الأربعاء، 11 مارس 2015

«التوحيد» و «الشرك» في برامج المُرشَّحِين - روان للإنتاج الإعلامي والفني

«التوحيد» و «الشرك» في برامج المُرشَّحِين - روان للإنتاج الإعلامي والفني



كثيرٌ
من المُرشّحين في هذه الأيام يجهرون بأن برامجهم الانتخابية تقوم وترتكز
على العمل بالشريعة الإسلامية والسعي لتطبيقها ونصرتها، وبدا لي أن أدوّن
بهذه المناسبة موجزاً أوضّح فيه المعنى العظيم لهذه العبارة «الشريعة
الإسلامية» تذكيراً ونصحاً عاماً فأقول:

من
المفاهيم «الشائعة» لدى كثير من الناس أن الشريعة الإسلامية تعني عندهم
إذا تحدثوا عنها: «العقوبات».. وذلك في تطبيق الحدود الشرعية والتعزيرات
على الواقعين فيما يوجب إقامتها عليهم، كجلد للزاني غير المحصن وشارب الخمر
والقاذف والرجم للزاني المحصن والقطع ليد السارق.

هذا
الفهم الخاطئ لمصطلح الشريعة ـ للأسف الشديد ـ له حضور واسع !! وانتشار
كبير في مفهوم كثيرين!! فأصبحت كلمة «الشريعة» في قاموسهم إذا ذكرت تعني
تطبيق هذه العقوبات.. هذا الفهم يصدر عنهم سواء أكان ذلك بلسان الحال.. أم
بالتصريح بلسان المقال..

وهو
بلا شك.. «ظلم كبير» و«تعدٍّ واضح» و «جناية» على شريعة الإسلام التي ختم
الله بها الشرائع ورضيها ديناً لخير أمة أخرجت للناس.. وقد ترتبت على هذا
الفهم «الواسع الانتشار» والمتجزِّر في أفهام كثيرين !! آثار سلبية كثيرة
.. لا تخفى، وقد يكون بينهم من يعلم الحقيقة في ذلك ويدرك خطأ هذا المفهوم،
إلا أنه لا يرفض هذا المفهوم الخاطئ، ولا يعارضه!! إن الحدود والتعزيرات
وما ورد في باب العقوبات هو «جزء» من الشريعة، و «جانب واحد» من جوانب
كثيرة ومتعددة، ومن قرأ أصغر كتاب في الفقه علم ذلك.

إذاً
لماذا يصبح «البعض» هو «الكل» ؟! و «الخاص والجزئي» هو «العام» في فهم
كثيرين؟! إن الواجب على المُرشَّحين قبل غيرهم إدراك أن شريعة الإسلام هي
ما شرعه الله تعالى لعباده في كتابه وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فهي:
الشهادتان ومضمونهما ومعناهما ومقتضاهما، وهي بقية أركان الإسلام من الصلاة
والصيام والزكاة والحج، وهي أركان الإيمان من الإيمان بالله وملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، فهي امتثال أوامر الله تعالى واجتناب
نواهيه.. وهي عبادته وطاعته عز وجل وإفراده بالتوحيد والنهي والتحذير عن
الشرك بالله تعالى، ويدخل في ذلك تحليل ما أحله الله لعباده من الأقوال
والأعمال والمعتقدات والعمل به، وتحريم ما حرمه عليهم من الأقوال والأعمال
والمعتقدات والبعد عن ذلك، فالعمل بالقرآن عمل بالشريعة والتمسك بسنة نبيه
عليه الصلاة والسلام هو من العمل بالشريعة. والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر من أعظم شعائر هذه الشريعة، وتركه أو التقصير في العمل به إخلال
بهذه الشريعة، بل هو من أسباب خيرية هذه الأمة «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ». والعدل بين الناس هو من العمل
بالشريعة وتحري تطبيقه بينهم على اختلاف أحوالهم هو مما أكّدت الشريعة على
العمل به.. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ
شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا
تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»، وقد سطرت في صفحات التاريخ الإسلامي
كلمات رائعة وشهادات باهرة من غير المسلمين لما كانوا يعيشون بين المسلمين
وتحت حكمهم وفي ذمتهم، وكم نحن بحاجة في هذا الزمان إلى أن تنشر بين الناس
بعض تلك القصص العظيمة والتي من شأنها ــ بتوفيق الله ــ أن تتغير بها كثير
من المفاهيم الخاطئة في هذا الجانب. والرحمة بالخلق من العمل بالشريعة،
ولذلك فقد أكّدت الشريعة على هذا الأمر وحذرت من الإخلال به وجاء الوعيد في
أحاديث كثيرة بأن من لا يرحم لا يُرحم، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.
وتطبيق أحكام الإسلام في المال في ما يتعلق به مورداً ومصرفاً وأهلاً
واستحقاقاً هو من العمل بالشريعة، ولو كان التطبيق في هذا الجانب مستقيماً
لقلّ وجود الفقراء في مجتمعات المسلمين بل ربما لم يوجد من يستحق أخذ
الزكاة!! كما دوّن ذلك بتفاصيله ــ في التاريخ الإسلامي.

وقد
علم كثيرون بعد أن كانوا لا يعلمون علموا بعظم التشريع الإسلامي ومناسبته
للناس على مختلف أزمانهم وأمكنتهم في قضايا الاقتصاد والمال بعد أن رأوا
بأعينهم الفشل الذريع للنظرية الاشتراكية، والتي أعقبها التردي والسقوط
المريع في النظرية الرأسمالية وما الأزمة الاقتصادية الأخيرة إلا شاهد من
شواهد ذلك. كما أن إحقاق الحق وإبطال الباطل من العمل بالشريعة، ونصرة
المظلومين وإيقاف المعتدين عند حدهم ــ أيّاً كانوا ــ هو من العمل
بالشريعة، وبر الوالدين وصلة الأرحام وتحري الصدق، وتحريم شرب الخمر والغش
والرشوة وأكل الربا وأكل أموال الناس بالباطل .. إن تحريم ذلك وغيره هو من
العمل بالشريعة. ورأس الأمر في الشريعة أن يعبد الله وحده ولا يشرك به
شيئاً وهو الغاية التي خلق الله تعالى لأجلها جميع خلقه، وهو ما دعا إليه
جميع الأنبياء: «قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ «162» لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ
وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ «163» قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي
رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا
عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ
مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ «164»».
ومناقضة ذلك بالإشراك مع الله غيره، وإعطاء حقه جل وعلا لغيره من خلقه
الضعفاء هو أعظم ما تخالف به الشريعة، وهو أعظم الظلم على الإطلاق، ولا ظلم
أكبر منه: «وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ
لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».

والعمل
بالأخلاق الفاضلة والكريمة التي حث الإسلام عليها وحذر من ضدها والتي منها
إكرام الضيف والإحسان إلى الجار ومساعدة المحتاجين ولين الجانب والرفق
وأداء الأمانة والصبر والحياء وغير ذلك هو من العمل بالشريعة الإسلامية.

وبالجملة
فإن الشريعة تعني الأخذ بما جاء في مصدريْ التشريع والعمل بهما من العقيدة
والعبادة والأخلاق والسلوك أمراً أو نهياً.. وهذا هو دين الإسلام الذي أمر
الله تعالى بالدخول فيه «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي
السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ».

وحذَّر
الله تعالى أقواماً يعملون ببعض الكتاب ويتركون العمل بالبعض الآخر قال
الله تعالى: «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ
فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ
وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ». إن بهذه التشريعات صلاح
المجتمع والأفراد وصلاح الحكام والمحكومين، «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ
وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ». وإذا علم الناس ذلك، فإنهم سيحرصون على
تطبيق هذه الشريعة والعمل بها حسب الوسع والطاقة إذ لا يكلف الله نفساً إلا
وسعها.. ولو علموا ذلك وما يترتب عليه لاجتهدوا في المبادرة إلى تلبية
نداءات ربهم الذي خلقهم، والمتكفل برزقهم ويملك أنفسهم وبيده محياهم
ومماتهم.. ولو علموا بما يترتب على ذلك من الجزاء الحسن لهم في الدنيا
والآخرة.. فإن الله يحفظ من يحفظه .. ومن لم يحرص على العمل بشريعة الله بل
أعرض عنها فهو لم يحفظ الله تعالى ولم ينصره، فإن من معنى حفظ العبد لله
ونصرته له أن يعمل بشريعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

إن
واجب النصح يقتضي أن نقول لكل من انتدب نفسه ليكون مرشّحاً ويتحمّل هذه
المسؤولية العظيمة أن يتنبّه لمدلول ومعنى هذه الكلمة العظيمة التي يعاهد
على العمل بها ونصرتها: «الشريعة»، فإنها تعني العناية بالعقيدة الصحيحة
وتربية الناس عليها، ولن يتم اجتماع إلا على ما دل عليه الكتاب والسنة وقد
جاء فيهما أن الاعتصام يكون بالحق الواحد الذي لا يتعدد، وأن سبيل التمكين
الحقيقي هو تحقيق التوحيد، والتوحيد لله رب العبيد يعني حلَّ جميع المشكلات
بلا استثناء ــ وهذه قصص الأنبياء مع أقوامهم فيها العناية بالتوحيد
والتمسك به والدعوة إليه والتحذير عما يخالفه من الشرك بالله ــ ولا مجاملة
أو مداهنة في ذلك ــ لأن عبادة الله وتوحيده هي سبيل النجاة للأفراد
والمجتمعات ولا عزَّ إلا بذلك ... والموفق من وفقه الله ..
الانتباهة : بقلم د عارف الركابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق