الأربعاء، 21 مايو 2014

رواية ورددت الجبالُ الصدى.. غولُ الحرب المفترس - روان للإنتاج الإعلامي والفني

رواية ورددت الجبالُ الصدى.. غولُ الحرب المفترس - روان للإنتاج الإعلامي والفني



يستعرض
الروائي الأفغاني خالد حسيني في روايته "ورددتِ الجبالُ الصدى" قرناً من
المتغيرات الاجتماعية والسياسية والنفسية، التي حدثت في بنية أفغانستان
وأهلها من جهة، وفي العالم المحيط المؤثر والمتأثر بشكل كبير من جهة ثانية.


يرصد
حسيني -وهو كاتب وطبيب أفغاني ولد بكابل عام 1965 ويقيم بالولايات
المتحدة- تشكل هويات جديدة مختلفة عن سابقاتها، تجتمع داخل الإنسان بنوع من
المواءمة بين تلك التي يفترض أنها متحاربة أو متلاغية، وكيف يمكن أن يؤسس
الإنسان لهوية عالمية بالاعتماد على نقاط الالتقاء ومعرفة عوامل الشقاق
والتعادي وتداركها أو تعطيل مفاعيلها السلبية.


يعرِّف
صاحب "عداء الطائرة الورقية" بجغرافيات متعددة، تكون أفغانستان البؤرة
المركزية للأحداث، ترتبط معها عدة أماكن (فرنسا، واليونان، وأميركا،
وباكستان، وإيران، وإيطاليا..)، وكل مكان يبرز كمتصدر لحركية البشر
وتنقلاتهم، وتيههم المرحلي أو المديد. ويبرز كيف أنه لا يمكن فهم ما يجري
في أفغانستان دون تدبر وفهم ما يجري في الأماكن المصاحبة، لتكتمل لوحة
العصر الموحشة.


الرواية
-ترجمتها يارا البرازي ونشرتها دار دال 2014- تحوي تسعة فصول، يختار
الكاتب لفصوله عناوين تشير إلى فصول السنة، مع تحديد العام الذي تنطلق منه.
يستهلها بخريف 1952، يعود بعدها إلى ربيع 1949، لينتقل إلى ربيع 2003،
ويعود إلى شباط 1974، ثم يقفز إلى صيف 2009 ليختم بخريف وشتاء 2010. لينقل
صور مائة عام من المعاناة والقهر والحرب والضياع والنفي.


أجيال وأهوال
أربعة
أجيال تحضر في رواية حسيني، ابتداء من القرن العشرين حين كانت أفغانستان
مملكة، مروراً بالتغيرات التالية. وبالموازاة مع التعدد الجيلي والفروقات
التي تكبر بين كل جيل، والتي تبدو في كثير من الأحيان والتجليات أنها قطيعة
مؤكدة، يحضر تصوير لأحلام الأجيال وتحطمها في واقع الدمار والضياع
والتشرد.



"يحكي سابور عن غول مفترس يهاجم القرى، ويختار ضحاياه عشوائياً، يطلب
من رب البيت تسليمه أحد أبنائه قبل الفجر، وإن لم يفعل يقضي على أولاده
جميعاً ويقتلهم. وتكون الفظاعة في اختيار الأب التضحية بأحد أطفاله لإنقاذ
الآخرين "


القصة
التي يحكيها الأب الفقير سابور لابنه عبد الله وابنته الصغيرة باري في
قرية شادباغ الأفغانية، تمثل جوهر المعاناة الأفغانية التي تختلط فيها
التضحية بالقنوط والحيرة والفقر والهلاك.


يحكي
سابور عن غول مفترس يهاجم القرى، ويختار ضحاياه عشوائياً، يطلب من رب
البيت تسليمه أحد أبنائه قبل الفجر، وإن لم يفعل يقضي على أولاده جميعاً
ويقتلهم. وتكون الفظاعة في اختيار الأب التضحية بأحد أطفاله لإنقاذ
الآخرين، وتأنيب الضمير اللاحق، ثم الجنون والتخبط بين الإقدام والإحجام.
وحين يضطر لاختيار أحدهم، يقنع نفسه أنه لا بد من بتر أحد الأصابع لإنقاذ
اليد، في إشارة إلى وجوب إنقاذ أطفاله واتخاذ القرار المصيري.


تلك
الحكاية تكون وسيلة إقناع سابور لنفسه وقناعاً لقراره بتسليم ابنته
الصغيرة باري للمرأة التي يعمل لديها "نبي"، أخو زوجته "بروانة"، ولاسيما
أن باري تعيش مع أخيها عبد الله بعد موت أمهما وزواج أبيهما من بروانة في
حالة فقر قاسية.


نبي
الذي يعمل في خدمة السيد وحداتي يتعلق بزوجته نيلا، لكنه لا يجرؤ على
البوح بذلك، ويكون وحداتي بدوره متعلقاً بنبي دون أن يجرؤ على الإفصاح عن
رغبته الشاذة في المجتمع الأفغاني.


يكون
نبي موضوعاً لرسومات السيد وحداتي، وفي الوقت نفسه كاتم أسرار زوجته
والمولَع بها في سره، ويلبي لها رغبتها في تبني باري، يغدو لها الترياق
الذي يبلسم جروحها ويحقق أمانيها بالأمومة.


ونيلا
وحداتي تقدم على أنها شاعرة أفغانية رائدة جريئة، وهي التي تنحدر من أسرة
متنفذة، والدها كان مستشاراً للملك أمان الله ووالدتها فرنسية، تقرر بعد
مرض زوجها الثري وشلله الهجرة إلى باريس بعيداً عن وحشة كابل وعبثيتها
وقيودها، وتهرب بابنتها المتبناة.


شتات وانهيار
شتات
الأفغانيين طيلة عقود من الحروب المتجددة يكون محور اشتغال حسيني في عمله.
الأسرة الصغيرة الفقيرة تتوزع في قارات العالم، باري تعيش مع متبنيتها
نيلا في باريس، أخوها عبد الله يستقر في أميركا وينجب ابنة يسميها باري،
يبلغ أرذل العمر ولا ينسى أساه بفقده أخته، والأخ غير الشقيق إقبال بدوره
يضيع في مخيمات اللجوء بين باكستان والمناطق المجاورة.



"المناغاة التي كان يناغي بها الطفل الصغير عبد الله أخته باري تتحول
إلى أنشودة، تعويذة، وتهويدة تهدهد بها الأم أبناءها، ترددها باري لنفسها
وأولادها وأحفادها، وترددها معها الجبال في بلدها وفي المنافي "


وحين
يعود بعد عقود إلى شادباغ يجد أن هناك مجرمَ حرب قد استولى على أراضي
القرية وأقام قصره وسطها، وحوّل الأراضي إلى مزارع للحشيش. والأحفاد
يتبعثرون هنا وهناك أيضاً.


المناغاة
التي كان يناغي بها الطفل الصغير عبد الله أخته باري تتحول إلى أنشودة،
تعويذة، وتهويدة تهدهد بها الأم أبناءها، ترددها باري لنفسها وأولادها
وأحفادها، وترددها معها الجبال في بلدها وفي المنافي التي توزع فيها الأهل
وتاهوا في شوارعها.


يصف
صاحب "ألف شمس مشرقة" الصراع بين الأجيال، والصراع بين الأفكار والرؤى،
يتصدر العراك بين الأزمنة الواجهة. يلجأ إلى الاعترافات كصيغة للمكاشفة
والمصارحة والمصالحة بين الشخصيات وماضيها.


يرسم
شخصيات مرتبطة بالماضي تبحث عن جذورها، وتجاهد للحصول على رأس خيط يقودها
إلى "جنة" ماضيها. كما يصوّر شخصيات تتنازعها رغبات الانتماء والولاء وفي
الوقت نفسه تبحث عن عالمها الفريد الخاص، ولا يعدم التذكير بشخصيات تختلق
بطولات وأكاذيب ماضوية للتحايل على الناس والمتاجرة بالشعارات والصور
لتمرير صفقاتها المشبوهة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هيثم حسين , روائي وناقد سوري

المصدر : الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق