي هو بعد شهرين أو ثلاثة، لن يأتي!!
وأحياناً
تبلغ الجرأة بهذين الشخصين ـ البائع والمشتري ـ بأن يقول البائع للمشتري:
اشترينا لك خمسين جوال سكر، أو تمر، أو خمسين كرتونة صابون بكذا، ثم بعناها
لك بكذا، خذ المبلغ وهات الشيك!!! وما أكثر هؤلاء!! ويكون هذه السلع لا
وجود لها في الواقع، وإنما هي كــ «عنقاء مغرب»، مجرد حيلة وتلاعب ومخادعة،
وقد قال الله تعالى: (يخادعون الله وهو خادعهم). وهذا البيع معروف عند
المسلمين ببيع «العينة» وقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي
عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر
ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى
دينكم) رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني. إن حقيقة بيع العينة هو الربا،
الذي حرمه الله عز وجل، وجعله من أعظم الكبائر، والواقع فيه قد أُذِن بحرب
من الله جلَّ جلاله، وتوعده الله باللعنة ، فإن الله تعالى يلعن آكل الربا
وموكله وكاتبه وشاهديه، وكل من تعاون في تنفيذ هذه الجريمة العظيمة، كما
وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
والإسلام
قد أبطل الربا، وحرم أكل أموال الناس بالباطل، وحث على القرض الحسن،
والبذل والعطاء ومساعدة الناس وتقديم الخير لهم؛ بل الإيثار، ووعد بالخلف
والبركة، والعون من الله تعالى، إن الله تعالى له ما في السموات وما في
الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
ثم
يتفنن هؤلاء التجار «زعماء الكَسِر»!! في تنفيذ هذا البيع، فيصطادون
أنواعاً معينة من الناس، وله دراية وخبرة في انتقاء من يصطادون!! ثم يزينون
لهم الأمر، ويخففون عليهم في الشروط، حتى إذا حلّ الأجل، كانت (البيعة
الأخرى) جاهزة، فيبيعون له سلعة أخرى بمبلغ أكبر، ويأخذون منه شيكاً آخر
بمبلغ أكبر من مبلغ سابقه ... وهكذا إلى أن يتضاعف المبلغ الأول أضعافاً
مضاعفة.
للأسف
الشديد، لقد أصبحت (كثير) من أسواق السيارات (الكرينات) في بلادنا هي
ميدان لهذه الجريمة، ولهذا الإثم الذي تُجْنَى ثمارُه السيئة في كثير من
الأحيان في العاجل قبل الآجل، ولا يقتصر الأمر على أسواق (السيارات) فحسب،
وإنما هناك ميادين أخرى لهذه الجرائم، ومما يضرب به المثل في ذلك بعض أسواق
(المحاصيل) المشتهرة، سواء في العاصمة أو الأقاليم. لن أسهب في ذكر
(الآثار السيئة) لهذا النوع من بيوع «الكَسِر» وهو الربا الصُراح؛ فآثاره
السيئة والمدَمِّرة أشهر من أن تذكر!! للأسف الشديد، لقد أصبح في السجون
قسم خاص لـ «مجموعات الشيكات»، وكم من أُسَرٍ باعت كل ما تملك بسبب الديون
التي تحملها أبناؤها ضحايا عصابات الكَسِر!! ولا يعد ولا يحصى ضحايا هذه
الممارسات!! وحجم إضرارهم وإفسادهم في الأرض.
ومع
أن المذهب الفقهي المعمول به في البلاد هو المذهب المالكي، وهو أكثر
المذاهب إغلاقاً لأبواب الحيل، وسد الذرائع المفضية إلى الربا، إلا أن
المقرر في المذهب في وادٍ، وما عليه هذه الأسواق في وادٍ آخر!! وقد تضافرت
عبارات أئمة الإسلام في بيان هذه المزية للمذهب المالكي.
يقول
الحافظ شمس الدين الذهبي الشافعي: (وبكل حال، فإلى فقه مالك المنتهى،
فعامة آرائه مسددة، ولو لم يكن له إلا حسم مادة الحيل ومراعاة المقاصد
لكفاه. ومذهبه قد ملأ المغرب والأندلس، وكثيراً من بلاد مصر وبعض الشام،
واليمن والسودان، وبالبصرة وبغداد والكوفة، وبعض خراسان) أ.هـ وقال شيخ
الإسلام ابن تيمية في كتابه «القواعد النورانية الفقهية»: (ففي الجملة: أهل
المدينة وفقهاء الحديث مانعون من أنواع الربا منعاً محكماً مراعين لمقصود
الشريعة وأصولها. وقولهم في ذلك هو الذي يؤثر مثله عن الصحابة، وتدل عليه
معاني الكتاب والسنة) أ.هـ
وقد
ساعدت بعض العوامل في انتشار هذه الممارسات، أذكر منها: ضعف الوازع
الديني؛ وقلة الخوف من الله تعالى، ومن عقوبته، وعدم المبالاة بالوعيد
الشديد الوارد في العقوبة لآكل الربا أو موكله، فتجد أحدهم يأخذ هذه
الأموال الربوية ـ سواء البائع أو المشتري ـ وهو كأنما يأكل رزقاً طيباً
حلالاً!! وهذا من السفه، ومن خفة الدين، وإلا لو لم يكن في عقوبة كسب المال
الحرام إلا أن هذا الآكل لا تستجاب له دعوة، مهما بلغ في الانكسار؛ وأكثر
من الدعاء والالتجاء إلى الله. ومن هنا تعظم الأمانة الملقاة على عاتق
العلماء والدعاة وطلاب العلم، في تحذير الناس من مثل هذه المعاملات،
وتخويفهم بالله تعالى من نتائج هذه المخالفات في الحال والمآل، بالإكثار من
الخطب والدروس وحلقات العلم، ونشر الكتيبات والمطويات والأشرطة التي تتضمن
بيان الأحكام في هذه القضايا.
ومن
أسباب انتشار مثل هذه الممارسات التعجل في الغنى، ومن المعروف أن من
القواعد الفقهية المنتشرة بين أهل العلم أن «من تعجّل شيئاً قبل أوانه عوقب
بحرمانه» وكما تقول العامة «استعجال الغنى فقر» وقد كتبت مقالاً سابقاً في
هذه القاعدة ونماذج لها من واقعنا، نشر بهذه الصحيفة. فمن يتأمل أسباب
دخول كثير من الناس (الرجال)، وحتى (النساء)!! في الأزمنة المتأخرة في
السجون بسبب المال؛ يجد أن كثيراً منهم قد كان «استعجالهم لتكثير المال
والغنى قبل أوانه» هو الذي أوقعهم في ذلك، ولم يكن دخول كثيرٍ منهم بسبب
متطلبات المعيشة العادية، وإنما السبب في كثير من الحالات هو: الطمع في
الغنى وتكثير المال وزيادة طوابق المباني وركوب آخر الموديلات من السيارات،
والتوسع في التجارات... وما شابه ذلك، قبل وجود الأسباب المشروعة لتحققها،
حتى يتم القبض عليهم وتبدأ رحلة طويلة ومسلسل تضيع معه الأعمار والأوقات
وغير ذلك مما لا يعلم آثاره السيئة إلا الله سبحانه وتعالى. والتعجل كما
أنه واضح في تصرف هؤلاء الذين يقدمون على شراء هذه السلع بهذه الطريقة، فهو
ـ أيضاً ـ يظهر جليَّاً في صنيع «هوامير» الكَسِر، وقد يكون حب الظهور،
والبذخ ولفت وجوه الناس، والعناية بالمظاهر هو من أسباب ذلك، وبمجتمعنا
نماذج يمكن أن تضرب أرقاماً قياسية على مستوى العالم في البذخ، والإسراف،
والتشبع بما لم يعطوا، ولا دليل أدل على ذلك من حفلات المجون والرقص التي
يدفع للفنانين والفنانات في بعض مناسبات الزواج الملايين من الجنيهات، وقد
يكون الزوج من أفقر الناس!! وإنما تم تأمين المبلغ عن طريق قرض!! أو مساعدة
بما يعرف بـ «الكشف أو الختة»!! بل عشنا وسمعنا عما هو أعجب من ذلك!! من
جلب بعض أسر الأموات لنساء يؤدين دور البكاء والنياحة على ميتهم بمبالغ من
المال! تدفع لهن!!
ومن
أسباب انتشار مثل هذه الممارسات كثرة وعموم البلوى باستخدام «الشيكات»،
بلا ضوابط صارمة ولا عقوبات رادعة، ولا شك أن هذا السبب يعتبر من أهم
الأسباب.
الانتباهة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق