الخميس، 3 يوليو 2014

حكايات ساعة الإفطار - روان للإنتاج الإعلامي والفني

حكايات ساعة الإفطار - روان للإنتاج الإعلامي والفني





الكتاب:
حكايات ساعة الإفطار
المؤلف:
إبراهيم عبدالمجيد
الطبعة:
الأولى-2012
عدد الصفحات:
195 صفحة من القطع المتوسط
الناشر:
دار الياسمين للنشر والتوزيع- القاهرة –مصر
عرض:
محمد بركة

ساعة الإفطار
في رمضان ليست كغيرها، هى ساعة يصفو فيها الكون والناس، لكنها أيضا ساعة
لا تنسي، فإذا حدث فيها شيء غير مألوف، يأخذ القلب والروح إلى أعلى درجات
الدهشه والمفاجأة، لا الحب فيها مثل غيره، ولا الضحك ولا والحزن ولا
اللقاء، ولا الفراق، هكذا يعرف إبراهيم عبد المجيد ساعة الإفطار فى كتابه
حكايات ساعة الإفطار.


يوضح
عبد المجيد في مقدمة كتابه أسباب اختياره لتلك الساعة ليكتب عنها ثلاثين
حكاية يضمها الكتاب بالقول إنها قمة اليوم وفيها تبرز الدراما واضحة فهي
ساعة انتظار وترقب مدفع الإفطار وهى ذروة الوقت في شهر رمضان الكريم، وما
يحدث فيها لا ينسى، مضيفا: إن ساعة الإفطار التي ينتظرها كل الصائمين بشغف،
وتنفتح فيها أبواب السماء للغرباء والمحرومين والتائبين والبسطاء، وتراقب
فيها السماء أيضا كل شيئ ألهمته هذه الحكايات.


وتضم
الحكايات عدة عناوين تشمل 30 حكاية منها " رسائل من الجنة، ياعالم
الأسرار، مائدة الرحمن، مائدة من هواء، شفشق وإبريق رجل أمن الدولة
الغلبان، رائحة الحشيش، معه دائمًا، العسل، بلاش تسافر، دكان هوا، سمك
وجمبري، رسائل العشاق، شارع الملك، ضيوف غير عاديين، صومكم مقبول، فكر
بغيرك، فاطر رمضان، على الطريق، مانشيت، من زمن الحب والحرب، مع مراعاة
فروق التوقيت، أين الرئيس شيزوفرينيا ولكن، صورة الديكتاتور، سيبك منه خليك
في حالك، تحيا الشيوعية، إفطار في ميدان التحرير، النهاية".


ويكمل
عبد المجيد: استوحيت إحدى قصص المجموعة مما دار أثناء الثورة فى ميدان
التحرير، وأثناء تواجدى مع الشباب، الذين كانوا يقيمون الإفطار فى الميدان،
عندما ذهب أحد الشباب إلى عساكر الجيش وعساكر الأمن المركزى وقدم لهم
الأكل وقال لهم: أعلم أنكم بعد الإفطار ربما تقتلوني، لكن هذه ساعة الإفطار
ورمضان كريم.


ويقول
في أخرى أين الرئيس: وقف جنود الأمن المركزي في الطريق من قصر العروبة إلى
كوبري أكتوبر إلى ميدان التحرير الذي أحاطوا به وأغلقوا مداخله وامتدوا
داخل شارع قصر العيني وعلى طول شارع مجلس الشعب.


لقد
قرر الرئيس أن يلتقي اليوم بالوزراء في مقر رئاستهم الساعة الثانية ظهرًا.
سيستغرق اللقاء ساعتين ويعود إلى قصر العروبة في الخامسة على أقصى تقدير،
فتكون هناك ساعة أو أكثر للجميع أن ينصرفوا إلى وحداتهم لتناول الإفطار في
ثكناتهم.


حكايات
الكتاب الثلاثين بعضها كوميدي، وهى حكايات بسيطة في بنائها، وكثير منها
من خبرات المؤلف الشخصية في الحياة، ومما رآه من البشر حوله، وبعضها من
خياله المحض وتتوزع الحكايات بين المأساة والملهاة، وبين الضحك والبكاء،
بلغة بسيطة هي لغة الحكاية، وتقدم نماذج إنسانية غير مألوفة للقارئ العادي
في لحظات درامية. وجاءت الحكايات بشكل بسيط ولغة سهلة إلا أن مايربط
الحكايات هو إما ساعة الإفطار وإما موائد الرحمن أو ساعة غداء تدور عليها
الحكاية بين اطراف شخصيات يكون فيه المؤلف هو الراوي وننتقل من بين كل
حكاية بهذه العناوين المختلفة.


ومن نماذج هذة الحكايات:

رسائل من الجنة

بدأ
عبد المجيد حكايات ساعة الإفطار بحكاية رسائل من الجنه، وأبطالها الأب
الذى جلس فى الصاله يقرأ القرآن فى صمت، على حامل من خشب الورد المعشق
بالصدف الذى يشكل رسومات دقيقة لطيور تسبح فى الفضاء ورثه من العصور الوسطى
أبا عن جد، وكان صانعه قد ضمخه بعطر الكافور الذى لم يتلا ش مع الزمن،
كانت هناك نصف ساعة باقيه على مدفع الإفطار، وفى المطبخ كانت الأم والابنه
يجهزان الطعام والشراب الذى سينقلانه إلى الصاله بعد قليل، كان فى المطبخ
راديو صغير ينساب منه صوت الشيخ محمد رفعت يملأ الفضاء بالرضا، لكن الابنة
رأت دمعا يتسلل من عينى الأم التى راحت تمسحه ثم انفجرت باكية وانهارت على
مقعد صغير، تماسكت الأم واقتربت من الابنه، ووضعت رأسها على صدرها وتقول
خلاص يارقيه، حقك عليا، ماتعيطيش ياحبيبتى أخوكى فى أحسن مكان عند ربنا،
لكن الابنة انفجرت فى البكاء أكثر.


فقالت
الأم حكمه ربنا يارقيه، ربنا سبحانه وتعالى هو اللى بيختار، اختار الشباب
الحلوين كلهم، فاكره صورهم، كلهم بيضحكوا مبسوطين، دول رايحين الجنه، فردت
عليها رقيه لكن أنت مش قادره تنسى ياماما وفى المدرسه بتكتبى كل يوم على
السبوره تاريخ اليوم 28 يناير 2011، وقبل أن ترد الأم سمعا الأب يهتف من
الخارج بصوت عال يارقيه، يا أم رقيه، هتفت الأم فى هلع باباكى.


جرت
خارجه وخلفها رقيه فوجدتا الأب جالسا فى مكانه زائغ النظرات والمصحف أمامه
فوق الحامل مفتوح وفوقه مظروف أبيض شاهق البياض يشير إليه فى رعب، فنظرتا
إلى المظروف فى دهشه فقال جواب من مصطفي، تبادلت الأم والابنه النظر فى قلق
على الأب الذى قال، وهو يشير إلى النافذه نصف مفتوحه فى ذهول، دخل من هنا
وحط لى الجواب طائر عمرى ما شفت زيه، دخل رفرف ملأ الصاله برائحه المسك وحط
لى الجواب وطار، شامين الريحه؟، قالت الأم بعد أن جلست جواره تبكى خايفه
عليك يابو مصطفي، ليه بتعمل فى نفسك كده بس؟ ابننا عند ربنا شهيد يابو
مصطفى مع الصديقين والأنبياء.ويستمرعبد المجيد في السرد ..


مائدة رحمن

موائد الرحمن ظاهرة منشرة في ربوع مصر يفعلها أهل الخير في أماكن معينة لإفطار المحتاجين وعابري السبيل .. يقول عبد المجيد:

مرت
السنون ومرسى يتمنى أن لا يكون يوما من زبائن موائد الرحمن. تخرج فى
الجامعة وصار فى شهر رمضان يرفض أن يذهب مع أبيه أو أمه إلى أى مائدة. رأى
زميله يبتسم وهو يشرب العرقسوس.. قال لابد أن أحدًا سيقف يصلى معه لكن لم
يقف أحد. لم يكن ممكنا أن يتراجع. الله أكبر الله أكبر وبدأ الصلاة ولا أحد
يتقدم ليصلى معه.. لم يكن أمامه إلا الاستمرار فى الصلاة. تعود مرسى أن
يتناول إفطاره فى موائد الرحمن.. حين انتشرت هذه الظاهرة فى سبعينيات القرن
الماضى كان صغيرا.. كان أبوه ياخذه هو وأخيه وأمه إلى مائدة بعيدة من
بيتهم الكائن فى دير الملاك، يختار الأب مائدة قريبة من قصر القبة حتى لا
يراهم صدفة أحد من الجيران.. كان مرسى يسمع أمه تقول لأبيه.


- ياخويا ليه مشحططنا كده بس ما كل جيرانًا بيفطروا فى الموائد زينا.

وكان أبوه يضحك ويقول:

- حقا. داممكن حرامى يدخل ساعة الفطار يقشقش البيوت كلها.

فترد الأم:

- وتفتكر يعنى الحرامية مش عارفين.. عارفين بس كمان عارفين إن البيوت فاضية مافيهاش حاجة تنسرق.

ويضحكون جميعا.

لم
يجد مرسى عملا يجعله يساعد أسرته فى الحياة ويغنيهم عن ذلك.. وحين وجد
عملا وجده فى مدينة الإسكندرية. وبالصدفة كان انتقاله للعمل إليها قبل
رمضان بأيام. وجد له مسكنا مع عدد من زملائه الأغراب فى منطقة القبارى حيث
عمله فى إحدى شركات النقل هناك.. كان قد تخرج فى كلية التجارة.. ولم يجد
عملا فى القاهرة فى الحكومة أو القطاع العام.. وكان كل عمل يعرض عليه لا
يزيد عن عامل فى محطة بنزين ومرتبه من التيبس، البقشيش الذى يحصل عليه، أو
جرسونا فى مقهى وكذلك أيضا مرتبه.. كان يعرف أن هناك من زملائه من وجد عملا
فى بنك أو وزارة أو مصنع، لكنه أيضا كان يعرف أن ذلك لن يتوفر له، فلا
واسطة ولا محسوبية يمكن أن تفيده ولا رشوة يمكن أن تدفعها عائلة تقضى رمضان
على موائد الرحمن.


حين وجد شركة تعطيه راتبًا ثابتًا وافق على الفور رغم أنها فى الإسكندرية. وشجعه أبوه قائلا:

- كويس خالص كمان أنت اسمك مرسى يعنى إسكندرانى.. وإن شاء الله فى الصيف نصيف عندك مرة قبل مانموت.

أما
أمه فقد خافت عليه جدا من بنات إسكندرية وبالذات بنات بحرى. قالت له يابنى
أنت شفتهم فى الأفلام شكلهم إيه استغفر الله العظيم. دا أسهل حاجة عندهم
المايوه.. وكان يضحك ويقول لها يا أمى دا كان زمان. الدنيا اتغيرت وخلاص ما
فيش فرق بين بنات بحرى وقبلى. كلهم الحمد لله يابالحجاب يا بالنقاب. وفى
نفسه كان يتمنى أن يأتى الصيف ليرى شواطئ هذه المدينة التى لم يزرها أبدا
ويرى النساء عليها كما تقول أمه وإن كان يعرف أن ذلك لن يحدث.. لكنه ظل على
أمل حتى إنه سأل أحدا زميلا له عن ذلك فانطلق يضحك ساخرا واعتبره أهبل أو
مسكين.. لكن زميله قال له:


- دا موجود لكن فى الساحل الشمالى والشواطئ الخاصة فى العجمى مثلا.

سأله بدوره:

- يعنى إيه خاصة؟

قال له:

- يعنى تدفع مرتبك علشان تدخل وتقضى طول الشهر جعان - ثم قال له - خلينا فى المهم أنت حتعمل إيه فى رمضان.

ارتبك وقال:

- يعنى أيه؟

قال زميله:

-يعنى حتفطر فين. ليك قرايب هنا تفطر معاهم أنت عارف رمضان يحب اللمة.

- لا. لا أعرف أحدا نفطر مع بعض.

ضحك زميله وقال:

-يبقى أنت زميل بجد. حتيجى معايا موائد الرحمن.

أبدى له امتعاضه منه فقال زميله:

- الإسكندرية غير القاهرة.. هنا كل حاجة نضيفة.. وبعدين قرفان ليه كده؟

لم
يشأ أن يقول له إنه من غير المعقول أن يمضى عمره فى موائد الرحمن.. سكت
وترك نفسه لزميله يأخذه إلى الموائد.. فى أول مائدة وكانت فى بحرى قريبة من
جامع سيدى المرسى أبو العباس كانت بالفعل نظيفة.. الترابيزات طويلة فوقها
مفارش بيضاء نظيفة والأطباق ليست صفيح بل زجاج لامع نظيف ودوارق الماء زجاج
أيضا والأكواب لامعة والملاعلق مصقولة.. لا شىء قديم أو قذر هنا.. والطعام
يطهى بعيدا عنهم داخل المحل الذى يقيم المائدة، والذى ينقل الطعام فتيات
صغيرات جميلات ونظيفات وهواء البحر يطل عليهم وصوت الموج يهدهد أعصابهم ولا
ضجيج فى الشارع مثل القاهرة وكلما اقترب انطلاق مدفع الافطار زاد الهدوء
وصوت الشيخ القادم من جامع أبو العباس المرسى جميل يبعث على الطمأنينة.. ما
أجمل الإسكندرية لن يعود إلى القاهرة أبدًا.


انطلق
مدفع الإفطار وارتفع صوت المؤذن من جامع سيدى المرسى فترك المائدة التى
صارت عامرة بالأكل والشرب ووقف يصلى على سجادة طويلة فرشها صاحب المائدة
إلى جوارها على الأرض. حين رأى هذه السجادة لم يسأل أحدا عن معنى وجودها
وقال فى نفسه أكيد هى للصلاة.. والحقيقة أن صاحب المائدة وضعها لتكون مثل
الحدود حول الجالسين فإذا مرت سيارة لا تقترب منهم كما أنها تعطى المكان
جمالا إضافيا.. لم يكن من الصعب أن يولى وجهه ناحية القبلة.. فجامع المرسى
أمامه وهذا بابه كما أن البحر فى الشمال خلفه.. ولّى وجهه إلى الجنوب مائلا
إلى الشرق قليلا ونظر حوله فلم يجد أحدا يقف يصلى معه.. رأى زميله يبتسم
وهو يشرب العرقسوس.


قال
لابد أن أحدا سيقف يصلى معه لكن لم يقف أحد. لم يكن ممكنا أن يتراجع..
الله أكبر الله أكبر وبدأ الصلاة ولا أحد يتقدم ليصلى معه.. لم يكن أمامه
إلا الاستمرار فى الصلاة.. فى لحظة فكر أن ينهى صلاته بسرعة لكنه استغفر
الله وراح يصلى على مهل كما ينبغى.. ما إن انتهى حتى رأى الجالسون على
المائدة ينصرفون.. لم يكن قد بقى فوقها إلا بقايا طعام متفرقة.. نظر إليه
زميله وضحك قائلا:


- بعد كده ابقى صلى بعد الفطار.. أنت عمرك ما فطرت فى مائدة رحمن؟

سكت.. كان الجوع يقرصه فى بطنه بشكل كبير فمد يده إلى دورق به عناب وشرب منه ثم قال:

- الحمد لله. والله عمرى ما شبعت زى النهارده.

لكنه فى نفسه قرر أن لا ينسى هذا الدرس فى الأيام القادمة.. وليغفر له الله.

المؤلف

إبراهيم
عبد المجيد من مواليد الأسكندرية ، ولد في 2 ديسمبر سنة 1946م. حصل على
ليسانس الفلسفة من كلية الآداب جامعة الأسكندرية سنة 1973م. و في نفس السنة
رحل إلى القاهرة، ليعمل في وزارة الثقافة. تولى الكثير من المناصب
الثقافية, كان آخرها رئاسة تحرير سلسلة كتابات جديدة.


أصدر
عشر روايات, منها: المسافات, الصياد و اليمام, ليلة العشق و الدم, البلدة
الأخرى, بيت الياسمين, لا أحد ينام في الإسكندرية, طيور العنبر, برج
العذراء, وعتبات البهجه. كذلك نشرت له مجموعات قصصية منها : الشجر
والعصافير, إغلاق النوافذ, فضاءات, سفن قديمة, وليلة انجينا. ترجمت البلدة
الأخرى إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية. كما ترجمت لا أحد ينام في
الإسكندرية إلى الإنجليزية.
المصدر : الاسلام اليوم - إبراهيم عبد المجيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق