الأحد، 9 أغسطس 2015

خيارات أميركا في عالم مضطرب - روان للإنتاج الإعلامي والفني

خيارات أميركا في عالم مضطرب - روان للإنتاج الإعلامي والفني



عرض/محمد ثابت
"تجد
الولايات المتحدة نفسها في وضع متناقض، فعلى مقياس القدرات القومية، نحن
في وضع يمكننا من تحقيق أهدافنا وتشكيل الشؤون الدولية. مع ذلك نرى في
أنحاء العالم اضطرابا وصراعا لم تواجه الولايات المتحدة سلسلة أزمات أكثر
منه تنوعا وتعقيدا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية".


بهذه العبارة لهنري كيسنجر يستهل المؤلفون الكتاب الذي يعد وثيقة اشترك في وضعها عشرة من الخبراء المخضرمين في السياسة الأميركية.

يتكون
الكتاب من عشرة فصول تناقش كلها سؤالين رئيسين: أولا: ما المشكلات
السياسية والتنظيمية، والتحديات المالية والدبلوماسية طويلة المدى التي
سيواجهها الرئيس الأميركي القادم وكبار مسؤولي الولايات المتحدة في 2017
وما يليها؟ ثانيا: ماهي الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة للتعاطي مع
عالم اليوم والغد سريع التغير؟


القضاء على التوازن

-العنوان: خيارات أميركا في عالم مضطرب
-المؤلفون
: جيمس دوبينس، ريتشارد سولومون، مايكل تشيس، ريان هنري، ستيفن لارابي،
روبرت لامبرت، أندرو لايبمان، جيفري مارتيني، ديفد أوشمانك، هوارد شاتز.

-عدد الصفحات: 166
-الناشر: مؤسسة راند/كاليفورنيا
-الطبعة: الأولى، يوليو/تموز 2015
لاشك
أن ارتباط السياسة الأميركية بما يحدث حول العالم من تطورات وأحداث يجعل
من محاولة استشراف تحركاتها المستقبلية تجاه العالم عموما، ودول المنطقة
العربية خصوصا، أمرا بالغ الأهمية. فما تعتبره واشنطن أمنا قوميا ومصالح
عليا، قد ينعكس على اتزان المنطقة وأرواح سكانها.


ويقرر
الكتاب أن في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية كان الشرق الأوسط أكثر
توازنا فالعراق وإيران كانا يحتويان بعضهما جيدا، وفي أدنى حالات الاحتياج
لتدخل الولايات المتحدة.


في
المقابل كانت واشنطن لا تحتاج جهدا كبيرا للحفاظ على التوازن بين العرب
وإسرائيل. لكن اجتياح العراق للكويت 1991 ورط الولايات المتحدة في المنطقة،
ثم جاء اجتياح أميركا للعراق 2003 ليدمر التوازن العراقي الإيراني، ولم
يعد هناك أي توازن إقليمي لتدعمه واشنطن.


ظهرت
ثورة الاتصالات لتضخ القوة في الدول والأفراد على حد سواء، فبالرغم من
تطور أجهزة الأمن واستحداثها لوسائل وأدوات جديدة لتعقب ووأد جماعات
المتطرفين، فإن المتشددين أصبح بإمكانهم نشر أيدولوجياتهم بسهولة، وتجنيد
الأتباع وتنسيق الهجمات.


ويؤكد
المؤلفون -في الفصل الثاني- أنه رغم امتلاك واشنطن لأضخم اقتصاد عالمي
وبقائها كذلك لعقدين قادمين على الأقل، فإن البيئة التي تتحرك فيها قد
تغيرت، فوجود الصين كمنافس كبير على ساحة الاقتصاد يدفع بالولايات المتحدة
لمواجهة خيارات الاحتواء أو المواجهة.


فـمصالح
الصين الاقتصادية أصبحت ذات طابع عالمي كما اتسعت اهتماماتها الأمنية في
الوقت الذي تتسع فيه أيضا علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة،
فالصادرات الأميركية للصين تقدر بـ278 مليار دولار في حين تصل الواردات من
الصين إلى 422 مليار دولار، مما يضع أعباء إضافية على متخذ القرار وواضع
السياسات.


يفرض
نمو القوة العسكرية الصينية تهديدات خطيرة لحيوية دور أميركا كشريك أمني
للدول المجاورة للصين كاليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، والفلبين،
وتايوان، وبقية دول الإقليم، كما يقول المؤلفون في الفصل الثالث. وتناقش
الدراسات العسكرية الصينية كيفية خوض حرب إقليمية ضد خصم يمتلك تكنولوجيا
متفوقة كالولايات المتحدة. ويدرس المحللون الصينيون -بعناية- العمليات
العسكرية الأميركية في محاولة لمعرفة مواضع الضعف ووضع الخطط لاستغلالها في
أي مواجهات قد تحدث.


داعش وخيارات واشنطن
يكشف
الكتاب في الفصل الرابع عن مدى ذهول ومفاجأة واشنطن والعالم من الظهور
السريع لداعش وانتشارها وفتحها -على حد تعبير الكتاب- لغربي العراق وشرقي
سوريا في 2014، ومدى ما تمثله تلك الظاهرة من تهديد للولايات المتحدة، ثم
خيارات واشنطن لهزيمة داعش سواء بالطرق العسكرية أو بدعم القبائل في العراق
والمعارضة المعتدلة في سوريا.


ثم
يطرح المؤلفون مسألة هامة تشغل الساسة الأميركيين وخصوصا المحافظين منهم،
وهي مسألة الموازنة بين الحريات المدنية والأمن، فبعد تسريبات "سنودن"
الشهيرة (ويكيليكس)، تعالت الأصوات بسحب التفويضات التي منحها الشعب
الأميركي للسلطات بعد أحداث سبتمبر 2001.



"رغم امتلاك واشنطن لأضخم اقتصاد عالمي وبقائها كذلك لعقدين قادمين على
الأقل، فإن البيئة التي تتحرك فيها قد تغيرت، فوجود الصين كمنافس كبير على
ساحة الاقتصاد يدفع بالولايات المتحدة لمواجهة خيارات الاحتواء أو
المواجهة"


ويصبح التحدي أمام واشنطن هو الاختيار بين تأييد الحقوق المدنية على حساب الأمن أم العكس؟

على
نفس النسق -في الفصل الخامس- يتواصل جدال الأمن أم الخصوصية حيث يوضح
المؤلفون كيف خسر العالم ما لا يقل عن 345 مليار دولار نتيجة الهجمات
الإلكترونية على شبكات الكمبيوتر وضياع حقوق الملكية الفكرية.


ومع
زيادة عدد مستخدمي الإنترنت إلى ثلاثة مليارات شخص حول العالم، برزت
تحديات هامة أمام الإدارة القادمة لوضع آليات لتعزيز قوة الولايات المتحدة
وتقليل الثغرات، مع وضع الحلول المقبولة لحفظ الحريات الشخصية للمستخدمين
وتوفير الأمن المعلوماتي في ذات الوقت.


بعد
استعراض مسألة التغير المناخي في الفصل السادس واتفاقيات الكربون والعمل
الجماعي الدولي لتقليل الانبعاثات، ومدى تأثير ذلك على القدرة الصناعية
والإنتاجية للولايات المتحدة، والظهور الحقيقي للتغيرات المناخية وصدق
التوقعات التي تحدثت عنها سابقا، ينتقل الكتاب إلى الفصل السابع ليناقش
الأخطار التي تفرضها تحركات روسيا في الإقليم الأوروبي وانعكاسات ضمها لشبه
جزيرة القرم وغزو شرق أوكرانيا، وخيارات واشنطن في التعامل مع التوسع
الروسي، هل بالمواجهة أم بترك المسألة للأوروبيين لحلها؟


كما
يطرح المؤلفون إشكالية تتعلق بمدى تأثير الأزمات الاقتصادية، واحتمالات
تفكك الاتحاد الأوروبي وتعثر معدل نمو بعض الاقتصادات الأوروبية القوية
كفرنسا.


وفي
الفصل الثامن يعرض الكتاب ما تواجهه واشنطن في شرق آسيا، فالنمو العسكري
والاقتصادي الصيني، وتورطها في سرقة الملكية الفكرية إلكترونيا، ورفضها نبذ
استخدام القوة العسكرية كآلية لحل مشكلة تايوان، ومطالباتها الإقليمية
التي تؤثر على العديد من جيرانها بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة، كل
ذلك يعرض واشنطن لتحديات خطيرة.


فرغم
أن الولايات المتحدة لم تتخذ حتى الآن أي إجراء ضد مشكلات السيادة هذه،
فإن الإدارة الأميركية القادمة لا بد أن تردع الصين عن استخدام الترهيب
والإكراه أو القوة في تسوية هذه الخلافات.


ويقول
المؤلفون إنه في حال تصاعدت حدة تلك الخلافات وتحولت إلى مواجهة عسكرية
بين الصين واليابان أو الفلبين، فقد تجد واشنطن نفسها في صراع مباشر ضد
الصين. في تلك المنطقة الأسرع نموا في العالم والتي تقدم أكبر فرصة
للمصدرين والمستثمرين الأميركيين ولا يريد أحد أن تشتعل بحرب كما حدث في
السابق.


نزاعات الشرق الأوسط
ينتقل
الكتاب إلى الفصل التاسع، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والثورة الإيرانية
وأحداث سبتمبر والحرب في أفغانستان والعراق وظهور داعش، وكلها أحداث تركت
انطباعا عميقا لدى الشعب الأميركي، جاعلة هذا الإقليم بالذات، الأبرز في
السياسات الأميركية لربع القرن الماضي.




"المرحلة القادمة قد تضع أولوية القضاء على داعش قبل إزاحة الأسد من
الحكم. وخيارات تدخل واشنطن عسكريا قد تحبذها الدول الحليفة في المنطقة،
ولكن قد تستغلها إيران وروسيا في توريط واشنطن في فيتنام جديدة"


هذا
الأمر سيستمر نظرا لأن النزاعات في أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا
واليمن وليبيا، تبدو مؤهلة للاستمرار لسنوات قادمة. ويتوقع المؤلفون أن
تنتهي داعش كقوة ظاهرة في العراق وتنتقل إلى العمل السري بنهاية عام 2016،
لكنها ستظل قوة رئيسة في سوريا.


ويرى
المؤلفون أن المرحلة القادمة قد تضع أولوية القضاء على داعش قبل إزاحة
الأسد من الحكم، فالصراع السوري أشعل العدائية بين السنة والشيعة وسيتصاعد
ذلك العداء. وخيارات تدخل واشنطن عسكريا قد تحبذها الدول الحليفة في
المنطقة، ولكن قد تستغلها إيران وروسيا الداعمتان للنظام السوري في توريط
الولايات المتحدة في فيتنام جديدة.


بقاء الوضع الفلسطيني
التسوية
العربية الإسرائيلية كما يعرضها المؤلفون تخضع لثلاثة حلول، حل الدولتين
وحل الدولة الواحدة والثالث هو بقاء الوضع الراهن، ويرى الكتاب أن الحل
الثالث هو الأقرب للاستمرار في الفترة المقبلة نظرا لرفض الطرفين للحلين
الأولين، كل من ناحيته.


في
النهاية يضع المؤلفون توصياتهم للإدارة القادمة للتعاطي مع ما سبق طرحه من
مشكلات، فواشنطن لا بد أن تضع نظاما دوليا يقوم على قواعد ومعايير محددة،
خصوصا في المجالات المستحدثة مثل إدارة المناخ والفضاء الإلكتروني.
والولايات المتحدة هي حجر الزاوية في أي نظام دولي، والتحديات تأتي من
الدول القوية التي تعارض تلك القواعد وأيضا من الدول الضعيفة التي لا
تستطيع فرضها. هذه التحديات تحتاج إلى المعالجة ولا يكفي التركيز على
الدفاع والردع فقط، بل تحتاج الولايات المتحدة إلى مواكبة التطور والنمو
المتزايد لقدرة الجماعات والأفراد.


"الإدارة
الأميركية القادمة في حاجة للجمع بين المعايير والمؤسسات الدفاعية
الموجودة، وبين خلق مؤسسات جديدة وإعادة بناء الدول الممزقة ووضع قواعد
جديدة للسلوك الدولي وتوفير الموارد اللازمة لمثل هذه الأجندة الإيجابية".


المصدر : الجزيرة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق