التحريض على العمليات الانتحارية في بعض المواقع الالكترونية..د. عارف عوض الركابي - روان للإنتاج الإعلامي والفني
ويزداد
الأسى والأسف عندما ينقل «المفجّرون» أعمالهم الإجرامية «الهمجية» إلى
المساجد، إلى بيوت الله التي هي مكان الصلاة وذكر الله، وهي موضع
الطمأنينة، ومناجاة الله الخالق سبحانه وتعالى، فإنه بعد التفجيريْن اللذين
وقعا في مسجدين بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية شهدت دولة
الكويت بعد ذلك التفجير تفجيراً بأحد مساجدها، وفي ظهر يوم أمس فجّر أحد
المُضلّلين نفسه في مسجد لقوات الطوارئ بمدينة أبها بمنطقة أبها بالمملكة
العربية السعودية، والتفجير في المساجد هو جرمٌ أعظم من التفجيرات في غيرها
وهو عمل منكر وخطوة خبيثة للتشويش على المصلين، وللتشكيك في بيوت الله
المساجد، ولا يعلم من أين حصل سفهاء الأحلام على الفتاوى التي أباحت لهم
هذا العمل الإجرامي؟!!
ومن
المؤسف جداً أن تنشر بعض الجهات في مواقعها الالكترونية تسويغ وتجويز هذه
العمليات الانتحارية وتحثّ عليها بل وتعتبره نوعاً الجهاد، وفي أحد المواقع
الالكترونية الكبيرة في بلادنا بحثٌ بعنوان: العمليات الاستشهادية رؤية
شرعية.. كتب في مقدمته كاتبه ما يلي: «فإن الحديث عن العمليات الاستشهادية
ــ وخاصة في هذا الوقت ــ عملٌ جللٌ يُملي على الدعاة ضرورة إحياء تلك
الفريضة التي هي ذروة سنام الإسلام، ولأجل الدفع لعارضات الهوى الذي تمليه
فتنة القعود وشهوة التسلط وكبرياء الفراعنة الذين يبغوننا الفتنة، وفينا
سمّاعون لهم!!»
فهو
يعد العمليات الانتحارية فريضة من الفرائض فيا للعجب !! ويتناول بالتفصيل
حكم هذه العمليات فيقول: «هذا النوع من العمليات نحو أن يضع المجاهد في
سيارته بعض القنابل أو المواد المتفجرة، أو يحيط جسمه بحزام منها ثم يقتحم
على الأعداء مقرهم بقصد القضاء على العدو الذي أمامه ولو عن طريق التضحية
بنفسه. هذا النوع من العمليات يظهر من الأدلة أنه أكثر وضوحاً في الجواز من
مسألة التترُّس التي لا يختلف الفقهاء في جوازها إذا كان الترك يؤدي إلى
ضرر أعظم».
وإن
عجبنا من تجويز الكاتب للعمليات الانتحارية بل عدها فريضة من الفرائض،
فنعجب أكثر من أحد المعلقين وهو أستاذ دراسات إسلامية ببعض جامعاتنا فقد
قال: «التفريق بين الانتحار والعملية الاستشهادية، بوجود الدافع العقدي
الصحيح عند صاحب العملية الاستشهادية، مع توفُّر دواعي حُبّ البقاء، وليس
طلباً للموت وكراهيةً للحياة».
«دفع
شبهة وجوب إعلان الحرب في العمليات الاستشهادية؛ لأنه لم يكن هناك عَهْدٌ
أصلاً حتى يُنبَذ على سواء. بل الحرب معلنة مسبقاً. دفع شبهة براءة
المقتولين في العمليات الاستشهادية ضدّ الأمريكيين.....».
بمثل
هذا التأصيل الباطل تغسل الأدمغة ويفتي هؤلاء المفتون فيضلون شباباً،
فينطلقون يفجرون أنفسهم بين الأبرياء ليقعوا في الغدر والقتل وإراقة الدماء
وينتقلون بهذه الجرائم لممارستها في المساجد بيوت الله تعالى.
ولم
أرغب في ذكر اسم الموقع لعل ذلك يكون أفضل، وأرجو أن يحذف مثل هذا البحث
من هذا الموقع ويحذف مضمونه من العقول، وإن لم يرفع فسيتم الإفصاح عن اسم
الموقع والرد المفصّل على التأصيل في الذي أتى به الكاتب ووافقه عليه
المعقبون.
ووضوح المنكر في هذا العمل الإجرامي من التفجير في المساجد لا تظهر معه
الحاجة إلى بيان بالأدلة الشرعية، إلا أني رأيت لمزيد فائدة أن أضع بين يدي
قارئ عمود «الحق الواضح» جزءاً من مقال للعلامة الدكتور صالح بن فوزان
الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للافتاء بالمملكة
العربية السعودية حفظه الله، فإن أكثر التفجيرات التي تقع في بلاد المسلمين
يكون المستهدفون بها هم من المستأمنين ومن في حكمهم، أما التفجير في
المساجد فلا أتوقع أن حكمه يخفى على أقل الناس معرفة وعلماً، والمقال
بعنوان: «التفجير ليس من الجهاد في سبيل الله».
فلا
شك أن توفر الأمن مطلب ضروري، والإنسانية أحوج إليه من حاجتها إلى الطعام
والشراب، ولذا قدمه إبراهيم عليه الصلاة والسلام في دعائه على الرزق، فقال:
«رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ
الثَّمَرَاتِ» لأن الناس لا يهنئون بالطعام والشراب مع وجود الخوف، ولأن
الخوف تنقطع معه السبل، التي بواسطتها تنقل الأرزاق من بلد لآخر، ولذلك رتب
الله على قطاع الطرق أشد العقوبات فقال: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ
يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا
أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ
خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
وجاء
الإسلام بحفظ الضروريات الخمس، وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال،
ورتب حدوداً صارمة في حق من يعتدي على هذه الضرورات، سواء أكانت هذه
الضرورات لمسلمين أو معاهدين، فالكافر المعاهد له ما للمسلم، وعليه ما على
المسلم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة
الجنة»، وقال تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ».
وإذا
خاف المسلمون من المعاهدين خيانة للعهد؛ لم يجز لهم أن يقاتلوهم حتى
يعلموهم بإنهاء العهد الذي بينهم، ولا يفاجئوهم بالقتال بدون إعلام، قال
تعالى: «وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ
عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ».
والذين يدخلون تحت عهد المسلمين من الكفار ثلاثة أنواع :
المستأمن: وهو الذي يدخل بلاد المسلمين بأمان منهم، لأداء مهمة ثم يرجع إلى بلده بعد إنهائها.
والمعاهد:
الذي يدخل تحت صلح بين المسلمين والكفار، وهذا يؤمن حتى ينتهي العهد الذي
بين الفئتين، ولا يجوز لأحد أن يعتدي عليه كما لا يجوز له أن يعتدي على أحد
من المسلمين.
والذمي: الذي يدفع الجزية للمسلمين ويدخل تحت حكمهم.
والإسلام
يكفل لهؤلاء الأنواع من الكفار الأمن على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ومن
اعتدى عليهم فقد خان الإسلام، واستحق العقوبة الرادعة.
والعدل
واجب مع المسلمين ومع الكفار، حتى لو لم يكونوا معاهدين أو مستأمنين أو
أهل ذمة قال تعالى: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ
عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا» وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ
وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا
هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى».
والذين
يعتدون على الآمن: إما أن يكونوا خوارج، أو قطاع طرق، أو بغاة وكل من هذه
الأصناف الثلاثة يتخذ معه الإجراء الصارم، الذي يوقفه عند حده، ويكف شره عن
المسلمين والمستأمنين والمعاهدين وأهل الذمة.
فهؤلاء
الذين يقومون بالتفجير في أي مكان، ويتلفون الأنفس المعصومة، والأموال
المحترمة ــ لمسلمين أو معاهدين ــ ويرملون النساء وييتمون الأطفال، هم من
الذين قال الله فيهم: «ومِن النّاسِ منْ يُعْجِبُك قوْلُهُ فِي الْحياةِ
الدُّنْيا ويُشْهِدُ الله على ما فِي قلْبِهِ وهُو ألدُّ الْخِصامِ» «وإِذا
تولّى سعى فِي الْأرْضِ لِيُفْسِد فِيها ويُهْلِك الْحرْث والنّسْل واللهُ
لا يُحِبُّ الْفساد» «وإِذا قِيل لهُ اتّقِ الله أخذتْهُ الْعِزّةُ
بِالْإِثْمِ فحسْبُهُ جهنّمُ ولبِئْس الْمِهادُ».
ومن
العجيب أن هؤلاء المعتدين الخارجين على حكم الإسلام يسمون عملهم هذا
جهاداً في سبيل الله، وهذا من أعظم الكذب على الله، فإن الله جعل هذا
فساداً ولم يجعله جهاداً، ولكن لا نعجب حينما نعلم أن سلف هؤلاء من الخوارج
كفروا الصحابة، وقتلوا عثمان وعلياً رضي الله عنهما، وهما من الخلفاء
الراشدين ومن العشرة المبشرين بالجنة قتلوهما، وسموا هذا جهاداً في سبيل
الله، وإنما هو جهاد في سبيل الشيطان، قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِ الطَّاغُوتِ» ولا يحمل الإسلام فعلهم هذا كما يقول أعداء الإسلام
ــ من الكفار والمنافقين ــ إن دين الإسلام دين إرهاب، ويحتجون بفعل هؤلاء
المجرمين، فإن فعلهم هذا ليس من الإسلام، ولا يقره إسلام ولا دين، إنما هو
فكر خارجي قد حث النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ على قتل أصحابه، وقال:
«أينما لقيتموهم فاقتلوهم» ووعد بالأجر الجزيل لمن قتلهم، وإنما يقاتلهم
ولي أمر المسلمين، كما قاتلهم الصحابة بقيادة أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب رضي الله عنه.
لقد
بيّن العلماء بتفصيل تبرأ به الذمة، وتستبين به سبيل المارقين، أن
العمليات الانتحارية والتفجيرات التي اتخذتها بعض الطوائف في زماننا
المعاصر أنها ليست من الجهاد في سبيل الله، والجهاد هو ذروة سنام الإسلام،
ومن الشعائر العظام، إلا أنه يكون وفق الشروط والضوابط الشرعية التي تراعي
المقاصد المرعية التي من أجلها شرع الجهاد، تلك الشروط والضوابط هي مما
بيّنه فقهاء الإسلام وتضمنته أبواب الجهاد في كتب الفقه من مراعاة الراية
والإمام، والقدرة على القتال، والمقصد منه وغير ذلك.
بيّن العلماء بتفصيل تبرأ به الذمة، وتستبين به سبيل المارقين، أن
العمليات الانتحارية والتفجيرات التي اتخذتها بعض الطوائف في زماننا
المعاصر أنها ليست من الجهاد في سبيل الله، والجهاد هو ذروة سنام الإسلام،
ومن الشعائر العظام، إلا أنه يكون وفق الشروط والضوابط الشرعية التي تراعي
المقاصد المرعية التي من أجلها شرع الجهاد، تلك الشروط والضوابط هي مما
بيّنه فقهاء الإسلام وتضمنته أبواب الجهاد في كتب الفقه من مراعاة الراية
والإمام، والقدرة على القتال، والمقصد منه وغير ذلك.
ويزداد
الأسى والأسف عندما ينقل «المفجّرون» أعمالهم الإجرامية «الهمجية» إلى
المساجد، إلى بيوت الله التي هي مكان الصلاة وذكر الله، وهي موضع
الطمأنينة، ومناجاة الله الخالق سبحانه وتعالى، فإنه بعد التفجيريْن اللذين
وقعا في مسجدين بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية شهدت دولة
الكويت بعد ذلك التفجير تفجيراً بأحد مساجدها، وفي ظهر يوم أمس فجّر أحد
المُضلّلين نفسه في مسجد لقوات الطوارئ بمدينة أبها بمنطقة أبها بالمملكة
العربية السعودية، والتفجير في المساجد هو جرمٌ أعظم من التفجيرات في غيرها
وهو عمل منكر وخطوة خبيثة للتشويش على المصلين، وللتشكيك في بيوت الله
المساجد، ولا يعلم من أين حصل سفهاء الأحلام على الفتاوى التي أباحت لهم
هذا العمل الإجرامي؟!!
ومن
المؤسف جداً أن تنشر بعض الجهات في مواقعها الالكترونية تسويغ وتجويز هذه
العمليات الانتحارية وتحثّ عليها بل وتعتبره نوعاً الجهاد، وفي أحد المواقع
الالكترونية الكبيرة في بلادنا بحثٌ بعنوان: العمليات الاستشهادية رؤية
شرعية.. كتب في مقدمته كاتبه ما يلي: «فإن الحديث عن العمليات الاستشهادية
ــ وخاصة في هذا الوقت ــ عملٌ جللٌ يُملي على الدعاة ضرورة إحياء تلك
الفريضة التي هي ذروة سنام الإسلام، ولأجل الدفع لعارضات الهوى الذي تمليه
فتنة القعود وشهوة التسلط وكبرياء الفراعنة الذين يبغوننا الفتنة، وفينا
سمّاعون لهم!!»
فهو
يعد العمليات الانتحارية فريضة من الفرائض فيا للعجب !! ويتناول بالتفصيل
حكم هذه العمليات فيقول: «هذا النوع من العمليات نحو أن يضع المجاهد في
سيارته بعض القنابل أو المواد المتفجرة، أو يحيط جسمه بحزام منها ثم يقتحم
على الأعداء مقرهم بقصد القضاء على العدو الذي أمامه ولو عن طريق التضحية
بنفسه. هذا النوع من العمليات يظهر من الأدلة أنه أكثر وضوحاً في الجواز من
مسألة التترُّس التي لا يختلف الفقهاء في جوازها إذا كان الترك يؤدي إلى
ضرر أعظم».
وإن
عجبنا من تجويز الكاتب للعمليات الانتحارية بل عدها فريضة من الفرائض،
فنعجب أكثر من أحد المعلقين وهو أستاذ دراسات إسلامية ببعض جامعاتنا فقد
قال: «التفريق بين الانتحار والعملية الاستشهادية، بوجود الدافع العقدي
الصحيح عند صاحب العملية الاستشهادية، مع توفُّر دواعي حُبّ البقاء، وليس
طلباً للموت وكراهيةً للحياة».
«دفع
شبهة وجوب إعلان الحرب في العمليات الاستشهادية؛ لأنه لم يكن هناك عَهْدٌ
أصلاً حتى يُنبَذ على سواء. بل الحرب معلنة مسبقاً. دفع شبهة براءة
المقتولين في العمليات الاستشهادية ضدّ الأمريكيين.....».
بمثل
هذا التأصيل الباطل تغسل الأدمغة ويفتي هؤلاء المفتون فيضلون شباباً،
فينطلقون يفجرون أنفسهم بين الأبرياء ليقعوا في الغدر والقتل وإراقة الدماء
وينتقلون بهذه الجرائم لممارستها في المساجد بيوت الله تعالى.
ولم
أرغب في ذكر اسم الموقع لعل ذلك يكون أفضل، وأرجو أن يحذف مثل هذا البحث
من هذا الموقع ويحذف مضمونه من العقول، وإن لم يرفع فسيتم الإفصاح عن اسم
الموقع والرد المفصّل على التأصيل في الذي أتى به الكاتب ووافقه عليه
المعقبون.
ووضوح المنكر في هذا العمل الإجرامي من التفجير في المساجد لا تظهر معه
الحاجة إلى بيان بالأدلة الشرعية، إلا أني رأيت لمزيد فائدة أن أضع بين يدي
قارئ عمود «الحق الواضح» جزءاً من مقال للعلامة الدكتور صالح بن فوزان
الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للافتاء بالمملكة
العربية السعودية حفظه الله، فإن أكثر التفجيرات التي تقع في بلاد المسلمين
يكون المستهدفون بها هم من المستأمنين ومن في حكمهم، أما التفجير في
المساجد فلا أتوقع أن حكمه يخفى على أقل الناس معرفة وعلماً، والمقال
بعنوان: «التفجير ليس من الجهاد في سبيل الله».
فلا
شك أن توفر الأمن مطلب ضروري، والإنسانية أحوج إليه من حاجتها إلى الطعام
والشراب، ولذا قدمه إبراهيم عليه الصلاة والسلام في دعائه على الرزق، فقال:
«رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ
الثَّمَرَاتِ» لأن الناس لا يهنئون بالطعام والشراب مع وجود الخوف، ولأن
الخوف تنقطع معه السبل، التي بواسطتها تنقل الأرزاق من بلد لآخر، ولذلك رتب
الله على قطاع الطرق أشد العقوبات فقال: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ
يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا
أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ
خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
وجاء
الإسلام بحفظ الضروريات الخمس، وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال،
ورتب حدوداً صارمة في حق من يعتدي على هذه الضرورات، سواء أكانت هذه
الضرورات لمسلمين أو معاهدين، فالكافر المعاهد له ما للمسلم، وعليه ما على
المسلم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة
الجنة»، وقال تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ».
وإذا
خاف المسلمون من المعاهدين خيانة للعهد؛ لم يجز لهم أن يقاتلوهم حتى
يعلموهم بإنهاء العهد الذي بينهم، ولا يفاجئوهم بالقتال بدون إعلام، قال
تعالى: «وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ
عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ».
والذين يدخلون تحت عهد المسلمين من الكفار ثلاثة أنواع :
المستأمن: وهو الذي يدخل بلاد المسلمين بأمان منهم، لأداء مهمة ثم يرجع إلى بلده بعد إنهائها.
والمعاهد:
الذي يدخل تحت صلح بين المسلمين والكفار، وهذا يؤمن حتى ينتهي العهد الذي
بين الفئتين، ولا يجوز لأحد أن يعتدي عليه كما لا يجوز له أن يعتدي على أحد
من المسلمين.
والذمي: الذي يدفع الجزية للمسلمين ويدخل تحت حكمهم.
والإسلام
يكفل لهؤلاء الأنواع من الكفار الأمن على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ومن
اعتدى عليهم فقد خان الإسلام، واستحق العقوبة الرادعة.
والعدل
واجب مع المسلمين ومع الكفار، حتى لو لم يكونوا معاهدين أو مستأمنين أو
أهل ذمة قال تعالى: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ
عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا» وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ
وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا
هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى».
والذين
يعتدون على الآمن: إما أن يكونوا خوارج، أو قطاع طرق، أو بغاة وكل من هذه
الأصناف الثلاثة يتخذ معه الإجراء الصارم، الذي يوقفه عند حده، ويكف شره عن
المسلمين والمستأمنين والمعاهدين وأهل الذمة.
فهؤلاء
الذين يقومون بالتفجير في أي مكان، ويتلفون الأنفس المعصومة، والأموال
المحترمة ــ لمسلمين أو معاهدين ــ ويرملون النساء وييتمون الأطفال، هم من
الذين قال الله فيهم: «ومِن النّاسِ منْ يُعْجِبُك قوْلُهُ فِي الْحياةِ
الدُّنْيا ويُشْهِدُ الله على ما فِي قلْبِهِ وهُو ألدُّ الْخِصامِ» «وإِذا
تولّى سعى فِي الْأرْضِ لِيُفْسِد فِيها ويُهْلِك الْحرْث والنّسْل واللهُ
لا يُحِبُّ الْفساد» «وإِذا قِيل لهُ اتّقِ الله أخذتْهُ الْعِزّةُ
بِالْإِثْمِ فحسْبُهُ جهنّمُ ولبِئْس الْمِهادُ».
ومن
العجيب أن هؤلاء المعتدين الخارجين على حكم الإسلام يسمون عملهم هذا
جهاداً في سبيل الله، وهذا من أعظم الكذب على الله، فإن الله جعل هذا
فساداً ولم يجعله جهاداً، ولكن لا نعجب حينما نعلم أن سلف هؤلاء من الخوارج
كفروا الصحابة، وقتلوا عثمان وعلياً رضي الله عنهما، وهما من الخلفاء
الراشدين ومن العشرة المبشرين بالجنة قتلوهما، وسموا هذا جهاداً في سبيل
الله، وإنما هو جهاد في سبيل الشيطان، قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِ الطَّاغُوتِ» ولا يحمل الإسلام فعلهم هذا كما يقول أعداء الإسلام
ــ من الكفار والمنافقين ــ إن دين الإسلام دين إرهاب، ويحتجون بفعل هؤلاء
المجرمين، فإن فعلهم هذا ليس من الإسلام، ولا يقره إسلام ولا دين، إنما هو
فكر خارجي قد حث النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ على قتل أصحابه، وقال:
«أينما لقيتموهم فاقتلوهم» ووعد بالأجر الجزيل لمن قتلهم، وإنما يقاتلهم
ولي أمر المسلمين، كما قاتلهم الصحابة بقيادة أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب رضي الله عنه.
الانتباهة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق