التجربـة الكوريـة الجنوبيـة لمـــــاذا؟ - روان للإنتاج الإعلامي والفني
بسم الله الرحمن الرحيم
التجربـة الكوريـة الجنوبيـة لمـــــاذا؟
بقلم:
بروفيسور/ زكريا بشير إمام
جامعة الخرطوم
مقدمة:
التجربة الكورية الجنوبية، لماذا؟ أي لماذا يستوجب علينا دراستها والاستفادة من الدروس والعِبَر المستنبطة منها:
الإجابة على هذا السؤال يتحقق بذكر الحقائق التالية:
1. أن كوريا الجنوبية، كما اليابان، خرجت من الحرب العالمية الثانية محطّمة تماماً.
2. وأنها بعد ذلك لم تكن تملك أي موارد طبيعية ذاتية تذكر (أكثر من سبعين في المائة من الجزيرة الكورية الجنوبية صحراء وتلال).
3.
التطوّر الاقتصادي والسياسي المذهل الذي حققته كوريا بين 1971- 1960) هو
قصة فائقة الروعة (Spectacular) وأنه ينبغي لنا –نحن في السودان- ونحن
نعاني من التخلُّف والفقر وبؤس التنمية أن نتعلَّم من تلك التجربة التي
استطاعت بها كوريا الجنوبية أن تخرج من نطاق الفقر والتخلُّف في حوالي
عقدين من الزمان أنحو ذلك:
المثاقفة وإستراتيجية التعلُّم من الآخرين:
المثاقفة والتعلُّم من الآخرين إستراتيجية الأذكياء والبرجماتيين. ومن هدي الرسول (صلى الله عليه وسلم)
"أن الحقيقة ضالة المؤمن أنّا وجدها أخذها فهو أحق الناس بها" أو كما قال، (صلى الله عليه وسلم).
هذه
الإستراتيجية هي التي أخذ بها الدكتور مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا
الأسبق وقائد نهضة ماليزيا الجديدة والتي أوشكت أن تصبح دولة متقدمة "وهي
بالتأكيد سوف تصبح كذلك في 2020 حسب الإستراتيجية القومية الماليزية التي
وضعها د/ مهاتير محمد نفسه"!
لقد ذكر الدكتور مهاتير أنه تعلم الكثير من التجربتين اليابانية والكورية الجنوبية.
لقد
تعلَّم من هذه التجارب الآسيوية الناجحة ما أسماه " The Work Ethics" عند
تلك الشعوب الفتية الناجحة وخاصة شعب كوريا الجنوبية وتتلخص الخصائص التي
تميزُ "أخلاق العمل، عند الكوريين الجنوبيين في الخصائص التالية":
1- حب الوطن والولاء الكامل الذي لا ينزع تحت أي ظرف من الظروف.
2- حب العمل والمثابرة فيه وتجويد الأداء Hard working Ethics
3- الإخلاص للمخدم ورعاية مصالحه، وكذلك فإن نقابات العمال لا تضرب عن العمل أبداً.
4-
في المقابل فإن أصحاب العمل يقيمون ما يشبه الشراكة بينهم وبين العمال
لديهم ولذلك فإنهم يعملون لإنصافهم في الأجور وفي ساعات العمل وفي تهيئة
بيئة العمل. وكذلك يسعون لرعاية أُسر العمال وأطفالهم.
5- الالتزام الكامل بالنظام وقوانين العمل بلا هوادة.
يقول
الدكتور محمد مهاتير أن ما سماه (Work Ethics) يلعب دوراً حاسماً جداً في
نهضة الشعوب أو عدمها. فإن كان (أخلاق العمل إيجابية وتقدمية –كما هو الحال
في كوريا الجنوبية واليابان- فإن النهضة تتحقق بسرعة فائقة). ويقول د.
مهاتير إنه لم يشعر بأي حرج في تبني (أخلاق العمل عند الكوريين الجنوبيين)
وأنه حاول –بقدر كبير من النجاح- تطبيقها في المجال الماليزي.
ويقول د. مهاتير محمد: أنهم –في جنوب شرق آسيا، وفي ماليزيا خاصة، قد تبنّوا شعارين مهمين:
1) إستراتيجية الاتجاه إلى الشرق
The look- East Strategy.
2) والشعار التالي هو إستراتيجية التعلُّم من بعضهم بعضاً في دول جنوب شرق آسيا.. وفي كلمات مهاتير أنهم كانوا
They were Models for each other.
وفي
إطار سياسة المثاقفة والتعاون والتعليم الجماعي (Modeling for each other)
كانت ماليزيا قد رأت أنه من الخير في مجال التعاون الجماعي من دول
المنطقة، وخاصة اليابان وكوريا الجنوبية، أن تتبع سياسة The Win – Win
Strategy أي إستراتيجية
The Zero – Sum Strategy
وهي
الإستراتيجية التي تسعى لتحقيق الربح لكل الشركاء، دون المحاولة لإلحاق
الخسارة بالشركاء، فإنه من الأوفق أن توضع سياسة تفيد وتربح من جرائها
الجميع. وهي نفس السياسة التي عبَّر عنها د. مهاتير بشعار:
Prosper –Thy- Neighbor
وهو
الشعار الذي يدعو إلى مراعاة الحقوق المشروعة للشركاء والتجاريين... فإنه
من مصلحة ماليزيا مثلاً أن تقوم شراكتها مع اليابان أو مع كوريا الجنوبية
على أساس تحقيق المصالح للجميع، فإن ذلك أدعى إلى استدامة تلك الشراكات إذ
أن الكل منتفع بها ولا أحد يضار من جراء تلك الشراكات (win- win- strategy)
أو The zero – sum strategy
فإنه
من مصلحة ماليزيا أن تستمر اليابان أو كوريا الجنوبية في التعامل التجاري
والتعاون الاستثماري مع ماليزيا، لأنها ما زالت مستفيدة من هذا التعاون
وهذه الشراكة. وهذا ينطبق على باقي الدول في المنطقة، فإنه من مصلحة
ماليزيا أن يستفيد دول جنوب شرق آسيا من التعامل التجاري الاستثماري معها
وهذه هي إستراتيجية (أربح/ أربح) win- win strategy أو إستراتيجية مجموع
الصفر (Zero- sum strategy).
وبالمقابل
فإن إستراتيجية الدول الغربية الرأسمالية في التعامل مع دول العالم الثالث
كانت إستراتيجية- ما أسماه مهاتير: The Beggar Thy Neighbor Strategy - أي
إستراتيجية (أفقر جارك أو من يتعامل معك –وذلك بإعطائهم معاملات خاسرة)
-وكما بيّن ذلك د. مهاتير- فإن هذه الإستراتيجية هي –في نهاية المطاف- مضرة
بالجميع.. وفيها فالجميع خاسرون، لأن الدول من العالم الثالث تصبح أكثر
فقراً وبالتالي لا تستطيع أن تصبح شريكاً تجارياً للدول الغربية الغنية إذن
فالجميع يخسرون..
ونرجع إلى الحديث عن تجربة كوريا الجنوبية: وينبغي أن توضح منذ البداية أن تلك التجربة كانت نتاج عدة عوامل:
- سياسية وقيادية،
- اجتماعية وثقافية،
- إقتصادية وضعت هدفاً أسمى للحراك الاقتصادي نحو إحداث ثورة صناعية.
- كما كانت نتيجة عوامل أخلاقية ووطنية ومنها:
1) إعلاء قيم الولاء للوطن وإعلاء قيم أن المصلحة الجماعية أو مصلحة الجماعة والوطن تأتي قبل مصلحة الأفراد وتعلو عليها.
2)
أن ترشيد الصرف ومحاربة الإسراف والتبذير وحتى محاربة الاستهلاك المسرف
كانت حجر الزاوية في قدرة القيادة السياسية، تحت قيادة الرئيس الجنرال
(بارك) (Park).
(Park
Curing Hee) تكوين رأسمال مقدر لانطلاقة الخطة الخمسية التي وضعها لتحريك
الاقتصاد الكوري الجنوبي (1966- 1962) ولقد كتب الجنرال (بارك) موضحاً
فلسفته الاقتصادية على النحو التالي(1):
"في
حياة الناس، فإن الاقتصاد يتصدر ويستبق كل من السياسة والثقافة وأُريد أن
أوضح وأؤكد المرة تلو المرة أن الهدف الأساسي في ثورتها العسكرية في مايو
في السادس عشر. كان هو التحول الصناعي وإحداث ثورة صناعية في كوريا.. وحيث
أن الغاية الأساسية للثورة أن تحدث نهضة، فإن الثورة كانت تخطط لإحداث
إصلاح سياسي اجتماعي وثقافي كذلك.. ولكن فإن اهتمامها الأساسي (يقول
الجنرال بارك) هو إحداث ثورة إقتصادية: فإن الاقتصاد يأتي على رأس
الأولويات: لأن الفرد ينبغي أن يؤمِّن عيشه وأن يؤمِّن حريته كذلك: (لأنه
يحتاج أن يؤمِّن مطعمه وأن يتنفس بحرية قبل أن يشغل نفسه بالسياسة أو
الأحوال الاجتماعية أو الأحوال الثقافية)(2).
لقد
خدم الجنرال (بارك) Park، في الجيش الياباني قبل أن تنال كوريا الجنوبية
استغلالها من الاحتلال الياباني ولقد تعلَّم من خبرته في العمل في الجيش
الياباني، لقد تعلَّم الجنرال (بارك)، خصوصاً أثناء دراسته في الأكاديمية
العسكرية اليابانية مباديء:
(1) الولاء المطلق للوطن.
(2) العمل على نهضة الوطن ورفعته.
(3) تقديم مصلحة الأمة والجماعة على مصالح الأفراد وحتى الأسرة.
وعندما
تولّى (بارك) الحكم، على إثر انقلاب مايو 16 عام 1961، آلى على نفسه بناء
كوريا الجنوبية حتى تكون دولة قوية جواً ووطناً متقدماً..
(1) ركَّز على بناء إقتصاد حر يقوم أساساً على التصنيع.
(2) وأن يكون موجهاً للتصدر، لا للاستهلاك المحلي، في المقام الأول.
(3)
كذلك عمل على تشجيع (الجيبول Chaebol) (الأسر والشركات والعشائر الوطنية
صاحبة الأموال والأملاك العقارية) على تجميع أموالها معاً، حتى يكون لديها
رأس وطني كبير لبناء المصانع والشركات الكبيرة.
(4)
ولكن بالرغم من ذلك، فقد كان الاقتصاد الكوري الجنوبي يعتمد على كثرة
الأيدي العاملة، على الأقل في بداية الأمر، وفي بداية تنفيذ الخطة الخمسية
الأولى (1966- 1961) اعتمد أساساً على وفرة الأيدي العاملة الرخيصة نوعاً
ما إذا ما قورنت باليابان.. ولذلك يمكن وصف الاقتصاد الكوري الجنوبي في
الخطة الخمسية الأولى بأنه كان (Labor – intensive)!!
(5)
كذلك لجأ الجنرال (بارك) إلى تأميم كل البنوك الوطنية في كوريا الجنوبية
وفرض عليها سياساته الاقتصادية المتمثلة في ضرورة التحوّل الصناعي
(الرأسمالي) الحر .. والذي كان يعتمد ليس فقط على الرأسمالية الوطنية
المتمثلة في (الجيبول) بل أيضاً في تشجيع الاستثمار الأجنبي إلى أبعد حد..
ولقد ساهمت سياسة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة واليابان، من جانب،
والاتحاد السوفيتي من جانب آخر إلى تدفق رؤوس الأمور الأمريكية واليابانية
على كوريا الجنوبية والتي كانت متحالفة مع العالم الحر (أمريكا وأوروبا
واليابان) في مقابل كوريا الشمالية المتحالفة مع الإتحاد السوفيتي.
(6)
وكانت السياسة الوطنية التي تبناها الجنرال (بارك) هو توجيه بنوك الدولة
(وقد كانت البنوك في ملكية الدولة بعد سياسة التأميم) إلى تمويل الجيبول:
Chaebol. وهكذا فإن أعضاء هذا (الجيبول) أمثال:
1- سامسونج Samsung Group
2- مجموعة ل. ج. (L. G Group).
3- الهونداي وكيا: The Hyundai and Kia Group
4- س. كي S.K Group
5- إن إتش نن غيوب N H Nonghyup
وغيرها
من الشركات الوطنية الكورية، وهي ستة شركات أخرى تستأثر بنصيب الأسد من
التمويل المالي من البنوك الوطنية المؤممة بواسطة الدولة، إلى جانب
رأسمالها الخاص بها.
إقتصاد المعرفة:
اعتمدت كوريا الجنوبية –في ثورتها لتحقيق التحوّل الصناعي، اعتمدت "إقتصاد المعرفة"، فما هو اقتصاد المعرفة؟!
إقتصاد
المعرفة هو الاقتصاد الذي ينبني على المعرفة من ناحية عامة، وعلى المعرفة
التقانية من ناحية عامة، وهو كما يبنى على التخطيط الاستراتيجي الذي يعتمد
هذا التخطيط للانتقال من اقتصاد الندرة والفقر والتخلُّف إلى اقتصاد الوفرة
والرفاه والتقدُّم، ذلك إن التحوّل الصناعي يضاعف أثمان المواد الخام
ويكسبها قيمة إضافية، كما أنه يخلق وظائف ضخمة جداً وبذلك يقضي على البطانة
بدرجة كبيرة، وعندما تكون إستراتيجية التحوّل الصناعي هي إستراتيجية
العمالة المكثفة (Labor- Intensive) فإن ذلك معناها الاقتراب من درجة
التشغيل الكامل للقوى العاملة الوطنية وهذا من شأنه أن يحارب الفقر ويزيد
من نسبة (الـ percapita income)، أي يزيد من دخول الأفراد وهذا من شأنه
تعظيم الثروة القومية ومحاربة الفقر والبطالة.
من أجل ذلك أنشأ الجنرال (بارك) جامعتين تقانيتين متميزتين هما:
1- Korea Institute for Science and Technology (K I S T I 1966)
معهد كوريا للعلوم والتكنولوجيا
2- Korea Development Institute (kDI, 1971)
معهد كوريا للتنمية.
ولقد رصد الدكتور جنسولي Dr. Jinsoo Lee ثلاثة أسرار من أسرار نهضة كوريا الجنوبية البديعة هذه الأسرار الثلاثة هي:
1)
التركيز (Focus) على بعض الصناعات بعينها وعدم الانتشار الواسع والتوسع
بلا تخطيط، بل كانت الإستراتيجية هي اختيار بعض الصناعات، بدقة متناهية،
للتركيز عليها وجعلها أولويات (التحوّل الصناعي).
وكان الجنرال (بارك Park) يقول:
We will win nothing when we try to win every thing.
إننا لن نكسب شيئاً واحداً عندما نحاول أن نكسب كل شيء!!
وهذه
هي إستراتيجية التركيز الصناعي الذي اعتمدتها كوريا الجنوبية وهي تسعى
لتحقيق التحول الصناعي، فكان اختيار بعض الصناعات ذات الميزة أو الأفضلية
التنافسية، كأن يتوفر لها الأيادي العاملة الماهرة أو تتوفر لها أسواق إما
في الداخل أو الخارج. أو يتوفر لها التمويل اللازم. ويقول الدكتور (لي Dr.
Lee) أن هذا هو (السر الأول) من أسرار التحول الصناعي المذهل الذي أحدثته
كوريا الجنوبية في مدة قصيرة لم تتعد العشرة سنوات (من 1960 1971).
2) أما (السر الثاني) من أسرار النمو الاقتصادي الهائل الذي أحدثته الثورة الكورية بقيادة الجنرال (بارك).
3)
أما (السر الثالث) وهو الأكبر والأهم وهو سياسة التحفيز المالي والأدبي
التي اتبعها الجنرال (بارك) ويقول الدكتور (لي) Dr. Lee أن هذا السر هو
العامل في تحويل وتعبير العمال والشغيلة الكورية الجنوبية والتي كانت
معروفة بصفات:
1- الكسل والتسيُّب واللامبالاة.
2- إدمان شرب الخمور والمسكرات.
3- القمار والتسكُّع.
4- إدمان الفشل والفقر.
وأن
سياسة التحفيز المالي والأدبي (Incentives) للذين يسعون بنشاط وهمة عالية
للعمل وينجزون الأعمال في أسرع الأوقات وعلى درجة عالية من الجودة، هي التي
ساهمت في النمو الاقتصادي الهائل الذي حققته كوريا الجنوبية تحت قيادة
الجنرال بارك (Dr. Park).
لقد
تحوّل عمال كوريا الجنوبية من حالة إدمان الفشل والتسيُّب والفقر ومعاقري
الخمور والمسكرات وكذلك الانغماس في لعب القُمار لمعظم أوقات السنة..
تحوّلوا إلى عمالة وطنية تنشد إتقان العمل وتكثيفه والاجتهاد والمثابرة في
خدمة الوطن والأمة! عملاً متواصلاً ولساعات طويلة وكذلك المثابرة على تحسين
العمل وإتقانه وهكذا تحولت الجماهير العاملة من عادات الكسل ومعاقرة
الخمور ولعب القمار إلى العمل الجاد والإنجاز المتواصل من أجل رفعة الوطن
والمواطن وتحقيق معدلات مذهلة من النمو الاقتصادي والتطور الحضاري والعلمي.
حتى أصبح دخل المواطن أكثر من عشرين ألف دولار في السنة في عام 2007،
بدلاً من 100 دولار في عام 1961م!
ومن
مظاهر "اقتصاد المعرفة، أن الجنرال (بارك) أخذ يرسل الآلاف من العمال
المهرة في مجال عمالة المناجم (Miners) وكذلك عمال المصانع الكبيرة إلى
البلاد الأوروبية واليابان لمزيد من إتقان العمل والانخراط في المشروع
النهضوي الكوري الجنوبي ولقد اتبعت في سبيل ذلك أكثر من 5000 من عمال
المناجم و2000 من الممرضين للتدريب الماهر في أوروبا واليابان.
ويعتبر
مجال "بناء القدرات" Capacity Building" في شتى أنواع المهن والأعمال من
كبير أسرار التحوّل الصناعي الكوري الجنوبي... ومن ذلك ابتعاث الآلاف من
الطلاب من ذوي القدرات العالية إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية
وكذلك إلى اليابان لكسب المزيد من العلوم التقانية التطبيقية وكذلك
التكنولوجيا المتقدمة في الصناعات التي يراد تطويرها في كوريا الجنوبية
وحسب سياسة التركيز (Focus) فلقد كانت هنالك صناعات معيّنة كانت لها
الأسبقية ومن ذلك صناعات:
1)
الإلكترونيات (Electronics) كالحاسوب والسلافون (Mobile) وصناعات المعدات
الكهربائية المنزلية.. ثلاجات، مكيفات، غسالات، مكاوي...الخ وهي الصناعات
التي تخصصت فيها شركات Samsung
2) صناعات السيارات: شركة هونداي وشركة كيا.
3) صناعة الحديد الصلب (Steel) وشركة (Posco).
4) صناعة السفن وشركة هونداي للصناعات الثقيلة Innovation.
5) صناعات الكيماويات وشركة SK
ولقد
كان الإنفاق الحكومي وكذلك التمويل من البنوك المؤممة يذهب أولاً لدعم تلك
الصناعات التي اعتمدتها (إستراتيجية التحوّل الصناعي) لأسبقيات، ضمن
سياسات التركيز الصناعي: "Industrial Focus" ولم يكن هنالك مجال للإنفاق
على الكماليات أو على إنتاج السلع الاستهلاكية، بل كان الإنفاق الحكومي على
البحث العلمي المرتبط بالتنمية الصناعية (R.D) هو صاحب الأسبقية الأولى
بلا منافس (An Absolute Top Priority) وكان هذا الإنفاق يعادل أكثر من
ثلاثين في المائة من الدخل القومي وهذا جزء من مفهوم "اقتصاد المعرفة" وكان
البحث العلمي يندمج ويتسق مع إستراتيجية الدولة في التحوّل الصناعي وبناء
القدرات التقانية العالية والذي كان واحداً من أعظم أسرار التطور المذهل
الذي أحدثته كوريا الجنوبية في عقدين فقط من الزمان.
ولقد
كان السر الآخر هو سر التحفيز "Motivation" فإن الأشخاص من ذوي القدرات
العالية والذين ينجزون أعمالاً. كانوا يتلقون الحوافز الكبيرة مادياً
وأدبياً، أي في الترقيات والترفيع المهني!!
أما
السر الثالث في التجربة الكورية الجنوبية المذهلة هو الاتفاق التام بين
الدولة والقطاع الخاص بل التوحد الكامل بينهما على تحقيق الهدف القومي
الأعلى وهو أن تلتحق كوريا الجنوبية بنادي الدول المتقدمة والخروج من نطاق
الدول النامية (أي الدول غير الصناعية) .. وكان الولاء والتصميم على تحقيق
هذا الهدف يمثل الحُلم القومي والأنشودة الوطنية الأولى لكل قطاعات الشعب
الكوري بلا منازع أو منافس.
ولم يكن التوحد المطلق حول الهدف الأقصى وحده هو الذي تحقق.. بل كان الاتفاق والتوحد يشمل الوسائل كلها وكذلك الإجراءات:
(1) أولاً الاتفاق على أن الوطن فوق الجميع.. حكاماً ومحكومين.
(2) كان الاتفاق أن يتجه المال كله نحو الإنتاج الصناعي الإستراتيجي المتمثل في التحوّل الأعظم نحو الصناعات الإستراتيجية.
فكانت
الدولة وكذلك الشركات الكبرى (حوالي عشرة شركات وطنية) تموّل هذه الصناعات
الإستراتيجية حصراً ولا يسمح بتمويل الإنفاق البذخي أو الاستهلاكي إلا في
أضيق الحدود.
(3) كذلك كان الاتفاق على إتباع سياسة الادخار والتوفير للمال: المال العام الحكومي.. وكذلك المال الخاص لدى الشركات العظمى.
(4) كذلك كان الاتفاق أن تندمج الشركات الصغرى في الشركات الكبرى.
(5)
وكان الاتفاق كذلك على أن تقوم البنوك المؤممة على تمويل الأعمال
والمشروعات الصناعية المتفق عليها حصراً وبلا استثناء، كما أمرت العوائل
الثرية على إنشاء محفظات لوضع كل إدخاراتها في خدمة الخطة القومية الكبرى..
والتي حُدِّد لها خطتين (حوالي العشرة سنوات).
ولا
شك أن الاستثمارات الأمريكية واليابانية وكذلك الأوروبية قد ساهمت إسهاماً
مقدراً في تحقيق "الحُلم الكوري الجنوبي العظيم في التحوّل العلمي
والصناعي". ولكن لا بد من الجزم أن السر الأعظم في ذلك والعامل الأكبر يرجع
إلى حكمة الجنرال (بارك: Park) وحكومته في وضع فلسفة التحول الصناعي وفي
ابتداع رؤية أن كوريا قادرة على اللحاق بركب الأمم الصناعية المتقدمة في
أقل من ثلاثة عقود!
وهكذا، فإن أهم النجاحات وراء التطور المذهل لكوريا الجنوبية يتمثل في النجاحات التالية:
(1)
أولاً: تحقيق الوحدة الوطنية والوفاق الشامل لكل فئات الشعب، فلم تكن هناك
حكومة ومعارضة فيما يتعلق باعتماد الإستراتيجية الكبرى والعمل على تنفيذها
وفي وقت قياسي.
(2)
ثانياً: لم تكن الدولة تتدخل في النشاط الاقتصادي والصناعي إلا من حيث وضع
السياسات العامة والإستراتيجيات الكبرى ووضع الخطط والمشاريع واعتماد
الميزانيات ومتابعة مراحل التنفيذ وتوفير الأماكن والموارد المالية
والبشرية الضرورية لذلك التنفيذ.. وكانت الخصخصة كاملة وبمعنى أن الشركات
الوطنية المعتمدة لدى الدول (حوالي عشرة شركات كبرى) هي التي تضطلع لمهام
الإنتاج الصناعي تمويلاً وإدارةً وتسويقاً.. ولكن كانت الدولة تتدخل في
الأحوال الضرورية للمساعدة ولتدعيم تلك الشركات والمساعدة في إسداء النصح
والتوجيهات والتصحيح إذا لزم الأمر.
(3)
وفي المقام الثالث كان الإنتاج موجهاً للتصدير وليس للاستهلاك المحلي..
وذلك لتوفير العملات الرأسمالية والأموال الأجنبية للاستمرار في تمويل
مدخلات الإنتاج من مواد خام أو خبرات أجنبية (يلاحظ هنا أن كوريا الجنوبية
لم تكن تملك أي موارد طبيعية تذكر..).
(4)
ورابعاً: ينبغي أن ننوّه أن كوريا الجنوبية وحيث لم تكن تملك أي موارد
طبيعية اتجهت بالكامل إلى تنمية الموارد البشرية وبذلك من خلال التعليم
المتميز (Quality Education) وكذلك بالتدريب المتقدم والمستمر في جوانب
العلوم والتقانة وكذلك الإدارة والاقتصاد والمحاسبة.. وهذا ما يتعارف عليه
اليوم "باقتصاد المعرفة: Knowledge Economy
لقد
ابتعثت كوريا الجنوبية الآلاف من الطلاب ذوي القدرات العقلية والعلمية
المتقدمة وكذلك الآلاف من العمال ذوي القدرات المهنية العالية.. ابتعث بهم
إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان وغيرها من بلدان العالم.
ونذكر
هنا أن كوريا الجنوبية أخذت بنظام السكة حديد في السودان في بداية
الستينات من القرن الماضي.. وكذلك اقتبست كوريا الجنوبية من نُظُم الخدمة
المدنية في السودان وكذلك بعض الخبرات في الزراعة والمؤسسات الصناعية..
وعندما عاد أولئك المبعوثون إلى كوريا الجنوبية كان همهم ليس المرتبات أو
المخصصات المالية ولكن كان همهم إنجاح البرنامج الوطني للتحوّل الصناعي
واللحاق بالدول المتقدمة.. ولكننا نلاحظ أن الشركات الوطنية الكبرى كانت
تهتم بأحوال أولئك الخبراء والفنيين الوطنيين العائدين من الخارج.. حتى أن
تلك الشركات كانت تقوم برعاية أسرهم وأطفالهم وطرق إسكانهم ومعيشتهم وحتى
تعليم أبنائهم في مدارس متميزة.. وهذا جزء من الحكمة الكورية التي أسهمت
بقدر كبير في إنجاح البرنامج الوطني للتحول الصناعي واللحاق بالدول
المتقدمة الكبرى. ويذكر في هذا المقام أن العاملين في تلك الشركات لم
يكونوا يشعرون بأنهم مجرد عمال أو موظفين في تلك الشركات، بل كانوا على
العكس من ذلك –يشعرون بأنهم شركاء كاملين في تلك الشركات.. وكانت هذه
الشراكة شراكة حقيقية إذ أنهم كانوا ينالون قسطاً مقدراً من أرباح تلك
الشركات وكانوا يشاركون في الرفاهية التي تتيحها الشركات للمدراء والعمال
والخبراء على قدم المساواة والتسوية، فلم تكن الفروق المالية كبيرة جداً
بين المديرين والعمال الخبراء والفنيين..
لقد
استطاعت كوريا الجنوبية، في الفترة من 1960 إلى 1970 وتحت قيادة الجنرال
المستنير الجنرال بارك (Gen. Park) تحقيق ما عرف بمعجزة بنهر الهان (The
Han River).. وهي المعجزة التي نقلت كوريا الجنوبية:
• من أحضان الفقر إلى سعة العز والرفاهية.
• ومن التخلف إلى امتلاك ناصية التقانة الصناعية المتقدمة.
•
ومن اقتصاد زراعي متخلّف إلى مجتمع صناعي احتل المرتبة السابعة عشر من بين
أكبر اقتصاديات العالم في ما بعد عام 2000م. وكوريا الجنوبية اليوم عضو
مهم في مجموعة العشرين قطر الأكبر تقدماً (The G 20):
- فأصبحت أربعة عشر شركة كورية جنوبية ضمن الخمسمائة شركة الأولى في العالم
The first 500 Companies
- وأصبحت الماركات التجارية الكورية الجنوبية وهي:
- Samsung:السامسنق
- Hyundai: الهنداي
- L.G: الـ ل. ج
أصبحت هذه الماركات التجارية الصناعية ضمن المائة ماركة الأولى في العالم.
(The first 100 Trade marks in the World).
- وأصبحت أربعة وسبعين سلعة أو منتج ضمن السلع التي تربعت في المرتبة الأولى في أسواق العالم.
ومعجزة
نهر الهان The Han River هي أن شواطيء هذا النهر في عام 1980م لم تكن أكثر
من بيوت الحديد والصفيح. وكلها اليوم عمارات رائعة التصميم وهي من بين
أجمل ناطحات السحاب في سيول (The high Rise).
ولقد ذكر الدكتور/ جنسولي:(1) Jinsoo Lee
"أن الرئيس الجنرال بارك عزا نهضة أو معجزة نهر الهان إلى ثلاثة أسرار هي:
(1)
التركيز (The Focus)، بمعنى تركيز أنواع محددة من الصناعات الإستراتيجية،
ومنها: السيارات، السفن، الإلكترونيات، الحديد والصلب والبتروكيماويات".
(2) التحفيز (Motivation) بمعنى تحفيز من ينجز وفصل من يفشل في الإنجاز.. مع تحفيز المدراء والشركات الناجحة أدبياً ومادياً.
(3)
والسر الثالث هو بناء القدرات Capacity Building بمعنى ابتعاث الآلاف من
الطلاب من ذوي القدرات العلمية والأكاديمية الفائقة إلى الولايات المتحدة،
أوروبا واليابان وكذلك ابتعاث العمال من ذوي المهارات العالية جداً إلى
اليابان وألمانيا وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، لمزيد من التأهيل
الأكاديمي والتقاني ومن أجل الحيازة على مزيد من المهارات الصناعية
والإبداعية، وهذه هي "إستراتيجية اقتصاد المعرفة" التي أشرنا إليها أعلاه
والتي تبناها الجنرال (بارك: Park) ليعوِّض بها عن نقص الموارد الطبيعية
التي عانت منها كوريا الجنوبية.. ولقد استفادت كوريا من المبعوثين العائدين
بأعلى أنواع التأهيل والتدريب العلمي والصناعي وذلك بتبني سياسة شفافة في
التوظيف والاستبعاد في الوظائف الأكاديمية والصناعية والإدارية العليا..
فكان الاعتبار الأول والأساس هو: سياسة التعيين حسب الكفاءة وحدها. وبذلك
استطاعت كوريا (الجنوبية) أن تؤسس بيروقراطية أكاديمية وصناعية وإدارية
مبنية على الكفاءة وحدها، وهو ما أسماه الدكتور/ جنسو لي (Jinsoo Lee)
A Merit – Basel Bureaucracy
فمنذ
1963 وضع الجنرال بارك سياسة التعيين وفق نتائج امتحان الدخول (إلى الخدمة
الحكومية) ولكن الحكومة وحتى الشركات الوطنية من القطاع الخاص كانت تعقد
لامتحان دخول الخدمة.
Civil Service Entrance Examination
فكان
خريجو الجامعات الكبرى يتنافسون وفق نتائج هذا الإمتحان.. ولم تكن تجدي أو
واسطات أخرى من أجل التعيين في الحكومة والشركات عبر نتائج هذا الامتحان.
وكان
نوّاب الوزراء وحتى الوزراء يأتون من كوادر الخدمة المدنية، والذي دخلوا
بها وترقوا فيها حسب تلك الامتحانات.. وحسب التمييز والكفاءة والأداء
المتميز وحده..
وكان
الرئيس (بارك Park) يختار الأشخاص المتفوقين في تلك الامتحانات. وكان يعهد
إليهم في ثقة كاملة بكل المسئوليات ولا يتدخل في اختصاصاتهم وتفويضاتهم،
وكان يكافيء الذين ينجزون المهمات التي تسند إليهم بكفاءة واقتدار وذلك
بترقيتهم وتثبيتهم في الخدمة والإشادة بهم وتحفيزهم أدبياً ومادياً، فإن
التحفيز كان أحد أسرار وركائز منهجية الرئيس (بارك)!
كان
يعقد مجالس لتقويم أداء الوزراء وكبار المسئولين كل ستة أشهر... ومن يثبت
فشله أو ضعف أداءه فإنه يفصل من العمل بلا محاباة أو تردد!
فكان
هنالك إجراءات لمكافحة الفساد المالي والإداري وذلك بإبقاء الموظفين الذين
يتميزون بالأمانة وعفة اليد في الخدمة حتى بعد فترة الإحالة إلى المعاش.
وكان من واجبات وكالات المخابرات الوطنية التي تراقب الأداء الوظيفي
وتُبلِّغ عن الفاسدين مالياً أو إدارياً.. وكذلك كان من واجب أجهزة الإعلام
أن تراقب الأداء الوظيفي لمنسوبي الحكومة والشركات على السواء!!
خاتمة هذا الجزء:
لقد لخَّص الدكتور/ جنسو لي Jinsoo Lee الأسباب الكبرى في نجاح كوريا الجنوبية في تحقيق معجزة نهر الهان في الكلمات المالية
“
If Someone asks why Korea developed so fast in the 1960s and 1970s,
then we answer by saying: the government had a Right Focus, and
Motivated People and Competent firms to contrive in Right direction, and
all this” Was “made possible by a Visionary Leader General Park, and
Competent Civil servants”
كوريا بعد انهيار الأسواق الآسيوية 1973م
ولقد
تعرضت كوريا الجنوبية، كسائر بلدان جنوب شرق آسيا إلى كارثة انهيار أسواق
الأوراق المالية والأسهم والسندات المالية في عام 1997م. وانتكس الاقتصاد
الكوري الجنوبي من نسبة نمو تفوق السبعة في المائة (7%) إلى نسبة نمو سالبة
يُقال إنها بلغت ناقص السبعة في المائة (-7%).
ولكن
كانت كوريا شديدة الخطر إذ تولى الحكم رجل علية في الكفاءة والإخلاص وكذلك
كان رجلاً يؤمن بالديمقراطية وبالحكم الرشيد وهو المستر كيم دي جنج (Kim
Dae- Jung)(1) خريج جامعة كمبردج بتفوق، والذي نال جائزة نوبل للسلاح فيما
بعد. وكان المستر (كيم: Kim) رجل اقتصاد من الطراز الأول.. وكان يؤمن
بالإصلاح الاقتصادي.. وعندما تولى الحكم في 1998م كان الاقتصاد الكوري
منزلق إلى (-7 Percent)، بعدما كان ينمو بنسبة (+7 percent) قبل الانهيار
الاقتصادي في الأسواق المالية الآسيوية في عام 1997م.
لكن
بالرغم من شخصية الرئيس الديمقراطي الذي حكم بعد انهيار الأسواق الآسيوية،
فإن آثار ذلك الانهيار استمر في العقود ولم تستطع جهود الرئيس (كيم Kim)
أن توقف التدهور واستمرار الخسائر في شركات الجيبول (Chaebol) الكبرى،
مثلاً Daewoo Motors (الداييو) أو حتى الهنداي The Hyundai
لقد
كانت الهاينداي من أكثر شركات (الجيبول) التي تأثرت واهتزت نتيجة انهيار
الأسواق المالية في جنوب شرق آسيا في عام 1997م. ولكن المرء يلاحظ أن شركات
(الجيبول) قد استطاعت توفيق أوضاعها –خصوصاً بعد الدعم الكبير الذي تلقته
من حكومة كوريا الجنوبية، ومن بنوك الدولة والتي هي بدورها تأثرت كثيراً
بانهيار سوق الأوراق المالية في آسيا في 1999م ومما يلاحظ أن هذه الشركات
الآن قد عادت لاحتكار أسوق السيارات و(الهنداي) وكذلك أسواق الإلكترونات
(سامسونج Samsung) وكذلك أسواق صناعة السفن.
لكن
الجديد في النمو الاقتصادي الكوري الجنوبي هو بروز شركات جديدة في مجال
تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية، فبحسب مقال الدكتور/ (ماركس نولاند:
Marcus Noland)(1)، فإن النمو الجديد في الاقتصاد الكوري الجنوبي –بخلاف
شركات (الجيبول)- هو في مجال تكنولوجيا الاتصالات المعلوماتية:
Dr. Noland writes:
“The
advent of information technology is changing the structure of the South
Korean economy. Given the rigidities and uncertain future of the
(Chaebol), there has been an upsurge in start- up activity and initial
Public offerings in the Stock market. In 2000, according to a survey
jointly conducted by the London Business School and the Babson College
nine percent of Adults in South Korea were owing or managing new firms,
by far the highest in the World! (The United States was Second, as less
than 5 percent own such firms)”.
Dr
Noland Seems to have a pessimistic opinion as to the future economic
promise of the old comprise, comprising the famous Chaebol, which were
the major creative actors in the Han River Miracle of Korea economic and
Industrial revolution of the 1960s and 1970s! Be that as it may, the
new electronic revolution of South Korea is no less significant than the
Han River industrial revolution achieved by the Chaebol, but it is a
new promising addition to the success of the Korean People, if compared
by nations that were more developed than South Korea in 1960: consider
the cases of Sudan, and ever Egypt which was, in 1900, almost in the
same industrial and technological rank as Japan.
But
South Korea were fortunate to have an enlightened leader and a visional
elite, in 1960s, whereas Sudan and Egypt did not have such a visional
leaders..
South
Korea discovered the magic of strategic planning, and that very high
reform was achiever if they were carefully followed and implemented,
whereas, both Sudan and Egypt, unfortunately did discover the magical
significance of strategic planning, South Korea, not only discovered and
adopted the technique of Strategic planning but they created well
-designed mechanism to secure the careful and strict implementation of
the Strategic plans. Once they were worked out and prepared, the
strategic plans they adopted and worked- out can be described as SMARTER
strategic plans, because they were Smarter, i.e
S = Specific Plans’
M = Measurable “ ‘
A = Applicable “ ‘
R = Realistic “ ‘
T = Time – Bound “ ‘
E = Extendable “ ‘
R = Rewarding “ ‘
So,
the President himself General Park used to follow the execution of
these strategic plans by himself, and he used to monitor the matter
every six months!
Facts and Statistics about 12
The River Han revolution and the
Role of the Chaebol, in achieving it
الجدول
أدناه، هو مقتبس من مقال الدكتور/ جنسو لي (Jinsoo Lee)، عن العشرة سلع
الرئيسية التي تتصدر صادرات كوريا الجنوبية منذ عام 1960م وإلى عام 2000م.
ويلاحظ أن تلك الصادرات كلها (ما عدا الأرز والسمك) وهذه توقفت بعد عام
1980م... واستمرت الصادرات الصناعية.. ولذلك لأن كوريا الجنوبية لا تمتلك
أي موارد طبيعية تذكر ولكن هذا الجدول لا يظهر الصادرات الإلكترونية
الجديدة المتمثلة في صناعة رقائق الحاسوب.
Computer Clips (Hard and Software)
والتي
هي آخر تطوّر الصناعة في كوريا الجنوبية، والتي أصبحت تدر على كوريا
الجنوبية مليارات الدولارات، كما أشار إلى ذلك الدكتور/ ماركس نولاند
Marcus Noland فيما تقدم من هذه الدراسة: (ص7) من مذكرة الدكتور (جنسو لي
Jinsoo Lee):
Export of Manufacturing led the growth
Korea’s Manufacturing Export
Million USD
(% in total export) 15.100 (90%)
Exports increased
41 (15%) By an average annual
Rate of 38.8%
1960 1979 year
KDI School Becoming the Core- Knowledge Hub
Korea’s Top 10 Exports: Evidence on Industrial Upgrading
2000 1990 1980 1970 1960
Semiconductors Electronics Textiles Textiles Iron Ore 1
Computers Textiles Electronics Plywood Tungsten Ore 2
Automobiles Footwear Iron and Steel Products Wigs Raw Silk 3
Petrochemical Products Iron and Steel Products Footwear Iron Ore Anthracite 4
Ships Ships Ships Electronics Cuttlefish 5
Wireless Telecommunication Equipment Automobiles Synthetic Fibers Fruits and Vegetables Live Fish 6
Iron and Steel Products Chemicals Metal Products Footwear Natural Graphite 7
Textile Products General Machines Plywood Tobacco Plywood 8
Textile Fabrics Plastic Products Fish Iron and Steel Products Rice 9
Electronics Home Appliances Containers Electrical Goods Metal Products Bristles 10
ونختتم
هذا المقال بالإشادة بالتفكير الاستراتيجي الكوري، لأنه مهتم جداً ليس فقط
بوضع الخطط الإستراتيجية ولكنه يتميز أكثر بالاهتمام الكبير بالتأكد من
وضع تلك الخطط الإستراتيجية موضع التنفيذ، فالخطة الإستراتيجية لا تساوي
الكثير إذا لم توضع موضع التنفيذ –ولذلك كان الجنرال المستنير (بارك)
(Park) يترأس مجلساً للمتابعة والرصد Monitoring، وكذلك لإجراء بعض
التعديلات الضرورية إذا اتضح أن بعض جوانب الخطة المعتمدة ليست واقعية أو
عملية بالقدر الكافي، فلا بأس من القيام بإجراء تعديلات جزئية في الخطة حتى
تتم عملية التنفيذ بسلاسة ويسر، كذلك فإن هنالك عوامل تتعلق بالجانب
البشري –فلا بد من التأكد أن حماسة القائمين بالتنفيذ لا يطالها الإحباط أو
الفتور بمرور الزمن أو بسبب بعض النقص في التمويل أو في توفير الكوادر
البشرية اللازمة للتنفيذ والإنجاز- ولذلك فإن الجنرال المستر (بارك) كان
يهتم بمسألة التحفيز المادي والمعنوي للذين ينجزون ويتميز أداؤهم بالامتياز
والجودة.. هذا في جانب التحفيز الإيجابي.. ولكن هنالك عقوبات توقع على
الأفراد من ذوي الأداء الضعيف أو غير الكُفء.. فهؤلاء يتم فصلهم من المشروع
وإبعادهم بلا مجاملة أو تردد كذلك، فإن جودة التنفيذ تتطلب –في بعض
الأحيان- تعزيز الخُطط وذلك برفدها بمزيد من الإمكانات المالية والبشرية.
وهذا
ما أسماه الدكتور/ ديفيد هوسي:(1) David Husseyبمفهوم المساندة Supporting
كما أن هوسي، يركز على مفهوم التحفيز ومنه الاعتراف وإبداء الشكر للذين
يتميزون بالأداء الممتاز في تنفيذ الخطة الإستراتيجية، وهو ما عبَّر عنه
بكلمة (Recognizing)، ومن المفاهيم التي ينبّه لها الدكتور ديفيد هوسي من
أجل ضمان نجاح تنفيذ الخطة الإستراتيجية مفهوم التركيز والتدعيم في أثناء
تنفيذ الخطة وهو ما عبَّر عنه بكلمة (Ensuring) وهكذا، يضع (هوسي) شكلاً
سداسياً ليعبّر عن المفاهيم الضرورية لضمان نجاح تنفيذ الخطة الإستراتيجية
عندما توضع ويتم اعتمادها، على الشكل التالي:
الاستبصار Envisioning
التفعيل/ المشاركة الفعالة الإعتراف والشكر
Activating Recognizing
المساندة المتابعة والرصد
Supporting Ensuring
التنفيذ Implementing
وقبل
اختتام هذه الدراسة، لا بد من التذكير أن تنويهنا بالتجربة الكورية لا
يعني أننا نريد تطبيقها بحذافيرها في السودان، فبين السودان وكوريا
الجنوبية اختلافات جذرية في الهوية الثقافية وكذلك في الظروف التاريخية
والجغرافية والسياسية، فللسودان خصوصيته الثقافية والسكانية ولكن الغرض من
هذا التنويه بالتجربة الكورية هو ضرورة أن يأخذ السودان طريق التحوّل
الصناعي وبأسرع ما يمكن. وأن يكون هذا التحوّل منطلقاً من مواردنا الذاتية
ومن إمكاناتنا البشرية والسياسية والمذهبية، ولا بأس أن نتعاون مع القوى
المحبة للسلام والتعاون الحضاري بين الدول. فإن السودان ينتمي إلى مجموعة
الدول التي تؤمن بالتعاون والتضامن الاقتصادي والعلمي بين الشعوب. ولا
يضيرنا أن نقتبس ما نراه مفيداً لنا من تجارب الإنسانية، فإن الحكمة ضالة
المؤمن، أنى وجدها أخذها.
قلنا
أننا عندما ننوّه بالتجربة الكورية الجنوبية في تحقيق نهضة حضارية مذهلة
لا تقلل من وجود فوارق كبيرة جداً بين ظروف السودان وذلك القطر الفريد:
ولكننا –مع ذلك- يمكن أن نستفيد الكثير إذا نظرنا إلى بعض عوامل ذلك النجاح
الكوري، لأنه من الممكن جداً الأخذ بهذه العوامل والعمل بها في ظروف
السودان وحالته الراهنة:-
من
أول هذه العوامل هو الوعي بأهمية وجود قيادة عليا مستنيرة وملهمة، قيادة
تستطيع أن تحشد كل الأطراف الفاعلة في المجتمع خلف قيادتها. وأن تستطيع أن
ترتقي بكل فئات الشعب وطوائفه من درك الانقسامات والشروخ إلى يفاع الإيمان
بأن الوطن ملك للجميع وأنه فوق الجميع... وأن علوّه هو علو للجميع، كما أن
انحطاطه هو انحطاط للجميع.
وهذا
ما تميَّز به قائد الثورة الكورية الجنوبية الجنرال (بارك Park). وبالرغم
من أن الرجل كان ذي خلفية عسكرية، وأنه كان ضابط كبيراً في الجيش، إلا انه
تميَّز بدرجة عالية من الاستبصار والوعي السياسي والقيادي:
فقد
أدرك أولاً أنه لن يستطيع أن يقود الأمة بالعصا الغليظة، أو بأعمال سياسة
القمع أو الاستبداد، أدرك من أول وهلة أهمية أن يجمع الناس بالعقل وبإدارة
الحوار الوطني المستنير.. أن الوطن للجميع.. وأنه يسع الجميع.. فلا إقصاء
أو إبعاد أو تهميش لأي فصيل من فصائل المجتمع، كما أدرك أن الأوطان إنما
تُبنى بالإرادة الواحدة المتحدة.. ولذلك سعى من أول يوم وهو يتولى القيادة
من تحقيق الوفاق الوطني.. استطاع كذلك أن يجمع كافة طوائف المجتمع من
رأسمالية وعمال وجنود على التراضي بعقد اجتماعي جوهره أن يعمل الجميع على
تحقيق نهضة الوطن وكسب السباق في أن تصبح كوريا الجنوبية ضمن الأمم
المتقدمة علمياً وثقافياً وأن تلحق بأعجل ما يمكن بركاب الأمم النيرة
والمتحضرة.
كذلك
أدرك الجنرال (بارك) أن الإقتصاد يلعب في كوريا دوراً رائداً وأساسياً في
تحقيق تلك النهضة المرغوبة.. ولكن الاقتصاد الفعّال والذي يؤدي إلى
التقدُّم والرقي هو الاقتصاد الذي يقوم على الحراك الفعّال للقوى العاملة
والذي يكون له قاعدة صلبة من التمويل والاستثمار، فكان يرفض التسيب والغلو
في الاستهلاك كما كان يرفض الإسراف والتبذير. فلا بد من تكوين رأس مال وطني
كبير لإحداث الطفرة الصناعية.. طفرة التحوّل الصناعي.. ثورة التحوّل من
اقتصاد الندرة والكفاف إلى اقتصاد الإنتاج والوفرة.. ولكن هذه الطفرة ينبغي
أن تقود إلى مزيد من الوفرة ومن الفائض السلعي والخدمي بغرض التصدير وبغرض
كسب مزيد من الأرصدة الصعبة وبفائض الأموال اللازمة لاستدامة التنمية
واستدامة التشغيل شبه الكامل للعمال الكوريين.. ولذلك كان الاقتصاد يتسم
-في البداية- بالخصائص التالية:
1) أنه اقتصاد يقوم على تركيز رؤوس الأموال الوطنية يحفظها من الضياع أو التبذير أو الإفراط في الاستهلاك.
2)
وأنه كان اقتصاد يستفيد من الميزات والأفضليات للشعب الكوري.. وهو أفضلية
كثافة السكان .. فكان اقتصاد مما يوصف باقتصاد الكثافة السكانية Labor
Intensive
3)
كذلك كان الاقتصاد الكوري يوصف باقتصاد التقشف وعدم اللجوء إلى الاستهلاك
المفرط.. والتركيز على إدخار الأموال.. وجمعها في البنوك الوطنية التي تعمل
في مجال الصادر.. وكذلك التركيز على عدم الإنفاق البذخي، لا في المؤسسات
الحكومية وحدها ولكن حتى في الشركات الخاصة (Chaebol).
4)
كما كان الاقتصاد مبني لا على المنافسة الضارة ولكن على الشراكة
الاقتصادية الذكية بين الحكومة والشركات المعنية.. ومن ذلك كان الجنرال
(بارك) (من أجل منع المنافسة الضارة) كان يحدد لكل شركة المجال الرئيسي
لعملها ولإسهامها في مجال التحوّل الصناعي.
1- فالهونداي Hundai لصناعة السيارات.
2- والسامسنق Samsung لصناعة الإلكترونات والأواني المنزلية – الثلاجات – وأجهزة التبريد وكذلك الموبايلات وما إلى ذلك.
3- وهنالك شركات فرض عليها التخصص في صناعة السفن أو البتروكيماويات.. وهكذا وهلم جرا.
والأهم
من ذلك كله هو إقامة الشراكة الواعية بين أصحاب العمل والعمال، لا على
حساب العمال أو استغلالهم، بل على إدراك الجميع أن النجاح هو نجاح للطرفين:
أصحاب العمل والعمال. وأن الفشل هو أيضاً سيطال الطرفين ولذلك كانت
الإستراتيجية إستراتيجية ذكية هي إستراتيجية (أربح/ أربح) Win Win وكانت
هذه الإستراتيجية من العوامل الأكثر فاعلية في نجاح التجربة الكورية والتي
كانت تفتقر بصورة كلية للموارد الطبيعية، كل تلك العوامل هي عوامل ما أسماه
رئيس وزراء ماليزيا الأسبق د/ محمد مهاتير:
بأخلاق العمل The Work Ethics
والذي تثبته الحركة النهضوية للجنرال بارك (Park) وهذه الأخلاق والتي تميزت بمباديء :
1) الإخلاص المطلق للمصالح العليا للوطن.
2) التقاء جميع الأطراف الوطنية واتفاقها على رعاية تلك المصالح الوطنية العليا.
3) دخول كل الطاقة الممكنة في أداء الوظائف والأعمال لتحقيق تلك المصالح العليا.
4)
موافقة العمال على الشراكة الذكية مع أصحاب العمل. ولذلك كان العمال
يتميزون بالنشاط والمثابرة والأعمال الصعبة والشاقة بروح طيبة وبلا تذمر أو
سخط.. بل كانوا يفتخرون بأن العامل الكوري نشط وله طاقة كبيرة للعمل
لساعات طويلة نسبياً.
5)
وكذلك الأمر باحترام قوانين العمل وقوانين البلاد.. تلك القوانين التي
كانت تمنع الإضراب عن العمل أو عدم الحفاظ على أملاك الشركات أو مقوماتها
وأصولها.
6) كما كان العمال يحرصون على إتقان الأعمال واتباع شروط الجودة والمنافسة مع السلع المستوردة.
كل
تلك العوامل مما أسهم في القفزات الرائعة التي حققتها كوريا الجنوبية في
عقدين من الزمان.. أضف إلى ذلك أن العمال والمواطنين الكوريين كانوا يؤمنون
بأن كوريا ليست أقل شأناً أو مكانة من الدول المتقدمة كاليابان أو
الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا. ولذلك كانوا يسعون للحاق بتلك الأمم
المتحدة. وكانوا ينظرون إلى الأعلى والأرفع والأبعد من حيث الشأن أو
الحضارة. ولا ينظرون إلى الأدنى. فهم يريدون اللحاق بالدول المتقدِّمة
الكبرى.. وكانت هذه الرؤية مهمة جداً بل كانت تمثل لهم حافزاً أدبياً
كبيراً.. وكأنهم كانوا يريدون تحقيق ما دعا له الشاعر العربي النابغة أبو
الطيب المتنبي:-
إذا غامرت في أمر مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم
وكما يقول المثل الأمريكي:
The Sky is the limit
أن
اكتساب أخلاق العمل التي كانت للعامل الحاسم والضروري جداً في نجاح
التجربة الكورية، ذلك النجاح الباهر. رغم عدم وجود أي موارد طبيعية
بالكلية:
No natural resources what –so- ever
وكان
هذا النجاح إنما يرجع إلى تبني الكوريون تلك الأخلاق الرفيعة.. ومن لنا في
السودان أن نلقن عمالنا بأهمية مبدأ "الإتقان" في العمل، ومَنْ الذي يمكن
أن يلقنهم ما دعا له رسول الله:
"إن
الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه"، أي من لنا بالقيادة التي تلهم
عمالنا تلك المباديء– لا عن طريق الأقوال وحدها، ولكن عن طريق القدوة
الحسنة والقيادة الملهمة. ومَنْ ذلك الذي يلقن عمال الوطن الصبر الجميل على
ساعات العمل وأن يقبلوا على أعمالهم بالجدية والإخلاص المطلوبين، ولا
يهدروا أوقات العمل في الجدال السياسي أو في الونسة الفارغة أو في الخروج
للأسواق أو للعزاء في الأموات، وما إلى ذلك مما يسبب إضاعة الأموال
والأوقات التي كانت من المفروض أن تخصص للعمل والإنتاج. ثم مَنْ ذا الذي
يلقن عمالنا بأنه عليهم الوفاء بواجباتهم وأعمالهم قبل المطالبة بالحقوق
وزيادة الأجور وما إلى ذلك؟ فإذا كان الإنتاج متدنياً والإنتاجية أقرب إلى
الصفر، فمن أين تأتي الأموال التي تصب في خانة زيادة أجور العمال وتحسين
أوضاعهم المعاشية. ثم مَنْ ذا الذي يوجه أصحاب الأعمال بإنصاف العمال وعدم
استغلالهم وأنهم ينبغي أن يدفعوا أجور عمالهم قبل أن يجف عرقهم، كما أوصى
رسول الله (ص) بذلك..؟ وهل يمكن لنا وهل من الممكن أن نحقق المبدأ السحري
الذي حققته كوريا الجنوبية واليابان قبلها.. وهو تكوين شراكة ذكية بين
أصحاب العمل وأصحاب الشركات من جانب والعمال من جانب آخر حتى يعمل الجميع
بروح واحدة من أجل الإنتاج والإنتاجية، ثم هنالك موضوع توحيد الإرادة
القومية من أجل النهوض بالوطن وتحقيق آماله في التقدّم والرفعة ومنافسة
الدول المتقدمة.. إن السودان –للأسف- يميل أهله للتشرذم والاختلاف والتفرق
أكثر من ميلهم للتوحد أو التعاون وروح الفريق.. وبعد قيام ثورة إبريل عام
1984م وانهيار نظام نميري نشأت في السودان أكثر من ثلاثين حزباً سياسياً،
ناهيك من المئات من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.. وحدث الشيء نفسه بعد
أن أطلقت ثورة الإنقاذ الوطني حرية تكوين الأحزاب والهيئات، فهنالك في
السودان عشرات الأحزاب والهيئات.
وتعرضت
معظم الأحزاب، بل كلها إلى الانشقاقات والانشطارات والتشرذم والتفكك،
وأصبح الكلام عن الوحدة الوطنية أو حتى عن متابعة الوفاق الوطني والاتفاق
على الثوابت الكبرى للمجتمع أمراً عسيراً، بل أن الأمر ذاته قد طال حتى
الحركات التي تحمل السلاح والتي تمردت على الحكومة المركزية، فهنالك الآن
أكثر من ثلاثين حركة متمردة تحمل السلاح ضد الحكومة الاتحادية في الخرطوم،
ثم هنالك الميل نحو احتكار السلطة من أشخاص قلائل والاستئثار بالسلطة
والمال والجاه.. وكأن القوم قد اقتنعوا بمقولة ابن خلدون:
"أنه من طبيعة الملك الانفراد بالمجد".
إن
فكرة الإقصاء والإقصاء المضاد وفكرة الصراع على كل شيء وعدم الاتفاق على
أقل قدر من الثوابت الوطنية لهو من أكثر معاول الهدم الحضاري. وهو أمر
مستفحل في السودان الآن.. وذلك بالرغم من تحذير القرآن الكريم ووعيده
الغليظ "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" صدق الله العظيم.
ومن الدروس المستفادة من التجربة الكورية، درس تقديم الكفاءة على الولاء الحزبي أو الحكومي.
قيل أن الجنرال "بارك" وضع مبدأ منذ البداية يقرر أن تقديم العمال والموظفين وترقياتهم في مجال الخدمة والمهنة إنما يتم حسب مباديء:
- الكفاءة والمسئولية.
- وكذلك الأمانة والمواظبة.
- وأن يتم توظيفهم بحسب مبدأ الكفاية، لا الولاء الحزبي:
Merit- Based Appointment
فلا محسوبية ولا مجاملة. وكل هذه مباديء نص عليها الإسلام.
قال تعالى، على لسان نبيه سيدنا شعيب:
" يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ". [القصص: 26]
- وقال تعالى على لسان يوسف عليه السلام "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم".
[يوسف: 55]
كما
أن استبقاء الموظفين والمستشارين على رأس الأعمال، إنما يتم بحسب مباديء
المراقبة والمحاسبة والإنجاز. فمن لا ينجز يُفصل من العمل بلا مجاملة وهذا
ينطبق حتى على الوزراء والمدراء.
أما الفساد، فلا مجال له في حكومة الجنرال (بارك) (Park)، فقد كان الرئيس نفسه آية في الأمانة والمسئولية الوطنية.
وأما
الصرف البذخي، فكان محرّماً بالكلية فلم يكن مسموحاً لأحد بأن يلجأ إلى
الصرف البذخي أو الصرف التفاخري، وكانت الحكومة تراعي التقشف في الإنفاق
الحكومي كالأفراد تماماً.. وكل ذلك ساهم في توفير أموال طائلة وجهت إلى
الاستثمار وإلى إحداث التحول الصناعي المنشود!
كانت
المناصب القيادية العليا في الحكومة والصناعة تذهب إلى الموهوبين وإلى ذوي
القدرات العالية.. كما لم تكن الحكومة الكورية تتحرج إلى توظيف خبراء
أجانب، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وخاصة في مجال الصناعة.. ولكن كان يستوجب
على الخبراء الأجانب أن ينقلوا خبراتهم إلى التقنيين الوطنيين في فترة
محددة، حسب العقود معهم.. وهكذا استطاعت كوريا الجنوبية أن تتخذ برامج مهمة
جداً وحساسة بواسطة الخبراء الأجانب، كما استطاعت أن توطن للتكنولوجيا
المتقدمة في فترة قياسية (في عقدين من الزمان).
وأما
في جانب التحفيز الأدبي فكان المتفوقين وذوي القدرات العالية يجدون
التكريم المادي والأدبي (قارن ذلك بما يحدث في السودان، فإن المتفوقين
والموهوبين كثيراً ما يجدون أنفسهم في مواضع الإهمال والتهميش، أو حتى
الطرد والإقصاء، مما يدفعهم إلى مغادرة البلاد في أول فرصة سانحة وهكذا فقد
السودان الآلاف من أبرز الكوادر العلمية الأكاديمية، وخاصة الأطباء
وأساتذة الجامعات)!!.
وفي
مدارس السودان كثيراً ما يجد المتفوقين من الطلاب العداء من بعض المعلمين
ذوي القدرات المتواضعة، وأما الأوائل فكثيراً ما يكون نصيبهم الجلد على
أيدي التلاميذ الضعفاء (البلداء)؛ دون أن تفعل إدارة المدارس ما يحول دون
ذلك.
وأما عن الحسد والغيرة في تلك الإدارة فحدث ولا حرج، خاصة بين المهنيين في الطبقات العليا وأساتذة الجامعات.
وينسب
إلى الراحل المقيم العلاَّمة عبد الله الطيب: أن الله عندما خلق الحسد وضع
90 في المائة منه في بلاد السودان، وأن أساتذة الجامعات يتنافسون
ويتقاتلون على الدرجات العليا ( لما يفعل التيوس).
وأما تكريم الدولة للعلماء من ذوي الأوسمة والميداليات فلا يتعدى التكريم سوى ديباجة ملونة وقطعة من نحاس ما لها ثمن.
نسب إلى عبد الله الطيب القول:
كرَّموني بخريقات ملوّنة
وقطعة نحاس ما لها ثمن
فليس
هنالك قانون يعطي أصحاب الأوسمة والميداليات أي مخصصات مالية أو حتى حقوق
في مراسيم الدولة، وهذا على غير عادات الشعوب المتقدِّمة. فإن تلك الشعوب
تحتفي بأبنائها المتفوقين بكل الطرق، وتوضع لذلك قوانين ولوائح تحكم ذلك
التكريم. أما في السودان فإن المتفوقين الآن في الجامعات وكبار الأساتذة
ممن تجاوز عمرهم الـ 65 سنة، ليس لديهم أي مكانة أو اعتراف، بل أنه يصيبهم
الطرد من الخدمة بإحالتهم إلى المعاش أو تحديد مرتباتهم بما لا يزيد عن
ألفين جنيه في الشهر (يعني حوالي 250 دولار أمريكي فقط لا غير) وليست لديهم
بعد ذلك أي مخصصات؟! وهم الذين قضوا عمرهم في خدمة الدولة والوطن وفي
تعليم الأجيال، وكما يقول المتنبي رحمه الله:
أعاب علي ما يوجب الحب للفتى
وأهدأ والأفكار في تحول
وكما قال البارودي:
فهل دفاعي عن ديني وعن وطني
ذنبٌ أُدان به ظلماً وأغترب
وأما عن معاشات هؤلاء الأساتذة الكبار فلا تتعدى الأربعمائة جنيه، في بعض الحالات (يعني أقل من خمسين دولار في الشهر...).
فلماذا يقضي الناس حياتهم في طلب العلم وفي السعي للتفوق الأكاديمي والمهني في السودان؟
أما
في مجال التخطيط الإستراتيجي فلم يستطع السودان أن يضع خطة إستراتيجية
قابلة للتنفيذ يمكن أن تقارن بخطة الجنرال (بارك) أو خطة الدكتور/ مهاتير
محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق. حيث أن تلك الخطط وضعت أهدافاً محددة
قابلة للتحقق وقابلة لإحداث التطوّر المنشود.. وهي خطط علمية رصدت لها
الميزانيات والقوى البشرية المطلوبة وكذلك الجداول الزمنية. فخطة الجنرال
(بارك) ما بين 1960/ 1970 حققت التحوّل الصناعي والانتقال من الفقر المدقع
إلى الغنى الفاحش (22 ألف دولار دخل الفرد الواحد في السنة).
وما
خطة د/ مهاتير محمد فقد رفعت ماليزيا من الدول الفقيرة والمتخلِّفة إلى
مصاف الدول الصناعية المتقدِّمة وهي تضع حداً زمنياً (2020) لكي تصبح
ماليزيا واحدة من دول العالم المتقدِّمة.. على الأقل 20 دولار. فماذا حققت
خطة السودان، والتي كان الهدف الأساسي منها أن يصبح السودان دولة موحّدة
متقدِّمة، متطوِّرة متحضِّرة؟ وهل كان لها سقف زمني أو كانت لها ميزانيات،
وهل حشدت لها كوادر بشرية ولجان للرصد والتحفيز والمتابعة، والتقرير
والتعديل، كما قال بذلك د. ديفيد هوسي في الصفحات أعلاه؟؟
إن السودان بلد كبير وواعداً جداً.. وله من الموارد الطبيعية والبشرية ما يمكن أن يؤهله لأن يصبح دولة عظمى:
أما تقل منظمة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة أن السودان واحداً من دول ثلاث مؤهلة لأن تصبح ثلة غذاء العالم؟!
سبحانك
اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك ونتوب إليك ونصلي ونسلِّم
على المبعوث رحمة للعالمين محمد رسول الله وعبده وعلى آله وأصحابه الطيبين
الطاهرين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المراجع: Reference
1)
Emad Eldin Muhammad Ahmed Jawhar: Political Regime Change within the
Context of capitalist Industrialization in South Korea, 1961- 1979
2) Jinsoo Lee (ph.D): Secrets of Korea’s Economic Development. Its Implication for African Countries.
3) Marcus Noland: Economic Reform in South Korea: An unfinished legacy.
4)
بروفيسور/ زكريا بشير إمام: التخطيط الإستراتيجي والتعليم العالي في الوطن
العربي- إشارة خاصة إلى السودان- الطبعة الثالثة- ص (329).
5) David Hussey: Strategy and Planning A manager’s Guide, Wiley Chichester, West Sussey .
6)
Brown, William B. 2002: Saving and Investment in the Korean Economy,
kim Dae- Jung’s Reforms and the Challenges Ahead A paper presented in
the Kim Dae- Jung’s Peace Foundation Seoul. $.K. 2002.
7) Noland, Marcus: us- South Korea Economic Relations, Published in Tong when Park: us and the Two Korea.
8) أ.د. الزبير بشير وآخرون: بين التقنية والتنمية
التجربـة الكوريـة الجنوبيـة لمـــــاذا؟
بقلم:
بروفيسور/ زكريا بشير إمام
جامعة الخرطوم
مقدمة:
التجربة الكورية الجنوبية، لماذا؟ أي لماذا يستوجب علينا دراستها والاستفادة من الدروس والعِبَر المستنبطة منها:
الإجابة على هذا السؤال يتحقق بذكر الحقائق التالية:
1. أن كوريا الجنوبية، كما اليابان، خرجت من الحرب العالمية الثانية محطّمة تماماً.
2. وأنها بعد ذلك لم تكن تملك أي موارد طبيعية ذاتية تذكر (أكثر من سبعين في المائة من الجزيرة الكورية الجنوبية صحراء وتلال).
3.
التطوّر الاقتصادي والسياسي المذهل الذي حققته كوريا بين 1971- 1960) هو
قصة فائقة الروعة (Spectacular) وأنه ينبغي لنا –نحن في السودان- ونحن
نعاني من التخلُّف والفقر وبؤس التنمية أن نتعلَّم من تلك التجربة التي
استطاعت بها كوريا الجنوبية أن تخرج من نطاق الفقر والتخلُّف في حوالي
عقدين من الزمان أنحو ذلك:
المثاقفة وإستراتيجية التعلُّم من الآخرين:
المثاقفة والتعلُّم من الآخرين إستراتيجية الأذكياء والبرجماتيين. ومن هدي الرسول (صلى الله عليه وسلم)
"أن الحقيقة ضالة المؤمن أنّا وجدها أخذها فهو أحق الناس بها" أو كما قال، (صلى الله عليه وسلم).
هذه
الإستراتيجية هي التي أخذ بها الدكتور مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا
الأسبق وقائد نهضة ماليزيا الجديدة والتي أوشكت أن تصبح دولة متقدمة "وهي
بالتأكيد سوف تصبح كذلك في 2020 حسب الإستراتيجية القومية الماليزية التي
وضعها د/ مهاتير محمد نفسه"!
لقد ذكر الدكتور مهاتير أنه تعلم الكثير من التجربتين اليابانية والكورية الجنوبية.
لقد
تعلَّم من هذه التجارب الآسيوية الناجحة ما أسماه " The Work Ethics" عند
تلك الشعوب الفتية الناجحة وخاصة شعب كوريا الجنوبية وتتلخص الخصائص التي
تميزُ "أخلاق العمل، عند الكوريين الجنوبيين في الخصائص التالية":
1- حب الوطن والولاء الكامل الذي لا ينزع تحت أي ظرف من الظروف.
2- حب العمل والمثابرة فيه وتجويد الأداء Hard working Ethics
3- الإخلاص للمخدم ورعاية مصالحه، وكذلك فإن نقابات العمال لا تضرب عن العمل أبداً.
4-
في المقابل فإن أصحاب العمل يقيمون ما يشبه الشراكة بينهم وبين العمال
لديهم ولذلك فإنهم يعملون لإنصافهم في الأجور وفي ساعات العمل وفي تهيئة
بيئة العمل. وكذلك يسعون لرعاية أُسر العمال وأطفالهم.
5- الالتزام الكامل بالنظام وقوانين العمل بلا هوادة.
يقول
الدكتور محمد مهاتير أن ما سماه (Work Ethics) يلعب دوراً حاسماً جداً في
نهضة الشعوب أو عدمها. فإن كان (أخلاق العمل إيجابية وتقدمية –كما هو الحال
في كوريا الجنوبية واليابان- فإن النهضة تتحقق بسرعة فائقة). ويقول د.
مهاتير إنه لم يشعر بأي حرج في تبني (أخلاق العمل عند الكوريين الجنوبيين)
وأنه حاول –بقدر كبير من النجاح- تطبيقها في المجال الماليزي.
ويقول د. مهاتير محمد: أنهم –في جنوب شرق آسيا، وفي ماليزيا خاصة، قد تبنّوا شعارين مهمين:
1) إستراتيجية الاتجاه إلى الشرق
The look- East Strategy.
2) والشعار التالي هو إستراتيجية التعلُّم من بعضهم بعضاً في دول جنوب شرق آسيا.. وفي كلمات مهاتير أنهم كانوا
They were Models for each other.
وفي
إطار سياسة المثاقفة والتعاون والتعليم الجماعي (Modeling for each other)
كانت ماليزيا قد رأت أنه من الخير في مجال التعاون الجماعي من دول
المنطقة، وخاصة اليابان وكوريا الجنوبية، أن تتبع سياسة The Win – Win
Strategy أي إستراتيجية
The Zero – Sum Strategy
وهي
الإستراتيجية التي تسعى لتحقيق الربح لكل الشركاء، دون المحاولة لإلحاق
الخسارة بالشركاء، فإنه من الأوفق أن توضع سياسة تفيد وتربح من جرائها
الجميع. وهي نفس السياسة التي عبَّر عنها د. مهاتير بشعار:
Prosper –Thy- Neighbor
وهو
الشعار الذي يدعو إلى مراعاة الحقوق المشروعة للشركاء والتجاريين... فإنه
من مصلحة ماليزيا مثلاً أن تقوم شراكتها مع اليابان أو مع كوريا الجنوبية
على أساس تحقيق المصالح للجميع، فإن ذلك أدعى إلى استدامة تلك الشراكات إذ
أن الكل منتفع بها ولا أحد يضار من جراء تلك الشراكات (win- win- strategy)
أو The zero – sum strategy
فإنه
من مصلحة ماليزيا أن تستمر اليابان أو كوريا الجنوبية في التعامل التجاري
والتعاون الاستثماري مع ماليزيا، لأنها ما زالت مستفيدة من هذا التعاون
وهذه الشراكة. وهذا ينطبق على باقي الدول في المنطقة، فإنه من مصلحة
ماليزيا أن يستفيد دول جنوب شرق آسيا من التعامل التجاري الاستثماري معها
وهذه هي إستراتيجية (أربح/ أربح) win- win strategy أو إستراتيجية مجموع
الصفر (Zero- sum strategy).
وبالمقابل
فإن إستراتيجية الدول الغربية الرأسمالية في التعامل مع دول العالم الثالث
كانت إستراتيجية- ما أسماه مهاتير: The Beggar Thy Neighbor Strategy - أي
إستراتيجية (أفقر جارك أو من يتعامل معك –وذلك بإعطائهم معاملات خاسرة)
-وكما بيّن ذلك د. مهاتير- فإن هذه الإستراتيجية هي –في نهاية المطاف- مضرة
بالجميع.. وفيها فالجميع خاسرون، لأن الدول من العالم الثالث تصبح أكثر
فقراً وبالتالي لا تستطيع أن تصبح شريكاً تجارياً للدول الغربية الغنية إذن
فالجميع يخسرون..
ونرجع إلى الحديث عن تجربة كوريا الجنوبية: وينبغي أن توضح منذ البداية أن تلك التجربة كانت نتاج عدة عوامل:
- سياسية وقيادية،
- اجتماعية وثقافية،
- إقتصادية وضعت هدفاً أسمى للحراك الاقتصادي نحو إحداث ثورة صناعية.
- كما كانت نتيجة عوامل أخلاقية ووطنية ومنها:
1) إعلاء قيم الولاء للوطن وإعلاء قيم أن المصلحة الجماعية أو مصلحة الجماعة والوطن تأتي قبل مصلحة الأفراد وتعلو عليها.
2)
أن ترشيد الصرف ومحاربة الإسراف والتبذير وحتى محاربة الاستهلاك المسرف
كانت حجر الزاوية في قدرة القيادة السياسية، تحت قيادة الرئيس الجنرال
(بارك) (Park).
(Park
Curing Hee) تكوين رأسمال مقدر لانطلاقة الخطة الخمسية التي وضعها لتحريك
الاقتصاد الكوري الجنوبي (1966- 1962) ولقد كتب الجنرال (بارك) موضحاً
فلسفته الاقتصادية على النحو التالي(1):
"في
حياة الناس، فإن الاقتصاد يتصدر ويستبق كل من السياسة والثقافة وأُريد أن
أوضح وأؤكد المرة تلو المرة أن الهدف الأساسي في ثورتها العسكرية في مايو
في السادس عشر. كان هو التحول الصناعي وإحداث ثورة صناعية في كوريا.. وحيث
أن الغاية الأساسية للثورة أن تحدث نهضة، فإن الثورة كانت تخطط لإحداث
إصلاح سياسي اجتماعي وثقافي كذلك.. ولكن فإن اهتمامها الأساسي (يقول
الجنرال بارك) هو إحداث ثورة إقتصادية: فإن الاقتصاد يأتي على رأس
الأولويات: لأن الفرد ينبغي أن يؤمِّن عيشه وأن يؤمِّن حريته كذلك: (لأنه
يحتاج أن يؤمِّن مطعمه وأن يتنفس بحرية قبل أن يشغل نفسه بالسياسة أو
الأحوال الاجتماعية أو الأحوال الثقافية)(2).
لقد
خدم الجنرال (بارك) Park، في الجيش الياباني قبل أن تنال كوريا الجنوبية
استغلالها من الاحتلال الياباني ولقد تعلَّم من خبرته في العمل في الجيش
الياباني، لقد تعلَّم الجنرال (بارك)، خصوصاً أثناء دراسته في الأكاديمية
العسكرية اليابانية مباديء:
(1) الولاء المطلق للوطن.
(2) العمل على نهضة الوطن ورفعته.
(3) تقديم مصلحة الأمة والجماعة على مصالح الأفراد وحتى الأسرة.
وعندما
تولّى (بارك) الحكم، على إثر انقلاب مايو 16 عام 1961، آلى على نفسه بناء
كوريا الجنوبية حتى تكون دولة قوية جواً ووطناً متقدماً..
(1) ركَّز على بناء إقتصاد حر يقوم أساساً على التصنيع.
(2) وأن يكون موجهاً للتصدر، لا للاستهلاك المحلي، في المقام الأول.
(3)
كذلك عمل على تشجيع (الجيبول Chaebol) (الأسر والشركات والعشائر الوطنية
صاحبة الأموال والأملاك العقارية) على تجميع أموالها معاً، حتى يكون لديها
رأس وطني كبير لبناء المصانع والشركات الكبيرة.
(4)
ولكن بالرغم من ذلك، فقد كان الاقتصاد الكوري الجنوبي يعتمد على كثرة
الأيدي العاملة، على الأقل في بداية الأمر، وفي بداية تنفيذ الخطة الخمسية
الأولى (1966- 1961) اعتمد أساساً على وفرة الأيدي العاملة الرخيصة نوعاً
ما إذا ما قورنت باليابان.. ولذلك يمكن وصف الاقتصاد الكوري الجنوبي في
الخطة الخمسية الأولى بأنه كان (Labor – intensive)!!
(5)
كذلك لجأ الجنرال (بارك) إلى تأميم كل البنوك الوطنية في كوريا الجنوبية
وفرض عليها سياساته الاقتصادية المتمثلة في ضرورة التحوّل الصناعي
(الرأسمالي) الحر .. والذي كان يعتمد ليس فقط على الرأسمالية الوطنية
المتمثلة في (الجيبول) بل أيضاً في تشجيع الاستثمار الأجنبي إلى أبعد حد..
ولقد ساهمت سياسة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة واليابان، من جانب،
والاتحاد السوفيتي من جانب آخر إلى تدفق رؤوس الأمور الأمريكية واليابانية
على كوريا الجنوبية والتي كانت متحالفة مع العالم الحر (أمريكا وأوروبا
واليابان) في مقابل كوريا الشمالية المتحالفة مع الإتحاد السوفيتي.
(6)
وكانت السياسة الوطنية التي تبناها الجنرال (بارك) هو توجيه بنوك الدولة
(وقد كانت البنوك في ملكية الدولة بعد سياسة التأميم) إلى تمويل الجيبول:
Chaebol. وهكذا فإن أعضاء هذا (الجيبول) أمثال:
1- سامسونج Samsung Group
2- مجموعة ل. ج. (L. G Group).
3- الهونداي وكيا: The Hyundai and Kia Group
4- س. كي S.K Group
5- إن إتش نن غيوب N H Nonghyup
وغيرها
من الشركات الوطنية الكورية، وهي ستة شركات أخرى تستأثر بنصيب الأسد من
التمويل المالي من البنوك الوطنية المؤممة بواسطة الدولة، إلى جانب
رأسمالها الخاص بها.
إقتصاد المعرفة:
اعتمدت كوريا الجنوبية –في ثورتها لتحقيق التحوّل الصناعي، اعتمدت "إقتصاد المعرفة"، فما هو اقتصاد المعرفة؟!
إقتصاد
المعرفة هو الاقتصاد الذي ينبني على المعرفة من ناحية عامة، وعلى المعرفة
التقانية من ناحية عامة، وهو كما يبنى على التخطيط الاستراتيجي الذي يعتمد
هذا التخطيط للانتقال من اقتصاد الندرة والفقر والتخلُّف إلى اقتصاد الوفرة
والرفاه والتقدُّم، ذلك إن التحوّل الصناعي يضاعف أثمان المواد الخام
ويكسبها قيمة إضافية، كما أنه يخلق وظائف ضخمة جداً وبذلك يقضي على البطانة
بدرجة كبيرة، وعندما تكون إستراتيجية التحوّل الصناعي هي إستراتيجية
العمالة المكثفة (Labor- Intensive) فإن ذلك معناها الاقتراب من درجة
التشغيل الكامل للقوى العاملة الوطنية وهذا من شأنه أن يحارب الفقر ويزيد
من نسبة (الـ percapita income)، أي يزيد من دخول الأفراد وهذا من شأنه
تعظيم الثروة القومية ومحاربة الفقر والبطالة.
من أجل ذلك أنشأ الجنرال (بارك) جامعتين تقانيتين متميزتين هما:
1- Korea Institute for Science and Technology (K I S T I 1966)
معهد كوريا للعلوم والتكنولوجيا
2- Korea Development Institute (kDI, 1971)
معهد كوريا للتنمية.
ولقد رصد الدكتور جنسولي Dr. Jinsoo Lee ثلاثة أسرار من أسرار نهضة كوريا الجنوبية البديعة هذه الأسرار الثلاثة هي:
1)
التركيز (Focus) على بعض الصناعات بعينها وعدم الانتشار الواسع والتوسع
بلا تخطيط، بل كانت الإستراتيجية هي اختيار بعض الصناعات، بدقة متناهية،
للتركيز عليها وجعلها أولويات (التحوّل الصناعي).
وكان الجنرال (بارك Park) يقول:
We will win nothing when we try to win every thing.
إننا لن نكسب شيئاً واحداً عندما نحاول أن نكسب كل شيء!!
وهذه
هي إستراتيجية التركيز الصناعي الذي اعتمدتها كوريا الجنوبية وهي تسعى
لتحقيق التحول الصناعي، فكان اختيار بعض الصناعات ذات الميزة أو الأفضلية
التنافسية، كأن يتوفر لها الأيادي العاملة الماهرة أو تتوفر لها أسواق إما
في الداخل أو الخارج. أو يتوفر لها التمويل اللازم. ويقول الدكتور (لي Dr.
Lee) أن هذا هو (السر الأول) من أسرار التحول الصناعي المذهل الذي أحدثته
كوريا الجنوبية في مدة قصيرة لم تتعد العشرة سنوات (من 1960 1971).
2) أما (السر الثاني) من أسرار النمو الاقتصادي الهائل الذي أحدثته الثورة الكورية بقيادة الجنرال (بارك).
3)
أما (السر الثالث) وهو الأكبر والأهم وهو سياسة التحفيز المالي والأدبي
التي اتبعها الجنرال (بارك) ويقول الدكتور (لي) Dr. Lee أن هذا السر هو
العامل في تحويل وتعبير العمال والشغيلة الكورية الجنوبية والتي كانت
معروفة بصفات:
1- الكسل والتسيُّب واللامبالاة.
2- إدمان شرب الخمور والمسكرات.
3- القمار والتسكُّع.
4- إدمان الفشل والفقر.
وأن
سياسة التحفيز المالي والأدبي (Incentives) للذين يسعون بنشاط وهمة عالية
للعمل وينجزون الأعمال في أسرع الأوقات وعلى درجة عالية من الجودة، هي التي
ساهمت في النمو الاقتصادي الهائل الذي حققته كوريا الجنوبية تحت قيادة
الجنرال بارك (Dr. Park).
لقد
تحوّل عمال كوريا الجنوبية من حالة إدمان الفشل والتسيُّب والفقر ومعاقري
الخمور والمسكرات وكذلك الانغماس في لعب القُمار لمعظم أوقات السنة..
تحوّلوا إلى عمالة وطنية تنشد إتقان العمل وتكثيفه والاجتهاد والمثابرة في
خدمة الوطن والأمة! عملاً متواصلاً ولساعات طويلة وكذلك المثابرة على تحسين
العمل وإتقانه وهكذا تحولت الجماهير العاملة من عادات الكسل ومعاقرة
الخمور ولعب القمار إلى العمل الجاد والإنجاز المتواصل من أجل رفعة الوطن
والمواطن وتحقيق معدلات مذهلة من النمو الاقتصادي والتطور الحضاري والعلمي.
حتى أصبح دخل المواطن أكثر من عشرين ألف دولار في السنة في عام 2007،
بدلاً من 100 دولار في عام 1961م!
ومن
مظاهر "اقتصاد المعرفة، أن الجنرال (بارك) أخذ يرسل الآلاف من العمال
المهرة في مجال عمالة المناجم (Miners) وكذلك عمال المصانع الكبيرة إلى
البلاد الأوروبية واليابان لمزيد من إتقان العمل والانخراط في المشروع
النهضوي الكوري الجنوبي ولقد اتبعت في سبيل ذلك أكثر من 5000 من عمال
المناجم و2000 من الممرضين للتدريب الماهر في أوروبا واليابان.
ويعتبر
مجال "بناء القدرات" Capacity Building" في شتى أنواع المهن والأعمال من
كبير أسرار التحوّل الصناعي الكوري الجنوبي... ومن ذلك ابتعاث الآلاف من
الطلاب من ذوي القدرات العالية إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية
وكذلك إلى اليابان لكسب المزيد من العلوم التقانية التطبيقية وكذلك
التكنولوجيا المتقدمة في الصناعات التي يراد تطويرها في كوريا الجنوبية
وحسب سياسة التركيز (Focus) فلقد كانت هنالك صناعات معيّنة كانت لها
الأسبقية ومن ذلك صناعات:
1)
الإلكترونيات (Electronics) كالحاسوب والسلافون (Mobile) وصناعات المعدات
الكهربائية المنزلية.. ثلاجات، مكيفات، غسالات، مكاوي...الخ وهي الصناعات
التي تخصصت فيها شركات Samsung
2) صناعات السيارات: شركة هونداي وشركة كيا.
3) صناعة الحديد الصلب (Steel) وشركة (Posco).
4) صناعة السفن وشركة هونداي للصناعات الثقيلة Innovation.
5) صناعات الكيماويات وشركة SK
ولقد
كان الإنفاق الحكومي وكذلك التمويل من البنوك المؤممة يذهب أولاً لدعم تلك
الصناعات التي اعتمدتها (إستراتيجية التحوّل الصناعي) لأسبقيات، ضمن
سياسات التركيز الصناعي: "Industrial Focus" ولم يكن هنالك مجال للإنفاق
على الكماليات أو على إنتاج السلع الاستهلاكية، بل كان الإنفاق الحكومي على
البحث العلمي المرتبط بالتنمية الصناعية (R.D) هو صاحب الأسبقية الأولى
بلا منافس (An Absolute Top Priority) وكان هذا الإنفاق يعادل أكثر من
ثلاثين في المائة من الدخل القومي وهذا جزء من مفهوم "اقتصاد المعرفة" وكان
البحث العلمي يندمج ويتسق مع إستراتيجية الدولة في التحوّل الصناعي وبناء
القدرات التقانية العالية والذي كان واحداً من أعظم أسرار التطور المذهل
الذي أحدثته كوريا الجنوبية في عقدين فقط من الزمان.
ولقد
كان السر الآخر هو سر التحفيز "Motivation" فإن الأشخاص من ذوي القدرات
العالية والذين ينجزون أعمالاً. كانوا يتلقون الحوافز الكبيرة مادياً
وأدبياً، أي في الترقيات والترفيع المهني!!
أما
السر الثالث في التجربة الكورية الجنوبية المذهلة هو الاتفاق التام بين
الدولة والقطاع الخاص بل التوحد الكامل بينهما على تحقيق الهدف القومي
الأعلى وهو أن تلتحق كوريا الجنوبية بنادي الدول المتقدمة والخروج من نطاق
الدول النامية (أي الدول غير الصناعية) .. وكان الولاء والتصميم على تحقيق
هذا الهدف يمثل الحُلم القومي والأنشودة الوطنية الأولى لكل قطاعات الشعب
الكوري بلا منازع أو منافس.
ولم يكن التوحد المطلق حول الهدف الأقصى وحده هو الذي تحقق.. بل كان الاتفاق والتوحد يشمل الوسائل كلها وكذلك الإجراءات:
(1) أولاً الاتفاق على أن الوطن فوق الجميع.. حكاماً ومحكومين.
(2) كان الاتفاق أن يتجه المال كله نحو الإنتاج الصناعي الإستراتيجي المتمثل في التحوّل الأعظم نحو الصناعات الإستراتيجية.
فكانت
الدولة وكذلك الشركات الكبرى (حوالي عشرة شركات وطنية) تموّل هذه الصناعات
الإستراتيجية حصراً ولا يسمح بتمويل الإنفاق البذخي أو الاستهلاكي إلا في
أضيق الحدود.
(3) كذلك كان الاتفاق على إتباع سياسة الادخار والتوفير للمال: المال العام الحكومي.. وكذلك المال الخاص لدى الشركات العظمى.
(4) كذلك كان الاتفاق أن تندمج الشركات الصغرى في الشركات الكبرى.
(5)
وكان الاتفاق كذلك على أن تقوم البنوك المؤممة على تمويل الأعمال
والمشروعات الصناعية المتفق عليها حصراً وبلا استثناء، كما أمرت العوائل
الثرية على إنشاء محفظات لوضع كل إدخاراتها في خدمة الخطة القومية الكبرى..
والتي حُدِّد لها خطتين (حوالي العشرة سنوات).
ولا
شك أن الاستثمارات الأمريكية واليابانية وكذلك الأوروبية قد ساهمت إسهاماً
مقدراً في تحقيق "الحُلم الكوري الجنوبي العظيم في التحوّل العلمي
والصناعي". ولكن لا بد من الجزم أن السر الأعظم في ذلك والعامل الأكبر يرجع
إلى حكمة الجنرال (بارك: Park) وحكومته في وضع فلسفة التحول الصناعي وفي
ابتداع رؤية أن كوريا قادرة على اللحاق بركب الأمم الصناعية المتقدمة في
أقل من ثلاثة عقود!
وهكذا، فإن أهم النجاحات وراء التطور المذهل لكوريا الجنوبية يتمثل في النجاحات التالية:
(1)
أولاً: تحقيق الوحدة الوطنية والوفاق الشامل لكل فئات الشعب، فلم تكن هناك
حكومة ومعارضة فيما يتعلق باعتماد الإستراتيجية الكبرى والعمل على تنفيذها
وفي وقت قياسي.
(2)
ثانياً: لم تكن الدولة تتدخل في النشاط الاقتصادي والصناعي إلا من حيث وضع
السياسات العامة والإستراتيجيات الكبرى ووضع الخطط والمشاريع واعتماد
الميزانيات ومتابعة مراحل التنفيذ وتوفير الأماكن والموارد المالية
والبشرية الضرورية لذلك التنفيذ.. وكانت الخصخصة كاملة وبمعنى أن الشركات
الوطنية المعتمدة لدى الدول (حوالي عشرة شركات كبرى) هي التي تضطلع لمهام
الإنتاج الصناعي تمويلاً وإدارةً وتسويقاً.. ولكن كانت الدولة تتدخل في
الأحوال الضرورية للمساعدة ولتدعيم تلك الشركات والمساعدة في إسداء النصح
والتوجيهات والتصحيح إذا لزم الأمر.
(3)
وفي المقام الثالث كان الإنتاج موجهاً للتصدير وليس للاستهلاك المحلي..
وذلك لتوفير العملات الرأسمالية والأموال الأجنبية للاستمرار في تمويل
مدخلات الإنتاج من مواد خام أو خبرات أجنبية (يلاحظ هنا أن كوريا الجنوبية
لم تكن تملك أي موارد طبيعية تذكر..).
(4)
ورابعاً: ينبغي أن ننوّه أن كوريا الجنوبية وحيث لم تكن تملك أي موارد
طبيعية اتجهت بالكامل إلى تنمية الموارد البشرية وبذلك من خلال التعليم
المتميز (Quality Education) وكذلك بالتدريب المتقدم والمستمر في جوانب
العلوم والتقانة وكذلك الإدارة والاقتصاد والمحاسبة.. وهذا ما يتعارف عليه
اليوم "باقتصاد المعرفة: Knowledge Economy
لقد
ابتعثت كوريا الجنوبية الآلاف من الطلاب ذوي القدرات العقلية والعلمية
المتقدمة وكذلك الآلاف من العمال ذوي القدرات المهنية العالية.. ابتعث بهم
إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان وغيرها من بلدان العالم.
ونذكر
هنا أن كوريا الجنوبية أخذت بنظام السكة حديد في السودان في بداية
الستينات من القرن الماضي.. وكذلك اقتبست كوريا الجنوبية من نُظُم الخدمة
المدنية في السودان وكذلك بعض الخبرات في الزراعة والمؤسسات الصناعية..
وعندما عاد أولئك المبعوثون إلى كوريا الجنوبية كان همهم ليس المرتبات أو
المخصصات المالية ولكن كان همهم إنجاح البرنامج الوطني للتحوّل الصناعي
واللحاق بالدول المتقدمة.. ولكننا نلاحظ أن الشركات الوطنية الكبرى كانت
تهتم بأحوال أولئك الخبراء والفنيين الوطنيين العائدين من الخارج.. حتى أن
تلك الشركات كانت تقوم برعاية أسرهم وأطفالهم وطرق إسكانهم ومعيشتهم وحتى
تعليم أبنائهم في مدارس متميزة.. وهذا جزء من الحكمة الكورية التي أسهمت
بقدر كبير في إنجاح البرنامج الوطني للتحول الصناعي واللحاق بالدول
المتقدمة الكبرى. ويذكر في هذا المقام أن العاملين في تلك الشركات لم
يكونوا يشعرون بأنهم مجرد عمال أو موظفين في تلك الشركات، بل كانوا على
العكس من ذلك –يشعرون بأنهم شركاء كاملين في تلك الشركات.. وكانت هذه
الشراكة شراكة حقيقية إذ أنهم كانوا ينالون قسطاً مقدراً من أرباح تلك
الشركات وكانوا يشاركون في الرفاهية التي تتيحها الشركات للمدراء والعمال
والخبراء على قدم المساواة والتسوية، فلم تكن الفروق المالية كبيرة جداً
بين المديرين والعمال الخبراء والفنيين..
لقد
استطاعت كوريا الجنوبية، في الفترة من 1960 إلى 1970 وتحت قيادة الجنرال
المستنير الجنرال بارك (Gen. Park) تحقيق ما عرف بمعجزة بنهر الهان (The
Han River).. وهي المعجزة التي نقلت كوريا الجنوبية:
• من أحضان الفقر إلى سعة العز والرفاهية.
• ومن التخلف إلى امتلاك ناصية التقانة الصناعية المتقدمة.
•
ومن اقتصاد زراعي متخلّف إلى مجتمع صناعي احتل المرتبة السابعة عشر من بين
أكبر اقتصاديات العالم في ما بعد عام 2000م. وكوريا الجنوبية اليوم عضو
مهم في مجموعة العشرين قطر الأكبر تقدماً (The G 20):
- فأصبحت أربعة عشر شركة كورية جنوبية ضمن الخمسمائة شركة الأولى في العالم
The first 500 Companies
- وأصبحت الماركات التجارية الكورية الجنوبية وهي:
- Samsung:السامسنق
- Hyundai: الهنداي
- L.G: الـ ل. ج
أصبحت هذه الماركات التجارية الصناعية ضمن المائة ماركة الأولى في العالم.
(The first 100 Trade marks in the World).
- وأصبحت أربعة وسبعين سلعة أو منتج ضمن السلع التي تربعت في المرتبة الأولى في أسواق العالم.
ومعجزة
نهر الهان The Han River هي أن شواطيء هذا النهر في عام 1980م لم تكن أكثر
من بيوت الحديد والصفيح. وكلها اليوم عمارات رائعة التصميم وهي من بين
أجمل ناطحات السحاب في سيول (The high Rise).
ولقد ذكر الدكتور/ جنسولي:(1) Jinsoo Lee
"أن الرئيس الجنرال بارك عزا نهضة أو معجزة نهر الهان إلى ثلاثة أسرار هي:
(1)
التركيز (The Focus)، بمعنى تركيز أنواع محددة من الصناعات الإستراتيجية،
ومنها: السيارات، السفن، الإلكترونيات، الحديد والصلب والبتروكيماويات".
(2) التحفيز (Motivation) بمعنى تحفيز من ينجز وفصل من يفشل في الإنجاز.. مع تحفيز المدراء والشركات الناجحة أدبياً ومادياً.
(3)
والسر الثالث هو بناء القدرات Capacity Building بمعنى ابتعاث الآلاف من
الطلاب من ذوي القدرات العلمية والأكاديمية الفائقة إلى الولايات المتحدة،
أوروبا واليابان وكذلك ابتعاث العمال من ذوي المهارات العالية جداً إلى
اليابان وألمانيا وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، لمزيد من التأهيل
الأكاديمي والتقاني ومن أجل الحيازة على مزيد من المهارات الصناعية
والإبداعية، وهذه هي "إستراتيجية اقتصاد المعرفة" التي أشرنا إليها أعلاه
والتي تبناها الجنرال (بارك: Park) ليعوِّض بها عن نقص الموارد الطبيعية
التي عانت منها كوريا الجنوبية.. ولقد استفادت كوريا من المبعوثين العائدين
بأعلى أنواع التأهيل والتدريب العلمي والصناعي وذلك بتبني سياسة شفافة في
التوظيف والاستبعاد في الوظائف الأكاديمية والصناعية والإدارية العليا..
فكان الاعتبار الأول والأساس هو: سياسة التعيين حسب الكفاءة وحدها. وبذلك
استطاعت كوريا (الجنوبية) أن تؤسس بيروقراطية أكاديمية وصناعية وإدارية
مبنية على الكفاءة وحدها، وهو ما أسماه الدكتور/ جنسو لي (Jinsoo Lee)
A Merit – Basel Bureaucracy
فمنذ
1963 وضع الجنرال بارك سياسة التعيين وفق نتائج امتحان الدخول (إلى الخدمة
الحكومية) ولكن الحكومة وحتى الشركات الوطنية من القطاع الخاص كانت تعقد
لامتحان دخول الخدمة.
Civil Service Entrance Examination
فكان
خريجو الجامعات الكبرى يتنافسون وفق نتائج هذا الإمتحان.. ولم تكن تجدي أو
واسطات أخرى من أجل التعيين في الحكومة والشركات عبر نتائج هذا الامتحان.
وكان
نوّاب الوزراء وحتى الوزراء يأتون من كوادر الخدمة المدنية، والذي دخلوا
بها وترقوا فيها حسب تلك الامتحانات.. وحسب التمييز والكفاءة والأداء
المتميز وحده..
وكان
الرئيس (بارك Park) يختار الأشخاص المتفوقين في تلك الامتحانات. وكان يعهد
إليهم في ثقة كاملة بكل المسئوليات ولا يتدخل في اختصاصاتهم وتفويضاتهم،
وكان يكافيء الذين ينجزون المهمات التي تسند إليهم بكفاءة واقتدار وذلك
بترقيتهم وتثبيتهم في الخدمة والإشادة بهم وتحفيزهم أدبياً ومادياً، فإن
التحفيز كان أحد أسرار وركائز منهجية الرئيس (بارك)!
كان
يعقد مجالس لتقويم أداء الوزراء وكبار المسئولين كل ستة أشهر... ومن يثبت
فشله أو ضعف أداءه فإنه يفصل من العمل بلا محاباة أو تردد!
فكان
هنالك إجراءات لمكافحة الفساد المالي والإداري وذلك بإبقاء الموظفين الذين
يتميزون بالأمانة وعفة اليد في الخدمة حتى بعد فترة الإحالة إلى المعاش.
وكان من واجبات وكالات المخابرات الوطنية التي تراقب الأداء الوظيفي
وتُبلِّغ عن الفاسدين مالياً أو إدارياً.. وكذلك كان من واجب أجهزة الإعلام
أن تراقب الأداء الوظيفي لمنسوبي الحكومة والشركات على السواء!!
خاتمة هذا الجزء:
لقد لخَّص الدكتور/ جنسو لي Jinsoo Lee الأسباب الكبرى في نجاح كوريا الجنوبية في تحقيق معجزة نهر الهان في الكلمات المالية
“
If Someone asks why Korea developed so fast in the 1960s and 1970s,
then we answer by saying: the government had a Right Focus, and
Motivated People and Competent firms to contrive in Right direction, and
all this” Was “made possible by a Visionary Leader General Park, and
Competent Civil servants”
كوريا بعد انهيار الأسواق الآسيوية 1973م
ولقد
تعرضت كوريا الجنوبية، كسائر بلدان جنوب شرق آسيا إلى كارثة انهيار أسواق
الأوراق المالية والأسهم والسندات المالية في عام 1997م. وانتكس الاقتصاد
الكوري الجنوبي من نسبة نمو تفوق السبعة في المائة (7%) إلى نسبة نمو سالبة
يُقال إنها بلغت ناقص السبعة في المائة (-7%).
ولكن
كانت كوريا شديدة الخطر إذ تولى الحكم رجل علية في الكفاءة والإخلاص وكذلك
كان رجلاً يؤمن بالديمقراطية وبالحكم الرشيد وهو المستر كيم دي جنج (Kim
Dae- Jung)(1) خريج جامعة كمبردج بتفوق، والذي نال جائزة نوبل للسلاح فيما
بعد. وكان المستر (كيم: Kim) رجل اقتصاد من الطراز الأول.. وكان يؤمن
بالإصلاح الاقتصادي.. وعندما تولى الحكم في 1998م كان الاقتصاد الكوري
منزلق إلى (-7 Percent)، بعدما كان ينمو بنسبة (+7 percent) قبل الانهيار
الاقتصادي في الأسواق المالية الآسيوية في عام 1997م.
لكن
بالرغم من شخصية الرئيس الديمقراطي الذي حكم بعد انهيار الأسواق الآسيوية،
فإن آثار ذلك الانهيار استمر في العقود ولم تستطع جهود الرئيس (كيم Kim)
أن توقف التدهور واستمرار الخسائر في شركات الجيبول (Chaebol) الكبرى،
مثلاً Daewoo Motors (الداييو) أو حتى الهنداي The Hyundai
لقد
كانت الهاينداي من أكثر شركات (الجيبول) التي تأثرت واهتزت نتيجة انهيار
الأسواق المالية في جنوب شرق آسيا في عام 1997م. ولكن المرء يلاحظ أن شركات
(الجيبول) قد استطاعت توفيق أوضاعها –خصوصاً بعد الدعم الكبير الذي تلقته
من حكومة كوريا الجنوبية، ومن بنوك الدولة والتي هي بدورها تأثرت كثيراً
بانهيار سوق الأوراق المالية في آسيا في 1999م ومما يلاحظ أن هذه الشركات
الآن قد عادت لاحتكار أسوق السيارات و(الهنداي) وكذلك أسواق الإلكترونات
(سامسونج Samsung) وكذلك أسواق صناعة السفن.
لكن
الجديد في النمو الاقتصادي الكوري الجنوبي هو بروز شركات جديدة في مجال
تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية، فبحسب مقال الدكتور/ (ماركس نولاند:
Marcus Noland)(1)، فإن النمو الجديد في الاقتصاد الكوري الجنوبي –بخلاف
شركات (الجيبول)- هو في مجال تكنولوجيا الاتصالات المعلوماتية:
Dr. Noland writes:
“The
advent of information technology is changing the structure of the South
Korean economy. Given the rigidities and uncertain future of the
(Chaebol), there has been an upsurge in start- up activity and initial
Public offerings in the Stock market. In 2000, according to a survey
jointly conducted by the London Business School and the Babson College
nine percent of Adults in South Korea were owing or managing new firms,
by far the highest in the World! (The United States was Second, as less
than 5 percent own such firms)”.
Dr
Noland Seems to have a pessimistic opinion as to the future economic
promise of the old comprise, comprising the famous Chaebol, which were
the major creative actors in the Han River Miracle of Korea economic and
Industrial revolution of the 1960s and 1970s! Be that as it may, the
new electronic revolution of South Korea is no less significant than the
Han River industrial revolution achieved by the Chaebol, but it is a
new promising addition to the success of the Korean People, if compared
by nations that were more developed than South Korea in 1960: consider
the cases of Sudan, and ever Egypt which was, in 1900, almost in the
same industrial and technological rank as Japan.
But
South Korea were fortunate to have an enlightened leader and a visional
elite, in 1960s, whereas Sudan and Egypt did not have such a visional
leaders..
South
Korea discovered the magic of strategic planning, and that very high
reform was achiever if they were carefully followed and implemented,
whereas, both Sudan and Egypt, unfortunately did discover the magical
significance of strategic planning, South Korea, not only discovered and
adopted the technique of Strategic planning but they created well
-designed mechanism to secure the careful and strict implementation of
the Strategic plans. Once they were worked out and prepared, the
strategic plans they adopted and worked- out can be described as SMARTER
strategic plans, because they were Smarter, i.e
S = Specific Plans’
M = Measurable “ ‘
A = Applicable “ ‘
R = Realistic “ ‘
T = Time – Bound “ ‘
E = Extendable “ ‘
R = Rewarding “ ‘
So,
the President himself General Park used to follow the execution of
these strategic plans by himself, and he used to monitor the matter
every six months!
Facts and Statistics about 12
The River Han revolution and the
Role of the Chaebol, in achieving it
الجدول
أدناه، هو مقتبس من مقال الدكتور/ جنسو لي (Jinsoo Lee)، عن العشرة سلع
الرئيسية التي تتصدر صادرات كوريا الجنوبية منذ عام 1960م وإلى عام 2000م.
ويلاحظ أن تلك الصادرات كلها (ما عدا الأرز والسمك) وهذه توقفت بعد عام
1980م... واستمرت الصادرات الصناعية.. ولذلك لأن كوريا الجنوبية لا تمتلك
أي موارد طبيعية تذكر ولكن هذا الجدول لا يظهر الصادرات الإلكترونية
الجديدة المتمثلة في صناعة رقائق الحاسوب.
Computer Clips (Hard and Software)
والتي
هي آخر تطوّر الصناعة في كوريا الجنوبية، والتي أصبحت تدر على كوريا
الجنوبية مليارات الدولارات، كما أشار إلى ذلك الدكتور/ ماركس نولاند
Marcus Noland فيما تقدم من هذه الدراسة: (ص7) من مذكرة الدكتور (جنسو لي
Jinsoo Lee):
Export of Manufacturing led the growth
Korea’s Manufacturing Export
Million USD
(% in total export) 15.100 (90%)
Exports increased
41 (15%) By an average annual
Rate of 38.8%
1960 1979 year
KDI School Becoming the Core- Knowledge Hub
Korea’s Top 10 Exports: Evidence on Industrial Upgrading
2000 1990 1980 1970 1960
Semiconductors Electronics Textiles Textiles Iron Ore 1
Computers Textiles Electronics Plywood Tungsten Ore 2
Automobiles Footwear Iron and Steel Products Wigs Raw Silk 3
Petrochemical Products Iron and Steel Products Footwear Iron Ore Anthracite 4
Ships Ships Ships Electronics Cuttlefish 5
Wireless Telecommunication Equipment Automobiles Synthetic Fibers Fruits and Vegetables Live Fish 6
Iron and Steel Products Chemicals Metal Products Footwear Natural Graphite 7
Textile Products General Machines Plywood Tobacco Plywood 8
Textile Fabrics Plastic Products Fish Iron and Steel Products Rice 9
Electronics Home Appliances Containers Electrical Goods Metal Products Bristles 10
ونختتم
هذا المقال بالإشادة بالتفكير الاستراتيجي الكوري، لأنه مهتم جداً ليس فقط
بوضع الخطط الإستراتيجية ولكنه يتميز أكثر بالاهتمام الكبير بالتأكد من
وضع تلك الخطط الإستراتيجية موضع التنفيذ، فالخطة الإستراتيجية لا تساوي
الكثير إذا لم توضع موضع التنفيذ –ولذلك كان الجنرال المستنير (بارك)
(Park) يترأس مجلساً للمتابعة والرصد Monitoring، وكذلك لإجراء بعض
التعديلات الضرورية إذا اتضح أن بعض جوانب الخطة المعتمدة ليست واقعية أو
عملية بالقدر الكافي، فلا بأس من القيام بإجراء تعديلات جزئية في الخطة حتى
تتم عملية التنفيذ بسلاسة ويسر، كذلك فإن هنالك عوامل تتعلق بالجانب
البشري –فلا بد من التأكد أن حماسة القائمين بالتنفيذ لا يطالها الإحباط أو
الفتور بمرور الزمن أو بسبب بعض النقص في التمويل أو في توفير الكوادر
البشرية اللازمة للتنفيذ والإنجاز- ولذلك فإن الجنرال المستر (بارك) كان
يهتم بمسألة التحفيز المادي والمعنوي للذين ينجزون ويتميز أداؤهم بالامتياز
والجودة.. هذا في جانب التحفيز الإيجابي.. ولكن هنالك عقوبات توقع على
الأفراد من ذوي الأداء الضعيف أو غير الكُفء.. فهؤلاء يتم فصلهم من المشروع
وإبعادهم بلا مجاملة أو تردد كذلك، فإن جودة التنفيذ تتطلب –في بعض
الأحيان- تعزيز الخُطط وذلك برفدها بمزيد من الإمكانات المالية والبشرية.
وهذا
ما أسماه الدكتور/ ديفيد هوسي:(1) David Husseyبمفهوم المساندة Supporting
كما أن هوسي، يركز على مفهوم التحفيز ومنه الاعتراف وإبداء الشكر للذين
يتميزون بالأداء الممتاز في تنفيذ الخطة الإستراتيجية، وهو ما عبَّر عنه
بكلمة (Recognizing)، ومن المفاهيم التي ينبّه لها الدكتور ديفيد هوسي من
أجل ضمان نجاح تنفيذ الخطة الإستراتيجية مفهوم التركيز والتدعيم في أثناء
تنفيذ الخطة وهو ما عبَّر عنه بكلمة (Ensuring) وهكذا، يضع (هوسي) شكلاً
سداسياً ليعبّر عن المفاهيم الضرورية لضمان نجاح تنفيذ الخطة الإستراتيجية
عندما توضع ويتم اعتمادها، على الشكل التالي:
الاستبصار Envisioning
التفعيل/ المشاركة الفعالة الإعتراف والشكر
Activating Recognizing
المساندة المتابعة والرصد
Supporting Ensuring
التنفيذ Implementing
وقبل
اختتام هذه الدراسة، لا بد من التذكير أن تنويهنا بالتجربة الكورية لا
يعني أننا نريد تطبيقها بحذافيرها في السودان، فبين السودان وكوريا
الجنوبية اختلافات جذرية في الهوية الثقافية وكذلك في الظروف التاريخية
والجغرافية والسياسية، فللسودان خصوصيته الثقافية والسكانية ولكن الغرض من
هذا التنويه بالتجربة الكورية هو ضرورة أن يأخذ السودان طريق التحوّل
الصناعي وبأسرع ما يمكن. وأن يكون هذا التحوّل منطلقاً من مواردنا الذاتية
ومن إمكاناتنا البشرية والسياسية والمذهبية، ولا بأس أن نتعاون مع القوى
المحبة للسلام والتعاون الحضاري بين الدول. فإن السودان ينتمي إلى مجموعة
الدول التي تؤمن بالتعاون والتضامن الاقتصادي والعلمي بين الشعوب. ولا
يضيرنا أن نقتبس ما نراه مفيداً لنا من تجارب الإنسانية، فإن الحكمة ضالة
المؤمن، أنى وجدها أخذها.
قلنا
أننا عندما ننوّه بالتجربة الكورية الجنوبية في تحقيق نهضة حضارية مذهلة
لا تقلل من وجود فوارق كبيرة جداً بين ظروف السودان وذلك القطر الفريد:
ولكننا –مع ذلك- يمكن أن نستفيد الكثير إذا نظرنا إلى بعض عوامل ذلك النجاح
الكوري، لأنه من الممكن جداً الأخذ بهذه العوامل والعمل بها في ظروف
السودان وحالته الراهنة:-
من
أول هذه العوامل هو الوعي بأهمية وجود قيادة عليا مستنيرة وملهمة، قيادة
تستطيع أن تحشد كل الأطراف الفاعلة في المجتمع خلف قيادتها. وأن تستطيع أن
ترتقي بكل فئات الشعب وطوائفه من درك الانقسامات والشروخ إلى يفاع الإيمان
بأن الوطن ملك للجميع وأنه فوق الجميع... وأن علوّه هو علو للجميع، كما أن
انحطاطه هو انحطاط للجميع.
وهذا
ما تميَّز به قائد الثورة الكورية الجنوبية الجنرال (بارك Park). وبالرغم
من أن الرجل كان ذي خلفية عسكرية، وأنه كان ضابط كبيراً في الجيش، إلا انه
تميَّز بدرجة عالية من الاستبصار والوعي السياسي والقيادي:
فقد
أدرك أولاً أنه لن يستطيع أن يقود الأمة بالعصا الغليظة، أو بأعمال سياسة
القمع أو الاستبداد، أدرك من أول وهلة أهمية أن يجمع الناس بالعقل وبإدارة
الحوار الوطني المستنير.. أن الوطن للجميع.. وأنه يسع الجميع.. فلا إقصاء
أو إبعاد أو تهميش لأي فصيل من فصائل المجتمع، كما أدرك أن الأوطان إنما
تُبنى بالإرادة الواحدة المتحدة.. ولذلك سعى من أول يوم وهو يتولى القيادة
من تحقيق الوفاق الوطني.. استطاع كذلك أن يجمع كافة طوائف المجتمع من
رأسمالية وعمال وجنود على التراضي بعقد اجتماعي جوهره أن يعمل الجميع على
تحقيق نهضة الوطن وكسب السباق في أن تصبح كوريا الجنوبية ضمن الأمم
المتقدمة علمياً وثقافياً وأن تلحق بأعجل ما يمكن بركاب الأمم النيرة
والمتحضرة.
كذلك
أدرك الجنرال (بارك) أن الإقتصاد يلعب في كوريا دوراً رائداً وأساسياً في
تحقيق تلك النهضة المرغوبة.. ولكن الاقتصاد الفعّال والذي يؤدي إلى
التقدُّم والرقي هو الاقتصاد الذي يقوم على الحراك الفعّال للقوى العاملة
والذي يكون له قاعدة صلبة من التمويل والاستثمار، فكان يرفض التسيب والغلو
في الاستهلاك كما كان يرفض الإسراف والتبذير. فلا بد من تكوين رأس مال وطني
كبير لإحداث الطفرة الصناعية.. طفرة التحوّل الصناعي.. ثورة التحوّل من
اقتصاد الندرة والكفاف إلى اقتصاد الإنتاج والوفرة.. ولكن هذه الطفرة ينبغي
أن تقود إلى مزيد من الوفرة ومن الفائض السلعي والخدمي بغرض التصدير وبغرض
كسب مزيد من الأرصدة الصعبة وبفائض الأموال اللازمة لاستدامة التنمية
واستدامة التشغيل شبه الكامل للعمال الكوريين.. ولذلك كان الاقتصاد يتسم
-في البداية- بالخصائص التالية:
1) أنه اقتصاد يقوم على تركيز رؤوس الأموال الوطنية يحفظها من الضياع أو التبذير أو الإفراط في الاستهلاك.
2)
وأنه كان اقتصاد يستفيد من الميزات والأفضليات للشعب الكوري.. وهو أفضلية
كثافة السكان .. فكان اقتصاد مما يوصف باقتصاد الكثافة السكانية Labor
Intensive
3)
كذلك كان الاقتصاد الكوري يوصف باقتصاد التقشف وعدم اللجوء إلى الاستهلاك
المفرط.. والتركيز على إدخار الأموال.. وجمعها في البنوك الوطنية التي تعمل
في مجال الصادر.. وكذلك التركيز على عدم الإنفاق البذخي، لا في المؤسسات
الحكومية وحدها ولكن حتى في الشركات الخاصة (Chaebol).
4)
كما كان الاقتصاد مبني لا على المنافسة الضارة ولكن على الشراكة
الاقتصادية الذكية بين الحكومة والشركات المعنية.. ومن ذلك كان الجنرال
(بارك) (من أجل منع المنافسة الضارة) كان يحدد لكل شركة المجال الرئيسي
لعملها ولإسهامها في مجال التحوّل الصناعي.
1- فالهونداي Hundai لصناعة السيارات.
2- والسامسنق Samsung لصناعة الإلكترونات والأواني المنزلية – الثلاجات – وأجهزة التبريد وكذلك الموبايلات وما إلى ذلك.
3- وهنالك شركات فرض عليها التخصص في صناعة السفن أو البتروكيماويات.. وهكذا وهلم جرا.
والأهم
من ذلك كله هو إقامة الشراكة الواعية بين أصحاب العمل والعمال، لا على
حساب العمال أو استغلالهم، بل على إدراك الجميع أن النجاح هو نجاح للطرفين:
أصحاب العمل والعمال. وأن الفشل هو أيضاً سيطال الطرفين ولذلك كانت
الإستراتيجية إستراتيجية ذكية هي إستراتيجية (أربح/ أربح) Win Win وكانت
هذه الإستراتيجية من العوامل الأكثر فاعلية في نجاح التجربة الكورية والتي
كانت تفتقر بصورة كلية للموارد الطبيعية، كل تلك العوامل هي عوامل ما أسماه
رئيس وزراء ماليزيا الأسبق د/ محمد مهاتير:
بأخلاق العمل The Work Ethics
والذي تثبته الحركة النهضوية للجنرال بارك (Park) وهذه الأخلاق والتي تميزت بمباديء :
1) الإخلاص المطلق للمصالح العليا للوطن.
2) التقاء جميع الأطراف الوطنية واتفاقها على رعاية تلك المصالح الوطنية العليا.
3) دخول كل الطاقة الممكنة في أداء الوظائف والأعمال لتحقيق تلك المصالح العليا.
4)
موافقة العمال على الشراكة الذكية مع أصحاب العمل. ولذلك كان العمال
يتميزون بالنشاط والمثابرة والأعمال الصعبة والشاقة بروح طيبة وبلا تذمر أو
سخط.. بل كانوا يفتخرون بأن العامل الكوري نشط وله طاقة كبيرة للعمل
لساعات طويلة نسبياً.
5)
وكذلك الأمر باحترام قوانين العمل وقوانين البلاد.. تلك القوانين التي
كانت تمنع الإضراب عن العمل أو عدم الحفاظ على أملاك الشركات أو مقوماتها
وأصولها.
6) كما كان العمال يحرصون على إتقان الأعمال واتباع شروط الجودة والمنافسة مع السلع المستوردة.
كل
تلك العوامل مما أسهم في القفزات الرائعة التي حققتها كوريا الجنوبية في
عقدين من الزمان.. أضف إلى ذلك أن العمال والمواطنين الكوريين كانوا يؤمنون
بأن كوريا ليست أقل شأناً أو مكانة من الدول المتقدمة كاليابان أو
الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا. ولذلك كانوا يسعون للحاق بتلك الأمم
المتحدة. وكانوا ينظرون إلى الأعلى والأرفع والأبعد من حيث الشأن أو
الحضارة. ولا ينظرون إلى الأدنى. فهم يريدون اللحاق بالدول المتقدِّمة
الكبرى.. وكانت هذه الرؤية مهمة جداً بل كانت تمثل لهم حافزاً أدبياً
كبيراً.. وكأنهم كانوا يريدون تحقيق ما دعا له الشاعر العربي النابغة أبو
الطيب المتنبي:-
إذا غامرت في أمر مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم
وكما يقول المثل الأمريكي:
The Sky is the limit
أن
اكتساب أخلاق العمل التي كانت للعامل الحاسم والضروري جداً في نجاح
التجربة الكورية، ذلك النجاح الباهر. رغم عدم وجود أي موارد طبيعية
بالكلية:
No natural resources what –so- ever
وكان
هذا النجاح إنما يرجع إلى تبني الكوريون تلك الأخلاق الرفيعة.. ومن لنا في
السودان أن نلقن عمالنا بأهمية مبدأ "الإتقان" في العمل، ومَنْ الذي يمكن
أن يلقنهم ما دعا له رسول الله:
"إن
الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه"، أي من لنا بالقيادة التي تلهم
عمالنا تلك المباديء– لا عن طريق الأقوال وحدها، ولكن عن طريق القدوة
الحسنة والقيادة الملهمة. ومَنْ ذلك الذي يلقن عمال الوطن الصبر الجميل على
ساعات العمل وأن يقبلوا على أعمالهم بالجدية والإخلاص المطلوبين، ولا
يهدروا أوقات العمل في الجدال السياسي أو في الونسة الفارغة أو في الخروج
للأسواق أو للعزاء في الأموات، وما إلى ذلك مما يسبب إضاعة الأموال
والأوقات التي كانت من المفروض أن تخصص للعمل والإنتاج. ثم مَنْ ذا الذي
يلقن عمالنا بأنه عليهم الوفاء بواجباتهم وأعمالهم قبل المطالبة بالحقوق
وزيادة الأجور وما إلى ذلك؟ فإذا كان الإنتاج متدنياً والإنتاجية أقرب إلى
الصفر، فمن أين تأتي الأموال التي تصب في خانة زيادة أجور العمال وتحسين
أوضاعهم المعاشية. ثم مَنْ ذا الذي يوجه أصحاب الأعمال بإنصاف العمال وعدم
استغلالهم وأنهم ينبغي أن يدفعوا أجور عمالهم قبل أن يجف عرقهم، كما أوصى
رسول الله (ص) بذلك..؟ وهل يمكن لنا وهل من الممكن أن نحقق المبدأ السحري
الذي حققته كوريا الجنوبية واليابان قبلها.. وهو تكوين شراكة ذكية بين
أصحاب العمل وأصحاب الشركات من جانب والعمال من جانب آخر حتى يعمل الجميع
بروح واحدة من أجل الإنتاج والإنتاجية، ثم هنالك موضوع توحيد الإرادة
القومية من أجل النهوض بالوطن وتحقيق آماله في التقدّم والرفعة ومنافسة
الدول المتقدمة.. إن السودان –للأسف- يميل أهله للتشرذم والاختلاف والتفرق
أكثر من ميلهم للتوحد أو التعاون وروح الفريق.. وبعد قيام ثورة إبريل عام
1984م وانهيار نظام نميري نشأت في السودان أكثر من ثلاثين حزباً سياسياً،
ناهيك من المئات من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.. وحدث الشيء نفسه بعد
أن أطلقت ثورة الإنقاذ الوطني حرية تكوين الأحزاب والهيئات، فهنالك في
السودان عشرات الأحزاب والهيئات.
وتعرضت
معظم الأحزاب، بل كلها إلى الانشقاقات والانشطارات والتشرذم والتفكك،
وأصبح الكلام عن الوحدة الوطنية أو حتى عن متابعة الوفاق الوطني والاتفاق
على الثوابت الكبرى للمجتمع أمراً عسيراً، بل أن الأمر ذاته قد طال حتى
الحركات التي تحمل السلاح والتي تمردت على الحكومة المركزية، فهنالك الآن
أكثر من ثلاثين حركة متمردة تحمل السلاح ضد الحكومة الاتحادية في الخرطوم،
ثم هنالك الميل نحو احتكار السلطة من أشخاص قلائل والاستئثار بالسلطة
والمال والجاه.. وكأن القوم قد اقتنعوا بمقولة ابن خلدون:
"أنه من طبيعة الملك الانفراد بالمجد".
إن
فكرة الإقصاء والإقصاء المضاد وفكرة الصراع على كل شيء وعدم الاتفاق على
أقل قدر من الثوابت الوطنية لهو من أكثر معاول الهدم الحضاري. وهو أمر
مستفحل في السودان الآن.. وذلك بالرغم من تحذير القرآن الكريم ووعيده
الغليظ "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" صدق الله العظيم.
ومن الدروس المستفادة من التجربة الكورية، درس تقديم الكفاءة على الولاء الحزبي أو الحكومي.
قيل أن الجنرال "بارك" وضع مبدأ منذ البداية يقرر أن تقديم العمال والموظفين وترقياتهم في مجال الخدمة والمهنة إنما يتم حسب مباديء:
- الكفاءة والمسئولية.
- وكذلك الأمانة والمواظبة.
- وأن يتم توظيفهم بحسب مبدأ الكفاية، لا الولاء الحزبي:
Merit- Based Appointment
فلا محسوبية ولا مجاملة. وكل هذه مباديء نص عليها الإسلام.
قال تعالى، على لسان نبيه سيدنا شعيب:
" يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ". [القصص: 26]
- وقال تعالى على لسان يوسف عليه السلام "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم".
[يوسف: 55]
كما
أن استبقاء الموظفين والمستشارين على رأس الأعمال، إنما يتم بحسب مباديء
المراقبة والمحاسبة والإنجاز. فمن لا ينجز يُفصل من العمل بلا مجاملة وهذا
ينطبق حتى على الوزراء والمدراء.
أما الفساد، فلا مجال له في حكومة الجنرال (بارك) (Park)، فقد كان الرئيس نفسه آية في الأمانة والمسئولية الوطنية.
وأما
الصرف البذخي، فكان محرّماً بالكلية فلم يكن مسموحاً لأحد بأن يلجأ إلى
الصرف البذخي أو الصرف التفاخري، وكانت الحكومة تراعي التقشف في الإنفاق
الحكومي كالأفراد تماماً.. وكل ذلك ساهم في توفير أموال طائلة وجهت إلى
الاستثمار وإلى إحداث التحول الصناعي المنشود!
كانت
المناصب القيادية العليا في الحكومة والصناعة تذهب إلى الموهوبين وإلى ذوي
القدرات العالية.. كما لم تكن الحكومة الكورية تتحرج إلى توظيف خبراء
أجانب، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وخاصة في مجال الصناعة.. ولكن كان يستوجب
على الخبراء الأجانب أن ينقلوا خبراتهم إلى التقنيين الوطنيين في فترة
محددة، حسب العقود معهم.. وهكذا استطاعت كوريا الجنوبية أن تتخذ برامج مهمة
جداً وحساسة بواسطة الخبراء الأجانب، كما استطاعت أن توطن للتكنولوجيا
المتقدمة في فترة قياسية (في عقدين من الزمان).
وأما
في جانب التحفيز الأدبي فكان المتفوقين وذوي القدرات العالية يجدون
التكريم المادي والأدبي (قارن ذلك بما يحدث في السودان، فإن المتفوقين
والموهوبين كثيراً ما يجدون أنفسهم في مواضع الإهمال والتهميش، أو حتى
الطرد والإقصاء، مما يدفعهم إلى مغادرة البلاد في أول فرصة سانحة وهكذا فقد
السودان الآلاف من أبرز الكوادر العلمية الأكاديمية، وخاصة الأطباء
وأساتذة الجامعات)!!.
وفي
مدارس السودان كثيراً ما يجد المتفوقين من الطلاب العداء من بعض المعلمين
ذوي القدرات المتواضعة، وأما الأوائل فكثيراً ما يكون نصيبهم الجلد على
أيدي التلاميذ الضعفاء (البلداء)؛ دون أن تفعل إدارة المدارس ما يحول دون
ذلك.
وأما عن الحسد والغيرة في تلك الإدارة فحدث ولا حرج، خاصة بين المهنيين في الطبقات العليا وأساتذة الجامعات.
وينسب
إلى الراحل المقيم العلاَّمة عبد الله الطيب: أن الله عندما خلق الحسد وضع
90 في المائة منه في بلاد السودان، وأن أساتذة الجامعات يتنافسون
ويتقاتلون على الدرجات العليا ( لما يفعل التيوس).
وأما تكريم الدولة للعلماء من ذوي الأوسمة والميداليات فلا يتعدى التكريم سوى ديباجة ملونة وقطعة من نحاس ما لها ثمن.
نسب إلى عبد الله الطيب القول:
كرَّموني بخريقات ملوّنة
وقطعة نحاس ما لها ثمن
فليس
هنالك قانون يعطي أصحاب الأوسمة والميداليات أي مخصصات مالية أو حتى حقوق
في مراسيم الدولة، وهذا على غير عادات الشعوب المتقدِّمة. فإن تلك الشعوب
تحتفي بأبنائها المتفوقين بكل الطرق، وتوضع لذلك قوانين ولوائح تحكم ذلك
التكريم. أما في السودان فإن المتفوقين الآن في الجامعات وكبار الأساتذة
ممن تجاوز عمرهم الـ 65 سنة، ليس لديهم أي مكانة أو اعتراف، بل أنه يصيبهم
الطرد من الخدمة بإحالتهم إلى المعاش أو تحديد مرتباتهم بما لا يزيد عن
ألفين جنيه في الشهر (يعني حوالي 250 دولار أمريكي فقط لا غير) وليست لديهم
بعد ذلك أي مخصصات؟! وهم الذين قضوا عمرهم في خدمة الدولة والوطن وفي
تعليم الأجيال، وكما يقول المتنبي رحمه الله:
أعاب علي ما يوجب الحب للفتى
وأهدأ والأفكار في تحول
وكما قال البارودي:
فهل دفاعي عن ديني وعن وطني
ذنبٌ أُدان به ظلماً وأغترب
وأما عن معاشات هؤلاء الأساتذة الكبار فلا تتعدى الأربعمائة جنيه، في بعض الحالات (يعني أقل من خمسين دولار في الشهر...).
فلماذا يقضي الناس حياتهم في طلب العلم وفي السعي للتفوق الأكاديمي والمهني في السودان؟
أما
في مجال التخطيط الإستراتيجي فلم يستطع السودان أن يضع خطة إستراتيجية
قابلة للتنفيذ يمكن أن تقارن بخطة الجنرال (بارك) أو خطة الدكتور/ مهاتير
محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق. حيث أن تلك الخطط وضعت أهدافاً محددة
قابلة للتحقق وقابلة لإحداث التطوّر المنشود.. وهي خطط علمية رصدت لها
الميزانيات والقوى البشرية المطلوبة وكذلك الجداول الزمنية. فخطة الجنرال
(بارك) ما بين 1960/ 1970 حققت التحوّل الصناعي والانتقال من الفقر المدقع
إلى الغنى الفاحش (22 ألف دولار دخل الفرد الواحد في السنة).
وما
خطة د/ مهاتير محمد فقد رفعت ماليزيا من الدول الفقيرة والمتخلِّفة إلى
مصاف الدول الصناعية المتقدِّمة وهي تضع حداً زمنياً (2020) لكي تصبح
ماليزيا واحدة من دول العالم المتقدِّمة.. على الأقل 20 دولار. فماذا حققت
خطة السودان، والتي كان الهدف الأساسي منها أن يصبح السودان دولة موحّدة
متقدِّمة، متطوِّرة متحضِّرة؟ وهل كان لها سقف زمني أو كانت لها ميزانيات،
وهل حشدت لها كوادر بشرية ولجان للرصد والتحفيز والمتابعة، والتقرير
والتعديل، كما قال بذلك د. ديفيد هوسي في الصفحات أعلاه؟؟
إن السودان بلد كبير وواعداً جداً.. وله من الموارد الطبيعية والبشرية ما يمكن أن يؤهله لأن يصبح دولة عظمى:
أما تقل منظمة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة أن السودان واحداً من دول ثلاث مؤهلة لأن تصبح ثلة غذاء العالم؟!
سبحانك
اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت.. نستغفرك ونتوب إليك ونصلي ونسلِّم
على المبعوث رحمة للعالمين محمد رسول الله وعبده وعلى آله وأصحابه الطيبين
الطاهرين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المراجع: Reference
1)
Emad Eldin Muhammad Ahmed Jawhar: Political Regime Change within the
Context of capitalist Industrialization in South Korea, 1961- 1979
2) Jinsoo Lee (ph.D): Secrets of Korea’s Economic Development. Its Implication for African Countries.
3) Marcus Noland: Economic Reform in South Korea: An unfinished legacy.
4)
بروفيسور/ زكريا بشير إمام: التخطيط الإستراتيجي والتعليم العالي في الوطن
العربي- إشارة خاصة إلى السودان- الطبعة الثالثة- ص (329).
5) David Hussey: Strategy and Planning A manager’s Guide, Wiley Chichester, West Sussey .
6)
Brown, William B. 2002: Saving and Investment in the Korean Economy,
kim Dae- Jung’s Reforms and the Challenges Ahead A paper presented in
the Kim Dae- Jung’s Peace Foundation Seoul. $.K. 2002.
7) Noland, Marcus: us- South Korea Economic Relations, Published in Tong when Park: us and the Two Korea.
8) أ.د. الزبير بشير وآخرون: بين التقنية والتنمية
المصدر: مركز التنوير المعرفى
مصدر الصورة ( الجزيرة نت )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق