الأحد، 6 يوليو 2014

افتقاد المشروع الإسلامي للمؤسسات الإعلامية - روان للإنتاج الإعلامي والفني

افتقاد المشروع الإسلامي للمؤسسات الإعلامية - روان للإنتاج الإعلامي والفني



لا
جدوى من إهدار الوقت بسرد شواهد التقصير الوارد من العاملين لشرع الله في
استثمار قطاع الإعلام، فكل مبصر وإن قلت درايته وانعدمت خبرته سيصف لك من
الأحوال ما يصل حد الأهوال..



وآلمني وآلم كل حرٍ
سؤال الدهر: أين المسلمونَ؟[1]



ومن
تمام الضعف الذاتي المقترن بالترهل الإداري الإسلامي عموماً، انساقت ثلة
من العاملين في درب الله بصوفيّة لا يقبلها الله، وانعزالية لا يقرها عقل
ولا نقل، واعتكافات طالت فترتها على القراءة ودراسة الحال، تاركة الساحة
مفتوحة أمام كل مجرمٍ حاقدٍ ليقتحم على الناس عقولهم، وليقودهم إلى حيث
أراد.




ومن
الموضوعية أن يتم ذكر بعض الجهود التي لا تعدو كونها مشاريع فردية، حاول
أصحابها أن يلجوا من خلالها هذا الباب، وأن يقتحموا لجّة العمل الإعلامي،
ولكن الباع في هذا الأمر قصيرة، وإمكانات الدعوة الإسلامية في الإعداد
والتوجيه والتطوير عرجاء [2].




أما
على صعيد الصحوة الإسلامية الناشئة في أرض الإسراء والمعراج تحديداً، فهي
تحمل في ثنايا مشروعها الكثير من بارقات الأمل، وفيها الكثير من التوجهات
والآراء التي تدعم باتجاه العمل الجماعي المثمر، وضرورة بناء الذات على
الصعيد المدني برغم كل التحديات والمعوقات الجاثمة على الطريق، لتكون سداً
أمام طوفان الفتن، وحصناً أمام زحف العدو الفكري، ولكن هذه الطائفة التي
نالت نصيباً وافراً من الفقه وحسن سياسة الواقع ووجهت بأمرين:


الأول: فلسفة الانعزال والانطواء على الذات في مرحلة الصراع.

يمثله
وجود ارتكاس في فهم الدور الرسالي للمسلم، فأصحاب هذا الفهم هم أحجار عثرة
أمام من يريد أن يسلك هذا الدرب، وهم أول من يطيل أمد دراسة وتمحيص
المشاريع المقترحة لتموت قلوب الملذوعين، وهي تنتظر الإذن والجواب، والدعم
والتوجيه.




ولو
نظرت إلى ما تواصى به العلماء القدامى والمحدثون اعتماداً على فهمهم لآيات
القرآن، وأحاديث السنة، لوجدنا أنها جميعاً تصب في ميدان المسارعة في
الخيرات، والمبادرة إلى دفع الشرور، وعدم التواني عن نصرة الحق ودفع الصائل
والمعتدي، فهذه وظيفة المسلم، هذا المسلم الذي هو: ((أفضل الناس بعد الرسل
وأتبعهم لهم)) [3].




والثاني: دور الاحتلال.

يتمثل
هذا الدور في تحريم المنابر الإعلامية على الدعاة [4]، وعدم منحهم الفرصة
والإذن كغيرهم في إنشاء المؤسسات الإعلامية، وتكبيل جهودهم، وتعطيل
طاقاتهم، ووأد المشاريع من خلال القتل والاغتيال والاعتقال والاضطهاد
والتشريد، مما قلّص فرص العمل الإعلامي أمام العاملين للإسلام في مواجهة
التحديات.




ومع
ما تم ذكره آنفاً، إلا أن هذا الأمر لا يشكل عذراً لمعتذر، ولا شمّاعة
ليعلق عليها قصير الأنفاس فشله وخموله وتردده، فإن أغلقت الصخور طريق سيل
الماء يوماً فإن من طبيعته أن يبحث لنفسه عن طريق أخرى، ولو من بين الصخور
والأتربة..




فنظرة
من سطحي جاهل - عدا عن أهل التخصص والخبرة - تقود المرء إلى عظم الدور
الذي تلعبه هذه الأجهزة الإعلامية في مجال التأثير الفعلي في نفوس الناس
وعقولهم، فقد غزت أجهزة الإعلام كل بيت، وما بقي من أهل الحضر ولا سكان
البادية في فلسطين إلا ولديهم من أجهزة ووسائل الإعلام الشيء الكثير.




ورغم
التفاوت الحاصل في التوسع في مجال معرفة آليات ووسائل التعامل مع هذه
التقنيات العلمية الحديثة،فإن هذا حدا بالمجتمعات الغربية المتقدمة أن
تتصدر عرش النهضة العلمية، وبشعوب أخرى أن تكون على إثرها تغذو الخطى.




في
المحصلة النهائية، بات لدى كل شرائح المجتمع وفي كل شعوب الأرض وسع
للتعامل مع أجهزة الإعلام المعاصرة، وبات سكان الأرض على اختلاف أجناسهم
وألوانهم ولغاتهم ساحة واسعة يمارس أصحاب المؤسسات الإعلامية عليهم التنظير
والتأثير لما يرونه من معتقدات وأفكار وثقافات.




وهذا
التقدم الواسع، والانتشار المذهل، والغزو القسري والاختياري، دعا كل أصحاب
المبادئ والأفكار أن يبادروا إلى اغتنام هذا المجال لتوسيع دائرة أنشطتهم،
ولتأطير الناس حول الفكرة التي يطرحونها، وهذا من تمام فطنتهم بغض النظر
عن موقف الإسلام منهم.




ومن
أجمل العبارات البسيطة الجامعة التي سمعتها في هذا الشأن ، مقولة الكاتب
والمفكر العربي محمد حسنين هيكل التي يرددها كثيراً (ليس هناك إعلام لوجه
الله)[5]!! بمعنى أنك لن تجد فكرة إعلامية مطروحة هنا وهناك إلا ولها من
يدعمها ويوجهها.




وهنا
- في أرض فلسطين - كان الشعب الذي يعاني صنوف العذاب على موعد مع ابتلاء
جديد أسوة بباقي شعوب الأرض، لينال نصيبه من هذه (الكعكة)، فما من بيت إلا
وفيه مذياع وتلفاز على الأقل، هذا إذا لم يكن فيه من الأجهزة الأخرى كالقمر
الاصطناعي والإنترنت ونحوهما.




ولذا؛
فإن كل أطراف الصراع على هذه الأرض البتول يحاولون أن يستحوذوا على الناس
بما يطرحونه من أفكار ومبادئ، ويعمد كل فريق إلى إيجاد الكفاءات والمقدرات
والطاقات التي تؤهله لخوض غمار هذا الميدان بكل اقتدار.




فالفصائل
الفلسطينية العاملة على الساحة الفلسطينية تحاول إثبات وجودها على الساحة
من خلال الحضور القوي والفاعل على مسرح الأحداث، والمشاركة الدائمة في
اللقاءات والمهرجانات وأجهزة التلفزة والإعلام التي تقدمهم للناس بفنونها
شتى.




وعلى
اليد الأخرى؛ سارع العدو الصهيوني بكل إمكاناته - وما أكثرها!! - إلى فرض
سياسة الأمر الواقع، وإشاعة فلسفة الانكسار في نفوس أبناء شعبنا الصابر،
وسخّر الهواء والماء والتراب والمعادن من أجل خدمة فكرته المقيتة لوجوده
على الأرض السليبة، واستثمر كل مقدراته من أجل تجميل صورة احتلاله لهذه
الأرض، واغتصاب مقدراتها ومقدساتها [6].




وفي
غمرة الصراع بين أصحاب الحق وأصحاب المال والإعلام من المعتدين، تتجلى
حقيقة الصراع الواضح، ولكل طرف فلسفة تدفعه، وأبجديات يتبناها على هذا
الصعيد، وقد أعد كل طرف عدته، وجهز كلٌ طواقمه الإعلامية والصحفية على
مستوى القلم والفضائيات على حدٍ سواء، ليقوم كل فرد بدوره ضمن منظومة
متكاملة ترسمها سياسات العمل، وتطلعات كل طرف.




ومما
لا شك فيه أن مدى نجاح أي فكرة يرتبط بشكل طردي مع كمّ البشر الذين يؤمنون
بما تدعو إليه، فالكم البشري له دوره المباشر، والتجمع المؤثر لا بد له من
احتضان الطاقات والكفاءات والأفراد لبناء هيكلياته ولجانه العاملة، ناهيك
عن احتساب هذا العنصر الحساس حين احتدام الصراع المباشر.




والمرء
حين يعقد عزمه على أمر - مهما كان - لا بد له من استنفاذ جهده وطاقته في
رسم أهدافه ووسائله ومصادر دعمه وتأييده، والحال هو هو مع هذا الصراع،
فالكل يبذل قصارى جهده من أجل التأثير في أكبر قدر ممكن من الأشخاص
والمؤسسات والفعاليات الموجودة على الساحة، لما في ذلك من قوة جديدة تضاف
للمعسكر الناجح، ولن ينجح أي عمل دون أن يسبقه تنظير مركّز، وأن يمر عبر
بوتقة التخطيط، لاستثماره أثناء انعقاده، وترويجه بعد تمامه، وهذا معلوم
لمن ملك أثارة من العلم وإن تضاءلت.




ولعل
هذه الفلسفة هي التي تُفهم من سيرة الحبيب القائد، حين اتخذ مجموعة من أهل
الفصاحة والبلاغة والموهبة في خطاب الناس كحسان وعبد الله بن رواحة وكعب
بن مالك، لعلمه التام بأن للإعلام دوره، وللحياة البشرية ما يؤثر بها،
وللكلمة والهيئة والأداء مدلولات وتأثيرات جمّة، تصبغ المجتمع بصبغة الأقوى
تأثيراً.




فالمسلم
إذا لا بد له من أن يسعى جاهداً من أجل أن يهضم هذه الفلسفة جيداً، وأن
يترجمها واقعاً عملياً في حياته، فهو المخوّل بمقارعة الجاهلية المعاصرة
كما ألغى عهد الجاهلية الأولى، وواجبه بمناصبة الفاسدين المفسدين العداء لا
مفر عنه ولا مناص منه، فكيف للمسلم الحر أن يرضى بالجاهلية المعاصرة [7]،
وهو من نسل الكرام الذي نسفوها من قاموس الوجود.




من كتاب: وقفات إعلامية

[1] مما أحفظه من الشعر، ولم اقف على قائله.

[2]
حيث أقيمت على الأرض الفلسطينية مجموعة من المؤسسات الإعلامية، مثل المجمع
الإسلامي في غزة، والذي أسسه الشهيد أحمد ياسين، والمركز الثقافي الإسلامي
في الخليل، وبعض المراكز الثقافية والإعلامية في نابلس ورام الله، ولكنها
لم تقم على ضوء دراسة واقعية تعتمد المفهوم الاستراتيجي، أوتنطلق من حاجات
الشعب وتوجهاته، بل كانت مساهمات فردية، تأتي غالباً تحت ضغط الشارع
الفلسطيني لإيجاد البديل عن الإعلام الفاحش والسلبي.


[3] العلم وأخلاق أهله / عبد العزيز بن عبد الله ابن باز / دار الوطن للنشر والتوزيع / الطبعة الأولى (1413 هـ) / ص 7 - 8.

[4] انظر: دراسات في الصحافة والإعلام / ص 212.

[5] قال هذه العبارة مراراً من خلال برنامجه المباشر على قناة الجزيرة الفضائية، في برنامج: (( مع هيكل )).

[6]
انظر عن قرارات الأمم المتحدة التي تقر شرعية وجود الفلسطيني على أرضه،
والتي تعترف بفلسطين لأهلها الشرعيين، وهذا ما تم إنكاره وطمسه وعدم
المطالبة به من دولة الإجرام النازي، وانظر في ذلك: حقوق الإنسان في
الشريعة الإسلامية وقواعد القانون الدولي/ د. محمد عبد العزيز أبو سخيلة /
دار نشر - / طبعة عام 1985 م / ص 52.


[7]
الجاهلية: هي عبودية الناس للناس بتشريع بعض الناس للناس ما لم يأذن به
الله كائنة ما كانت الصورة التي يتم بها هذا التشريع، وهي ليست فترة
تاريخية، فلا يهم موقعها من الزمان والمكان، ولكنها وضع من الأوضاع يوجد
بالأمس ويوجد اليوم، ويوجد غداً، فيأخذ صفة الجاهلية المقابلة للإسلام،
وانظر في شرح هذا التعريف باستفاضة: الجاهلية قديماً وحديثاً - دراسة في
ضوء القرآن والسنة والفكر الإسلامي - / أحمد أمين عبد الغفار / شركة الشعاع
للنشر والتوزيع - الكويت / الطبعة الأولى (1401 هـ) / ص 251 وما بعدها.
المصدر : الالوكة
د. نزار نبيل أبو منشار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق