الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

إغواء البسطاء.. اقتصاديات التلاعب والخداع - روان للإنتاج الإعلامي والفني

إغواء البسطاء.. اقتصاديات التلاعب والخداع - روان للإنتاج الإعلامي والفني

 عرض/عثمان كباشي
وجدت
فكرة التأثير على رغبات الناس وسوقهم سوقا إلى تبني سلوك ما، اهتماما
كبيرا من كوكبة معتبرة من الباحثين، خاصة الجانب المتصل بالسلوك
الاستهلاكي. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى كتاب "المتلاعبون بالعقول"
لمؤلفه عالم الاجتماع الأميركي الشهير هربرت شيللر، والكتاب صدرت نسخته
الأصلية في الولايات المتحدة عام 1973 وكانت بعنوان Mind Managers أما
النسخة العربية فقد صدرت عبر سلسلة عالم المعرفة الكويتية المعروفة عامي
1986 و1999.


وبين
يدينا كتاب جديد صدر حديثا في الولايات المتحدة ويسير في نفس الاتجاه
تقريبا، وعنوانه:Phishing For Phools The Economics of Manipulation and
Deception، ويمكن ترجمته "إغواء البسطاء.. اقتصاديات التلاعب والخداع".


مؤلفا
الكتاب هما جورج أكريلوف، أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج تاون والحاصل على
جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001، وزميله روبرت شيللر أستاذ الاقتصاد في
جامعة ييل والحاصل على نفس الجائزة عام 2013، ولديه كتاب بعنوان" الوفرة
الطائشة".


-العنوان: إغواء البسطاء.. اقتصاديات التلاعب والخداع
-المؤلف: جورج أكريلوف، روبرت شيللر
-الناشر: جامعة برينستون
-عدد الصفحات: 257
-الطبعة: الأولى، سبتمبر 2015

وقد
صدر للمؤلفيْن من قبل كتاب "غرائز حيوانية": كيف يحرك علم النفس الاقتصاد؟
وما الأهمية التي يمثلها ذلك بالنسبة للرأسمالية العالمية؟. وهذه الكتب
والكتاب الذي نحن بصدده صادرة كلها عن جامعة برينستون الشهيرة.


الفكرة
ظلت
التعاليم المركزية للاقتصاد، ومنذ آدم سميث، تؤكد أن الأسواق الحرة توفر
للناس الرفاه المادي، وكأن ذلك يتم بأيد خفية، بيد أن أكريلوف وشيللر
يقدمان في كتابهما موضوع هذا العرض، فكرة أساسية تناقض ذلك الطرح، وتشدد
على أن للأسواق الحرة وجها ضارا أيضا. ويوضح المؤلفان أن الباعة "يستغلون
جهلنا ونقاط الضعف النفسية لدينا، ثم يسوقوننا سوقا لتحقيق الربح المادي".


ويشرح
أكريلوف وشيللر أن الأسواق، وبدلا من أن تكون جيدة وحميدة في الأساس،
لكنها ولطبيعة فيها مليئة بالحيل والشراك، وتسعى دائما إلى إغواء واصطياد
المستهلكين.


ويقدمان
عشرات الأمثلة والقصص التي توضح كيف أن عملية الإغواء والاصطياد هذه،
والتي تمارسها الأسواق الحرة، تؤثر على كل شخص تقريبا، حيث ينفق الناس
أموالهم بلا حدود ثم يجتاحهم القلق فيما بعد بشأن كيفية دفع فواتير الشهر
المقبل.


ويمضي
المؤلفان في تبيان تأثيرات التلاعب والخداع التي تمارسها الأسواق بالقول
إن الأنظمة المالية تزدهر ثم تنهار، وينجذب المستهلكون نحو الشراء دون وعي
بسبب تأثير الإعلانات.



"يقدم المؤلفان عشرات الأمثلة والقصص التي توضح كيف أن عملية الإغواء
والاصطياد هذه، والتي تمارسها الأسواق الحرة، تؤثر على كل شخص تقريبا، حيث
ينفق الناس أموالهم بلا حدود ثم يجتاحهم القلق فيما بعد بشأن كيفية دفع
فواتير الشهر المقبل"


ويؤكدان
أن المال يعمل على تشويه الأنظمة السياسية الحالية، حيث يدفع الناس الكثير
من الأموال لامتلاك المنازل والسيارات، ولعضوية الصالات الرياضية، وتسديد
أقساط وأرباح بطاقات الائتمان، وحيث تقوم شركات الأدوية بتسويق المستحضرات
الصيدلانية التي لا فائدة منها، والتي تكون في أحيان كثيرة شديدة الخطورة.


يستعرض
الكتاب، وبتفصيل واضح، الدور المركزي لعمليات التلاعب والخداع التي
تمارسها الأسواق في الكثير من النواحي. ويعمل المؤلفان على توضيح وشرح
المفارقة التي تقول إن الناس في الوقت الراهن يعيشون أوضاعا أفضل مما كان
في الماضي، لكن وبالرغم من ذلك فإن الكثيرين منهم يشعرون باليأس.

ويسرد
المؤلفان قصصا عن التلاعب والخداع الاقتصادي ومن يقف وراء ذلك، ويشددان
على ضرورة تقليل تأثيرات ذلك عبر تقديم المزيد من المعرفة والتثقيف واقتراح
أساليب إصلاح ما يسببه ذلك من اختلالات.


الفصول
جاء
الكتاب في مقدمة تحمل عنوان "توازن الخداع.. توقع أن تستغل" وثلاثة أجزاء
يحتوي كل جزء منها على عدد من الفصول. فالجزء الأول وعنوانه "الفواتير غير
المدفوعة والانهيار المالي" يضم فصلين هما "إغراء على الطريق، البحث عن
السمعة والأزمة المالية".


أما
الجزء الثاني وعنوانه "الإغواء بسياقات عدة" فيتكون من تسعة فصول تحمل هي
الأخرى عناوين مختلفة مثل "الإغواء في السياسة، الإغواء وصناعة الأغذية
والأدوية، الإفلاس من أجل الربح" وغيره. أما الجزء الثالث والأخير فهو
عبارة عن الخاتمة والدروس المستفادة من الطرح العام لموضوع الكتاب.


تقريظ
حظي
كتاب "إغواء البسطاء.. اقتصاد التلاعب والخداع) بتقريظ عدة جهات ذات
علاقة، إما بالمجال العام، أو بالموضوع الذي تناقشه سطور المؤلَف.


فقد
جاء في مجلة إيكونوميست: هذا الكتاب، وكما هو متوقع منه، كتب بجهد واضح،
وسعى فيه المؤلفان لتوضيح كل شيء وعبر الأمثلة، وهو يقدم حجة واضحة وقوية
على هشاشة الاستنتاجات الخاصة بالرفاه والتي اعتاد بعض الاقتصاديين على
تبنيها.


أما
"نيويورك ريفيو أوف بوكز" فقد جاء فيه: يسعى أكريلوف وشيللر في هذا الكتاب
إلى النفاذ مباشرة إلى ما وراء الاقتصاد السلوكي، على الأقل في شكله
الحالي. إنهما يجيبان وبشكل جلي عن سؤال: لماذا تتسبب الأسواق الحرة
والتنافسية بالعديد من المشاكل الخطيرة؟ ويقدمان حجة مقنعة بأن الإغواء
يحدث بفعل الأيدي الخفية.


وجاء
في "بارنز أند نوبل ريفيو": يقدم أكريلوف وشيللر أدلة مقنعة على أن شركات
التبغ والخمور والمستحضرات الدوائية، والسياسيين، يكتبون فصولا خاصة بهم
ويقحمونها في قصص حياتنا.



"يستعرض الكتاب الدور المركزي لعمليات التلاعب والخداع التي تمارسها
الأسواق. وتوضيح المفارقة التي تقول إن الناس في الوقت الراهن يعيشون
أوضاعا أفضل مما كان في الماضي، لكن وبالرغم من ذلك فإن الكثيرين منهم
يشعرون باليأس"


أما
موقع "إنفستنغ دوت كوم" فأورد: كتاب إغواء البسطاء يتخلى تماما عن اللغة
التقنية، لغة المصطلحات، مما يجعله مفهوما ليس للاقتصاديين فحسب، وإنما
للمستهلكين وصناع القرار على السواء.. هذا الكتاب ينبغي أن يدفع الجميع
لإعادة التفكير في نموذج السوق الحر عديم القيود.


ونوهت
"ذي ناشيونال" بالمؤلَف حيث أوردت: في هذا الكتاب يشرح أكريلوف وشيللر
وبوضوح تام أن الأسواق الحرة غير المنظمة تتسبب في تدهور أوضاع عامة الناس
عبر توفير الفرص لعديمي الضمير للاستفادة من غفلة الجمهور.


خاتمة
قد
يبدو هذا الكتاب، ومن خلال ما يقدمه من أمثلة وما يطرحه من شواهد، وكأنه
يناقش قضية تهم فقط المجتمعات الغربية وتحديدا المجتمع الأميركي، لكن وفي
ظل ما يعيشه العالم من عولمة ومن انهيار كل الحواجز تقريبا، ومن خلال سيادة
أنماط وثقافة استهلاك تكاد تكون واحدة، وفي ظل تمدد الشركات العابرة
للجغرافيا والإثنوغرافيا، فإنه يتوجه تقريبا لكل إنسان في زماننا هذا.


يتوجه
لنا نحن أيضا الذين لسنا بمعزل عن الإغواء، وإلى كل من يهرول نحو الأسواق
وكأنه مغيب، ومن لم يسمع ولم يعِ عبارة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
التي أطلقها في وجه جابر بن عبد الله رضي الله عنه عندما رآه يحمل لحما
فقال له: ما هذا يا جابر ؟ فرد جابر: اشتهيت لحما فاشتريته. فقال عمر: أو
كلما اشتهيت اشتريت يا جابر! أما تخاف الآية: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم
الدنيا..} (سورة الأحقاف، الآية 2).


المصدر : الجزيرة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق