الخميس، 27 أغسطس 2015

اكتشاف الصحراء العربية - روان للإنتاج الإعلامي والفني

اكتشاف الصحراء العربية - روان للإنتاج الإعلامي والفني



عرض/ حسين نشوان
حياة
الصحراء تنطوي على أسرار ما تزال مدفونة تحت رمالها، وهي الأسرار التي
دفعت بكثير من الرحالة الأوروبيين للمغامرة التي كلفت بعضهم حياته في
مجاهيلها الجغرافية والطبيعية والسياسية.


وتنوعت
أهداف كل من الرحالة الغربيين إزاء الصحراء والبلدان العربية بين المغامرة
الاستكشافية والسياحة الطبيعية والسياحة الدينية والبحث العلمي، غير أن
غالبية الرحلات لم تكن "لسواد عيون الصحراء" بل كانت مدفوعة بنوايا
استعمارية.


وقد
ظهر في تلك الفترة ما يسمى "الاستشراق" الذي يدرس طبيعة البلدان في الشرق،
وخصوصا العربية، لجهة تضاريس المنطقة، ونمط حياتها، وعاداتها وتراثها
وشبكة علاقاتها الاجتماعية، حيث "بدأ الرسامون والموسيقيون والكتاب يفكرون
مليا في الشرق الغريب جدا والغامض جدا".





-العنوان: اكتشاف الصحراء العربية
-المؤلف: د. عبد الله إبراهيم
-الناشر: مؤسسة اليمامة الصحفية بالرياض
-عدد الصفحات: 96 صفحة
-سنة النشر: 2015

وظهر
الكثير من الرحالة الذين دونوا رحلاتهم ومغامراتهم، و"بطولاتهم" أيضا، وقد
حظي مثل هذا النوع من الكتابة بقبول وانتشار عند القارئ الغربي حينذاك،
وغدا "موضة" حتى إن كثيرا من المؤلفين كتبوا عن رحلات متوهمة للشرق، ولم
تطأ أقدامهم المنطقة ولم يغادروا مكانهم، بل كتبوا "رواياتهم" من بنات
أفكارهم، وتميزت مثل هذه الكتابات بمساحة التخيل والمبالغة وتصوير الشرق
كمنطقة مليئة بالألغاز والأسرار، وساهم مثل هؤلاء بتزوير الحقائق وتشويه
صورة المنطقة.


التباس العلاقة
كما
برز عدد من المستشرقين الذين اختلفت نواياهم بين البحث العلمي والعمل ضمن
"الأجهزة" الاستخبارية، وتكمن خطورة عمل هؤلاء في دراساتهم المبكرة التي
قاموا بها للتراث العربي والإسلامي والتي غدت منهجا للبحث تبعه الكثير من
التلاميذ في المنطقة، ولم يخل من التباسات "وتشويهات".


وفي
كتابه "اكتشاف الصحراء العربية"، يقف المؤلف الخبير في السرديات د. عبد
الله إبراهيم عند آراء عدد من الرحالة الأوروبيين الذين زاروا الجزيرة
العربية وبلاد الشام قبيل الغزو الاستعماري للمنطقة، وتحديدا مطلع القرن
التاسع عشر.


ويبين
الكاتب "ارتباط الحركة الاستكشافية والاستشراقية والارتحال" بالحركة
الاستعمارية في العصر الحديث"، لافتا إلى أن أسس المعرفة الغربية للعلاقة
بين الشرق والغرب قد تأسست على "سوء التفاهم وتضارب المصالح والتحيزات
الثقافية" التي وطنها الرحالة الذين كتبوا وصوروا الشرق "بنوازع علمية
واستخبارية".


ويناقش
الكتاب جملة من الآراء التي تأسست عليها العقلية الغربية نتيجة الكتابات
التي سطرها الرحالة عن العرب، والتي تنطوي في الغالب على مشاهدات شخصية
ومواقف فردية، لكنها عبرت عن ذهنية التفوق العربي و"المركزية الغربية".


معرفة ممولة


"تنوعت أهداف كل من الرحالة الغربيين إزاء الصحراء والبلدان العربية
بين المغامرة الاستكشافية والسياحة الطبيعية والسياحة الدينية والبحث
العلمي، غير أن غالبية الرحلات لم تكن "لسواد عيون الصحراء" بل كانت مدفوعة
بنوايا استعمارية"


ويقر
المؤلف أن عددا من الرحالة كان موضوعيا، وكانت رحلته في طلب العلم
والمعرفة، ولكن تلك المعرفة كانت في الغالب "ممولة" من مؤسسات ترتبط
بالمؤسسة الاستعمارية.


ومن
هؤلاء الرحالة الذين زاروا بلاد العرب: هاري فيليب، والفريد ثيسغر، لويس
بوركهارت، محمد أسد، كارين أرسترونغ، ويليب ليبيز، ومس بيل، ولورانس العرب
الذي كتب "أعمدة الحكمة السبعة".


ومن
الطريف أن هؤلاء -وبعضهم أعلن إسلامه- كانوا ينتحلون أسماء عربية وصفات
تجار، ومنهم "بوركهارت" الذي اكتشف مدينة البتراء النبطية جنوبي الأردن،
وحمل اسم إبراهيم عبد الله، و"فارتيما" الذي حمل اسم يونس المصري،
وغورماني: اسم خليل آغا، و"فايس" الذي حمل اسم "محمد أسد"، وفيلبي الذي حمل
اسم عبد الله فيلبي.


وقال
بوركهارت: إن "مسألة التنكر أمر شائع بين الرحالة الشرقيين، وهي حيلة لم
تنجح دائما في تضليل الآخرين، فكانوا يضبطون متلبسين في عاداتهم في كثير من
الأحيان".


وكتب
بعض الرحالة -ومنهم "نيبور" في ستينيات القرن الثامن عشر- قواعد للرحالة
للتعامل مع "أهل الصحراء"، ومنها: "إن أهالي شبه الجزيرة العربية مهذبون
إزاء الأجانب، ولكن يجب على الأوروبيين ألا يمسوا إحساس سكان البلاد وفي
الإمكان، بسهولة تامة اكتساب صداقة السكان بإطلاعهم على المعارف..".


الهروب من مادية الغرب
وكان
غالبية المستشرقين يتقنون لغة العرب، ولهجات المنطقة ويتماهون مع معاشهم،
ويقول ألويس موزيل: لا أستطيع أن أفعل شيئا "دون أن أعيش حياة البدو، أرتدي
كما يرتدون، وأتناول من الأطعمة ما يأكلون، وأجمع من المعرفة عن عاداتهم
وأعرافهم وتقاليدهم الشعبية".


وبعضهم
رأى في الصحراء المكان البكر الذي يقترب من الفطرة، معتزلا للتأمل بعيدا
عن الحياة الصاخبة، ومنهم ثيسغر الذي أقام في الصحراء "رغبة في معايشة
جماعات هانئة بحياة تحكمها التقاليد والطقوس، ولم تمتد إليها يد السلطة
الكاملة، وهو يخشى أن تخربها المدنية".


ووصف
بعض الرحالة البلاد العربية بنباتاتها وطبيعتها ومناخها وطيورها وأحوالها
الهادئة والصافية قبل مجيء الحضارة الغربية، ويقول ثيسغر: سيذهب غيري إلى
هناك ليدرسوا علم طبقات الأرض وعلم الآثار و.. وسيتنقلون بالسيارة
ويستعملون الهاتف، ولكنهم لن يعرفوا روح البلاد وعظمة العرب".


وكان
بعض الرحالة لا يتخفون تحت ممارسة التجارة، بل يقومون فعلا ببيع بعض
الحاجيات للتواصل مع أبناء المنطقة، ومنهم فيلبي الذي أسلم وعمل مستشارا
عند الملك عبد العزيز بن سعود، وكان يبيع الألعاب وحاجيات الأطفال، ولفرط
إعجابه بحياة العرب، كتب "غادرت لأعيش بين المسلمين.. كان عالمي القديم
يقترب من نهايته، عالم الأفكار والتخيلات الغربية". وتحقق له ما يصبو إليه
"أن أكون جزءا من أمة مؤلفة من أخوة".


ومن
الرحالة اليهود الذين اعتنقوا الإسلام "فايس" المولود مطلع القرن العشرين
ودرس الفلسفة في جامعة فيينا، وكان جده "حاخاما" مشهورا، وتسنى له زيارة
فلسطين عام 1922، ولفت انتباهه سيل المستوطنين اليهود من أوروبا، وخلص إلى
أن هؤلاء يزاحمون السكان الأصليين (الفلسطينيين)، متوقعا "أن يقود ذلك إلى
حروب مقدسة، يتقاتل فيها البشر باسم الله".


وخلص
إلى أن فكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين فكرة مصطنعة من أساسها..
لأنها تهدد بنقل جميع مشاكل الحياة الأوروبية وتعقيداتها غير القابلة للحل
إلى بلد ينعم بقدر أكبر من السعادة.


وفي نهاية العشرينيات من القرن الماضي، ارتحل إلى الجزيرة العربية وألف كتابه "الطريق إلى مكة".


"كان غالبية المستشرقين يتقنون لغة العرب ولهجات المنطقة، ويتماهون مع
معاشهم. يقول ألويس موزيل: لا أستطيع أن أفعل شيئا دون أن أعيش حياة البدو،
أرتدي كما يرتدون، وأتناول من الأطعمة ما يأكلون، وأجمع من المعرفة عن
عاداتهم وأعرافهم وتقاليدهم الشعبية"


ولم
تكن حركة الاستشراق التي يؤرخ لبدايتها منذ القرن السابع عشر حينما دعا
مجمع فيينا الكنسي إلى إنشاء كراس لدراسة اللغات العربية والعبرية
والسريانية في عدد من المدن الأوروبية مثل باريس وأكسفورد، كلها تنطلق من
دوافع واحدة، بل كثير منهم كان ينظر للشرق من ثقب المركزية الأوروبية التي
ترى في الشرق "بلادا بدائية" ويسرفون في سوء الظن بأهلها، وينطلقون من
خلفية "عصبوية" مسبقة.


ومن
هؤلاء الرحالة الإنجليزي شالز دواتي الذي وصفه ابن موطنه "لورانس العرب"
بأن إيمانه القوي بتفوق الجنس الأبيض وبتفوق الإمبراطورية البريطانية، جعله
يتمسك بهويته كرجل إنجليزي خالص.


تطواف أعمى
وبسبب
موقف دواتي العدائي من العرب وتطوافه الأعمى الذي لا يريد سوى رؤية ما
بداخله، فضلا عن "غروره الإمبراطوري"، فإن حاكم خيبر نهاية القرن التاسع
عشر "طرده" لسلوكه المتعجرف، وهو ما زاده حقدا. ولا يختلف موقف الرحالة
بلجريف عن سابقه الذي كان ينظر للإسلام من منظور "لاهوتي مسيحي"، وتعذر
عليه تحليل الظاهرة الإسلامية وفق سياقها التاريخي، وصور الإسلام بأنه "دين
بدوي"، وقارب بين البيئة وقسوتها وانعكاسها على طبيعة البدوي، وانتهى إلى
أن حياة المسلم تقوم على ثلاثية "الحرب والعبادة والمتعة"، وهي الصورة التي
كرسها الاستشراق عن الشرق "الشهواني الغرائزي".


يبين
الكتاب الموقف الملتبس عن الشرق في أذهان الغرب من جهة، وبين حال البلاد
العربية وقت الرحلات وزمانها، والأهم من ذلك دور هؤلاء الرحالة
"المستشرقين" في صوغ فكرنا عن أنفسنا، حيث تأثر الكثير من الدارسين بمناهج
الفكر الاستشراقي لتحليل الكثير من الظواهر الاجتماعية والسياسية
والتاريخية في المجتمع العربي وتحولاته التاريخية.


وفي
جميع الأحوال، يختم المؤلف "تكتب الرحلات للمجتمعات التي ينتمي إليها
الرحالة/الكاتب، لا إلى المجتمعات التي ارتحلوا إليها.. وبالإجمال فقد أسهم
هؤلاء في كتابة القسط الأوفر من المعارف المتداولة عن عالم الصحراء".


المصدر : الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق