السلم التعليمي.. حتمية التغيير وضرورة التروي - روان للإنتاج الإعلامي والفني
إن
المسألة أكبر من مجرد سلم تعليمي ينبغي أن نعمل على تعديله. فالإشكالات
العديدة التي يعاني منها الواقع التعليمي اليوم هي شيء يدعو الى إجراء
المزيد من الدراسات والبحوث من أجل التوصل الى أنجع الحلول لها، خاصة أن
الأمر ذو ارتباط وثيق بصناعة المستقبل قبل كل شيء. فالأجيال التي يستهدفها
النظام التعليمي هي أجيال الغد بلا شك، وهم نواته وأساس بنيانه. وعليه فإن
كل ماعدا هذا الأمر من قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية، جميعها تبدو
ضئيلة الأهمية إذا ما قورنت به. وهو عين الأمر الذي يحتم على الدولة بكل
قطاعاتها أن توليه عناية خاصة. وأن تعمل على الإفادة من آراء الخبراء
والمختصين في المجال والمجالات ذات الصلة كعلم النفس وعلم النفس الاجتماعي
وغيرهم.
لقد
تشكل العالم خلال العقود القليلة الماضية وفق معطيات جديدة، مثلت المعرفة
فيها حجر الزاوية. وظلت القيم المعرفية هي التي تدفع المجتمعات الى الحراك
في كل أوجه الحياة. وهو شيء ليس بالمستغرب في ظل التطورات العلمية والتقنية
المتلاحقة التي اضحت السمة المميزة لحضارة اليوم. والمعرفة هي فعل تراكمي
لا ينبني بين عشية وضحاها، حيث يعتمد بدرجة كبيرة على الفعل التعودي منذ
نعومة الأظفار. وهنا تكمن خطورة ما تمثله العملية التعليمية في عملية تشكيل
المعرفة والعادات المتصلة بها سلباً وايجاباً. وهو الشيء الذي نود أن
تنبني عليه كل الدراسات والبحوث المتعلقة بنظم التعليم وأساليب تطويره
ليخدم الأهداف الحضارية للأمة. فواحدة من الإشكالات المهمة الآن التي تشغل
بال الباحث في ما يتعلق بالهدف من العملية التعليمية برمتها، هي في
الكيفية التي ينبغي اتباعها من أجل تحفيز عقل الطالب في المراحل التعليمية
المختلفة، كل بحسب قدراته على الإبداع ومن ثم على إنزال ما تتم دراسته على
أرض الواقع تطبيقاً عملياً يقدم حلولاً لمشكلات بعينها. وهي عملية في غاية
الأهمية إذ هي تعمل على تجاوز الواقع التجريدي للعلوم والمعارف وتؤدي الى
تشكيلها في صورة مرئية تخدم المجتمع بكلياته. والسؤال الجوهري في ما يتعلق
بهذا الأمر هو: هل تؤدي العملية التعليمية بمعطياتها المتوفرة الآن هذا
الدور؟ هل تعمل على تحفيز العقل ليبتكر؟ هل تثير فيه ملكة الإبداع؟ بل وهل
تعمل على توسيع مدركاته وأفقه بما يدفعه للاستنباط؟
إنه
لخطأ كبير اعتبار العملية التعليمية مجرد هيكلة وشكليات فقط دون النظر الى
جوهرها. فالأمر هو أعمق كثيراً مما يبدو عليه. إن الإشكاليات المتعلقة
بالمنهج هي أكبر بكثير من تلك المتعلقة بالسلم التعليمي، أو التشريعات.
فالمنهج كما ذكرنا هو الذي يحدد طبيعة العملية التعليمية وهو المتحكم الأول
في نوعية مخرجاتها. وبرغم أن العملية برمتها تعتمد عليه كلية إلا أنه في
نظامنا التعليمي يعاني من سلبيات كثيرة تكاد تطغى على إيجابياته. وبرغم
التعديلات الكثيرة التي أدخلت عليه إلا أنه ظل بعيداً تماماً عن إشباع
الحاجة المجتمعية المتزايدة من أجل ربطه بواقع المجتمع ومن أجل إسهامه في
دفع عجلة التنمية ورقع التشوهات المعرفية التي تعمل على خلق هوة واسعة بين
مكوناته المختلفة، بل وبأكثر من ذلك صنع عقول مفكرة تعمل على تجاوز الواقع
ورسم تفاصيل الغد بصورة علمية مدروسة وواقعية، حيث يعتمد النظام التعليمي
الآن كأكثر ما يعتمد على عملية الحفظ والتلقين، وهي من أكثر الآفات التي
تؤدي الى محو ملكة التفكير، وهي كما هو معروف علمياً تحتاج إلى كثرة المران
والتدريب. وهو شيء يقودنا بالضرورة الى عملية أخرى ترتبط بالمنهج والنظام
التعليمي ككل. وتلك هي طريقة وأساليب الامتحانات المتبعة في مدارسنا ويقوم
عليها نظامنا التعليمي بأكمله. إن طريقة «الامتحانات» الحالية تحتاج الى
كثير من المراجعات من أجل الخروج بصيغة مثلى يكون من أولى أهدافها تعزيز
قدرات الطالب على التفكير والبحث والتأمل. بدلاً من التلقين الذي يؤدي الى
إفراغ العملية من محتواها تماماً بقتل القدرة على استخدام العقل والتحليل
والاستنباط.
وتأتي
فرعية أخرى في الإشكاليات المتعلقة بالمنهج، حيث يتسم المنهج الحالي ببعض
المواد التي تزدحم بتفاصيل لا يحتاجها الطالب إلا بقدر حاجته لكثير من
المعلومات العامة، ولهذا فالأجدى أن يتم سحب هذه المواد من المنهج وتحويلها
الى مواد للإطلاع المكتبي في حصص المكتبات، وبالعدم يمكن إدراجها ضمن
المنهج ولكن دون أن يلزم الطالب بامتحان فيها. إن كثرة المواد الدراسية
وتضخمها على حساب الفهم والاستيعاب والإدراك، وعلى حساب تنمية الرغبة
المتواصلة للطالب على القراءة وإشباع نهمه اليها، هو محصلة سلبية لكثرة
المقرر الدراسي الذي يلزم به الطالب. والشاهد على هذا أنه وبمجرد أن تنتهي
السنة الدراسية فإن علاقة الطالب بالكتاب أياً كان نوعه تصبح شبه منعدمة.
كما أن المطلوب على مستوى المنهج أن تتم صياغة مفرداته بحيث يلبي الحاجة
المتزايدة في المجال التقني، وأن يستصحب المتغيرات التي أفرزتها الثورات
العلمية الحديثة في العقود الأخيرة التي غيرت بشكل كبير الأنماط التقليدية
للمجتمعات، بحيث تغيرت مفاهيم كثيرة لعل في مقدمتها مفاهيم التنمية والأمن
القومي وغيرها، وأصبحت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقدرة على الاستفادة من
المعرفة وتطبيقاتها.
المسألة أكبر من مجرد سلم تعليمي ينبغي أن نعمل على تعديله. فالإشكالات
العديدة التي يعاني منها الواقع التعليمي اليوم هي شيء يدعو الى إجراء
المزيد من الدراسات والبحوث من أجل التوصل الى أنجع الحلول لها، خاصة أن
الأمر ذو ارتباط وثيق بصناعة المستقبل قبل كل شيء. فالأجيال التي يستهدفها
النظام التعليمي هي أجيال الغد بلا شك، وهم نواته وأساس بنيانه. وعليه فإن
كل ماعدا هذا الأمر من قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية، جميعها تبدو
ضئيلة الأهمية إذا ما قورنت به. وهو عين الأمر الذي يحتم على الدولة بكل
قطاعاتها أن توليه عناية خاصة. وأن تعمل على الإفادة من آراء الخبراء
والمختصين في المجال والمجالات ذات الصلة كعلم النفس وعلم النفس الاجتماعي
وغيرهم.
لقد
تشكل العالم خلال العقود القليلة الماضية وفق معطيات جديدة، مثلت المعرفة
فيها حجر الزاوية. وظلت القيم المعرفية هي التي تدفع المجتمعات الى الحراك
في كل أوجه الحياة. وهو شيء ليس بالمستغرب في ظل التطورات العلمية والتقنية
المتلاحقة التي اضحت السمة المميزة لحضارة اليوم. والمعرفة هي فعل تراكمي
لا ينبني بين عشية وضحاها، حيث يعتمد بدرجة كبيرة على الفعل التعودي منذ
نعومة الأظفار. وهنا تكمن خطورة ما تمثله العملية التعليمية في عملية تشكيل
المعرفة والعادات المتصلة بها سلباً وايجاباً. وهو الشيء الذي نود أن
تنبني عليه كل الدراسات والبحوث المتعلقة بنظم التعليم وأساليب تطويره
ليخدم الأهداف الحضارية للأمة. فواحدة من الإشكالات المهمة الآن التي تشغل
بال الباحث في ما يتعلق بالهدف من العملية التعليمية برمتها، هي في
الكيفية التي ينبغي اتباعها من أجل تحفيز عقل الطالب في المراحل التعليمية
المختلفة، كل بحسب قدراته على الإبداع ومن ثم على إنزال ما تتم دراسته على
أرض الواقع تطبيقاً عملياً يقدم حلولاً لمشكلات بعينها. وهي عملية في غاية
الأهمية إذ هي تعمل على تجاوز الواقع التجريدي للعلوم والمعارف وتؤدي الى
تشكيلها في صورة مرئية تخدم المجتمع بكلياته. والسؤال الجوهري في ما يتعلق
بهذا الأمر هو: هل تؤدي العملية التعليمية بمعطياتها المتوفرة الآن هذا
الدور؟ هل تعمل على تحفيز العقل ليبتكر؟ هل تثير فيه ملكة الإبداع؟ بل وهل
تعمل على توسيع مدركاته وأفقه بما يدفعه للاستنباط؟
إنه
لخطأ كبير اعتبار العملية التعليمية مجرد هيكلة وشكليات فقط دون النظر الى
جوهرها. فالأمر هو أعمق كثيراً مما يبدو عليه. إن الإشكاليات المتعلقة
بالمنهج هي أكبر بكثير من تلك المتعلقة بالسلم التعليمي، أو التشريعات.
فالمنهج كما ذكرنا هو الذي يحدد طبيعة العملية التعليمية وهو المتحكم الأول
في نوعية مخرجاتها. وبرغم أن العملية برمتها تعتمد عليه كلية إلا أنه في
نظامنا التعليمي يعاني من سلبيات كثيرة تكاد تطغى على إيجابياته. وبرغم
التعديلات الكثيرة التي أدخلت عليه إلا أنه ظل بعيداً تماماً عن إشباع
الحاجة المجتمعية المتزايدة من أجل ربطه بواقع المجتمع ومن أجل إسهامه في
دفع عجلة التنمية ورقع التشوهات المعرفية التي تعمل على خلق هوة واسعة بين
مكوناته المختلفة، بل وبأكثر من ذلك صنع عقول مفكرة تعمل على تجاوز الواقع
ورسم تفاصيل الغد بصورة علمية مدروسة وواقعية، حيث يعتمد النظام التعليمي
الآن كأكثر ما يعتمد على عملية الحفظ والتلقين، وهي من أكثر الآفات التي
تؤدي الى محو ملكة التفكير، وهي كما هو معروف علمياً تحتاج إلى كثرة المران
والتدريب. وهو شيء يقودنا بالضرورة الى عملية أخرى ترتبط بالمنهج والنظام
التعليمي ككل. وتلك هي طريقة وأساليب الامتحانات المتبعة في مدارسنا ويقوم
عليها نظامنا التعليمي بأكمله. إن طريقة «الامتحانات» الحالية تحتاج الى
كثير من المراجعات من أجل الخروج بصيغة مثلى يكون من أولى أهدافها تعزيز
قدرات الطالب على التفكير والبحث والتأمل. بدلاً من التلقين الذي يؤدي الى
إفراغ العملية من محتواها تماماً بقتل القدرة على استخدام العقل والتحليل
والاستنباط.
وتأتي
فرعية أخرى في الإشكاليات المتعلقة بالمنهج، حيث يتسم المنهج الحالي ببعض
المواد التي تزدحم بتفاصيل لا يحتاجها الطالب إلا بقدر حاجته لكثير من
المعلومات العامة، ولهذا فالأجدى أن يتم سحب هذه المواد من المنهج وتحويلها
الى مواد للإطلاع المكتبي في حصص المكتبات، وبالعدم يمكن إدراجها ضمن
المنهج ولكن دون أن يلزم الطالب بامتحان فيها. إن كثرة المواد الدراسية
وتضخمها على حساب الفهم والاستيعاب والإدراك، وعلى حساب تنمية الرغبة
المتواصلة للطالب على القراءة وإشباع نهمه اليها، هو محصلة سلبية لكثرة
المقرر الدراسي الذي يلزم به الطالب. والشاهد على هذا أنه وبمجرد أن تنتهي
السنة الدراسية فإن علاقة الطالب بالكتاب أياً كان نوعه تصبح شبه منعدمة.
كما أن المطلوب على مستوى المنهج أن تتم صياغة مفرداته بحيث يلبي الحاجة
المتزايدة في المجال التقني، وأن يستصحب المتغيرات التي أفرزتها الثورات
العلمية الحديثة في العقود الأخيرة التي غيرت بشكل كبير الأنماط التقليدية
للمجتمعات، بحيث تغيرت مفاهيم كثيرة لعل في مقدمتها مفاهيم التنمية والأمن
القومي وغيرها، وأصبحت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقدرة على الاستفادة من
المعرفة وتطبيقاتها.
المصدر : الانتباهة
بقلم : منال عبد الله عبد المحمود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق