الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

السرقات الممنهجة لثروات أفريقيا - روان للإنتاج الإعلامي والفني

السرقات الممنهجة لثروات أفريقيا - روان للإنتاج الإعلامي والفني



عرض/زياد منى



مؤلف
هذا الكتاب صحفي بريطاني عمل مراسلا لصحيفة الفايننشال تايمز اللندنية
سنوات عديدة في أفريقيا، وأصابته صدمات نفسية قاسية أثناء قضائه إجازة عمل
في بلاده أجبره الأطباء على إثرها على الإقامة بضعة أسابيع في مصحة للعلاج
النفسي بعدما تبين لهم أن معاناته ناتجة من معايشته أوضاعا مأساوية في بعض
الدول الأفريقية.


ويعني
هذا أن قراءة هذا الكتاب -على قدر ما هي ضرورية ومهمة- ليست بالأمر السهل،
إذ إن كل صفحة منه تحوي مأساة هي مقدمة لمأساة أخرى أسوأ من سابقتها.


أنا
شخصيا لم أقض سوى أيام قليلة في السنغال لحضور مؤتمر للناشرين المستقلين،
إلا أن ما عايشته هناك، مع أننا (الوفود المشاركة من مختلف أنحاء العالم)
كنا شبه معزولين عن البيئة المفترض أننا نقيم وسطها، في فندق بعيد عن
العاصمة داكار، غير أن هول ما رأيته كان كافيا للشعور بالكآبة طوال فترة
الإقامة القصيرة هناك.


-العنوان: آلة النهب - أمراء حروب، السرقة الممنهجة لثروات أفريقيا
-المؤلف: تُم برجيس
الناشر: وليم كلنز، لندن 2015
-عدد الصفحات: 336

عنوان الكتاب دال على نحو كاف لمعرفة محتواه، وهو الوضع المأساوي الذي تعيشه بعض الدول الأفريقية التي تناولها الكاتب بالتعليق.

مصدر
المآسي في تلك البلاد -وفق رأي الكاتب- ليست الحروب الداخلية فقط، بل أيضا
عمليات نهب مبرمجة تمارسها الشركات العابرة للجنسيات بالتواطؤ مع الطبقات
الحاكمة.


وهذا
ما أشعر المؤلف بأن الراحة الحياتية التي تعيشها المجتمعات الغربية ثمنها
شقاء لا نظير له في دول أفريقيا محددة خصها بالتغطية في هذا المؤلف. مصدر
ثراء البعض وعوز أضعافهم هو العولمة التي لم تجلب الراحة لشعوب قارة تشتهر
بثرائها بالمعادن والموارد الطبيعية.


رأى
المؤلف خيطا يربط العولمة بثراء الأغنياء وتعاسة الفقراء المتزامنة
والمتصاعدة، ومؤلفه تتبع ذلك في بعض الدول الأفريقية، ومنها زيمبابوي
والنيجر وأنغولا وغينيا والكونغو.


الدول
الغربية المستعمِرة تقع عليها المسؤولية الأولى في الوضع التي آلت إليه
دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وفي الوقت الذي يلقي فيه البعض المسؤولية
على إملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، يفضل منظرون آخرون العثور
على أسباب تدهور الأوضاع لدى سكان القارة الذين يتهمونهم بعدم المقدرة على
حكم أنفسهم وغرقهم في الصراعات القبلية.



" الراحة الحياتية التي تعيشها المجتمعات الغربية ثمنها شقاء لا نظير
له في دول أفريقيا. مصدر ثراء البعض وعوز أضعافهم هو العولمة التي لم تجلب
الراحة لشعوب قارة تشتهر بثرائها بالمعادن والموارد الطبيعية"


يلاحظ
الكاتب أن آخرين يفضلون إغماض أعينهم والادعاء بأن الأوضاع في أفريقيا
تسير على نحو جيد، وأن التغطية الصحفية هي التي تبالغ في ذكر السلبيات
وتتجاهل الإيجابيات.


لقد
اختار الكاتب دولا أفريقية محددة معروفة بثرائها بالموارد الطبيعية ليبرز
ما أسماه "لعنة الثروة"، مستعينا بكتابات منظرين اقتصاديين من جامعة
كولمبيا بالولايات المتحدة التي تؤكد مقولة اللعنة.


كما
استعان بإحصاءات قدمها مركز مكنزي للاستشارات الاقتصادية الذي بيّن أن 69%
من البشر الذين يعانون فقرا مدقعا، أي الذين دخلهم اليومي لا يزيد على
1.25 دولار يوميا، وهو أقل حتى من المعدل العالمي، يعيشون في دول ثرية
بالنفط والغاز والمعادن.


فوفق
تقارير البنك الدولي، يصل تعداد أولئك الفقراء إلى 68% في نيجيريا و43% في
أنغولا، 75% في زامبيا، و88% في الكونغو. مقارنة بذلك فإن مقدار أولئك
الفقراء في الصين يبلغ 12%، وفي الهند 33% وفي المكسيك أقل من 1%. في الطرف
الآخر، مقابل كل امرأة فرنسية تتوفى أثناء الولادة تموت مائة في دولة
النيجر فقط.


يرى
الكاتب أن هذه الحقائق التي يطلق الاقتصاديون عليها اسم "لعنة الموارد" لا
تقدم شرحا متكاملا لأسباب النزاعات والحروب والمجاعات في القارة
الأفريقية، حيث يضيف إليها الفساد والمشاكل الإثنية، لكنه يرى أن هذه
المعضلات الحياتية كثيرا ما تندلع في دولة اقتصادها -وبالتالي دخلها
القومي- أساسه الصناعات الاشتقاقية مثل النفط والتعدين، وهو ما يطلق عليه
اسم "الإيجار الاقتصادي".



"تقارير صندوق النقد الدولي تقول إن الدول الثرية بالمعادن هي التي
يشكل تصديرها أكثر من ربع قيمة الصادرات. فبينما تشكل الموارد 12% من قيمة
الصادرات في أوروبا، و15% في أميركا الشمالية، و42% في أميركا اللاتينية،
تصل إلى 66% في القارة الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى"


الفساد
يستشري في اقتصاد كهذا لأن دخل الدولة مصدره ليس الضرائب، لذا فإن الحاكم
ليس مجبرا على مواجهة المساءلة المحلية. هكذا اقتصاد يركز الثروة في أيد
قليلة، ويؤدي في نهاية المطاف إلى صراعات على السلطة، أي الحروب
والانقلابات.


تقارير
صندوق النقد الدولي تقول إن الدول الثرية بالمعادن هي التي يشكل تصديرها
أكثر من ربع قيمة الصادرات. فبينما تشكل الموارد 12% من قيمة الصادرات في
أوروبا، و15% في أميركا الشمالية، و42% في أميركا اللاتينية، تصل إلى 66%
في القارة الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى.


وإذا
أخذ المرء كل دولة على حدة، فنيجيريا -على سبيل المثال- تشكل عائداتها من
النفط والغاز 97% من الدخل القومي، و98% في أنغولا، أما مصدر دخل الـ2%
المتبقية فمصدره تصدير الألماس، لذا فإن اقتصادات تلك البلاد تتأثر على نحو
كامل بتقلبات أسعار المواد الأولية.


أهمية
الكتاب الإضافية تكمن في قيام الكاتب بتطبيق توصيفات الاقتصادات المختلفة
على كل بلد على حدة، حيث خصص لكل منها فصلا كاملا، شارحا كيفية عملها
والأشخاص المنخرطين في عمليات نهب تلك الدول، من روبرت موغابي في زيمبابوي،
إلى عائلة كابيلا في الكونغو، إلى ابنة رئيس أنغولا دوش شانتوش، وكذلك
الشركات الغربية وغير الغربية الضالعة في آلة النهب المبرمجة.


ليس
الكاتب عالم اقتصاد، ولكنه صحفي نجح في نقل صورة بتفاصيلها عن آلات النهب
في القارة السمراء بلغة مبسطة وبأسلوب شيق، رغم كآبة الموضوع الصادم حقا.
من هذا المنظور فإنه كتاب مهم لكل زائر ودارس للقارة وأيضا لكل من يفكر في
الاستثمار في أي من تلك الدول المبتلاة "بلعنة الموارد".


المصدر : الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق