الأحد، 22 مارس 2015

حكم الاحتفال بعيد الأم - روان للإنتاج الإعلامي والفني

حكم الاحتفال بعيد الأم - روان للإنتاج الإعلامي والفني



سمعت
أن بعض الناس يحتفل في أيام في السنة بما سمي في الغرب بعيد الأم، بينما
المسلم تعلّم ويتعلم في دينه الذي ختم الله به الأديان أن يحتفي بأمه في كل
يوم، سواء أكانت الأم حية أم ميتة، ولتوضيح حكم هذا العيد فإني أنقل
للإخوة قراء عمود «الحق الواضح» عن عالمين فاضلين فقد سئل الشيخ محمد صالح
العثيمين رحمه الله عن حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم؟ فأجاب بقوله:


«إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة لم تكن
معروفة في عهد السلف الصالح وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضًا،
فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى، والأعياد الشرعية
معروفة عند أهل الإسلام؛ وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع «يوم
الجمعة» وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أحدثت
سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله سبحانه وتعالى لقول
النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ. أي
مردود عليه غير مقبول عند الله وفي لفظ «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو
ردٌّ».

وإذا
تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الأم، لا
يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد؛ كإظهار الفرح والسرور، وتقديم الهدايا
وما أشبه ذلك، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به، وأن يقتصر على
ما حده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدين القيم الذي
ارتضاه الله تعالى لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه، والذي ينبغي للمسلم
أيضاً ألا يكون إمَّعَةً يتبع كل ناعق، بل ينبغي أن يُكوِّن شخصيته بمقتضى
شريعة الله تعالى حتى يكون متبوعًا لا تابعًا، وحتى يكون أسوة لا متأسيًا؛
لأن شريعة الله والحمد لله كاملة من جميع الوجوه كما قال الله تعالى:
«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً». والأم أحقُّ من أن يحتفى بها يومًا
واحدًا في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها،
وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله عز وجل في كل زمان ومكان».

وقال
الشيخ عبد العزيز بن باز في بيان حكم هذا العيد: «اطلعتُ على ما نشرته
صحيفة «الندوة» في عددها الصادر بتاريخ 30/11/1384 هـ تحت عنوان «تكريم
الأم.. وتكريم الأسرة» فألفيت الكاتب قد حبذ من بعض الوجوه ما ابتدعه الغرب
من تخصيص يوم في السنة يحتفل فيه بالأم وأَوْرَدَ عليه شيئاً غفل عنه
المفكرون في إحداث هذا اليوم وهي ما ينال الأطفال الذين ابتلوا بفقد الأم
من الكآبة والحزن حينما يرون زملاءهم يحتفلون بتكريم أمهاتهم، واقترح أن
يكون الاحتفال للأسرة كلها واعتذر عن عدم مجيء الإسلام بهذا العيد؛ لأن
الشريعة الإسلامية قد أوجبت تكريم الأم.

ولقد
أحسن الكاتب فيما اعتذر به عن الإسلام وفي ما أورده من سيئة هذا العيد
التي قد غفل عنها من أحدثه، ولكنه لم يشر إلى ما في البدع من مخالفة صريح
النصوص الواردة عن رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام، ولا إلى ما في
ذلك من الأضرار ومشابهة المشركين والكفار، فأردت بهذه الكلمة الوجيزة أن
أنبه الكاتب وغيره على ما في هذه البدعة وغيرها مما أحدثه أعداء الإسلام
والجاهلون به من البدع في الدين حتى شوهوا سمعته ونفروا الناس منه وحصل
بسبب ذلك من اللبس والفرقة ما لا يعلم مدى ضرره وفساده إلا الله سبحانه.

وقد
ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التحذير من
المحدثات في الدين وعن مشابهة أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم من
المشركين، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه
فهو رد» متفق عليه، وفي لفظ لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»،
والمعنى: فهو مردود على ما أحدثه، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته
يوم الجمعة: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد صلى
الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» أخرجه مسلم في
صحيحه، ولا ريب أن تخصيص يوم من السنة للاحتفال بتكريم الأم أو الأسرة من
محدثات الأمور التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته
المرضيون، فوجب تركه وتحذير الناس منه، والاكتفاء بما شرعه الله ورسوله.

وقد
سبق أن الكاتب أشار إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم الأم
والتحريض على برها كل وقت، وقد صدق في ذلك، فالواجب على المسلمين أن يكتفوا
بما شرعه الله لهم من بر الوالدة وتعظيمها والإحسان إليها والسمع لها في
المعروف كل وقت، وأن يحذروا من محدثات الأمور التي حذرهم الله منها والتي
تفضي بهم إلى مشابهة أعداء الله والسير في ركابهم واستحسان ما استحسنوه من
البدع، وليس ذلك خاصاً بالأم، بل قد شرع الله للمسلمين بر الوالدين جميعاً
وتكريمهما والإحسان إليهما وصلة جميع القرابة، وحذرهم سبحانه من العقوق
والقطيعة وخص الأم بمزيد العناية والبر؛ لأن عنايتها بالولد أكبر ما ينالها
من المشقة في حمله وإرضاعه وتربيته أكثر قال الله سبحانه: «وَقَضَى
رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»،
وقال تعالى: «وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ
وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ»، وقال تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ
تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ.
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى
أَبْصَارَهُمْ».

وصح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟
قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا
فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور، وسأله صلى الله عليه وسلم رجل
فقال: يا رسول الله أي الناس أحق بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال:
أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك ثم الأقرب فالأقرب .
وقال عليه الصلاة والسلام «لا يدخل الجنة قاطع»، يعني: قاطع رحم، وصح عنه
صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحب أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أجَله
فليصل رحمه»، والآيات والأحاديث في بر الوالدين وصلة الرحم وبيان تأكيد حق
الأم كثيرة مشهورة، وفي ما ذكرنا منها كفاية ودلالة على ما سواه، وهي تدل
مَنْ تأملها دلالة ظاهرة على وجوب إكرام الوالدين جميعاً واحترامهما
والإحسان إليهما وإلى سائر الأقارب في جميع الأوقات، وترشد إلى أن عقوق
الوالدين وقطيعة الرحم من أقبح الصفات والكبائر التي توجب النار وغضب
الجبار نسأل الله العافية من ذلك.

وهذا
أبلغ وأعظم مما أحدثه الغرب من تخصيص الأم بالتكريم في يوم من السنة فقط
ثم إهمالها في بقية العام، مع الإعراض عن حق الأب وسائر الأقارب، ولا يخفى
على اللبيب ما يترتب على هذا الإجراء من الفساد الكبير مع كونه مخالفاً
لشرع أحكم الحاكمين وموجباً للوقوع في ما حذر منه رسوله الأمين. ويلتحق
بهذا التخصيص والابتداع ما يفعله كثير من الناس من الاحتفال بالموالد وذكرى
استقلال البلاد أو الاعتلاء على عرش الملك وأشباه ذلك، فإن هذه كلها من
المحدثات التي قلد فيها كثير من المسلمين غيرهم من أعداء الله، وغفلوا عما
جاء به الشرع المطهر من التحذير من ذلك والنهي عنه، وهذا مصداق الحديث
الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لتتبعن سَنن من كان
قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله
اليهود والنصارى؟ قال: فمن» وفي لفظ آخر: «لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها
شبراً بشبر وذراعاً بذراع، قالوا: يا رسول الله فارس والروم؟ قال: فمن؟»،
والمعنى فمن المراد إلا أولئك، فقد وقع ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله
عليه وسلم من متابعة هذه الأمة إلا من شاء الله منها لمن كان قبلهم من
اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الكفرة في كثير من أخلاقهم وأعمالهم،
حتى استحكمت غربة الإسلام وصار هدي الكفار وما هم عليه من الأخلاق والأعمال
أحسن عند الكثير من الناس مما جاء به الإسلام، وحتى صار المعروف منكراً
والمنكر معروفاً والسنة بدعة والبدعة سنة عند أكثر الخلق بسبب الجهل
والإعراض عما جاء به الإسلام من الأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة
المستقيمة فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ونسأل
الله أن يوفق المسلمين للفقه في الدين، وأن يصلح أحوالهم ويهدي قادتهم،
وأن يوفق علماءنا وكتابنا لنشر محاسن ديننا والتحذير من البدع والمحدثات
التي تشوه سمعته وتنفر منه إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على عبده
ورسوله محمد وآله وصحبه ومن سلك سبيله واتبع سنته إلى يوم الدين».

أرجو لنفسي وإخوتي أن نوفّق دوماً ــ لمعرفة الحكم الشرعي لأي عمل نقدم عليه، وألا نقلّد التقليد الأعمى، والموفق من وفقه الله.
الانتباهة ... بقلم د. عارف الركابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق