الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

الهوية العربية والأمن اللغوي - روان للإنتاج الإعلامي والفني

الهوية العربية والأمن اللغوي - روان للإنتاج الإعلامي والفني



عرض/زياد منى
هذا
الكتاب يعالج موضوعات حيوية وآنية ومهمة للإنسان العربي، ألا وهي مسائل
تطور اللغة العربية وأمننا اللغوي، فالمهتم باللغة العربية وما آلت إليه في
مناهجنا المدرسية وفي مختلف وسائط الإعلام، والتي تبدو وسيلة التواصل
الوحيدة بين أنحاء محيطنا العربي، لا بد أن يصاب بالإحباط لتدني مستوى
الفصحى.


ويأتي
هذا الكتاب في خضم الانفصام اللغوي الذي نعيشه، سواء من منظور التضاد بين
الفصحى والعامية أو العاميات بالأحرى، أو من منظور التضاد بين الفصحى
واللغات الهجينة التي تحوي كما - يجب عدم التقليل من مقداره- من المفردات
الأجنبية، والتي تتسيد المشاهد اللغوية في بلادنا.


حسنا
ما فعله المركز العربي في الدوحة باهتمامه بهذا الجانب اللغوي، وإيلاؤه
مكانة خاصة في برامجه، خاصة عندما خصص ملفات في دوريتيه "عمران وتبين" لهذا
الموضوع. ومن الطبيعي ألا تكفي الملفات ولا المؤتمرات -وهي مسائل أولاها
هذا المؤلَّف اهتماما خاصا، إضافة إلى إثراء المشهد ذي العلاقة- لمشروع
عملي يترجم هذا الاهتمام البحثي إلى التطبيق، وهو مشروع "معجم تاريخي للغة
العربية".


-العنوان: الهوية العربية والأمن اللغوي - دراسة وتوثيق
-المؤلف: عبد السلام المسدي
-عدد الصفحات: 444
-الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بيروت، الدوحة.
-الطبعة: الأولى، 2014

مؤلف
الكتاب هو د. عبد السلام المسدي، أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية،
وعضو في عدة مجامع للغة العربية في تونس والعراق وليبيا وسوريا، وكان أمين
عام اتحاد الكتاب التونسيين. يمنحه هذا أهلية الحديث في مختلف فروع هذا
الموضوع، خاصة أن المشرق العربي قد لا يكون مطلعا بما يكفي على المشهد ذي
العلاقة في مغرب وطننا العربي.


ينوه
الكاتب في مدخل المؤلَف إلى أن "الهوية العربية والأمن اللغوي" استئناف
لأبحاث سابقة نشرها من قبل، وفي مقدمتها مؤلف "العرب والانتحار اللغوي"،
وإلى هذا يشير الفصل الأول "استئناف الأسئلة". والمقصود طرح المزيد من
الأسئلة، الاستفهامية منها والاستنكارية، ذات العلاقة بالموضوع.


يقول
الكاتب "استئناف الأسئلة" أحد أسس النضال الفكري الجديد، فكثير من الأجوبة
القديمة يخالها الناس عديمة الجدوى بتقادمها، والحال أنها صالحة في ذاتها،
وإنما يكفي أن نراجع السؤال الذي جاءت تجيب عنه في الماضي حتى نتبين أن
كفاءتها تعطلت بفعل طبيعة السؤال.


يقول
الكاتب في مستهل مؤلفه: لن يندم العرب على شيء كما قد يندمون على أنهم لم
يلبوا نداء لغتهم وهي تستجير بهم. لعل هذا القول يختزل في جملة واحدة قصيرة
محتوى الكتاب المقسم إلى ما يزيد على عشرين فصلا، منها: النظام العربي
وخطاب اللغة، وما وراء اللغة، ومن ينهض باللغة؟ ومن تجليات الوعي، ونحو
ميثاق معرفي، والهوية واللغة، ونحو المعجم التاريخي، والطفل العربي واللغة،
وفي خصائص المغرب العربي، وغيرها.


استعان
الكاتب بشواهد ووقائع محددة، مما دفعه إلى تحديد تاريخها ليمكن القارئ من
الاستعانة بالحدث، وليشكل مادة بحثية خاما لإنجاز قراءة أخرى للقضية
اللغوية في بلادنا، بلاد العرب.


أسلمت
الأعراف مصير اللغة لأضرب ثلاثة من الخطابات -حسب رأي الكاتب- وهي: ضرب
الخطاب العاطفي/الوجداني، والخطاب الأيديولوجي، والخطاب الغيبي. ويلخص الحل
بالقول: الغائب الأكبر في معالجتنا القضية اللغوية لحظة الوعي بضرورة فك
التعاضل بين مراتب الخطاب.



"الأنموذج الفرنسي في اعتبار اللغة أحد مكونات الهوية الوطنية مثال مهم
من دولة صناعية مهمة في عالمنا، حاضر في مواجهة من يدعي أن اللغة الوطنية
أضحت بذخا"


بقاء الوضع اللغوي على حاله -في منظور الكاتب- واستفحال ظاهرة التفكك الذي ينخر اللغة القومية سيعقد مسألة ردم الفجوة الثقافية.

ويخصص
المؤلف أقساما مهمة من عمله للإشكالات المتعلقة باللغة العربية، ويقدم في
الوقت ذاته حلولا للمعضلات، ومن ذلك النظر في النظام التعليمي في بلادنا
-الفصل الـ19 "الطفل العربي واللغة".


يتساءل
الكاتب عن أسباب عدم إمكانية تشكيل اللغات الأجنبية أو العامية/العاميات
رافعةً لكسب رهان التاريخ، ويجيب: لو أرادوا أن يفعلوا ذلك عبر الطريق
الأول لظلوا تابعين طوال الدهر، ولو شاؤوا أن يفعلوا ذلك بالطريق الثاني
لتراكم عليهم التخلف عقودا ريثما يصعدون بلغتهم إلى مرتبة الأداء الذهني
المصفى من عوالم الحس والمادة، لأن اللغة ليست وعاء وليست أداة، بل هي
ظاهرة طبيعية واجتماعية في آن.


اللغة
تنمو، والإنسان يتدخل في مجريات أوضاعها، فيفسح لها في المجال كي تزدهر
وتبقى، أو يعرض عنها فيدفع بها نحو الاندثار. وما إرادة الإنسان إلا سلطة
القرار، وهو سياسي. إنه الشاهد على المداخلة الفعالة بين اللغة والهوية،
ولذلك فمن الطبيعي أن التشريع اللغوي كالراية المرفوعة على سطح معمار
الهوية، وليس للامتزاج الوثيق بين القرار اللغوي والقرار السياسي من تفسير
أو تسويغ إلا أنهما ينصهران في مِرجَل الهوية.


ويؤكد
المؤلف أن صيانة اللغة العربية من خطر الاندثار هي صيانة للهوية العربية
والأمن القومي العربي، ونتفق معه في هذا من دون شروط. مسألة الحفاظ على
اللغة أمر سياسي مرتبط بالتالي بالقوى السياسية الحاكمة في دولنا.


الأنموذج
الفرنسي في اعتبار اللغة أحد مكونات الهوية الوطنية مثال مهم من دولة
صناعية مهمة في عالمنا، حاضر في مواجهة من يدعي أن اللغة الوطنية أضحت
بذخا.



"التمسك باللغة -بصفتها تعبيرا عن هوية، وعن رابط بين الماضي والحاضر،
وبين الأخير والمستقبل- ليس مقصورا على شعوب الدول غير المصنعة، بل هو جوهر
المحافظة على البقاء الوطني والقومي"


يسرد
الكاتب هنا النضال الذي خاضه الفرنسيون بهدف الحفاظ على لغتهم في وجه
التوسع اللغوي الأميركي الذي أراد عدّ كل منتج سلعة في سوق التبادل، ومن
ضمن ذلك الإنتاج الفني كالكتب والأفلام والأشرطة الغنائية، وكل ما هو من
فصيلة الإبداع. الفرنسيون تصدوا دبلوماسيا وتشريعيا للأميركيين، وانتصروا
من حيث وضعوا بند ما يعرف بالاستثناء الثقافي وتثبيته في دستور الاتحاد
الأوربي، وهو الذي تجلى عمليا في "الفرنسة" بما يعرف بقانون "توبون"، على
اسم وزير الثقافة الفرنسي في ذلك الحين، والذي بات يعرف شعبيا باسم قانون
حماية اللغة الفرنسية، والذي يقول إن لغة الجمهورية طبقا للدستور هي اللغة
الفرنسية، وهي الركن الجوهري في السيادة الفرنسية وفي تراثها.


استحضار
المؤلف هذا المثال جاء للتذكير بأن الحفاظ على اللغة ليس أمرا ثانويا أو
دلعا فكريا، بل أساس وجود وطني وقومي، وهو عكس ما يدعيه بعض المثقفين الذين
يرفعون راية الاستعانة باللغات الأجنبية (لفهم العربية؟!)


والتمسك
باللغة -بصفتها تعبيرا عن هوية، وعن رابط بين الماضي والحاضر، وبين الأخير
والمستقبل- ليس مقصورا على شعوب الدول غير المصنعة، بل هي جوهر المحافظة
على البقاء الوطني والقومي. وها نحن نرى روسيا تطبق المثال الفرنسي عبر
تثبيت لغتها أمام المد اللغوي الأميركي.


الكاتب
يطرح في مؤلفه "الطليعي" كثيرا من الأسئلة وينبهنا إلى أخطائنا، حتى عند
صياغة جمل قصيرة ومصطلحات متداولة يوميا. فهو كتاب ثري يقارب مواضيع متشعبة
مرتبطة بالمعضلات اللغوية التي تواجهنا، بما يسهم في تعبيد الطريق أمام
تحديث أنفسنا وهويتنا وتجليها اللغوي.


المصدر : الجزيرة



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق