الواضح الفاضح في ما بين مصر وفلسطين - روان للإنتاج الإعلامي والفني
(1)
في مصر التي ينكل فيها بأطفال المدارس لو وجد معهم شعار رابعة، يزدحم
الإعلام بمن يرفعون شعارات الليكود دون أن يتعرض لهم أحد. وهذا يعني أنهم
يتحدثون بلسان سيدهم الذي لم يذكر غزة التي تحترق على حدوده في خطابين له
إلا بالمن على فلسطين بدعم مزعوم وتقديم الشهداء كما قال.
(2)
ليس
هذا وقت المجاملات والتجمل بوصف دولة قزمت نفسها وتحولت إلى إمارة فرع من
بعض إمارات الخليج بأنها كبرى. فالعرب بلا استثناء، ومصر على رأسهم، لم
يقدموا لفلسطين شيئاً، لا في أيام السيسي ولا من سبقه، بل إن فلسطين هي
التي قدمت لهم. من العرب من تاجر بفلسطين سياسياً، ومنهم من تاجر بها
مالياً، وليس الفرق بين الأمرين كبيراً، والكثير جمع الحسنيين.
(3)
ليس
ذنب الفلسطينيين أن الجيوش العربية المغوارة التي منعتهم من الدفاع عن
أنفسهم هزمت شر هزيمة. مصر تسملت غزة من الاحتلال البريطاني وسلمتها إلى
الاحتلال الإسرائيلي، وكان الاختلاف في الدرجة لا النوع بين احتلالين وما
بينهما. وبالتالي فإن مصر مسؤولة عن غزة أكثر من مسؤوليتها عن سيناء التي
سلمتها لإسرائيل مع غزة كاملة وتسلمتها ناقصة السيادة. ولم تكن مسؤولية أهل
غزة أن الجيش المصري الذي منعهم طوال فترة الحكم المصري عن الدفاع عن
أنفسهم فر وتركهم لمصيرهم. ولكن من الخزي على هذا الجيش الذي فر عن غزة
مرتين أن يصطف اليوم في جانب عدو كان هو من سلمهم له.
(4)
مصر
الناصرية استثمرت فلسطين سياسياً («الثورة» نفسها بررت بهزيمة فلسطين) ولم
تستنكف عن استثمارها اقتصادياً بطلب «الدعم العربي». ولم يكن صراع مصر مع
أمريكا والغرب حول فلسطين، وإنما حول تمويل سد أسوان والتسليح، كما أن حرب
1967 كانت سببها مغامرات النظام السوري الطفولية، ولم تكن فلسطين محورها.
فالدول العربية استثمرت في حروب اليمن والصراعات بينها أكثر مما استثمرت في
فلسطين.
(5)
مصر
ما بعد عبدالناصر تاجرت بالقضية مالياً، فقبضت من دول النفط ثمن «الدفاع
المشترك» قبل أن تقبض من أمريكا ثمن «الدفاع المشترك» مع إسرائيل بعد كامب
دايفيد. ولنكن واضحين أكثر، فإنه ليس النظامان المصري والأردني وحدهما من
يقبض ثمن القضية الفلسطينية، ولكن ما يسمى بـ «السلطة الفلسطينية» تقبض
أيضاً، وكذلك النخب في البلدان الثلاثة. فجل من يقبضون مرتبات في هذه الدول
(حتى لو كانوا ثورجية ومناضلين، بل حتى لو كانوا أعضاء في حماس او الجهاد
او الإخوان) يقبضون ثمن القضية، وعليهم أن يواجهوا هذه الحقيقة.
(6)
الإشكال
هو أن ثمن المساومة على فلسطين في هبوط مستمر. فعندما قرر السادات الخروج
من الصف العربي كان ثمن بيع القضية لا بأس به، لأن إخراج أكبر جيش عربي من
المعركة يتيح لإسرائيل الانفراد بالباقين. أما بعد دخول منظمة التحرير
السوق ثم الأردن، وهرولة الباقين، انهارت بورصة الخيانة. فقد أصبح بعض
أثرياء العرب يدفع من حر ماله حتى يحسب في زمرة المستسلمين، وبعضهم مثل
النظام السوري يلح ويستحلف أبناء العم بـ «وديعة رابين» المقدسة، فلا يجد
من يقبل منه الطاعة والاستسلام.
(7)
إنما
يحتاج العدو إلى عملاء في وجود خصم شرس يستعان بهم عليه. أما إذا كان
الجميع بين راكع وساجد، فما الحاجة إلى عملاء؟ لهذا كان عرفات رغم عيوبه
الكثيرة عاقلاً حين رفض إتمام مهمة تصفية حماس، لأنه كان يدرك تماماً إن
إسرائيل ما كانت لتتعامل مع «إرهابي» مثله لولا وجود حماس وأخواتها. حتى
مخابرات مصر أيام عمر سليمان كانت تلعب ورقة حماس مع إسرائيل. أما أغبياء
أيامنا هذه فقد ظنوا أن الإجهاز على حماس مما يقربهم إلى الصهاينة زلفى،
ولكنهم اكتشفوا بعد فشل «مبادرتهم» الأخيرة أنه لا قيمة لهم عند العدو ما
لم يكن لهم نفوذ عند «العدو» الحقيقي.
(8)
حتى
يستمر باب الرزق من بيع قضايا العرب، لا بد من وجود قضية ومدافعين عنها
حتى تكون هناك جدوى من تقديم عطاء شركات (أقصد دول) المقاولات الأمنية ـ
السياسية. ولكن نظام مصر القائم وشركائه يريدون ذبح الأوزة التي تبيض ذهباً
بتصفية القضية والقضاء على رافعي رايتها. ولو تم هذا فسيتذكر الجميع أن
السيسي دكتاتور كرتوني يقتل شعبه ويطالب بمليارات لا يستحقها مقابل ذلك،
وأن توفيراً كبيراً سيتحقق بالتخلص منه كما تم التخلص من موبوتو وحسين هبري
وأمثالهما. فمن مصلحة السيسي ومن شايعه أن تكون هناك حماس، وأن يكون
«إرهاب»، وأن تكون هناك إيران ونحو ذلك حتى يكون هناك طلب على الخدمات وثمن
مقابلها.
(9)
أفحم
القرآن الأعراب الذين امتنوا على الرسول صلى الله عليه وسلم إسلامهم بأن
ذكرهم بأن الله ورسوله في غنىً عن إسلامهم ولا يضرهم كفرهم شيئاً، بل الله
تعالى يمن على من صدق إيمانه بالهداية إلى الطريق المستقيم. بنفس المنطق لا
يحق لمن دافع عن حقوق أهل فلسطين وكرامة العرب وأمنهم القومي أن يمن على
الناس بذلك. فلو كان صادقاً فهذا شرف عظيم وفقه الله إليه، ولو كان كاذباً
مرتزقاً فالصمت أولى به.
(10)
الصمت
العربي هذه الأيام يصم الآذان، وهو صمت أبلغ من كل حديث. فالصامتون يقولون
بصوت عالٍ أنهم يخجلون من التعبير عن مشاعرهم الحقيقية التي تجللهم بعار
مستحق. وربما يكون هذا تقديراً منهم بأنهم لم يعودوا في حاجة للنفاق
والمتاجرة باعتبار أن الشعوب العربية قد أخضعت ودجنت، بحيث لم تعد هناك
حاجة لتكلف الكذب الذي يرهق هؤلاء كثيراً ويضجرهم. ولكن فيما عدا مصر
المحروسة فإن التبجح بالخيانة ليس خياراً في الوقت الحالي. وعليه كان الصمت
تعبيراً عن هذا الموقف المرحلي في انتظار وقت يصبح فيه التبجح ممكناً، لا
أبقاهم الله!
سودانايل
في مصر التي ينكل فيها بأطفال المدارس لو وجد معهم شعار رابعة، يزدحم
الإعلام بمن يرفعون شعارات الليكود دون أن يتعرض لهم أحد. وهذا يعني أنهم
يتحدثون بلسان سيدهم الذي لم يذكر غزة التي تحترق على حدوده في خطابين له
إلا بالمن على فلسطين بدعم مزعوم وتقديم الشهداء كما قال.
(2)
ليس
هذا وقت المجاملات والتجمل بوصف دولة قزمت نفسها وتحولت إلى إمارة فرع من
بعض إمارات الخليج بأنها كبرى. فالعرب بلا استثناء، ومصر على رأسهم، لم
يقدموا لفلسطين شيئاً، لا في أيام السيسي ولا من سبقه، بل إن فلسطين هي
التي قدمت لهم. من العرب من تاجر بفلسطين سياسياً، ومنهم من تاجر بها
مالياً، وليس الفرق بين الأمرين كبيراً، والكثير جمع الحسنيين.
(3)
ليس
ذنب الفلسطينيين أن الجيوش العربية المغوارة التي منعتهم من الدفاع عن
أنفسهم هزمت شر هزيمة. مصر تسملت غزة من الاحتلال البريطاني وسلمتها إلى
الاحتلال الإسرائيلي، وكان الاختلاف في الدرجة لا النوع بين احتلالين وما
بينهما. وبالتالي فإن مصر مسؤولة عن غزة أكثر من مسؤوليتها عن سيناء التي
سلمتها لإسرائيل مع غزة كاملة وتسلمتها ناقصة السيادة. ولم تكن مسؤولية أهل
غزة أن الجيش المصري الذي منعهم طوال فترة الحكم المصري عن الدفاع عن
أنفسهم فر وتركهم لمصيرهم. ولكن من الخزي على هذا الجيش الذي فر عن غزة
مرتين أن يصطف اليوم في جانب عدو كان هو من سلمهم له.
(4)
مصر
الناصرية استثمرت فلسطين سياسياً («الثورة» نفسها بررت بهزيمة فلسطين) ولم
تستنكف عن استثمارها اقتصادياً بطلب «الدعم العربي». ولم يكن صراع مصر مع
أمريكا والغرب حول فلسطين، وإنما حول تمويل سد أسوان والتسليح، كما أن حرب
1967 كانت سببها مغامرات النظام السوري الطفولية، ولم تكن فلسطين محورها.
فالدول العربية استثمرت في حروب اليمن والصراعات بينها أكثر مما استثمرت في
فلسطين.
(5)
مصر
ما بعد عبدالناصر تاجرت بالقضية مالياً، فقبضت من دول النفط ثمن «الدفاع
المشترك» قبل أن تقبض من أمريكا ثمن «الدفاع المشترك» مع إسرائيل بعد كامب
دايفيد. ولنكن واضحين أكثر، فإنه ليس النظامان المصري والأردني وحدهما من
يقبض ثمن القضية الفلسطينية، ولكن ما يسمى بـ «السلطة الفلسطينية» تقبض
أيضاً، وكذلك النخب في البلدان الثلاثة. فجل من يقبضون مرتبات في هذه الدول
(حتى لو كانوا ثورجية ومناضلين، بل حتى لو كانوا أعضاء في حماس او الجهاد
او الإخوان) يقبضون ثمن القضية، وعليهم أن يواجهوا هذه الحقيقة.
(6)
الإشكال
هو أن ثمن المساومة على فلسطين في هبوط مستمر. فعندما قرر السادات الخروج
من الصف العربي كان ثمن بيع القضية لا بأس به، لأن إخراج أكبر جيش عربي من
المعركة يتيح لإسرائيل الانفراد بالباقين. أما بعد دخول منظمة التحرير
السوق ثم الأردن، وهرولة الباقين، انهارت بورصة الخيانة. فقد أصبح بعض
أثرياء العرب يدفع من حر ماله حتى يحسب في زمرة المستسلمين، وبعضهم مثل
النظام السوري يلح ويستحلف أبناء العم بـ «وديعة رابين» المقدسة، فلا يجد
من يقبل منه الطاعة والاستسلام.
(7)
إنما
يحتاج العدو إلى عملاء في وجود خصم شرس يستعان بهم عليه. أما إذا كان
الجميع بين راكع وساجد، فما الحاجة إلى عملاء؟ لهذا كان عرفات رغم عيوبه
الكثيرة عاقلاً حين رفض إتمام مهمة تصفية حماس، لأنه كان يدرك تماماً إن
إسرائيل ما كانت لتتعامل مع «إرهابي» مثله لولا وجود حماس وأخواتها. حتى
مخابرات مصر أيام عمر سليمان كانت تلعب ورقة حماس مع إسرائيل. أما أغبياء
أيامنا هذه فقد ظنوا أن الإجهاز على حماس مما يقربهم إلى الصهاينة زلفى،
ولكنهم اكتشفوا بعد فشل «مبادرتهم» الأخيرة أنه لا قيمة لهم عند العدو ما
لم يكن لهم نفوذ عند «العدو» الحقيقي.
(8)
حتى
يستمر باب الرزق من بيع قضايا العرب، لا بد من وجود قضية ومدافعين عنها
حتى تكون هناك جدوى من تقديم عطاء شركات (أقصد دول) المقاولات الأمنية ـ
السياسية. ولكن نظام مصر القائم وشركائه يريدون ذبح الأوزة التي تبيض ذهباً
بتصفية القضية والقضاء على رافعي رايتها. ولو تم هذا فسيتذكر الجميع أن
السيسي دكتاتور كرتوني يقتل شعبه ويطالب بمليارات لا يستحقها مقابل ذلك،
وأن توفيراً كبيراً سيتحقق بالتخلص منه كما تم التخلص من موبوتو وحسين هبري
وأمثالهما. فمن مصلحة السيسي ومن شايعه أن تكون هناك حماس، وأن يكون
«إرهاب»، وأن تكون هناك إيران ونحو ذلك حتى يكون هناك طلب على الخدمات وثمن
مقابلها.
(9)
أفحم
القرآن الأعراب الذين امتنوا على الرسول صلى الله عليه وسلم إسلامهم بأن
ذكرهم بأن الله ورسوله في غنىً عن إسلامهم ولا يضرهم كفرهم شيئاً، بل الله
تعالى يمن على من صدق إيمانه بالهداية إلى الطريق المستقيم. بنفس المنطق لا
يحق لمن دافع عن حقوق أهل فلسطين وكرامة العرب وأمنهم القومي أن يمن على
الناس بذلك. فلو كان صادقاً فهذا شرف عظيم وفقه الله إليه، ولو كان كاذباً
مرتزقاً فالصمت أولى به.
(10)
الصمت
العربي هذه الأيام يصم الآذان، وهو صمت أبلغ من كل حديث. فالصامتون يقولون
بصوت عالٍ أنهم يخجلون من التعبير عن مشاعرهم الحقيقية التي تجللهم بعار
مستحق. وربما يكون هذا تقديراً منهم بأنهم لم يعودوا في حاجة للنفاق
والمتاجرة باعتبار أن الشعوب العربية قد أخضعت ودجنت، بحيث لم تعد هناك
حاجة لتكلف الكذب الذي يرهق هؤلاء كثيراً ويضجرهم. ولكن فيما عدا مصر
المحروسة فإن التبجح بالخيانة ليس خياراً في الوقت الحالي. وعليه كان الصمت
تعبيراً عن هذا الموقف المرحلي في انتظار وقت يصبح فيه التبجح ممكناً، لا
أبقاهم الله!
سودانايل
بقلم د.عبدالوهاب الأفندي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق