الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014

نوع آخر من «الـــرُّجْعَة»!! د. عارف عوض الركابي - روان للإنتاج الإعلامي والفني

نوع آخر من «الـــرُّجْعَة»!! د. عارف عوض الركابي - روان للإنتاج الإعلامي والفني



ادّعت
الرافضة أن مهديهم المزعوم ــ سيخرج من السرداب بعد غياب جملة من القرون،
وأنه سيقيم القصاص على أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة رضي الله عنهم،
فادّعوا رجعة في الدنيا قبل الآخرة، ووضعوا بكذبهم كلاماً كثيراً في ذلك
حتى صوّروا في ذلك نوع ورق الشجر الذي يصلب عليه أبو بكر وعمر بعد قيامهما
لإقامة القصاص عليهما!!

ودعوى
الرجعة للدنيا قبل قيام القيامة دعوى مخالفة للشرع والعقل، فإن النصوص
الشرعية أثبتت أن من يقبض من الدنيا فإنه لا يرجع إليها قبل يوم القيامة،
ولكن الرافضة لا يهم كثيراً أن تخالف العقائد عندهم العقل أو الشرع أو
الواقع طالما يكون فيها التعبير عن حقدهم ولو بوضع مثل هذه القصص الخيالية
التي يجيدون تصويرها وحبكها. ولبعض المتصوفة اعتقاد برؤية النبي عليه
الصلاة والسلام يقظة في الدنيا، بل وادعاء الأخذ عنه التشريعات والأوراد
والأوامر والنواهي، فكم من شيخ طريقة أو صوفي ادّعى أن حزبه أو ورده تلقّاه
مباشرة عن النبي عليه الصلاة والسلام يقظة لا مناماً .. حتى قال شيخ
التجانية: أخبرني سيد الوجود يقظة لا مناماً أنك من الآمنين ومن رآك من
الآمنين ...!! كما ادّعى أنه أعطاه صلاة الفاتح وأعطاه كتاب جواهر المعاني
..!! ولذلك قال البرعي في قصيدة أحمد التيجاني مقراً له على هذه الدعوى:

ناهيك أن إمامه خير الورى ٭٭ بل شيخه في الوِرْدِ والقرآن
أكرم بشيخ ثم أكرم بالذي يعزى له بالحــــق والبرهـــان

وبهذا يكون الباب مفتوحاً لتلقي الأحكام شرعية وإثباتها أو نفيها أو
تغييرها في أي وقت ولأي شخص كان!! ويكون اكتمال التشريع ونزول قول الله
تعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام
ديناً» يكون عند هؤلاء ليس مكتملاً ولا مُخبراً عنه بالآية الكريمة!!

وقلتُ:
«بعض الصوفية» لأن البعض منهم لا يقر هذا المعتقد فيقول بالرؤية القلبية
وليست الرؤية البصرية في اليقظة كالقشيري وغيره، فقد اختلفوا في ما بينهم
في كون هذه الرؤية هل تكون بالقلب أم البصر؟! وإذا لم يكن هذه العقيدة
الفاسدة قد بنيت على دليل صحيح فمن البديهي أن يقع أهلها في اختلاف بينهم،
ولن يجد من يعتقد هذه العقيدة أو يدافع عنها دليلاً يؤيدها بل سيجد الأدلة
الواضحة في إبطالها، فإن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظةً بعد موته هي
من باب العقائد، والعقائد تبنى على التوقيف فلا يجزم بنفي شيء أو إثباته
إلا بدليل يصح الاعتماد عليه، ولم يرد لا في الكتاب ولا في السنة ما يدل
على إثباتها ولم يدعيها أحد من الصحابة الكرام ولا من التابعين ولا من
تابعي التابعين وهم أصحاب القرون المفضّلة في ملة الإسلام. وإذا كان ذلك
يحصل فلا يخفى أنه قد حدثت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أمور كثيرة
وحوادث خطيرة كانت الحاجة فيها إلى ظهور النبي صلى الله عليه وسلم شديدة
جداً، ومع ذلك لم يذكر أحد أنه صلى الله عليه وسلم رؤي يقظة، فكيف يظهر
للمفضول ولا يظهر للفاضل؟!. ولا يخفى على مسلم عاقل أن النبي صلى الله عليه
وسلم قد مات، فادعاء حياته بعد موته قبل يوم القيامة مستحيل شرعاً لما
يلزم منه مخالفته لقوله تعالى: «إنّك ميت وإنهم ميتون»، وحياة النبي صلى
الله عليه وسلم في قبره حياة برزخية تختلف عن هذه الحياة ويُقتصَر في شأنها
على ما ورد في النصوص الصحيحة. قال القرطبي المالكي رحمه الله بعد أن ذكر
قول من ادّعى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظةً في الدنيا بعد موته:
«... وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه: أن لا يراه أحد إلا
على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين، وأن
يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من
ذلك خلو قبره من جسده فلا يبقى فيه شيء.. ويسلم على غائب، لأنه جائز أن يرى
في الليل والنهار.. وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من العقل».
إن هذا المعتقد يخالف إجماع أهل السنة والجماعة، قال ابن حزم في كتاب
«مراتب الإجماع»: «واتفقوا أن محمداً صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه لا
يرجعون إلى الدنيا إلا حين يبعثون مع جميع الناس». إن بعث الناس يكون يوم
القيامة قال الله تعالى: «ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة
تبعثون»، وعجبي من أقوام يدّعون لقيا النبي عليه الصلاة والسلام يقظةً
والأخذ عنه وتشريع أمور لم يشرعها النبي في دين الإسلام، وهو باب عريض
للخروج عن شريعة الإسلام والإتيان بما لم يشرعه الله تعالى في دينه، ويكفي
في زجر من أرادوا إحياء مثل هذه الخرافات، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال: ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعد إلينا
فيهن عهداً ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا.. رواه
البخاري ومسلم .. إنّ دعوى لقيا النبي صلى الله عليه وسلم يقظة في الدنيا
بعد موته والأخذ عنه هي دعوة باطلة تخالف الحق الواضح، وهي إحدى بوّابات
الخروج عن الشريعة الخاتمة، إذ من تلك «الأبواب» دعوى بعض الشيوخ الأخذ عن
الله تعالى مباشرة دون واسطة ــ !!! فيقولون: دينكم تأخذونه ميتاً عن ميت
أي بالسند ــ ونحن نأخذ ديننا عن الحي القيوم مباشرة !! أولئك هم أدعياء
التفريق بين الحقيقة والشريعة والظاهر والباطن، وما ترتب على ذلك من ترك
صراط الله المستقيم ومنهاج النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم والإقبال على
ما توسوس به الشياطين الجنيّة فإنها تتمثّل في صورٍ إنسية فيفتن بذلك بعض
من لا علم له.. والموفّق من وفّقه الله.
الانتباهة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق