الأربعاء، 26 مارس 2014

ارتفاع أسعار السلع عالمياً وأثرها على المستهلك السوداني. - روان للإنتاج الإعلامي والفني

ارتفاع أسعار السلع عالمياً وأثرها على المستهلك السوداني. - روان للإنتاج الإعلامي والفني



معظم
السلع الاستهلاكية من سكر وقمح وشاي وزيوت نباتية وغيرها تباع وتشترى في
البورصات العالمية Exchanges في نيويورك وشيكاغو ولندن وطوكيو في أسواق
يطلق عليها الأسواق المستقبلية Futures Markets وهي أسواق التجارة فيها
على الورق فقط ونادراً ما يكون هنالك تسليم للبضاعة «أقل من 1%» Delivery
of goods الأسعار في الأسواق المستقبلية مؤشر قوي للأسعار في الأسواق
الفعلية Physical Markets التي فيها نشتري من المورد مباشرة ما نحتاجه أو
عن طريق وسيط Broker مما دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو أن المواطن أو
المستهلك السوداني هو الوحيد الذي يتحمل الزيادة في الأسعار ولا يتحملها
التاجر الذي لن يضحي بهامش ربحه ولا الدولة التي تنقل أي زيادة الى تاجر
الجملة الذي بدوره ينقلها الى تاجر القطاعي وهو بدوره يحول الزيادات التي
دفعها مباشرة الى المستهلك.
هذا
المستهلك البسيط لم يكن له أي دور في عملية شراء هذه السلع من مصدرها.
وهنا يبرز السؤال هل الدولة أو الشركات أو التجار يشترون هذه السلع بصورة
علمية أو عندما يكون المخزون على وشك النفاد ويدخلون السوق غير آبهين بحركة
الأسعار Trend of Prices وهل هي في انخفاض أو ارتفاع أو ربما ستنخفض
أكثر. قرأت قبل فترة ربما أكثر من 4 سنوات في internet وعلي حسب ما أوردته
Reuters أن السودان اشترى آلاف من الأطنان من السكر «حوالي 200 ألف طن
على ما أذكر) في وقت ما كان عليه فيه أن يشتري حيث ارتفعت أسعار السكر
الخام في بورصة نيويورك من 11 سنتاً للرطل الى 22 سنتاً في مدة وجيزة.
على ما أذكر كتب في Reuters الآتي:

The Sudan has unexpectedly entered the sugar market and bought 200 thousand tons of sugar .
اشترى
السودان عندما كانت الأسعار 22 سنتا ولم يشتر عندما كان هنالك انخفاض. هذا
يدل دلالة واضحة أننا في السودان لا نتبع أسلوبا علميا عند شراء السلع
الاستهلاكية وخاصة السكر.

هل
إخواننا في إدارة المشتريات بوزارة المالية ووزارة التجارة الخارجية
وأصحاب الشركات الغذائية الكبرى يتابعون بشكل يومي وعلى مدار الساعة
والدقيقة البورصات وحركة وتذبذب الأسعار العالمية للسلع التي يستوردونها أو
يصدرونها؟ هل يطبقون نماذج إحصائية Statistical models and trend analysis
لمعرفة اتجاه الأسعار والتنبؤ بحركتها واتجاهها على المدى القريب
والمتوسط؟ هل هذه الأسعار موجودة عندهم لعدة سنينDatabase . إذا كانت
الإجابة بلا، فأغلب الظن أننا نشتري فقط عندما نحتاج أو عندما تكون هناك
ندرة أو شح Hand-to-Mouth buying ومما لا شك فيه أن في هذا ضررا كبيرا
خاصة عندما تنخفض الأسعار أو تهبط بصورة كبيرة بعد الشراء. الضرر الأكبر
يكون عندما تكون الأسعار منخفضة ثم ترتفع بصورة جنونية في فترة قصيرة ولم
نكن قد اشترينا وقت تدني الأسعار Loss of opportunities .

في هذه الحالة على الدولة أن توفر دولارات أكثر للشراء. مما لا شك فيه أن
الأسعار العالمية لكثير من السلع قد ارتفعت في السنين الأخيرة نتيجة لعوامل
مناخية كالأمطار مثلا أو دخول كثير من المضاربين Speculators سوق السلع
المستقبلية بدلا عن سوق الأسهم خاصة في الولايات المتحدة. كذلك عوامل
اقتصادية كارتفاع أسعار البترول أو أي سلع أخرى مشابهة. نجد أن كثيرا من
الدول خاصة الولايات المتحدة وأوروبا الغربية لم يتأثر مواطنوها كما تأثرنا
نحن بزيادة الأسعار نسبة لاعتمادهم على التحليل العلمي والتنبؤ الدقيق
«بنسبة احتمال كبيرة» بما ستكون عليه الأسعار في المستقبل. علي المشتري
لأية سلعة عالمية أن تكون لديه بيانات كافية بأسعار هذه السلع لعدة سنين
سابقة في الماضي ثم يقوم بتحليلها احصائياً مستعملا مثلا لـ Trend,
Technical and Fundamental analysis حتى يستطيع معرفة احتمال اتجاه
الأسعار في المستقبل والتنبؤ بالقيمة الفعلية بدرجة احتمال كبيرة. هذا بلا
شك سيساعد متخذ القرار Decision maker في تحديد استراتيجية الشراء في
المستقبل. إذا كان التنبؤ يدل علي احتمال ان تنخفض الأسعار فإستراتيجية
الشراء هي أن نشتري Hand-to-Mouth أو الكميات المطلوبة فقط في القريب مثلا
الشهر القادم. أما اذا كانت النماذج الإحصائية تشير الى احتمال أن تكون
هنالك زيادة في الأسعار فيجب في هذا الحال شراء كميات تغطي عدة شهور في
المستقبل Forward buying .
عدد
الشهور التي يمكن أن تغطي في المستقبل تحكمها عدة عوامل من بينها الزيادة
المتوقعة في الأسعار ومداها الزمني. هنالك سؤال مهم جدا ماذا لو اشترينا
كميات كبيرة لعدة شحنات في المستقبل ثم هبطت الأسعار بصورة مفاجئة عكس
التوقع بزيادة الأسعار؟ أكيد سيكون الضرر كبيرا على المشتري والمستهلك. في
هذه الحالة تطبق كثير من الدول والشركات العالمية نظام الحماية لتقليل
الخسارة Hedging technique . هذا النظام ببساطة يعني اذا اشتريت اية كمية
للمستقبل ثم هبطت الأسعار بدلا من زيادتها كما توقعت فيمكنك الدخول الي
الأسواق المستقبلية في شيكاغو أو نيويورك وبيع تلك الكمية أو جزء منها طبعا
على الورق فقط، وعندما تبدأ الأسعار في الارتفاع يمكنك أن تشتري الكمية
التي بعتها وتستفيد من فرق السعر. هذا المبلغ الذي ربحته في الأسواق
المستقبلية ستخفض الخسارة التي أتتك عند شرائك السلعة من الأسواق الفعلية.
بعض العلماء والاقتصاديين أفتى بعدم شرعية التعامل مع الأسواق المستقبلية
من ناحية إسلامية لأنك لا يمكنك أن تبيع شيئاً لا تملكه كما أفتى بعضهم
بإمكانية ذلك اذا كنت غير مضارب أو مغامر لا تبتغي الربح من المعاملة ولكن
اذا كنت لا تريد أن تزيد العبء على شركتك أو المستهلك فلا ضير في ذلك.

أذكر أنني وقبل سنين مضت عندما كنت مديرا لقسم أبحاث السلع والمشتريات
لشركة سعودية كبرى لها عدة فروع في إفريقيا وآسيا. هذه الشركة كانت وما
زالت تشتري سنويا عالميا ما يقارب مليون طن من الزيوت النباتية و600 ألف طن
من السكر. تتعرض هذه الشركة لمنافسة حادة من الشركات الأوربية والأمريكية
خاصة في المملكة ودول المغرب العربي. هذه الشركات العالمية تطبق نظام
الحماية وتقلل خسارتها وتبيع للمستهلك بأسعار أقل من أسعار الشركة
السعودية. اذا استمر هذا الوضع فأكيد شركتنا ستفقد حصتها في السوق وربما
تخرج نهائيا وتشرد كثير من العاملين. قبل الدخول في نظام الحماية خاصة في
مجال الزيوت النباتية استشرنا الدكتور عبد الله الجديع مدير المركز
الإسلامي بمدينة ليدز ببرطانيا وقتها. وضحنا له أننا نريد أن نحمي أنفسنا
من أي هبوط غير متوقع في الأسعار وكذلك حماية المستهلك من الشراء بأسعار
عالية واننا لا نجري وراء المضاربة أو الربح من البيع والشراء في الأسواق
المستقبلية.

عرض الدكتور ما كتبناه ووضحناه له على المجمع الفقهي الذي كان مجتمعا في
دوله قطر في ذلك الحين وقد وافانا بشرعية دخولنا الأسواق المستقبلية وتطبيق
نظام الحماية طالما لا نبتغي المغامرة أو المضاربة. مما لا شك فيه أن
المواطن السوداني قد عانى كثيرا من الزيادة المطردة في أسعار السلع
العالمية التي نستوردها وخاصة السكر والدقيق وكذلك عانت الدولة من الدعم مع
الشح الكبير في العملات الصعبة. بتطبيقنا للشراء بصورة علمية سنتمكن بإذن
الله من الشراء بأسعار معقولة مما يخفف الضغط على المواطن ويوفر للدولة
مبالغ كبيرة يمكن أن توجهها للمشروعات التنموية.

والله من وراء القصد.
المصدر : الانتباهة . بقلم : .د. عثمان عمر الحسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق